ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول

إنضم
17/11/2006
المشاركات
4
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم​
ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول
مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل​
[line]
[نشر هذا البحث ضمن أبحاث ندوة اللغات والترجمة: الواقع والمأمول المنعقدة بكلية اللغات والترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد صدرت أبحاث الندوة عام 1426هـ، بعنوان: «الأبحاث المستكتبة والمحكمة لندوة اللغات والترجمة الواقع والمأمول»، وجاء هذا البحث في الصفحات من 333-392]
[line]
1- تقديم
يهدف هذا البحث إلى إجراء مقارنة كمية ونوعية بين واقع ترجمة معاني القرآن الكريم وترجمة الإنجيل (Bible)[1] بعهديه القديم والجديد، والغرض من هذه المقارنة هو معرفة الفرق بين ترجمة الكتابين من حيث التاريخ والآفاق المستقبلية، والعوامل اللغوية والاجتماعية المؤثرة في الترجمة، والممارسات المتبعة فيها، ومدى الاستفادة من نظريات اللغة والترجمة الحديثة، ومدى توافر مراكز الاستشارة والتدريب والإرشادات لمترجم كل من الكتابين. وأهمية هذا تكمن في أن الإنجيل - أو على الأقل أحد كتبه - تُرجم إلى 2009 لغة ولهجة يشكِّل من يتحدث بها على الأقل 97% من عدد سكان العالم[2]، والنتيجة التي أرغب في الخروج بها من خلال المقارنة هي تحسس وجوه الإفادة في ترجمة معاني القرآن الكريم من التاريخ المديد لترجمة الإنجيل، إضافة إلى التعرف على وجوه الاختلاف التي من شأنها أن تجعل من مدى طموحنا في الاستفادة من واقع ترجمة الإنجيل واقعياً. وسيناقش البحث المطالب التالية:

2- تاريخ ترجمة كل من الكتابين :

2.1- تاريخ ترجمة الإنجيل
يقسم يوجين نايدا[3] (Eugene Nida) تاريخ ترجمة الإنجيل إلى ثلاث مراحل وهي: المرحلة الإغريقية اليونانية (بين عامي 200 قبل الميلاد إلى700 ميلادية)، ومرحلة الإصلاح (Reformation) (في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين)، والمرحلة الحديثة التي بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي وامتدت إلى القرن العشرين، أو ما يعرف بالقرون التنصيرية.

2.1.1- المرحلة الإغريقية اليونانية
كانت أولى الترجمات في هذه الفترة هي الترجمة السبعينية (Septuagint) الإغريقية للعهد القديم[4] أُنجزت في أغلبها خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وكان لهذه الترجمة تأثير كبير في قوانين الترجمة ومبادئها والألفاظ التي استخدمت في الكتابات النصرانية فيما بعد، وخلال هذه المرحلة الإغريقية اليونانية ظهرت الترجمة الأولى للعهد الجديد إلى اللاتينية، وتبعتها ترجمات للعهدين القديم والجديد إلى عدد من اللغات الشرق أوسطية منها السريانية والقبطية (بلهجتين مختلفتين) ومن ثم الأرمينية والجورجية والإثيوبية والعربية والفارسية وأخيراً الغوطية. ولم تكن الترجمات المبكرة للاتينية القديمة مرضية لذا قام بمراجعتها القديس جيروم (St. Jerome) في أواخر القرن الرابع الميلادي في النسخة التي عرفت فيما بعد بالشعبية (Vulgate)، وأكمل القديس جيروم ترجمة الإنجيل المكتوب بالعبرية وأهم الكتب غير المتفق عليها (Apocrypha) إلى اللاتينية عام 406 ميلادية، وكان تأثيره على نظرية الترجمة كبيراً لأنه أكد أن المعنى أهم من المبنى في الترجمة.

2.1.2- مرحلة الإصلاح أن
ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى طورين أساسين: شهد الطور الأول صدور عدد من المراجعات للترجمات القديمة إضافة إلى الترجمات الحديثة للّغات الأوروبية المهمة جاءت كردة فعل للاستكشافات والنظريات الحديثة في الآثار ودراسة مخطوطات الإنجيل، وخلال الطور الثاني قام التنصيريون بترجمات عدة إلى لغات العالم الثالث.
وكانت أهم المساهمات خلال الطور الأول من فترة الإصلاح النسخة الإنجليزية المنقّحة (English Revised Version) الصادرة عام 1885م، والنسخة الأمريكية القياسية (American Standard Version) الصادرة عام 1901م، والإنجيل القياسي المنقّح (Revised Standard Bible) الصادر عام 1952م، والإنجيل القياسي المنقح الجديد (New Revised Standard Bible) الصادر عام 1989م. والمشروعان الأخيران الكبيران بالإنجليزية هما الإنجيل الأمريكي الجديد (New American Bible) الصادر عام 1970م، الذي بُني على النصوص اليونانية والعبرية عوضاً من ترجمة جيروم، والإنجيل الإنجليزي الجديد (New English Bible) الصادر عام 1970م أيضاً.

ويرى نايدا[5] أن التطور الأهم في تقاليد ترجمة الإنجيل كان مشاركة ج. ب. فيليبس (J. B. Phillips) بكتابه المعنون Letters to Young Churches، أي "رسائل إلى الكنائس الفتية" الصادر في 1950م ، الذي نتج عنه ترجمات مثل النسخة الإنجليزية الحديثة (Today’s English Version) التي صدرت عامي 1966م و1976م، والإنجيل الحي (The Living Bible) الصادر عام 1971م، والتي استُحسِن الأسلوب الذي كتبت به ولكن منهجها التفسيري واجه موجة من النقد.

