ابو العزايم عبد الحميد
New member
يقول تعالي "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) القصص
قارون كان من قوم موسي و قوم موسى في القران هم بنو إسرائيل ولم ترد آية في القران تقول أن فرعون وملأه كانوا من قوم موسى بل اقتصر إطلاق لفظ قوم موسى على بني إسرائيل فقط والقران يحدثنا أن موسي عليه السلام عندما كان يخاطب بني إسرائيل يخاطبهم يا قومي لكن لم يرد في القران انه خاطب فرعون أو ملأه بهذا اللفظ
يذهب بعض المفسرين الي أن "قارون" هو "قورح" الذي ذكر في العهد القديم (سفر العدد)؛ وأنه قد آمن برسالة موسى، وأنه قد قطع معه البحر، وأنه قد نافق فيما بعد كما نافق السامري، ثم أصيب بالدمار حيث خسفت به الأرض وبداره كما ذكر في القرآن
وهذا الرواية التوراتية لا تستقيم مع النص القراني فقارون كان بالفعل من قوم موسى، ولكنه لم يؤمن به بل بغي وتكبر وافسد في الأرض وأن "خروجه على قومه في زينته"، وما لحق ذلك من خسف للأرض كان بمصر قبل خروج بني إسرائيل منها . فليس في حديث القران عن بني اسرائيل بعد الخروج ثمة ذكر لقارون بل ان هذا هو الموضع الوحيد في القران الذي ذكر قصته وسنري ان ذلك يناسب طبيعة القران المكي والقضايا التي كان يعالجها
لكن الشيء العجيب فعلا ، انه كيف يكون قارون واحدًا من بني اسرائيل ، الذي اذاقهم فرعون سوء العذاب يذبح ابنائهم ويستحي نسائهم كيف يكون واحدا منهم ثم يشارك فرعون البغي علي قومه بماله ويفسد في الارض ويعيش مثل هذه العيشة من البذخ والبطر وهم يعيشون شظف العيش ويذوقون انواع العذاب علي ايدي فرعون ؟
ان الايات تحل لنا هذه المعضلة وتكشف لنا الحقيقة المتكررة قديما وحديثا عندما تتضخم الثروة ويتجمع المال الفاسد في يد من لايؤمن بالاخرة تتحالف هذه الثروة مع الاستبداد فتشاركه البغي حتي لو كان علي قومه فكلاهما يحتاج الي الاخر المال والسلطة بل تتزوج الثروة من الاستبداد لينجبا الفساد , وهذا ماحدث فعلا لقد تحالف قارون مع ضلعي البغي الآخرين فرعون وهامان بل نري القران قدم ذكره عليهما في سورة العنكبوت ثم استووا جميعا في الهلاك {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ *فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:
نعود الي فهم موضع هذه القصة من سياق السورة وهي سورة القصص لقد تحدث القران كثيرا عن الفرعون كنموذج للاستكبار الذي مثله اهل مكة حتي وصف الرسول ابا جهل بانه فرعون هذه الامة فتاتي هذه الايات ايضا تحكي طغيان المال ممثلا في قارون فقد كان من اهل مكة من يشبه قارون في طغيان المال مثل الوليد بن المغيرة الذي قال فيه القران " أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) مريم ، يعرض لنا القران في هذه الآيات السلوكيات الانتهازية، و الأدوار التي يلعبها أصحاب الأموال الفاسدة المتحالفون مع الاستبداد ليس فقط في حرمان الفقراء من حقهم في هذا المال بل في توظيف هذه الأموال في خدمة الاستبداد والطغيان لنشر الفساد في الأرض أو بتدبير المؤامرات والتخريب في المجتمعات او فتنة البسطاء من الناس حتي يقولوا ياليت لنا مثل ما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم او كما يقول العامة هذه هي الحياة وهؤلاء هم الناس الي عايشين صح !!! ويتطلعون الي ما في ايديهم ويتخذونهم قدوة وياتمرون بامرهم فيلعب المال الفاسد دوره في الصد عن طريق الحق لكن الايات تخبرنا ان هذه التطلعات سرعان ما تنقلب الي ندم وانها كانت نظرات سطحية ساذجة غير متنبه لعواقب الامور
يقول صاحب "الظلال" معلقا على هؤلاء أنهم لا "يسألون بأي ثمن اشترى صاحب الزينة زينته؟ ولا بأي الوسائل نال ما نال من عرض الحياة؟ من مال أو منصب أو جاه. ومن ثم تتهافت نفوسهم وتتهاوى، كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى! ويسيل لعابهم على ما في أيدي المحظوظين من متاع، غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه، ولا إلى الطريق الدنس الذي خاضوه، ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتخذوها
في المقابل تعرض الايات نموذج الذين اوتوا العلم , العلم الحقيقي الصحيح الذين لم يفتتنوا بهذه المظاهر من قيم المال والزينة والمتاع. الذين يعرفون حقيقة الامور وعواقبها بعيدا عن هذه المظاهر,"وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً، ولا يلقاها إلا الصابرون"،.
