محمود عبدالله إبراهيم نجا
Member
ترتيب خلق السماوات والأرض بين القُرآن والعلم، وبيان خطأ تفسير سماء فُصلت الدُخانية بالغبار الكوني.
استدل جمهور السلف على خلق الأرض قبل السماء بآية البقرة (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات)، وبآية فُصلت (خلق الأرض في يومين........ثم استوى إلى السماء......فقضاهن سبع سماوت). ولكن هذا التفسير يتعارض مع العلم الحديث الذي قال بتأخر خلق الأرض عن أجرام السماء، فهناك أدلة كثيرة تثبت إنفصال الأرض عن المجموعة الشمسية بعد خلق الكثير من أجرام السماء، وهناك أجرام أكثر بعداً وأكبر حجماً، وأقدم تكوناً من مجموعتنا الشمسية، وأقدر على دمج نوى الذرات الثقيلة من مجموعتنا الشمسية (١، ٢).
ولحل هذا التعارض بين القرآن والعلم، لجأ البعض حديثاً إلى مُناصرة قول الأقلية من السلف الذين قالوا بأن الله استوى إلى سماء دُخانية خُلقت قبل خلق الأرض، فالله لم يستو لعدم. وقد تبنى هذا القول من السلف قتادة ومقاتل، والسدي، ونقل أقوالهم بعض المفسرين مثل الطبري، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور، وغيرهم. قال القرطبي، وقريباً منه الطبري (وقول قتادة يخرج على وجه صحيح من أن الله خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها) . ففسر البعض سماء فُصلت الدُخانية بالغبار الكوني (Cosmic dust) الذي نشأ بعد فتق الرتق عند بداية نشأة الكون، ولكن أخطأوا في ذلك كما سنرى.
■ العلم ينفي تكون الغبار الكوني والأرض قبل نجوم السماء.
١. تنص نظرية الإنفجار الكبير على أن أول ما نشأ من الكون ذرات غاز الهيدروجين، ثم غاز الهيليوم، وذلك في عصر ما قبل النجوم. وبعد حوالى ٣٠٠ الى ٥٠٠ مليون سنة تكونت النجوم الغازية من تجمع الهيدروجين والهليوم، ثم حدثت اندماجات نووية لخلق عناصر أثقل، وبعد نفاد وقود النجوم الغازية انفجرت وخرجت عناصرها للفضاء الكوني، فتشكل القليل من الغبار الكوني الذي دخل في تركيب نجوم أكثر قدرة على خلق عناصر اثقل، وبعد عدة دورات من بناء وإنفجار النجوم امتلأت السماء بالغبار الكوني، وبعد مليارات السنوات تشكلت مجموعتنا الشمسية (٣-٥).
٢. الهيدروجين والهيليوم عبارة عن غازات مثل الهواء، وليست دُخان. وعند تحولهما لحالة البلازما في النجوم الغازية، فأيضاً لا نراها كدخان، ولكن تُرصد بوسائل خاصة (٦)، وأقرب مثال لها هو مصابيح النيون التي نستعملها في بيوتنا، فهل رأيتم فيها دخان؟!.
٣. يقول العلماء بصريح العبارة، الغبار الكوني له دور مهم في تكوين النجوم والكواكب ولكنه لم يكن موجود مع بداية الكون حيث كانت النجوم المبكرة لا تحتوي هذا الغبار ولكن فقط تحوي غاز، ثم تكون الغبار الكوني من هذه النجوم(٧، ٨)، وحتى أحدث إكتشاف للغبار الكوني بواسطة تلسكوب جيمس ويب في نهاية عام ٢٠٢٣، والذي نشرته مجلة نيتشر، وجد أن اقدم غبار كوني تم العثور عليه يوجد بعد حوالي ٨٠٠ مليون عام من بداية الكون، اي بعد نشأة النجوم والمجرات (٩).
