ترويحات قرأنية من سورة البقرة

إنضم
04/03/2006
المشاركات
179
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
جمهورية مصر العر
يقول تعالي "وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)البقرة
لنا في هذه الايو وقفتان
الوقفة الأولي توجيه التشابه بينها وبين آية الأعراف
هذه الآية تتشابه مع آية سورة الأعراف في قوله تعالي " وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) الأعراف .
المتشابهات في القران ليست تكرارا للآيات مع الاختلاف في الألفاظ للتعسير علي الحفاظ وإنما هو تكامل واتساع في المعني والاختلاف اللفظي جاء لمقتضيات السياق ومن هنا ينبغي التأمل في الآيات المتشابهات لبيان ما أضافته احدي الآيتين للأخرى ولنتأمل في هذه الآية سنجد في البقرة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية)، و في الأعراف (وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية). فنفهم منها انه أمر بالدخول لغرض السكني فكأنه قال ادخلوا واسكنوا و لت الدخول سابق للسكني فقد جاء الام به سابق في ترتيب المصحف عن السكني وبهذا أضافت أية الأعراف لأية البقرة دلالة في معني الدخول فليس الغرض هو الدخول العارض أو المؤقت بل هو الدخول لأجل السكني الدائمة في الأرض المباركة والتمتع بنعم الله فيه من الرزق الرغيد
وناسب العطف بالفاء في سورة البقرة (فكلوا منها)، وناسب العطف بالواو في الأعراف( وكلوا منها ) لان الفاء تفيد التعقيب والترتيب فالأكل يكون عقب الدخول لا قبله ولا معه أما العطف بالواو فتعني مطلق الجمع فناسب ان يكون مع السكني فيمكن أن يكون الأكل قبل السكني أو بعده أو وحيث جاء سياق سورة البقرة جاء في تعداد النعم علي بني إسرائيل فنسب القول لقائله وهو الله سبحانه وتعالي فقال " وإذ قلنا " أما في الأعراف فكان الغرض هو الخبر فاكتفي بالقول دون قائله فبني الفعل للمجهول ( وإذ قيل) وقد اعتني بعض العلماء بدارسة هذا النوع من الآيات وتوجيه التشابه حسب المعني ومن أشهر المؤلفات في هذا الباب كتاب درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الاسكافي
الوقفة الثانية في معني الآية والمقصود بالقرية التي أمروا بدخولها
سنجد تفسيرا غريبا عند بعض المفسرين لهذه الآية اذ يفسرون : قوله تعالي "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم بأنه تبديل للألفاظ التي أمروا أن يقولوها فقالوا غيرها فبدل ان يقولوا حطة قالوا : حبة في شعيرة او قالوا حنطة وبدل ان يدخلوا الباب سجدا دخلوا علي إستاهم أقول هذا تسطيح للمعني وتقليل من شان المخالفة التي وقعت من بني إسرائيل وقضاء علي الغرض من الآية وذكرها في هذا الموضع إذ لم يكن المطلوب منهم ألفاظا يقولونها فقالوا غيرها بل كان مطلوبا منهم أفعالا وهو دخول القرية والتي هي بيت المقدس والقرار والسكني فيها بما في ذلك من تبعات وهي تحريرها من احتلال العماليق وبالمناسبة هذا مطلوب من المؤمنين في كل عصر نحو المقدسات المحتلة بما يقتضي ذلك من مقاومة وتضحيات فاستهزؤوا بأوامر الله ومن ثم فان تأويل الآية بهذا الشكل السطحي غير مقبول فلا يصح ان يختزل المعني بهذا الشكل الساذج يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار "وهذا التعبير أدل على المخالفة والعصيان من كل تعبير ، خلافا لما يتراءى لغير البليغ من أن الظاهر أن يقال : بدلوا القول بغيره ، دون أن يقال : غير الذي قيل لهم ، فإن مخالف أمر سيده قد يخالفه على سبيل التأويل مع الاعتراف به ، فكأنه يقول في الآية : إنهم خالفوا الأمر خلافا لا يقبل التأويل ، حتى كأنه قيل لهم غير الذي قيل ، وليس المعنى أنهم أمروا بحركة يأتونها ، وكلمة يقولونها ، وتعبدوا بذلك ، وجعل سببا لغفران الخطايا عنهم ، فقالوا غيره وخالفوا الأمر ، وكانوا من الفاسقين . وأي شيء أسهل على المكلف من الكلام ، يحرك به لسانه ، فكيف يقال أمر هؤلاء بكلمة يقولونها فعصوا بتركها ؟ إنما يعصي العاصي إذا كلف ما يثقل على نفسه ، ويحملها على غير ما اعتادت ، وأشق التكاليف حمل العقول على أن تفكر في غير ما عرفت ، وحث النفوس على أن تتكيف بغير ما تكيفت" ا.ه
لذلك فانا أميل إلي أن المقصود بالقرية هنا هي بيت المقدس وهذا الموقف هو المذكور في سورة المائدة في قوله تعالي " وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21( المائدة .
وعندما أمرهم نبيهم موسي عليه السلام أن يدخلوا الأرض المقدسة قالوا إن فيها قوما جبارين وأنهم لن يدخلوها ماداموا فيها ثم قالوا لموسي عليه السلام في وقاحة اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون وكتب الله عليهم التيه بعدها فالله هنا يذكر المعاصرين من أهل الكتاب بهذا الموقف الذي حدث مع أسلافهم حتى لا يكرروا نفس الأخطاء ونفس الانحراف في تلقي أوامر الله مرة أخري فقد بعث إليهم محمد صلي الله عليه وسلم بالرسالة وهم يعلمون صدق بعثته فهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة وكانوا يستفتحون من قبل به علي الذين كفروا , فأمامهم الآن فرصة أن يصححوا أخطاء الماضي و يؤمنوا به ولا يكونوا أول كافر به .
ومن جهة أخري كانت الآية أيضا خطابا للمؤمنين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب من قبلهم من انحرافات في التعامل مع أنبيائهم ولقد وعي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الآية والعبرة منها فعندما استشارهم الرسول صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر قالوا: لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"، والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك. وفي رواية اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون
لقد وعي سلف الأمة الآية ووعوا واجبهم نحو قضية الإيمان وما تطلبه من تضحيات فهل يعي خلف الأمة هذه الدروس كما وعاها سلفهم
 
كما تفضلت سورة البقرة كانت تتكلم عن نعم الله سبحانه عل بني اسرائيل على عكس الاعراف التي فيها التقريع والغضب على بني اسرائيل لهذا تجد في سورة البقرة قلنا فالله سبحانه نسب القول الى نفسه بينما في سورة الاعراف نسب القول الى مجهول وايضا في سورة البقرة قال ادخلوا وهي هنا افضل من اسكنوا فالسكن يكون لفترة محودة وما يلبث احدهم الى ان يرحل بينهما الدخول فيه طول امد فجذرها دخل واذا بدلنا حروفه نحصل على خلد قال تعالى " أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمۡتُمۡ لَا یَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحۡمَةٍۚ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡكُمۡ وَلَاۤ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ" وقال تعالى " وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰ⁠بُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ" وقال تعالى " ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰم ذَ ٰ⁠لِكَ یَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ" فهنا الله سبحانه وملائكته دعوا المسلمين الى دخول الجنة وليس السكن فيها
 
عودة
أعلى