2.1.3- الترجمات التنصيرية
والترجمات التنصيرية يمكن تتبعها في طورين أيضاً: الطور الأول هو طور المترجمين التنصيريين الأوائل مثل أدونيرام جدسن (Adoniram Judson) الذي ترجم الإنجيل إلى البورمية، وروبرت موريسون (Robert Morrison) الذي ترجم الإنجيل إلى الصينية، ووليم كيري (William Carey) وزملائه الذين ترجموا الإنجيل إلى عدد من اللغات في الهند، وهنري مارتن (Henry Martyn) الذي ترجم الإنجيل إلى اللغات الأردية والفارسية والعربية، وشهد الطور الثاني من هذه الفترة مئات الترجمات إلى لغات أخرى قام بها تنصيريون بعثت بهم طوائف نصرانية مختلفة، ومن قِبل ما أُطلق عليها "بعثات الإيمان"، والجمعيات المتخصصة في إرسال تنصيريين بغرض ترجمة الإنجيل إلى جميع اللغات التي لا يتوافر بها. ومن أمثلة هذه الجمعيات مترجمو وايكلف للإنجيل (Wycliffe Bible Translators)، ومترجمو لوثران للإنجيل (Lutheran Bible Translators)، ومترجمو الإنجيل التبشيريون (Evangel Bible Translators)، ومترجو الإنجيل الرواد (Pioneer Bible Translators). وأكبر هذه الجهات على الإطلاق هم مترجمو وايكلف للإنجيل الذين يعرفون أيضاً بمعهد اللغويات الصيفي (Summer Institute of Linguistics) إذ يبلغ عدد أعضائها أكثر من خمسة آلاف ترجموا العهد الجديد كاملاً إلى 347 لغة ويعملون على إخراج ترجمات جديدة إلى 800 لغة أخرى، وجمعيات الإنجيل المتحدة (United Bible Societies)، التي هي عبارة عن جهد جماعي لأكثر من مئة جمعية إنجيل قومية، تعمل مباشرة مع الكنائس في أرجاء الأرض لإخراج مراجعات على ترجمات قديمة وترجمات جديدة إلى لغات رئيسة وفرعية يشكل عدد الناطقين بها 90% من سكان العالم، وتقوم جمعيات الإنجيل المتحدة حالياً بدعم وتمويل مترجمين إلى أكثر من 550 لغة.



2.2- تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم[6]
لم يردنا شيء يشير إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم بدأت في زمن الرسول r، غير أن ابن سعد يذكر في "الطبقات الكبرى"[7] أن رُسُل رسول الله r وعوا لغات القوم الذين أرسلوا إليهم[8]، وبعض الرسائل التي بعثها رسول الله r احتوت آيات من القرآن الكريم وبخاصة تلك التي بعثت إلى أهل الكتاب مثل النجاشي ملك الحبشة التي ورد فيها الآيات التالية: } هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ (الحشر:23)، و }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ{ (النساء:171)[9]، وورد أن عمر بن أمية t، وهو الرسول إلى النجاشي، قام بترجمة رسالة رسول الله r إلى اللغة التي يفهمها النجاشي، وفي رسالته r إلى المقوقس وردت الآية: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ{ (آل عمران: 64).
وهذا يعد ضرباً من الترجمة إلا أنها ترجمة لبعض آيات القرآن الكريم تخدم الغرض الخطابي ولا تتعدى ذلك إلى ترجمة لسورة كاملة من سوره، ولكن السرخسي ذكر في كتابه الكبير في الفقه الحنفي الموسوم بـ "المبسوط"، في كتاب الصلاة (1/37)، أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي t أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، وفي "النهاية حاشية الهداية" لتاج الشريعة (1/86، حاشية 1) تفاصيل أكثر حيث يذكر: "كتبوا إلى سلمان الفارسي t أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم/بنام يزدان بخشاونده.... وبعدما كتب عرضه على النبي r، ثم بعثه إليهم، ولم ينكر عليه النبي r، كأنهم طلبوا ترجمة سورة الفاتحة لقوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ".
ويذكر ألفونس منيانا (Alphonse Mingana) في مقدمة كتابه "ترجمة سريانية قديمة للقرآن"[10] أن ديونيسيوس بارصليـبي، المتوفى عام 1171م، يؤكد أنهم قاموا بترجمة القرآن إلى السريانية، إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، وتوجد في مكتبة جون رايلاند بجامعة مانشستر بانجلترا مخطوطة سريانية نشرها الفونس منيانا في كتابه المذكور، وفيه ترجمات لمقتطفات من القرآن الكريم مثل سورة الفاتحة، وآيات أخرى، مكتوبة بنصها العربي ومترجمة إلى السريانية مع تعليقات وطعون نصرانية.
ويذكر الأستاذ مونتييه في كتابه L’Islam أي "الإسلام" أن الفيلسوف اليوناني نقيطاس، من القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الهجري الثالث، نقل القرآن إلى اليونانية فقسم منه ترجمة وقسم خلاصة، وزاد عليه ردوداً وطعوناً.
وذكر برزك بن شهريار في كتابه "عجائب الهند والصين" (ص 2-3) أنهم ترجموا القرآن في شمال الهند لصالح بعض الملوك المجاورين الذي كان قد اشتاق إلى الإسلام.
وفي القرن الرابع الهجري أمر الملك منصور بن نوح الساماني جماعة من كبار علماء تركستان عام 345هـ أن يترجموا جميع القرآن الكريم إلى الفارسية والتركية الشرقية والتركية الغربية، مع زيادة ترجمة خلاصة تفسير الطبري.
وذكر بروكلمان في كتابه "تاريخ الآداب العربية" (1/432) أن أبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي (المتوفى 303 هـ) ألّف تفسير القرآن بلغة خوزستان.
وظهرت أوائل ترجمات معاني القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الإسلامية[11] عندما أحس كثير من الشعوب بعد دخول الإسلام بالحاجة إلى تعلم أصول الدين، لذا عمدوا إلى تفسير معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم ليتفقهوا في الدين. والترجمات الأولى إلى لغات الشعوب الإسلامية هي:

الفارسية: أول ترجمة معروفة لدينا إلى لغات الشعوب الإسلامية هي الترجمة الفارسية التي تمت عام 345هـ في عهد الملك الساماني أبي صالح منصور بن نوح بن نصر مع ترجمة مختصرة لتفسير الطبري، وترجمة معاني القرآن الموجودة في تفسير الطبري ترجمة حرفية حيث كتبت الكلمات الفارسية تحت آيات المصحف دون مراعاة لترتيب الجملة الفارسية أو سياق التعبير بها.
وأول تفسير طبع باللغة الفارسية هو تفسير "المواهب العلية" المعروف بتفسير حسيني الذي نشر عام 1837م بكلكتا في الهند.

التركية: هناك رأيان حول تحديد أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى التركية، الرأي الأول الذي قال به الأستاذ زكي وليد طوغان (ت 1970م) يرجح أن لجنة العلماء التي قامت بترجمة تفسير الطبري إلى الفارسية كانت تضم علماء أتراكاً قاموا بترجمته إلى التركية في الوقت نفسه، وأن هذه الترجمة هي ترجمة حرفية على نسق الترجمة الفارسية كتبت بين سطور المصحف.
ويذهب أصحاب الرأي الثاني إلى أن أول ترجمة تركية لمعاني القرآن الكريم ظهرت بعد الترجمة الفارسية بنحو قرن من الزمان أي في القرن الخامس الهجري.
ومن الملاحظ على أوائل الترجمات التركية أنه لم يراعَ فيها ترتيب الجملة التركية أو سياق التعبير فيها كما هو ملاحظ في الترجمة الفارسية.

الأردية: تعد ترجمة شاه رفيع الدين الدهلوي أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية وهي حديثة نسبياً، حيث صدرت أول طبعاتها بكلكتا في الهند عام 1840م، إلا أن تاريخ ترجمة سور وآيات مختارة من القرآن الكريم أقدم من هذه الترجمة بكثير وحدثت في عصور مبكرة، إذ يذكر أحمد خان[12] أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى هذه اللغة قديمة قدم اللغة نفسها فقد ظهرت في القرن العاشر الهجري وأُلف بها عدد من الترجمات الجزئية، ويلاحظ أحمد خان على الترجمات الأردية المبكرة عموماً الحرفية، وعندما بدأ الناس في سلوك مسلك الترجمة التفسيرية خلطوا أهواءهم في الترجمة[13].
ولكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم ليس مدى تبكيرها أو تأخرها في الظهور ولكن الأغراض التي استخدمت الترجمة لخدمتها، وهناك محطات مؤثرة تجدر الإشارة إليها.
أهم هذه المحطات هي ترجمة دير كلوني إلى اللاتينية التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي وتأثر بها كثيراً دي رير في ترجمته الفرنسية لمعاني القرآن الكريم ومن ثم أثرت ترجمته في ترجمات معاني القرآن الكريم الأولى إلى الإيطالية، والهولندية، والألمانية، والفرنسية، والروسية.
ثم ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي ترجمة لودوفيكو مراتشي التي تأثر بها كثيراً جورج سيل في ترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم، وأثرت ترجمته في ترجمات معاني القرآن الكريم الأولى إلى عدد من اللغات وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، والهولندية، والإيطالية، والألبانية، والبلغارية، والمجرية، والتشيكية.

والملامح الأبرز لهذه الترجمات هي أنها ترجمات نقدية هجومية عنونت في أغلبها بـ "قرآن محمد"، وكان لها أثر كبير في تعميق الفكر العدائي في أوروبا ضد الإسلام مما أدى بشكل أو بآخر إلى حروب الفرنجة ضد بلاد المسلمين[14].


2.3- ما نستنتجه من الاستعراض التاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم والإنجيل:

1- تاريخ ترجمة الإنجيل أطول بكثير من تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم حيث إن أول ترجمة هي الترجمة السبعينية (Septuagint) الإغريقية للعهد القديم أنجزت في أغلبها خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وأول ترجمة لأجزاء كبيرة من معاني القرآن الكريم كانت هي التي ذكر ديونيسيوس بارصليـبي، المتوفى عام 1171م، أنهم قاموا بها إلى السريانية، إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، غير أن الأولى أريد بها المحافظة على دين اليهود إذ اندثرت آنذاك اللغة العبرية، والثانية كانت ضمن تيار جدلي (Polemic) قاده نصارى الشام الذين عاشوا بين ظهراني المسلمين، ومن أكبر مؤسسي هذا التيار هو يوحنا الدمشقي الذي ساهم كثيراً في صياغة النظرة الغربية للإسلام التي نتجت عنها حروب الفرنجة.

2- ترجمات معاني القرآن الكريم من قبل المسلمين لغرض فهم الدين وتفهيمه لمن لا يعرفون العربية بدأت بالترجمة الفارسية التي تمت عام 345هـ، أي في منتصف القرن الرابع الهجري، في عهد الملك الساماني أبي صالح منصور بن نوح بن نصر وهي ترجمة مختصرة لتفسير الطبري، وهذا يدل على تحرج المسلمين من قبل من الإقدام على هذا العمل، ونعلم من خلال السياق التاريخي أن اللغة العربية كانت هي اللغة الرسمية للبلدان التي افتتحها المسلمون وكان يتعين على كل من أراد أن يتعلم أمور الدين وينخرط في جادة المجتمع أن يتعلم اللغة العربية، فكل المثقفين كانوا يتقنون اللغة العربية ولكن مع ضعف الخلافة انفردت كل دويلة إسلامية بذاتها ولم يعد للغة العربية مكانتها الأولى في الدول التي يتكون غالبية أهلها من غير العرب، لذا نجد أنهم اعتنوا بهذه الترجمة عناية كبيرة، وأحضر النص العربي لتفسير الطبري من بغداد الملك منصور بن نوح وهو في أربعين مجلداً، ولما وجدوا صعوبة في قراءته وفهمه رأى ترجمته إلى الفارسية، وجمع لذلك نفراً من علماء بلاد ما وراء النهر واستفتاهم في جواز ترجمته فأفتوه بجوازها ليستفيد منها الذين لا يعرفون العربية واعتمدوا في فتواهم على قوله تعالى )وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ( (إبراهيم: 4)، ومع هذا فقد عقدت لجنة للقيام بهذه الترجمة، وجعلوا الأصل هو المهيمن عليها تماماً إذ كانت مغرقة في الحرفية ولم يترجم إلا ما يعادل عشر التفسير[15]، بل وحتى الترجمة التركية التي قيل إنها كانت مزامنة لهذه الترجمة حذت حذوها.

3- ترجمات معاني القرآن الكريم لها تاريخ أكثر اضطراباً من تاريخ الإنجيل فقد استعملت تارة أداة للطعن في القرآن والإسلام وشخص محمد e، كما في الترجمات اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم، وتارة أداة ترويج لأفكار الفرق الضالة كما فعل القاديانيون، وأخرى لتعميم الأجندة السياسية كما كان في تركيا أتاتورك.

4- لترجمة كلا الكتابين تاريخ طويل مر بمحطات تأثير كبيرة أثرت فيها النظرة الدينية لهذه الممارسة قبل أن يصل إلى الفهم الذي تعايشه ترجمة كلا الكتابين واقعاً اليوم.


3- واقع ترجمة كل من الكتابين :
في هذا المبحث أقارن بين واقع ترجمة كل من القرآن الكريم والإنجيل اليوم، وأقسم هذه المقارنة تحت مواضيع أورد أولاً واقع ترجمة معاني القرآن الكريم وأتبعه بواقع ترجمة الإنجيل قبل الانتقال إلى الموضوع التالي؛ تسهيلاً للمقارنة والخروج بالنتائج.


3.1- الموضوع الأول: عدد اللغات:

3.1.1- عدد اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم

تذكر الببليوغرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم التي رصدت جميع ترجمات معاني القرآن الكريم المطبوعة منذ عام 1515-1980م، أن عدد اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم هي 56 لغة، بلغ عدد الترجمات الكاملة الصادرة بهذه اللغات 557، وعدد الترجمات الجزئية 883 .
إلا أن محمد شيخاني يذكر أنه تمت ترجمه معاني القرآن الكريم كاملاً إلى 79 لغة، وجزئياً إلى 49 لغة[16].
ويذكر الباحث الدكتور محمد حميد الله أنه جمع ترجمات معاني القرآن الكريم إلى كل اللغات ونشرها في كتابه "القرآن بكل لسان" عام 1364هـ وكان عددها في ذلك الوقت 23 لغة، وفي عام 1406هـ بلغ عدد اللغات 140 لغة أغلبها ترجمت إليها معاني القرآن الكريم ترجمة كاملة وبعضها ترجمة جزئية[17].

ولنا مع هذه الإحصاءات وقفات:
1- أن اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم تشمل جميع اللغات العالمية الرئيسة تقريباً، وفي الدول التي يتحدث سكانها بأكثر من لغة فغالباً ما تتوافر ترجمة بإحدى هذه اللغات، ولم تُغفَل إلا اللغات المحلية التي لا يفهمها إلا عدد قليل جداً من الناس، واللهجات المتفرعة من اللغات الكبيرة.

2- وجود أكثر من ترجمة واحدة باللغة الواحدة، وتذكر الببلوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم أن هناك 300 ترجمة أردية كاملة و470 ترجمة جزئية، بينما صدرت بالإنجليزية 295 ترجمة كاملة و 131 ترجمة جزئية[18]، ووراء هذا التعدد عوامل عديدة منها: (أ) اتجاهات المترجم، فكما في التفاسير هناك ترجمات بعدد الفرق الإسلامية، بل زد على ذلك ترجمات المستشرقين وغيرهم، (ب) التزام الترجمة بالحرفية أو بنقل المعنى، فأي منها قد يكون هو السبب في إحساس المترجم بالحاجة لترجمة جديدة، (ت) الحقبة الزمنية التي ظهرت فيها الترجمة وما لهذه من تأثير على اللغة المستخدمة وطريقة التفسير، إذ يلاحظ كثرة ظهور الترجمات التي تُبرز الإعجاز العلمي في القرآن في الوقت الراهن، (ث) الغرض الذي تخدمه الترجمة فهناك ترجمات لأغراض معينة مثل ترجمة معاني القرآن للناشئة، أو للمسلمين دون غيرهم. وهذا التعدد والتنوع لا يوجد على المنوال نفسه في ترجمات الإنجيل (كما سنرى في 3.1.2).

3- كان للخلاف والجدل الكبير الذي ثار حول مشروعية ترجمة معاني القرآن الكريم في الثلاثينيات من القرن العشرين عند محاولة إحلال الترجمة التركية محل القرآن الكريم حتى في الصلاة، أقول كان لهذا الخلاف أثر في تبطئة التفات الدول والهيئات والمؤسسات إلى ترجمة معاني القرآن الكريم والإقدام على هذا العمل دون تحرج[19].

3.1.2- عدد اللغات التي ترجم إليها الإنجيل

ترجم الإنجيل أو على الأقل أحد كتبه[20] إلى 2009 لغة ولهجة يشكِّل من يتحدث بها على الأقل 97% من عدد سكان العالم[21]. ومن الملاحظ أن يوجين نايدا يذكر في كتابه المشترك مع تشارلز تيبر الذي نشرته دار بريل عام 1982م (ص 175) أن عدد اللغات التي تُرجم إليها الإنجيل هي 1500 لغة ويقدر أن المتحدثين بهذه اللغات مجتمعة يشكل حوالي 97% من سكان العالم[22]، إلا أن منسق الترجمة في إحدى أكبر الجهات المعنية بترجمة الإنجيل وهي منظمة الأناجيل المتحدة، د/ فل نوس (Phil Noss)، يقول[23] إن العدد الحقيقي للغات التي تُرجم إليها الإنجيل كاملاً هو 400 لغة تقريباً.

ولنا مع هذه الإحصاءات وقفات:

1- كثير من ترجمات الإنجيل تمت إلى لهجات أو لغات محصورة في عدد قليل جداً من الناس مثل لغات الهنود الحمر المختلفة أو لغات الشعوب البدائية التي تعيش في مجاهل إفريقيا وغابات جنوب شرق آسيا، وللنشاط التنصيري الكبير وروح الخلاص التي تدفعه أثر في انتشار ترجمة الإنجيل أو أجزاء مناسبة منه إلى هذا العدد من اللغات[24]، ففي النظر التنصيري لا توجد لغة أو لهجة لا تستحق أن يترجم إليها الإنجيل.

2- لا يوجد ذلك التعدد الكبير لترجمات الإنجيل في اللغة الواحدة كما هو الحال بالنسبة إلى ترجمة معاني القرآن الكريم، فترجمة واحدة بأي لغة تكفي وأسباب التنوع تعتمد على إيضاح المعنى، فحتى اللغة الإنجليزية لا يوجد بها إلا عدد قليل نسبياً من الترجمات مقارنة بالترجمات المتوافرة لمعاني القرآن الكريم بهذه اللغة[25]، وهذا يرجع لسببين رئيسين: (أ) طريقة الترجمة، إما حرفية أو معنوية، و (ب) الطريقة التي تدار بها مشاريع الترجمة من قبل المؤسسات المعنية.
عندما يترجم الإنجيل إلى لغة ما فإن الترجمة بهذه اللغة تصبح الإنجيل وليست ترجمته، وهذا يعطي حرية كبيرة في التصرف واتخاذ القرار بالنسبة للترجمة، إذ ليس هنا جدل دائر بين علاقة الترجمة مع الأصل، وهل تغني الترجمة عن الأصل كما هو الحال بالنسبة للقرآن. وإن كان هناك جدل فهو فيما يخص طريقة الترجمة: هل تكون حرفية أو معنوية؟[26]
[line]
لقراءة البحث كاملاً على ملف وورد ، عدد صفحاته 47 صفحة ، يمكن تحميله من المرفقات بهذه المشاركة​
[line]





---الحواشي -------
[1] أستخدم كلمة "إنجيل" تجاوزاً لأعني بها يسمى Bible بالإنجليزية، و "الكتاب المقدس" عند النصارى العرب؛ لسببين: أولاً، لأن كلمة "إنجيل" قابلة للاشتقاق، فمثلاً نقول: "لغة إنجيلية" و "جمعية إنجيلية"، وثانياً، تحرجاً من تسميته مقدساً. علماً بأن الإنجيل (Gospel) جزء من العهد الجديد، وهو أحد عهدي ما يُعرف بـ Bible. وهناك من يرى أن نسميه "بيابيل" للسببين المذكورين.
[2] Nida, E. (2001) “Bible translation”. In M. Baker (ed.) Encyclopedia of Translation Studies. Routledge: London. Pp. 22-28.
[3] يوجين نايدا من أكثر الأسماء شهرة في مجال ترجمة الإنجيل، بل هناك من يعتبره مؤسس دراسات الترجمة الحديثة بكتابه Towards a Science of Translation، أي: "نحو علم للترجمة"، إذ شرع في التأسيس لهذا الحقل المعرفي منذ أربعينيات القرن المنصرم. وصدر مؤخراً كتاب يؤرخ حياة وأعمال يوجين نايدا، وهو:
Philip C. (2004) Let the Words be Written: The Lasting Influence of Eugene A. Nida. Society of Biblical Literature.
[4] ويسمي اليهود العهد القديم "التناخ".
[5] نايدا، "Bible Translation".
[6] أعتمد في هذا السرد التاريخي على المرجعين التاليين:
1- مقدمة ترجمة الدكتور محمد حميد الله لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية، والدكتور حميد الله يعتبر من أوثق المصادر في مجال ترجمات معاني القرآن الكريم، إذ عُرف ببحثه الطويل في هذا المجال، ونشر كتابه "القرآن بكل لسان" Translations of the Quran in Every Language، الذي صدرت منه الطبعة الأولى عام 1364هـ، والثانية عام 1365هـ، والثالثة عام 1366هـ، وأصدر ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية عام 1980م، وقدمها بمقدمة ضافية عن تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم.
2- مقدمة الببلوجرافيا العالمية للترجمات المطبوعة لمعاني القرآن الكريم التي كتبها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، وتعتبر هذه الببليوجرافيا أكبر المصادر وأشملها للترجمات المطبوعة لمعاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات بين عامي 1515 و1980م، وهي جهد بحثي كبير قام به مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
[7] ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/258.
[8] روى الإمام البخاري في صحيحه عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت t أن النبي e أمره أن يتعلم كتاب (أي لغة) اليهود "حتى كتبتُ للنبي e كتبه، وأقرأتُه كتبهم إذا كتبوا إليه". فتح الباري 13/197 رقم (7195).
[9] محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت 1979، دار الإرشاد، ص 74-77.
[10] An Ancient Syriac Translation of the Ḳur’ān Exhibiting New Verses and Variants.
[11] اعتمدت في المعلومات التي أوردها عن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الإسلامية على ما جاء في الببليوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم (المقدمة ص 18-20).
[12] د/ أحمد خان بن علي محمد، "تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية: مع ببليوغرافية الترجمات الكاملة والمنشورة لمعاني القرآن الكريم"، بحث مقدم في ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف عام 1423هـ.
[13] المرجع السابق، ص 3 .
[14] تحدث العديد من الباحثين عن الترجمات التنصيرية اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم ومدى تأثيرها فيما لحق بها من الترجمات إلى اللغات الأوروبية المختلفة، وأحد أهم هذه الكتابات وأعمقها طرحاً هو كتاب د/ حسن المعايرجي، الموسوم بـ "الهيئة العالمية للقرآن الكريم: ضرورة للدعوة والتبليغ"، ص28-68.
ومن المحطات المهمة أيضاً محاولة إحلال ترجمة معاني القرآن الكريم إلى التركية بدلاُ من القرآن في الصلاة، ونتج عن هذا جدل واسع حول مشروعية ترجمة معاني القرآن الكريم، والمحطة الأخرى هي الترجمة القاديانية لمحمد علي إلى الإنجليزية ومحاولة تمريرها بقوة في العالم العربي من قبل هذه الفرقة المارقة، واتخاذ البلاليين في أمريكا منها قرآنا بدلاً من القرآن العربي المبين.
[15] انظر:
1- Arberry, A. J. (1958) Classical Persian Literature. London. Pp. 40-41.
[16] محمد شيخاني، "المستشرقون ودورهم في ترجمة القرآن الكريم"، بحث مقدم في الندوة العالمية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إصطنبول، 1986م، ص 137-148 .
[17] محمد حميد الله، "فهم القرآن لمن لا ينطق بلغة الضاد"، بحث مقدم في الندوة العالمية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إصطنبول، 1986م، ص 49-70 .
[18] وما تزال هذه الأرقام في ازدياد إذ يذكر د/ عبد الرحيم القدوائي (في ببليوجرافيا ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، قيد النشر بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) أن عدد طبعات ترجمات معاني القرآن الكريم الكلية والجزئية الصادرة باللغة الإنجليزية بلغ حتى عام 2001 ما يقارب 829 طبعة. ويذكر د. أ. نعمة الله عدداً من الأسباب التي أدت إلى هذا التعدد في بحث له منشور على الإنترنت بعنوان:
"Translating The Holy Qur’an: Is There an Ultimate Translation of the Holy Qur’an"، أي: "هل هنالك ترجمة تامة للقرآن الكريم".
[19] لمعرفة المزيد عن الخلاف حول مشروعية ترجمة معاني القرآن الكريم انظر: مبحث "ترجمة معاني القرآن الكريم" في كتاب مناهل العرفان للزرقاني، وفتوى الشيخ رشيد رضا في هذا الموضوع التي قام الأزهر بنشرها، والتقرير الذي تم إعداده بمركز الترجمات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بعنوان: "جهود المملكة العربية السعودية في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة".
[20] ينقسم ما يعرف بالكتاب المقدس الذي نسميه هنا تجاوزاً الإنجيل إلى: العهد القديم وهو مجموع من 39 كتاباً، والعهد الجديد وهو مجموع من 27 كتاباً.
[21] Nida, E. (2001) “Bible translation”. In M. Baker (ed.) Encyclopedia of Translation Studies. Routledge: London. Pp. 22-28.
[22] Nida, E. & Taber, C. (1982) The Theory and Practice of Translation. Brill: Amsterdam.
[23] في اتصال شخصي مع فيل نوس سألته عن الإحصاءات المتداولة حول عدد اللغات التي ترجم إليها الإنجيل وكان في سؤالي شيء من التشكيك في هذه الإحصاءات، وأتت إجابته مفصلة كالتالي:
You are quite right to question the statistics. We are very clear that when we say nearly 2500 languages, we refer to some Scripture portion published in these languages. The entire Bible has only been translated into some over 400 different languages. Normally, the New Testament is translated first and is published before the Old Testament. Among the Old Testament books, the Psalms are often published very early, and also the book of Genesis that tells about the Creation and the first people like Adam and Eve and then Noah and Abraham, for example.

أي:
أنت محق في تساؤلك عن الإحصاءات، فنحن نعرف تماماً أننا عندما نقول قرابة 2500 فإننا نعني بذلك أن المترجَم قد يكون أجزاءً من الكتاب تم نشرها بهذه اللغات، والكتاب المقدس بأكمله تمت ترجمته إلى أكثر بقليل من 400 لغة مختلفة. وعادة يترجم العهد الجديد أولاً قبل العهد القديم، ومن كتب العهد القديم يتم نشر الزبور في مرحلة مبكرة جداً، وكذلك سفر التكوين الذي يتحدث عن الخلق وأوائل البشر مثل آدم وحواء ونوح وإبراهيم، مثلاً.
[24] سالت فل نوس عن استحباب ترجمة الإنجيل إلى اللهجات، وجاءتني إجابته التالية ونلاحظ فيه النظرة النسبية الغربية إلى الأمور:
Finally, you ask whether translating into local dialects is warranted. When the King James Version was translated into English, English was merely a local dialect. Between the King James Version and Shakespeare’s plays, the English language became one of the world’s great languages. Martin Luther's translation did the same for German, and Bishop Samuel Crowther’s translation did the same for Yoruba. But of course, the Bible is translated primarily for religious reasons, and on religious grounds no language is unworthy of having its own translation of Sacred Scripture. Again, on this question we could go much further. For example, what do you mean by "local dialects"?

أي:
وأخيراُ أنت تسال عن مشروعية الترجمة إلى اللهجات المحلية، عندما ترجمت نسخة الملك جيمس من الإنجيل إلى الإنجليزية لم تكن الإنجليزية في ذلك الوقت سوى لهجة محلية، وفي الفترة بين نسخة الملك جيمس ومسرحيات شكسبير أصبحت الإنجليزية واحدة من اللغات العالمية العظمى، وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى ترجمة مارتن لوثر إلى الألمانية، وبالنسبة إلى ترجمة الأسقف صامويل كروثر إلى اليوربا، وعلى أي فالإنجيل في الأصل يترجم لأغراض دينية وبناء على هذه الأسس الدينية لا توجد لغة لا تستحق أن يترجم الكتاب المقدس إليها، ولو أردنا تتبع هذا السؤال لأطلنا، فمثلاً (كان من الممكن أن نسأل) ما الذي تعنيه باللهجات المحلية.
[25] هناك عدد لا بأس به من الأناجيل بالإنجليزية إذ يحتوي الموقع: http://www.bible-history، على 102 إنجيل ولكنها لا تقارن مع العدد المذكور لترجمات معاني القرآن الكريم لهذه اللغة وهو829 ترجمة خاصة وأن هذه اللغة هي لغة نصرانية رئيسة، وأن هذه الأناجيل إما أن تكون مأخوذة من بعضها بغرض التبسيط والتحديث، أو تهدف غرضاً محدداً جداً مثل إبراز ما جاء عن اليهود في الإنجيل، أو تكون ترجمة لكتاب معين من كتب الإنجيل، وإذا أردت الاستزادة عن ترجمة الإنجيل إلى هذه اللغة فعليك بالموقع التالي: http://www.geocities.com/bible_translations/english/htm
وذكر لي فل نوس أن أسباب تعدد نسخ الإنجيل في الإنجليزية هي:
Partly because there is a long history of translation in the English language, over 400 hundred years, partly because English is a major world language with a very active literary and publishing tradition, and partly because there are many Christian special interests in the Bible. Thus, church denominations and traditions like to have a version that they can especially identify with.

أي:
من هذه الأسباب: التاريخ الطويل لترجمة الإنجيل بهذه اللغة، فهو يزيد على 400 عام، ومنها أن الإنجليزية هي إحدى اللغات العالمية الكبرى وتوجد فيها ثقافة نشر وأدب نشطة جداً، ومنها أن هناك اهتمامات مسيحية خاصة متعددة في الإنجيل، وهي أن الفرق والطوائف المختلفة تحاول إيجاد نسخة من الإنجيل تتوافق معها وتعتمد عليها.
[26] لمترجم الإنجيل إلى الألمانية، مارتن لوثر، رسالة عنونها بـ "رسالة مفتوحة حول الترجمة" يحكي فيها معاناته مع رجال الدين الذين جابهوه بكل ما أوتوا من قوة وينعتهم فيها بأقبح النعوت لأنه ترجم بشيء من التصرف، وترجم هذه الرسالة إلى الإنجليزية د/ قاري مان (Gary Mann)، وعنوانها بالإنجليزية هو:An Open Letter on Translating، وهي متوافرة على الإنترنت.
 
أرحب بأخي الكريم الدكتور وليد بن بليهش العمري في ملتقى أهل التفسير بين إخوانه .
وأخي الدكتور وليد العمري متخصص في موضوع الترجمة ، ورسالته الدكتوراه في هذا التخصص ، وهو يعمل حالياً في قسم الترجمات في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، وجهده في هذا القسم مشكور ، وهو يعمل كذلك مديراً لتحرير مجلة الدراسات القرآنية التي يصدرها المجمع ، والتي صدر منها العدد الأول والثاني حتى الآن .
وللدكتور وليد العمري بحث مترجم منشور في العدد الأول من مجلة المجمع .
majalahmoj.jpg
بعنوان (مقدمة في الاتجاهات المعاصرة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية :للبروفسور :عبد الرحيم القدوائي،ترجمة :د/ وليد بليهش العمري ) ليته يتكرم علينا بنشره في الملتقى مرة أخرى ليطلع عليه من لم يطلع على المجلة .
 
الحمد لله رب العالمين ..

جزى الله خيرًا الدكتور وليد العمرى على هذا البحث النافع ، وجعله الله فى ميزان حسناته .

أذكر أمورًا لعلها تحظى من بعض أهل العلم هنا بالتعليق والإفادة .

أولاً :

تكررت فى البحث فقرات توهم بأن ترجمات البايبل لا تختلف فيما بينها من حيث تفسير النص الأصلى ، وأن عقائد مترجمي البايبل لم تؤثر على ترجماتهم بالاختلاف والتضارب .

قال د/ العمرى : "وتعدد الترجمات في اللغة الواحدة لا ينتج عن الاختلاف في اتجاهات تفسير النص كما هو الحال في كثير من ترجمات معاني القرآن الكريم، بل ينتج عن المتغيرين التاليين: أولاً: نظرية الترجمة المتبعة في مشروع الترجمة، وثانياً: والغرض المقصود من هذه الترجمة ".

فالكلام يوهم أن ترجمات البايبل نجت مما شاب ترجمات معانى القرآن من التأثر بمذهب المترجم وعقيدته . والواقع خلاف ذلك ، فما زالت الطوائف النصرانية تتنكر لكثير من ترجمات البايبل وتصرح بأن صاحبها تأثر فى الترجمة بمذهبه الفاسد ، وهذا نجده ضد الأفراد المنتسبين إلى النصرانية وغير المنتسبين ، كما نجده أيضًا ضد الفرق الصغيرة المنتسبة للنصرانية ، وكذلك نجده ضد الفرق التى لها اشتهار وانتشار كفرقة (شهود يهوه) ، ثم إننا نجد هذا التنكر بين الطوائف الثلاث الكبيرة .

ويطول إيراد شواهد الواقع الذى حكينا . ويكفى مثالاً على ذلك اتهامات الأرثوذكس المستمرة للبروتستانت "بالتحريف" فى ترجمات البايبل مصرحين بأنهم - البروتستانت - "يحرفون" فى الترجمات نصرة لمذهبهم الفاسد الذى سيحرمهم من دخول الملكوت .

و(لوثر) نفسه رأس البروتستانت قال : "إنه منذ ألف سنة لم يُنظف الكتاب أحسن تنظيف ولم يُفسر أحسن تفسير ولم يُدرك أحسن إدراك أكثر مما نظفته وفسرته وأدركته" .

و(يوسف رياض) - من البروتستانت - فى كتابه (وحى الكتاب المقدس) يقرر تأثر ترجمات البايبل بتوجهات أصحابها ، ومن ذلك نقده للترجمة الحديثة من اتحاد جمعيات الكتاب المقدس ببيروت ، فيصفها بأنها "جاملت البشر على حساب الحق الإلهى" ، ويضرب لذلك أمثلة وصف آخرها بقوله : "أما الطامة الكبرى في هذه الترجمـة، فهي محاولتهم النيل من لاهوت المسيح ... "

والشواهد كثيرة كثيرة ، تؤكد أن اختلاف ترجمات البايبل وتعددها ليس ناتجًا عن اختلاف الاجتهادات اللغوية حول الألفاظ الأصلية فقط ، ولكنه ناتج أيضًا عن توجهات المترجمين المذهبية .

وقال د/ العمرى : "ترجمات معاني القرآن الكريم لها تاريخ أكثر اضطراباً من تاريخ الإنجيل ، فقد استعملت تارة أداة للطعن في القرآن والإسلام وشخص محمد صلى الله عليه وسلم ،كما في الترجمات اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم ، وتارة أداة ترويج لأفكار الفرق الضالة كما فعل القاديانيون" .

أما استعمال الترجمات أداة للطعن فى الدين من غير المنتسبين للإسلام ، فنعم ، ترجم النصارى كتابنا قديمًا ، وحديثاً طلع علينا المستشرقون بسخافاتهم المضحكة التى أسموها ترجمات ، على حين لم يقترف المسلمون مثل ذلك ، فلم يُعرف لهم ترجمة للبايبل قديمًا ولا حديثًا والله أعلم . وكنت أرجو أن يجلى البحث هذه المسألة وأسبابها . ولكن يُقال : المسلمون لم يترجموا البايبل للطعن فى النصرانية ، ولكن هل أحجم غير المسلمين عن استعمال ترجمات البايبل للطعن فى النصرانية ؟

وأما استعمال الترجمات أداة ترويج لأفكار الفرق الضالة ، فهذا حدث للقرآن العظيم والبايبل سواء بسواء .



ثانيًا :

أغفل البحث فارقًا مهمًا بين ترجمات البايبل وترجمات معانى القرآن ، وهو ثبات النص القرآنى واضطراب نص البايبل ، فإن النص العربى للقرآن العظيم ثابت بفضل الله تعالى ، وأما نص البايبل فمضطرب عند أهله ، لأنهم لا يملكون رواية شفوية واحدة لكتابهم أو بعضه تتصل إلى الكاتب الأصلى بسند صحيح ولا ضعيف ، ولا يملكون إلا مخطوطات ، فإذا أرادوا ترجمة البايبل من مخطوطاته - غير الأصلية - التى بأيديهم ، رجعوا إلى تلك المخطوطات ، فوجدوا فيها اضطرابًا فى ألفاظ العبارات ، فيجتهدون مضطرين فى ترجيح ألفاظ بعض المخطوطات وإهمال غيرها . ثم يجدون فقرات كاملة مثبتة فى مخطوطات ومحذوفة من أخرى ، فيجتهدون مضطرين فى تقرير إثباتها أو حذفها ، وهكذا ، إلى آخر مشاكل تحقيق النصوص المعروفة .

ثم يأتى آخرون وينظرون فى نفس المخطوطات فيرجحون ما أهمله الأولون ، ويهملون ما رجحوه ، ويثبتون ما حذفوه ، ويحذفون ما أثبتوه ، وهكذا ، ثم يطلعون على الناس بـ "ترجمة" أخرى غير التى قبلها .