٤. بعض الكتابات العلمية أطلقت اسم الدخان الكوني (cosmic smoke) على الغبار الكوني، لتشابه صور الغبار الكوني المُلتقطة بالتلسكوبات مع الصورة الذهنية لأعمدة الدخان، مع أن تركيب وكثافة الغبار الكوني يختلف تماماً عن تركيب وكثافة الدُخان، فالغبار الكوني به عناصر ثقيلة، وجزيئات لمركبات عضوية وغير عضوية، بل وبعض الماء، وحبيبات السليكا التي تشبه الرمل (١٠)، فكأنه يشبه عاصفة ترابية، أو رماد بركاني، ولكن أشد كثافة، حيث تصل كثافته في بعض الأماكن إلى 5.5 جرام/سم٣ (١١). ولن نجد عالم باللغة العربية يقول بأن هذا التركيب شديد التعقيد والكثافة يمكن وصفه بالدُخان، فالدخان يحوي بخار الماء وبعض نواتج إحتراق المادة العضوية، فله كثافة وحرارة أقل بكثير من كثافة وحرارة الغبار الكوني، فلا تكاد تتجاوز كثافة الدخان حوالي 1.5 جرام/سم٣ (١٢)، وتقترب كثافة الرماد البركاني من حوالي 2.3 جرام/سم٣ (١٣).
■ بيان خطأ تفسير سماء فُصلت الدُخانية بالغبار الكوني.
مما سبق يتبين لنا أن السيناريو العلمي لخلق الكون لا يتوافق مع آية سماء فُصلت الدُخانية سواء أخذنا بقول الجمهور (الأرض قبل السماء الدُخانية)، أو بقول الأقلية (سماء دُخانية قبل الأرض)، وذلك للأسباب التالية:
١. استوى الله إلى سماء دخانية موجودة قبل خلق الأرض، ولكن لا نجوم فيها، فخلق النجوم بعد خلق الأرض، ومعلوم أن الأرض خُلقت بعد النجوم.
٢. توهم البعض أن الإنفجار الكبير أنتج الدُخان (الغبار الكوني) قبل خلق النجوم، والعلم يقول بنشأة الغبار الكوني من النجوم، وليس قبلها.
٣. تركيب الغبار الكوني أعقد من أن يوصف لغةً بالدخان.
٤. توهم البعض أن فتق الرتق أنتج دُخان، والآية لم تذكر ذلك، فقد قال الله (أولم يرى الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي)، فلم تذكر الآية أن الفتق أنتج دُخان، وسبق بينت أن الرتق لم يكن عدم، ولكن فيه مادة السماوات والأرض والتي فطرها الله من زمكان سابق، وذلك في مقال اسم الله فاطر ونشأة الزمكان (١٤)، وإن شاء الله في المقال القادم نرى تكامل معاني الفتق اللغوية لوصف بناء السماء والأرض، حتى خرجت الأرض للوجود بعد يومين من أيام الخلق الستة، فكانت جزء من بناء السماء، ولم تنفصل بالكلية عن بناء السماء إلا بعد نشأة الغلاف الجوي.
■ كيف نزيل التعارض بين القُرآن والعلم حول ترتيب خلق السماوات والأرض؟
لإزالة التعارض بين القرآن والعلم، ولإظهار الإعجاز الحقيقي في ترتيب خلق السماوات والأرض، ينبغي أن نفهم حقيقة الرتق، وحقيقة فتق الرتق لخلق السماوات والأرض معاً في ستة أيام لكل منهما، ثم نفهم الفرق بين تسوية سماء فُصلت الدٌخانية، وتسوية سماء النازعات المبنية، فالفرق كبير بين سماء مبنية موصوفة بالشدة، وأخرى دُخانية لا شدة فيها ولا بناء، والفرق كبير بين تسوية سماء مخلوقة مبنية، وتسوية سماء دُخانية، وعندها سيتبين لنا خطأ الربط بين الغبار الكوني وبين سماء فُصلت الدُخانية، وسيتبين لنا أن سماء فُصلت الدُخانية تحكي عن خلق سماء الأرض الجوية (الغلاف الجوي)، وأن سماء النازعات المبنية تحكي خلق السماء المبنية الكونية، وإليكم التفصيل في النقاط التالية؛
1. في أكثر من 130 موضع من القرآن ذكر الله خلق السماوات قبل خلق الأرض، بل واستخدم العطف بالواو للدلالة على المصاحبة حيث قال في بعضها (خلق السماوات والأرض)، (بديع السماوات والأرض)، (فاطر السماوات والأرض)، (له ملك السماوات والأرض). مع العلم بأن الله ذكر خلق الأرض قبل السماوات في آية (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)، ولكن هل مرة واحدة تكفي لهدم ما قررته باقي الآيات. وهذا الإستثناء له حكمة لا علاقة لها بقصة الخلق والتكوين، فسياق الآية يتكلم عن تنزيل القرآن ولما كان هذا التنزيل خاص بأهل الأرض تم تقديم ذكر خلق الأرض قبل السماء والله أعلم.