في النهاية " العاقبة للمتقين " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص
قارون كان من قوم موسي و قوم موسى في القران هم بنو إسرائيل ولم ترد آية في القران تقول أن فرعون وملأه كانوا من قوم موسى بل اقتصر إطلاق لفظ قوم موسى على بني إسرائيل فقط والقران يحدثنا أن موسي عليه السلام عندما كان يخاطب بني إسرائيل يخاطبهم يا قومي لكن لم يرد في القران انه خاطب فرعون أو ملأه بهذا اللفظ
يذهب بعض المفسرين الي أن "قارون" هو "قورح" الذي ذكر في العهد القديم (سفر العدد)؛ وأنه قد آمن برسالة موسى، وأنه قد قطع معه البحر، وأنه قد نافق فيما بعد كما نافق السامري، ثم أصيب بالدمار حيث خسفت به الأرض وبداره كما ذكر في القرآن
وهذا الرواية التوراتية لا تستقيم مع النص القراني فقارون كان بالفعل من قوم موسى، ولكنه لم يؤمن به بل بغي وتكبر وافسد في الأرض وأن "خروجه على قومه في زينته"، وما لحق ذلك من خسف للأرض كان بمصر قبل خروج بني إسرائيل منها . فليس في حديث القران عن بني اسرائيل بعد الخروج ثمة ذكر لقارون بل ان هذا هو الموضع الوحيد في القران الذي ذكر قصته وسنري ان ذلك يناسب طبيعة القران المكي والقضايا التي كان يعالجها
لكن الشيء العجيب فعلا ، انه كيف يكون قارون واحدًا من بني اسرائيل ، الذي اذاقهم فرعون سوء العذاب يذبح ابنائهم ويستحي نسائهم كيف يكون واحدا منهم ثم يشارك فرعون البغي علي قومه بماله ويفسد في الارض ويعيش مثل هذه العيشة من البذخ والبطر وهم يعيشون شظف العيش ويذوقون انواع العذاب علي ايدي فرعون ؟
ان الايات تحل لنا هذه المعضلة وتكشف لنا الحقيقة المتكررة قديما وحديثا عندما تتضخم الثروة ويتجمع المال الفاسد في يد من لايؤمن بالاخرة تتحالف هذه الثروة مع الاستبداد فتشاركه البغي حتي لو كان علي قومه فكلاهما يحتاج الي الاخر المال والسلطة بل تتزوج الثروة من الاستبداد لينجبا الفساد , وهذا ماحدث فعلا لقد تحالف قارون مع ضلعي البغي الآخرين فرعون وهامان بل نري القران قدم ذكره عليهما في سورة العنكبوت ثم استووا جميعا في الهلاك {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ *فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:
نعود الي فهم موضع هذه القصة من سياق السورة وهي سورة القصص لقد تحدث القران كثيرا عن الفرعون كنموذج للاستكبار الذي مثله اهل مكة حتي وصف الرسول ابا جهل بانه فرعون هذه الامة فتاتي هذه الايات ايضا تحكي طغيان المال ممثلا في قارون فقد كان من اهل مكة من يشبه قارون في طغيان المال مثل الوليد بن المغيرة الذي قال فيه القران " أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) مريم ، يعرض لنا القران في هذه الآيات السلوكيات الانتهازية، و الأدوار التي يلعبها أصحاب الأموال الفاسدة المتحالفون مع الاستبداد ليس فقط في حرمان الفقراء من حقهم في هذا المال بل في توظيف هذه الأموال في خدمة الاستبداد والطغيان لنشر الفساد في الأرض أو بتدبير المؤامرات والتخريب في المجتمعات او فتنة البسطاء من الناس حتي يقولوا ياليت لنا مثل ما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم او كما يقول العامة هذه هي الحياة وهؤلاء هم الناس الي عايشين صح !!! ويتطلعون الي ما في ايديهم ويتخذونهم قدوة وياتمرون بامرهم فيلعب المال الفاسد دوره في الصد عن طريق الحق لكن الايات تخبرنا ان هذه التطلعات سرعان ما تنقلب الي ندم وانها كانت نظرات سطحية ساذجة غير متنبه لعواقب الامور
يقول صاحب "الظلال" معلقا على هؤلاء أنهم لا "يسألون بأي ثمن اشترى صاحب الزينة زينته؟ ولا بأي الوسائل نال ما نال من عرض الحياة؟ من مال أو منصب أو جاه. ومن ثم تتهافت نفوسهم وتتهاوى، كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى! ويسيل لعابهم على ما في أيدي المحظوظين من متاع، غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه، ولا إلى الطريق الدنس الذي خاضوه، ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتخذوها
في المقابل تعرض الايات نموذج الذين اوتوا العلم , العلم الحقيقي الصحيح الذين لم يفتتنوا بهذه المظاهر من قيم المال والزينة والمتاع. الذين يعرفون حقيقة الامور وعواقبها بعيدا عن هذه المظاهر,"وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً، ولا يلقاها إلا الصابرون"،.
في النهاية " العاقبة للمتقين " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص