ابو العزايم عبد الحميد
New member
يقول تعالي "وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـبَ فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَة مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَـهُ هُدىً لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ(23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَـتِنَا يُوقِنُونَ(24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ فِيَما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(25) السجدة
اختلف المفسرون اختلافا شديدا في تحديد عود الضمير في قوله تعالي " من لقائه " والحقيقة أن المعني مشكل ومن يراجع أقوال المفسرين في الآية يزداد إشكالا ولا يرتاح إلي معظمها إذ لا تخلوا من تعسف فوجه اللغة يرجح عود الضمير إلي اقرب مذكور وهو هنا الكتاب فيكون المعني فلا تكن في مرية من لقاء الكتاب وهو كتاب موسي وهو معني بعيد وغير مستقيم أو يعود إلي موسي أي فلا تكن في مرية من لقاء موسي وهو بعيد أيضا وقد حمله البعض علي لقاء موسي بالنبي ليلة الإسراء والمعراج وهو ابعد فلا صلة للآية بهذا الموقف كما أن سورة السجدة نزلت بعد الإسراء فكيف يقول له لا تكن في مرية من امر تحقق فعلا
ومنهم من حملها علي معني لقاء علي ما لقيه موسي من التكذيب والإعراض من قومه من قومه وتكون الآية مسوقة لتسلية النبي صلي الله عليه وسلم علي ما يلقاه من أذي من قومه فقد لقي موسي قبله ذلك والعاقبة في النهاية له وهو اختيار الطاهر بن عاشور وسيد قطب فيقول سيد قطب رحمه الله ,وتفسير هذه العبارة المعترضة: فلا تكن في مرية من لقائه على معنى تثبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الحق الذي جاء به; وتقرير أنه الحق الواحد الثابت الذي جاء به موسى في كتابه; والذي يلتقي عليه الرسولان ويلتقي عليه الكتابان.. هذا التفسير أرجح عندي مما أورده بعض المفسرين من أنها إشارة إلى لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لموسى عليه السلام في ليلة الإسراء والمعراج.فإن اللقاء على الحق الثابت، والعقيدة الواحدة، هو الذي يستحق الذكر، والذي ينسلك في سياق التثبيت على ما يلقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التكذيب والإعراض، ويلقاه المسلمون من الشدة واللأواء.ا.ه وأقول وهذا معني بعيد أيضا فليس هناك شاهد علي موضوع التكذيب في الآية أو الآيات حتى يمكن عود الضمير إليه
وفي النهاية ما أرجحه وأميل إليه في هذه الاية هو عود الضمير في (لقائه) إلى الله، وهو اختيار بعض المفسرين فيكون المعني فلا تكن في مرية من لقاء الله "فلا تشكّ ولا ترتاب في لقاء الله يوم القيامة ، فانكم ستلقون الله وانه سيحاسب المكذبين ويفصل بين المختلفين وهذا المعنى يتّفق وينسجم مع الآيات السابقة، واللاحقة وتكون جملة" فلا تكن في مرية من لقائه معترضة مناسبتها للآيات السابقة واللاحقة وليست للآية نفسها ,فهي مناسبة لقوله تعالي " بل هم بلقاء ربهم كافرون " فتقول للنبي فلاتك في مرية من لقاء الله كهؤلاء , ويكون قوله تعالي "ولقد آتينا موسي الكتاب" متصلة بقوله "وجعلناه هدي لبني إسرائيل ومتصلة بقوله "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا" فهذا سياق واحد الكلام فيه متسق مع بعضه وجمله "فلا تك في مرية من لقائه " جملة معترضة متسقة مع سياق باقي السورة والذي دعاني إلي ذلك أمور
اولا هذه الصياغة معهودة في القران أن تأتي عبارة معترضة يرتبط وجه مناسبتها بأجزاء سابقة من السورة وليست مع الآية التي وردت فيها وهذا تفنن في الخطاب ومعهود في القران ومثاله في سورة هود عند الحديث عن قصة نوح يقول تعالي " أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي " فهذه الآية لاصلة لها بسياق الحديث عن قصة نوح والمقصود في افتريته هو القران وهي مرتبطة بالآية رقم (13) من السورة " ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات " وللعلماء كلام كثير في الغرض من هذا النوع في القران لا داعي لذكره الآن
الوجه الثاني :- غالبا ما يأتي استعمال كلمة (لقاء) في القرآن الكريم مضافة إلي الله أو اليوم الآخر اي لقاء الله في اليوم الآخر وليس إلي الكتاب او إلي شخص ما فاللقاء غير التلقي قد تاسب التلقي الكتاب " وانك لتلقي الكتاب " لكن لا يناسب اللقاء الكتاب وقد سبق في السورة قوله تعالي " بل هم بلقاء ربهم كافرون " وفي غيرها من مثلها في القران كثير قوله تعالي " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)الرعد , وقوله تعالي "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) الكهف , وقوله تعالي " وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33) المؤمنون, وقوله تعالي " وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) الفرقان, فتري من خلال هذه الآيات وغيرها ان كلمة لقاء لم تأتي مضافة إلي الكتاب فالكتاب يضاف الي التلقي كما قلت ولكن اللقاء تأتي مضافة إلي الله أو اليوم الآخر
وتكون الاية كلها مسوقة علي هذا المعني تسلية النبي وتثبيته وكأنه يقول لا تكن في مرية من لقاء الله ومن ثم فعليك أن تصبر علي تكذيبهم فإنكم جميعا مجموعون لميقات يوم معلوم و ستقفون أمام الله وهو الذي سيفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ويحاسبهم علي ما كانوا به يكذبون فالآيات أعلاه تتحدّث أوّلا عن نزول التوراة على موسى، فاختلف فيها وان الله سيفصل بينهم فيما اختلفوا فيه فلا تشك من لقاء الله فهو أيضا سيفصل بينهم فيما اختلفوا فيه كما أن الآيات التي سبقتها تتوعد المكذبين " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) السجدة ,ثم الايات التي تليها تتحدث عن استعجالهم يوم الفتح أي الفصل في هذا الخلاف" وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) السجدة ,والله اعلم.