2. وفي الحديث الصحيح ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خلق السماوات والأرض معا (وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض)، فوافق بذلك ترتيب هذه الآيات.
3. لا يعقل أن تكون الأرض ذات حجم بسيط بالنسبة للسماوات ثم نقول بأن الله خلق الأرض أولاً ثم بنى السماوات كسقف لها، فكيف يكون الصغير قاعدة لما هو أضخم منه بمراحل، مع ملاحظة أنه لم يحدث أبداً أن قال الله في نص صريح أن الأرض تماثل السماء في الحجم، والذين قالوا بذلك قد أساءوا تدبر القرآن وخالفوا فهم كبار علماء المسلمين الذين سبقوا وكالة ناسا وعلوم الفضاء في القول بأن الأرض لا شيء بالنسبة للسماء، قال ابن القيم في بدائع الفوائد (١ / ٢٠١)، وقال بقوله الزركشي في البرهان، والألوسي في روح المعاني (الأرض لا نسبة لها إلى السماء وسعتها، فهي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل).
4. وليس أدل على خلق السماوات مع الأرض من قول الله (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما)، ففتق مادة الرتق المُتحدة المُتجانسة أنتج السماوات والأرض معاً، وليس أحدهما قبل الآخر، فظهرت السماوات مع الأرض إلى الوجود، كما تظهر كل أعضاء الجنين عندما يتم فتق رتق كتلته الخلوية، فتتشكل بدايات الأعضاء من تجمعات خلوية بسيطة، ولاحقا تتمايز لأعضاء لها صورة كالتي نعرف، فلا يظن أحد أن الأرض كانت في الرتق على حالتها الحالية، ثم تم فصلها بالفتق.
فالفتق ليس بالضرورة انفصال كُلي، وليس ظهور لكامل الشيء كما قد يظن البعض، فالعرب تقول فُتقت الغنمة إذا كبُرت وتمايزت أعضاؤها، وهذا ليس انفصال، وليس ظهور كُلي ولكن تدريجي، ولذا أرى والعلم عند الله أن الفتق لم يكن حدثاً لحظياً كما يظن البعض، ولكن تتابع من فتوقات كثيرة متتابعة، نتج عنها السماوات السبع، ومن كل سماء فتقت أجرامها، ومعلوم أن كلمة الفتق تُستخدم طبياً لوصف خروج جزء من أجهزة الجسم الداخلية من موضعه الأصلي عبر مسار معين، ولعل هذا هو المراد بفتق السماوات والأرض، أن المادة الأولية لكل جرم أخذت مسار معين للظهور، فبعد أن كان هناك كتلة واحدة اسمها الرتق تحوي المادة الأولية، صارت هذه الكتلة تتفتق لينتج عنها سبع سماوات، ومن كتلة كل سماء تتفتق اجرامها، ومن كتلة الاجرام الكبيرة كالمجرات تتفتق النجوم والكواكب والبروج والمصابيح، والأرضين السبع.
والذي يؤكد أن الفتق لم يكن حدث لحظي أدى لظهور الأرض مُباشرةً، أن الله ذكر خلق الأرض في يومين كاملين من أيام الخلق الستة، ثم جبالها وأقواتها في يومين، كما هو معلوم في سورة فصلت.
5. طالما خلق الله السماوات مع الأرض من لحظة فتق الرتق، فهذا يعني أن الله أتم خلق كل من السماوات والأرض في ستة أيام، السماوات في ستة أيام، وكذلك الأرض في ستة أيام، قال تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام)، فالآية تحتمل خلق السماوات والأرض معاً بالتوازي في ستة أيام، ولا يوجد نص ينفي ذلك. ومعلوم أن الله قد خلق هذا العالم مُتزن مُتكامل، ولذا فخلق أجزائه معاً هو الأولى لحاجة كل جزء للآخر فلا يستقيم خلق جزء دون جزء، وهذا شبيه بالتعقيد الغير قابل للإختزال في الكائنات الحية.
5. أكاد أسمع عقولكم تقول ولكن الله في موضعين من القرآن ذكر خلق الأرض قبل السماء واستعمل ثم للفصل بينهما؛ الأول في البقرة (خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات)، والثاني في فصلت (قل ءأنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ............ثم استوى الى السماء وهي دخان........فقضاهن سبع سماوات في يومين)، فأقول وبالله التوفيق انتظروا المقال القادم بإذن الله فقد أطلت عليكم بما فيه الكفاية.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
■ المراجع:
1. How Old is Earth, and How Do We Know?
2. How do we measure the size and the age of the Universe?
3. First there was hydrogen
4. Early Universe
5. Our Expanding Universe: Age, History & Other Facts
6. States of Matter: Plasma
7. Astronomers find dust in the early universe
8. Quasar may be embedded in unusually dusty galaxy
9. Carbonaceous dust grains seen in the first billion years of cosmic time
10. Cosmic dust
11. Density, porosity, mineralogy, and internal structure of cosmic dust and alteration of its properties during high-velocity atmospheric entry.
12. Physiochemical properties of carbonaceous aerosol from agricultural residue burning: Density, volatility, and hygroscopicity
13.Characterizing Volcanic Ash Density and Its Implications on Settling Dynamics
١٤. اسم الله فاطر ونشأة الزمكان بين الإسلام والعلم
استدل جمهور السلف على خلق الأرض قبل السماء بآية البقرة (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات)، وبآية فُصلت (خلق الأرض في يومين........ثم استوى إلى السماء......فقضاهن سبع سماوت). ولكن هذا التفسير يتعارض مع العلم الحديث الذي قال بتأخر خلق الأرض عن أجرام السماء، فهناك أدلة كثيرة تثبت إنفصال الأرض عن المجموعة الشمسية بعد خلق الكثير من أجرام السماء، وهناك أجرام أكثر بعداً وأكبر حجماً، وأقدم تكوناً من مجموعتنا الشمسية، وأقدر على دمج نوى الذرات الثقيلة من مجموعتنا الشمسية (١، ٢).
ولحل هذا التعارض بين القرآن والعلم، لجأ البعض حديثاً إلى مُناصرة قول الأقلية من السلف الذين قالوا بأن الله استوى إلى سماء دُخانية خُلقت قبل خلق الأرض، فالله لم يستو لعدم. وقد تبنى هذا القول من السلف قتادة ومقاتل، والسدي، ونقل أقوالهم بعض المفسرين مثل الطبري، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور، وغيرهم. قال القرطبي، وقريباً منه الطبري (وقول قتادة يخرج على وجه صحيح من أن الله خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها) . ففسر البعض سماء فُصلت الدُخانية بالغبار الكوني (Cosmic dust) الذي نشأ بعد فتق الرتق عند بداية نشأة الكون، ولكن أخطأوا في ذلك كما سنرى.
■ العلم ينفي تكون الغبار الكوني والأرض قبل نجوم السماء.
١. تنص نظرية الإنفجار الكبير على أن أول ما نشأ من الكون ذرات غاز الهيدروجين، ثم غاز الهيليوم، وذلك في عصر ما قبل النجوم. وبعد حوالى ٣٠٠ الى ٥٠٠ مليون سنة تكونت النجوم الغازية من تجمع الهيدروجين والهليوم، ثم حدثت اندماجات نووية لخلق عناصر أثقل، وبعد نفاد وقود النجوم الغازية انفجرت وخرجت عناصرها للفضاء الكوني، فتشكل القليل من الغبار الكوني الذي دخل في تركيب نجوم أكثر قدرة على خلق عناصر اثقل، وبعد عدة دورات من بناء وإنفجار النجوم امتلأت السماء بالغبار الكوني، وبعد مليارات السنوات تشكلت مجموعتنا الشمسية (٣-٥).
٢. الهيدروجين والهيليوم عبارة عن غازات مثل الهواء، وليست دُخان. وعند تحولهما لحالة البلازما في النجوم الغازية، فأيضاً لا نراها كدخان، ولكن تُرصد بوسائل خاصة (٦)، وأقرب مثال لها هو مصابيح النيون التي نستعملها في بيوتنا، فهل رأيتم فيها دخان؟!.
٣. يقول العلماء بصريح العبارة، الغبار الكوني له دور مهم في تكوين النجوم والكواكب ولكنه لم يكن موجود مع بداية الكون حيث كانت النجوم المبكرة لا تحتوي هذا الغبار ولكن فقط تحوي غاز، ثم تكون الغبار الكوني من هذه النجوم(٧، ٨)، وحتى أحدث إكتشاف للغبار الكوني بواسطة تلسكوب جيمس ويب في نهاية عام ٢٠٢٣، والذي نشرته مجلة نيتشر، وجد أن اقدم غبار كوني تم العثور عليه يوجد بعد حوالي ٨٠٠ مليون عام من بداية الكون، اي بعد نشأة النجوم والمجرات (٩).
٤. بعض الكتابات العلمية أطلقت اسم الدخان الكوني (cosmic smoke) على الغبار الكوني، لتشابه صور الغبار الكوني المُلتقطة بالتلسكوبات مع الصورة الذهنية لأعمدة الدخان، مع أن تركيب وكثافة الغبار الكوني يختلف تماماً عن تركيب وكثافة الدُخان، فالغبار الكوني به عناصر ثقيلة، وجزيئات لمركبات عضوية وغير عضوية، بل وبعض الماء، وحبيبات السليكا التي تشبه الرمل (١٠)، فكأنه يشبه عاصفة ترابية، أو رماد بركاني، ولكن أشد كثافة، حيث تصل كثافته في بعض الأماكن إلى 5.5 جرام/سم٣ (١١). ولن نجد عالم باللغة العربية يقول بأن هذا التركيب شديد التعقيد والكثافة يمكن وصفه بالدُخان، فالدخان يحوي بخار الماء وبعض نواتج إحتراق المادة العضوية، فله كثافة وحرارة أقل بكثير من كثافة وحرارة الغبار الكوني، فلا تكاد تتجاوز كثافة الدخان حوالي 1.5 جرام/سم٣ (١٢)، وتقترب كثافة الرماد البركاني من حوالي 2.3 جرام/سم٣ (١٣).
■ بيان خطأ تفسير سماء فُصلت الدُخانية بالغبار الكوني.
مما سبق يتبين لنا أن السيناريو العلمي لخلق الكون لا يتوافق مع آية سماء فُصلت الدُخانية سواء أخذنا بقول الجمهور (الأرض قبل السماء الدُخانية)، أو بقول الأقلية (سماء دُخانية قبل الأرض)، وذلك للأسباب التالية:
١. استوى الله إلى سماء دخانية موجودة قبل خلق الأرض، ولكن لا نجوم فيها، فخلق النجوم بعد خلق الأرض، ومعلوم أن الأرض خُلقت بعد النجوم.
٢. توهم البعض أن الإنفجار الكبير أنتج الدُخان (الغبار الكوني) قبل خلق النجوم، والعلم يقول بنشأة الغبار الكوني من النجوم، وليس قبلها.
٣. تركيب الغبار الكوني أعقد من أن يوصف لغةً بالدخان.
٤. توهم البعض أن فتق الرتق أنتج دُخان، والآية لم تذكر ذلك، فقد قال الله (أولم يرى الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي)، فلم تذكر الآية أن الفتق أنتج دُخان، وسبق بينت أن الرتق لم يكن عدم، ولكن فيه مادة السماوات والأرض والتي فطرها الله من زمكان سابق، وذلك في مقال اسم الله فاطر ونشأة الزمكان (١٤)، وإن شاء الله في المقال القادم نرى تكامل معاني الفتق اللغوية لوصف بناء السماء والأرض، حتى خرجت الأرض للوجود بعد يومين من أيام الخلق الستة، فكانت جزء من بناء السماء، ولم تنفصل بالكلية عن بناء السماء إلا بعد نشأة الغلاف الجوي.
