ترويحات قرانية من الجز الثلاثين " سورة النصر "

إنضم
04/03/2006
المشاركات
179
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
جمهورية مصر العر
إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3(سورة النصر
افرد القران من بين سوره المائة والاربعة عشر سورة سميت بسورة النصر وطالما وعد الله رسوله والمؤمنين بهذا النصر وطالما اكد القران من بداية نزوله على هذا الوعد " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾ " غافر كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٢١﴾ المجادلة " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٧﴾ الروم 00 الخ ما نزل من ايات كثيرة اخرى منذ بدء نزول القران تبشر بالنصرثم كانت اخر سورة نزلت من القران سورة النصر ليتحقق وعد الله لايخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لايعلمون .
و دعونا نتأمل في هذه السورة التي ترسم ثقافة جديدة للامة المسلمة للنصر لم تعهدها الشعوب والحضارات قبل ذلك .
فالنصر في ثقافة الشعوب الاخري يعني الكثير يعني الانتقام ويعني الفجور ويعني الفخر والخيلاء ويعنى تأليه الاشخاص وانشاء تماثبل لهم شوارع وطرقات تسمى باسم النصر وقري ومدن باسم النصر وانشاء الاوسمة والنياشين المختلفة باسم النصر ويتخذ من يومه عيدا ومن شهره عيدا ومن عامه عيدا وتعيش الامم في نشوة النصر بفخر وخيلاء تظل هكذا حتى لو تجرعت مرارة التخلف والهزائم تظل تتغني بالنصر.
لكن لننظر الى سورة النصر كم تحوي من الاحتفالات؟ وكم تتضمن من النياشين والاوسمة ؟ فهذه السورة الصغيرة .تحمل البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا وتوجهه حين يتحقق النصر ان يتوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار . .
لقد نزلت هذه السورة في آخر عمر النبي صلي الله عليه وسلم حتي فهم منها بعض الصحابة انها اجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي اليه
قال البخاري:حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا أبو عوانة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال:كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر , فكأن بعضهم وجد في نفسه , فقال:لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ? فقال عمر:إنه ممن قد علمتم . فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم . فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال:ما تقولون في قول الله عز وجل:(إذا جاء نصر الله والفتح)? فقال بعضهم:أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وسكت بعضهم فلم يقل شيئا . فقال لي:أكذلك تقول يا بن عباس ? "فقلت لا . فقال:ماتقول ? فقلت:هو أجل رسول الله [ ص ] أعلمه له . قال:(إذا جاء نصر الله والفتح)فذلك علامة أجلك(فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا). فقال عمر ابن الخطاب:لا أعلم منها إلا ما تقول [ تفرد به البخاري ] .
ومعني هذا ان الاصل في حياة الرسول الكريم كانت الدعوة والجهاد وتحمل الالام في سبيل الله وان عمره كله قضاه في هذا الجهاد والكفاح والرباط والصبر اما النصر فكانت مدته يسيرة في حياته كحجم سورة النصر من باقي سور القران لان الاصل هو الجهاد والحركة الدائبة لنشر نور الله في الارض حتي يتحقق وعد الله فان تحقق أدرك أن واجبه في الأرض قد كمل , وأنه سيلقى ربه قريبا . فكان هذا معنى قول ابن عباس:هو أجل رسول الله أعلمه له . . الخ . .
وفي هذا اشارة الى ان النصر والتكين ليس مكافاة للمجاهدين على ما بذلوه فاجرهم مدخر عند الله " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿٢٠﴾يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ﴿٢١﴾ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿٢٢﴾ التوبة. يقول الشهيد سيد قطب " في مطلع الآية الأولى من السورة إيحاء معين لإنشاء تصور خاص , عن حقيقة ما يجري في هذا الكون من أحداث , وما يقع في هذه الحياة من حوادث . وعن دور الرسول [ ص ] ودور المؤمنين في هذه الدعوة , وحدهم الذي ينتهون إليه في هذا الامر . . هذا الإيحاء يتمثل في قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله . . .). . فهو نصر الله يجيء به الله:في الوقت الذي يقدره . في الصورة التي يريدها . للغاية التي يرسمها . وليس للنبي ولا لأصحابه من أمره شيء , وليس لهم في هذا النصر يد . وليس لإشخاصهم فيه كسب . وليس لذواتهم منه نصيب . وليس لنفوسهم منه حظ ! إنما هو أمر الله يحققه بهم أو بدونهم . وحسبهم منه أن يجريه الله على أيديهم , وأن يقيمهم عليه حراسا , ويجعلهم عليه أمناء . . هذا هو كل حظهم من النصر ومن الفتح ومن دخول الناس في دين الله أفواجا . ..
كان هذا هو أدب يوسف - عليه السلام - في اللحظة التي تم له فيها كل شيء , وتحققت رؤياه:(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا , وقال:يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا . وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي . إن ربي لطيف لما يشاء , إنه هو العليم الحكيم). .
وفي هذه اللحظة نزع يوسف - عليه السلام - نفسه من الصفاء والعناق والفرحة والابتهاج ليتجه إلى ربه في تسبيح الشاكر الذاكر . كل دعوته وهو في أبهة السلطان وفي فرحة تحقيق الأحلام (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث , فاطر السماوات والأرض , أنت وليي في الدنيا والآخرة , توفني مسلما , وألحقني بالصالحين). . وهنا يتوارى الجاه والسلطان , وتتوارى فرحة اللقاء وتجمع الأهل ولمة الإخوان , ويبدو المشهد الأخير مشهد إنسان فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه , وأن يلحقه بالصالحين عنده . من فضله ومنه وكرمه . .

وكان هذا هو أدب سليمان عليه السلام وقد رأى عرش ملكة سبأ حاضرا بين يديه قبل أن يرتد إليه طرفه: (فلما رآه مستقرا عنده قال:هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر , ومن شكر فإنما يشكر لنفسه , ومن كفر فإن ربي غني كريم)
ان النصر وعد من الله لعباده المجاهدين وسنة لاتتخلف ولابد ان يتحقق وليس مكافأة للمجاهدين على جهادهم فان لهم عند ربهم اكثر من هذا بكثير فمالهم والدنيا والذين يعيشون يتطلعون الى لحظة النصر لكي يعيشوا فيها ويستمتعوا بها يخالفون سنة الله فسنة الله عندما يتحقق النصر فيكون دورهم قد انتهى في هذه الحياة ويستقبلون وجه الله بحمده كثيرا على تحقيق وعده وباستغفار عما بدر منهم اثناء رحلتهم الجهادية من استبطاء للنصر وجزع وخوف فعليهم ان يستغفروا ربهم مما يمكن ان يكون علق بجهادهم من اللغو والرفث وحظ النفس حتي يلقوا ربهم اصفياء انقياء اتقياء اللهم اجعلنا منهم .
 
عودة
أعلى