ترويحات قرآنية من سورة الشعراء

إنضم
04/03/2006
المشاركات
179
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
جمهورية مصر العر
يقول تعالى "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) الشعراء .
سميت السورة باسم سورة الشعراء لورود هذه الآية وهذه السورة تنقل لنا تحولين كبيرين في مسيرة الوحي الإلهي مع البشر .
الأولى:- هو انتهاء عصر المعجزات الحسية وخوارق العادات وإذ تعلن السورة انتهاء هذه الحقبة من الوحي فإنها ترد على من يطلبون آية حسية من النبي بأنه لا جدوى منها فقد كذب المكذبون مع وجودها وعرضت جانبا من مسيرة الوحي الإلهي مع الأقوام المكذبين والتي اوضحت انهم كذبوا مع وجود الخوارق وعقب كل قصة كانت تتكرر الآيتين " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9). أما التحول الآخر فهو انتهاء احتكار فئة الشعراء لتوجيه الناس والتأثير في نفوسهم وفضح هذه الفئة بما لا يصلح وجودهم كنخب توجيه وتأثير في الأمة فهؤلاء بما أوتوا من حلو الحديث وتنميقه وتزويقه كانوا يمثلون النخب الذين يقودون التوجيه والتأثير في العقول وهؤلاء أصبحوا غير جديرين بالإتباع فلا يتبعهم إلا الغاوون فهم ليسوا أمناء على العقل البشري ,واعتقد انه من السذاجة أن نفهم من السورة أن المقصود من الشعراء هو من يؤلف أبياتا مسجوعة مقفاة فقط بل هي اعم من ذلك فهم الفئة الذين كانوا يقودون التوجيه والتأثير في الرأي العام بكلام منمق ومؤثر في النفوس , وهم يمثلون اليوم الأدباء والفنانون ومن يمتلك أدوات الإعلام التي تتولي التأثير بالباطل في النفوس والتلاعب بالعقول ,ومن يرجع إلى تفسير القدامى لا يجد ان فهمهم ذهب ابعد في تعريف الشعراء عما يعرف اليوم بصناعة الإعلام والسينما والمسرح وكل أدوات التوجيه الحديثة وان لم يكن المصطلح معروف وقتها لكن مضمون المهمة التي يقومون بها كانت واضحة في تفسيرهم .
يقول في تفسير البحر المحيط " ألم تر أنهم في كل واد يهيمون "تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول ، واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ، ومجاوزة حد القصد فيه ، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة ، وأشحهم على حاتم ، ويبهتوا البريء ، ويفسقوا التقي . وقال ابن عباس : هو تقبيحهم الحسن ، وتحسينهم القبيح ويقول الفخر الرازي في تفسيره "أنهم في كل واد يهيمون " والمراد منه الطرق المختلفة كقولك : أنا في واد وأنت في واد ، وذلك لأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذموه وبالعكس ، وقد يعظمونه بعد أن استحقروه وبالعكس ، وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق بخلاف أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحد وهو الدعوة إلى الله تعالى والترغيب في الآخرة والإعراض عن الدنيا .
"ثم يقول في تفسير قوله تعالى " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " وذلك أيضا من علامات الغواة ، فإنهم يرغبون في الجود ويرغبون عنه ، وينفرون عن البخل ويصرون عليه ، ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عن واحد من أسلافهم ، ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش ، وذلك يدل على الغواية والضلالة . ويقول الماوردي في تفسيره " ألم تر أنهم في كل واد يهيمون "فيه ثلاثة أوجه : أحدها : في كل فن من الكلام يأخذون ، قاله ابن عباس . الثاني : في كل لغو يخوضون ، قاله قطرب ، الثالث : هو أن يمدح قوما بباطل ، ويذم قوما بباطل ، قاله قتادة .
فمن الذي يقوم بهذه الوظائف اليوم كان الشعراء يقومون بها قديما واليوم تقوم بها فئات تدور في فلكهم الذين يقومون بتوجيه الرأي العام بما أتوه من قدرة على تنميق الكلام وتزويقه وحلاوة في الحديث وجميع أدوات التأثير اليوم فأنت ترى منهم الأثرياء الذين يدعون الناس إلى التقشف والخونة الذين يدعون الناس الى الأمانة وهكذا ولابد أن نستدرك بما استدرك به القران فليسوا كلهم كذلك فقد استثنى القران منهم الذين امنوا وعملوا الصالحات وانتصروا من بعد ما ظلموا ويبقي إذا أردنا أن نغير واقع الناس وضمير المجتمع فعلينا بالقران " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) ففيه الوضوح والحلاوة والبيان وهو جدير بان يغير النفوس ويؤثر في القلوب فالتوجيه الصحيح يكون بالقران وليس بخوارق العادات وليس بمن امتهنوا تجارة الكلام المنمق لمصالحهم ولمن يدفع لهم أكثر.
يقول الشيخ رشيد رضا في تقديمه لكتاب إعجاز القران والسنة النبوية لمصطفي صادق الرافعي " وقد رأيت شيخنا الأستاذ الإمام يقرأ في كتاب فرنسي اللغة لحكيم من حكمائها فكان مما قرأ علي بالترجمة إلي اللغة العربية رد المؤلف على من قال من دعاة النصرانية أن محمدا لم يأتي بمثل ما جاء به موسى وعيسي عليهما السلام قال إن محمدا كان يقرأ القران مولها مدلها صادعا متصدعا فيفعل في جذب القلوب إلى الإيمان فوق ما كانت تفعله جميع معجزات الأنبياء من قبل يقول الأستاذ الإمام أن المؤلف قد استخدم كلمة فرنسية لا اعرف مرادفا لها في اللغة العربية معناها انه كان يقرأ القرآن في حال مؤثرة في نفسه وفي نفس من يسمع قراءته عبر عنها بالتدله .
 
عودة
أعلى