■ كيف نزيل التعارض بين القُرآن والعلم حول ترتيب خلق السماوات والأرض؟
لإزالة التعارض بين القرآن والعلم، ولإظهار الإعجاز الحقيقي في ترتيب خلق السماوات والأرض، ينبغي أن نفهم حقيقة الرتق، وحقيقة فتق الرتق لخلق السماوات والأرض معاً في ستة أيام لكل منهما، ثم نفهم الفرق بين تسوية سماء فُصلت الدٌخانية، وتسوية سماء النازعات المبنية، فالفرق كبير بين سماء مبنية موصوفة بالشدة، وأخرى دُخانية لا شدة فيها ولا بناء، والفرق كبير بين تسوية سماء مخلوقة مبنية، وتسوية سماء دُخانية، وعندها سيتبين لنا خطأ الربط بين الغبار الكوني وبين سماء فُصلت الدُخانية، وسيتبين لنا أن سماء فُصلت الدُخانية تحكي عن خلق سماء الأرض الجوية (الغلاف الجوي)، وأن سماء النازعات المبنية تحكي خلق السماء المبنية الكونية، وإليكم التفصيل في النقاط التالية؛
1. في أكثر من 130 موضع من القرآن ذكر الله خلق السماوات قبل خلق الأرض، بل واستخدم العطف بالواو للدلالة على المصاحبة حيث قال في بعضها (خلق السماوات والأرض)، (بديع السماوات والأرض)، (فاطر السماوات والأرض)، (له ملك السماوات والأرض). مع العلم بأن الله ذكر خلق الأرض قبل السماوات في آية (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى)، ولكن هل مرة واحدة تكفي لهدم ما قررته باقي الآيات. وهذا الإستثناء له حكمة لا علاقة لها بقصة الخلق والتكوين، فسياق الآية يتكلم عن تنزيل القرآن ولما كان هذا التنزيل خاص بأهل الأرض تم تقديم ذكر خلق الأرض قبل السماء والله أعلم.
2. وفي الحديث الصحيح ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خلق السماوات والأرض معا (وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض)، فوافق بذلك ترتيب هذه الآيات.
3. لا يعقل أن تكون الأرض ذات حجم بسيط بالنسبة للسماوات ثم نقول بأن الله خلق الأرض أولاً ثم بنى السماوات كسقف لها، فكيف يكون الصغير قاعدة لما هو أضخم منه بمراحل، مع ملاحظة أنه لم يحدث أبداً أن قال الله في نص صريح أن الأرض تماثل السماء في الحجم، والذين قالوا بذلك قد أساءوا تدبر القرآن وخالفوا فهم كبار علماء المسلمين الذين سبقوا وكالة ناسا وعلوم الفضاء في القول بأن الأرض لا شيء بالنسبة للسماء، قال ابن القيم في بدائع الفوائد (١ / ٢٠١)، وقال بقوله الزركشي في البرهان، والألوسي في روح المعاني (الأرض لا نسبة لها إلى السماء وسعتها، فهي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل).
4. وليس أدل على خلق السماوات مع الأرض من قول الله (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما)، ففتق مادة الرتق المُتحدة المُتجانسة أنتج السماوات والأرض معاً، وليس أحدهما قبل الآخر، فظهرت السماوات مع الأرض إلى الوجود، كما تظهر كل أعضاء الجنين عندما يتم فتق رتق كتلته الخلوية، فتتشكل بدايات الأعضاء من تجمعات خلوية بسيطة، ولاحقا تتمايز لأعضاء لها صورة كالتي نعرف، فلا يظن أحد أن الأرض كانت في الرتق على حالتها الحالية، ثم تم فصلها بالفتق.
فالفتق ليس بالضرورة انفصال كُلي، وليس ظهور لكامل الشيء كما قد يظن البعض، فالعرب تقول فُتقت الغنمة إذا كبُرت وتمايزت أعضاؤها، وهذا ليس انفصال، وليس ظهور كُلي ولكن تدريجي، ولذا أرى والعلم عند الله أن الفتق لم يكن حدثاً لحظياً كما يظن البعض، ولكن تتابع من فتوقات كثيرة متتابعة، نتج عنها السماوات السبع، ومن كل سماء فتقت أجرامها، ومعلوم أن كلمة الفتق تُستخدم طبياً لوصف خروج جزء من أجهزة الجسم الداخلية من موضعه الأصلي عبر مسار معين، ولعل هذا هو المراد بفتق السماوات والأرض، أن المادة الأولية لكل جرم أخذت مسار معين للظهور، فبعد أن كان هناك كتلة واحدة اسمها الرتق تحوي المادة الأولية، صارت هذه الكتلة تتفتق لينتج عنها سبع سماوات، ومن كتلة كل سماء تتفتق اجرامها، ومن كتلة الاجرام الكبيرة كالمجرات تتفتق النجوم والكواكب والبروج والمصابيح، والأرضين السبع.
والذي يؤكد أن الفتق لم يكن حدث لحظي أدى لظهور الأرض مُباشرةً، أن الله ذكر خلق الأرض في يومين كاملين من أيام الخلق الستة، ثم جبالها وأقواتها في يومين، كما هو معلوم في سورة فصلت.
5. طالما خلق الله السماوات مع الأرض من لحظة فتق الرتق، فهذا يعني أن الله أتم خلق كل من السماوات والأرض في ستة أيام، السماوات في ستة أيام، وكذلك الأرض في ستة أيام، قال تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام)، فالآية تحتمل خلق السماوات والأرض معاً بالتوازي في ستة أيام، ولا يوجد نص ينفي ذلك. ومعلوم أن الله قد خلق هذا العالم مُتزن مُتكامل، ولذا فخلق أجزائه معاً هو الأولى لحاجة كل جزء للآخر فلا يستقيم خلق جزء دون جزء، وهذا شبيه بالتعقيد الغير قابل للإختزال في الكائنات الحية.
5. أكاد أسمع عقولكم تقول ولكن الله في موضعين من القرآن ذكر خلق الأرض قبل السماء واستعمل ثم للفصل بينهما؛ الأول في البقرة (خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات)، والثاني في فصلت (قل ءأنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ............ثم استوى الى السماء وهي دخان........فقضاهن سبع سماوات في يومين)، فأقول وبالله التوفيق انتظروا المقال القادم بإذن الله فقد أطلت عليكم بما فيه الكفاية.
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك، وما كان من خطأ أو سهوٍ، أو زلل، أو نسيان، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
د. محمود عبدالله نجا
كلية طب، جامعة المنصورة، مصر
■ المراجع:
1. How Old is Earth, and How Do We Know?
How Old is Earth, and How Do We Know? - Evolution: Education and Outreach
Earth scientists have devised many complementary and consistent techniques to estimate the ages of geologic events. Annually deposited layers of sediments or ice document hundreds of thousands of years of continuous Earth history. Gradual rates of mountain building, erosion of mountains, and the...
evolution-outreach.biomedcentral.com
2. How do we measure the size and the age of the Universe?
Imagine the Universe!
This site is intended for students age 14 and up, and for anyone interested in learning about our universe.
imagine.gsfc.nasa.gov
3. First there was hydrogen
First there was hydrogen - Nature Chemistry
Wojciech Grochala describes how the oldest, lightest and most abundant element in the universe continues to play an essential role on today's Earth.
www.nature.com
4. Early Universe
Early Universe | Center for Astrophysics | Harvard & Smithsonian
The universe began 13.8 billion years ago, and in its early years, it looked completely different than it does now. For nearly 400,000 years, the entire cosmos was opaque, which means we have no direct observations of anything that happened during that time. Even after the universe became...
www.cfa.harvard.edu
5. Our Expanding Universe: Age, History & Other Facts
Our Expanding Universe: Age, History & Other Facts
The evolution and content of our ballooning universe
www.space.com
6. States of Matter: Plasma
States of Matter: Plasma
Plasma is a state of matter that is similar to gas, but the atomic particles are charged rather than neutral.
www.livescience.com
7. Astronomers find dust in the early universe
Astronomers find dust in the early universe
Dust plays an extremely important role in the universe – both in the formation of planets and new stars. But the earliest galaxies had no dust, only gas. Now an international team of astronomers, led by researchers from the Niels
nbi.ku.dk
8. Quasar may be embedded in unusually dusty galaxy
Quasar may be embedded in unusually dusty galaxy
Hubble astronomers have looked at one of the most distant and brightest quasars in the universe and are surprised by what they did not see: the underlying host galaxy of stars feeding the quasar. The best explanation is that the galaxy is shrouded in so much dust that the stars are completely...
www.sciencedaily.com
9. Carbonaceous dust grains seen in the first billion years of cosmic time
Carbonaceous dust grains seen in the first billion years of cosmic time - Nature
An (ultraviolet) dust attenuation feature at 2,175 Å, attributed to carbonaceous dust grains in the Milky Way and nearby galaxies, also exists in galaxies up to a redshift of 7.
www.nature.com
10. Cosmic dust
Cosmic dust - Wikipedia
en.m.wikipedia.org
11. Density, porosity, mineralogy, and internal structure of cosmic dust and alteration of its properties during high-velocity atmospheric entry.
12. Physiochemical properties of carbonaceous aerosol from agricultural residue burning: Density, volatility, and hygroscopicity
13.Characterizing Volcanic Ash Density and Its Implications on Settling Dynamics
١٤. اسم الله فاطر ونشأة الزمكان بين الإسلام والعلم
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com