ثم تظهر مخطوطات أخرى ، بعضها يتقدم فى الزمان على المخطوطات التى كانت من قبل ، فيجتهد أناس فى النظر إلى الرصيد الحالى من المخطوطات ، ويعيدون النظر - مضطرين - فى اختلافات المخطوطات ، فيكتشفون أن العبارة الفلانية دخيلة لأنها - مثلاً - غير موجودة فى أقدم المخطوطات ، ويعتذرون للسابقين الذين قبلوا العبارة بأنهم لم يكونوا يملكون المخطوطات التى ظهرت من بعدهم .

فالقوم دائبون فى اكتشاف الوحى الإلهى جيلاً بعد جيل ، ففى جيل يكتشفون أن الرب أوحى بهذه الفقرة ، وفى جيل آخر يكتشفون أن الرب ما أوحى بها . وهكذا دواليك .

والأمر يتعدى الألفاظ المفردة إلى العبارات الطويلة ، ويتعدى العبارات الطويلة إلى الفقرات الكاملة ، ثم يتعدى كل ذلك إلى "أسفار" بتمامها ، طائفة تقرر أن الرب أوحى بها لهداية البشر ، وأخرى تؤكد أن الرب لا يوحى بمثل هذه الخزعبلات .

وهذا الفارق له أثره فى ترجمات الكتابين ، فإن النص "المتجدد" يحتاج إلى ترجمات ، تكثر بحسب كثرة "تجدده" ، وبحسب كثرة "المجتهدين" فى "تقرير" إلهاميته .



ثالثًا :

أُشكل عليّ التعبير النصراني "روح الخلاص" فى قول د/ العمرى : "وللنشاط التنصيري الكبير وروح الخلاص التي تدفعه أثر في انتشار ترجمة الإنجيل" لأنه ساقه كأنه من تقريره ، ولا شك أنه "يحكى" فقط عن القوم . وفى البحث كثير من هذا .

فائدة :

قرر د/ العمرى أن حفظ اللغة العربية وموت لغات البايبل كان له أثره على ترجمات كلا الكتابين . وقد وجدت كلامًا لشيخ الإسلام يدعم هذا التقرير ، فإن موت لغات البايبل كان سببًا فى إقبال أهله على ترجمته ، وأما العربية فقد حفظها الله فانتشرت فى الأرض ، فكان ذلك سببًا فى تقليل أهمية ترجمة معانى القرآن عند المسلمين القدامى . فلما طعن النصارى فى القرآن بأنه عربى فيصير للعرب فقط ، كان من رد ابن تيمية رحمه الله فى (الجواب الصحيح) على هذا الطعن : أن العربية انتشرت أكثر من غيرها من الألسنة .

قال رحمه الله : "وقد كان العارفون باللغة العربية حين بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما يوجدون فى جزيرة العرب وما والاها ، كأرض الحجاز واليمن وبعض الشام والعراق ، ثم انتشر فصار أكثر الساكنين فى وسط المعمورة يعرفون العربية ، حتى اليهود والنصارى الموجودون فى وسط الأرض يتكلمون بالعربية ، كما يتكلم بها أكثر المسلمين ، بل كثير من اليهود والنصارى يتكلمون بالعربية أجود مما يتكلم بها كثير من المسلمين ، وقد انتشرت هذه اللغة أكثر مما انتشرت سائر اللغات ، حتى إن الكتب القديمة من كتب أهل الكتاب ، ومن كتب الفرس والهند واليونان والقبط وغيرهم عربت بهذه اللغة ، ومعرفة الكتب المصنفة بالعربية والكلام العربى أيسر على جمهور الناس من معرفة الكتب المصنفة بغير العربية ، فإن اللسان العبرى والسريانى والرومى والقبطى وغيرها ، وإن عرفه طائفة من الناس ، فاللذين يعرفون اللسان العربى أكثر ممن يعرف لسانـًا من هذه الألسنة" .

ويمكن الإضافة بأن التيسير الذى كان للعربية كان للقرآن قبلها ، فوُجد من الأعاجم من يحفظ القرآن وإن لم يتقن العربية . وليس للبايبل شىء من ذلك .

قال ابن تيمية : "وكثير من الفرس والروم والترك والهند والحبشة والبربر وغيرهم لا يعرفون أن يتكلموا بالعربية الكلام المعتاد ، وقد أسلموا وصاروا من أولياء الله المتقين ، ومنهم من يحفظ القرآن كله وإذا كلم الناس لا يستطيع أن يكلمهم إلا بلسانه لا بالعربية ، وإذا خوطب بالعربية لم يفقه ما قيل له" .

ولعل مما يؤكد أن انتشار اللغة يتناسب عكسيًا مع الإقبال على الترجمة ، ما قرره البحث من القلة النسبية لترجمات البايبل فى الإنجليزية ، فحصل بعض الاكتفاء النسبى بترجمات البايبل الإنجليزية التى شاعت بشيوع لغتها .

والحمد لله رب العالمين .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر أخي "المحب" على هذه الملاحظات التي تنم عن قراءة متعمقة في البحث، وأؤكد أنني سآخذ بالمناسب من ملاحظاته إن قدر لأي إعادة نشر البحث، بعون الله.
ولكن لي القول الآتي:
ذكرت في ثنايا البحث أن الفاتيكان أصدر وثيقة تنظيمية لمن يعملون في مجال الترجمة تنص على توحيد الجهود، وهذه الوثيقة المعني بها في المقام الأول الجهات المتخصصة بترجمة البيابيل وقد ذكرت عدداً منها في البحث، وهذه هي الجهات الأهم والأكبر في مجال الترجمة هذه أما الفرق كشهود يهوة وغيرهم وإن كان لهم جهود في الترجمة فهي لا تعني شيئاً مقابل المشروعات الكبيرةة التي تديرها المؤسسات المتخصصة مثل جمعيات الإنجيل المتحدة.
وفيما يخص ترجمة معاني القرآن الكريم، فإن اتحاد الفرقاء ضرب من الخيال في رأيي لأن الاختلاف عقدي في أصله، وعلى هذا الأساس العقدي جاءت الرغبة في إصدار الترجمات، فكل يحاول أن يصدر للناس ما يقرأه في القرآن.
وعلى الرغم منه هذا فإني اقر أخي على أن ما جاء في البحث من إقرار لهذه الجزئية يحتاج إلى توضيح أكثر، فجزاه الله خيراً
 
مجهود طيب فجزاكم الله خيرا
مذكور في آخر المنشور: "لتحميل البحث بصيغة وورد...إلخ"
لا وجود للمرفقات لتحميل البحث منها!
كيف السبيل للحصول عليه كاملا؟
 
عودة
أعلى