بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخي الحبيب خالد
وأريد منك التمعن فيما يلي:
- ترتيب الآي داخل السورة والكلمات داخل الآي مجمع عليه أنه توقيفي.
- ترتيب السور في المصحف على أقوال المشهور منها قولان :
أولاهما : هو من عمل الصحابة الذين جمعوه في عهد سيدنا عثمان رضي الله عن الجميع قول الجمهور وعامة المتقدمين من أهل العلم على خلاف في قولهم أنهم رتبوه على ما سمعوه من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول وسع الناس في القرون المفضلة وما بعدها وأرجو أن يسعنا. (ينظر المرشد الوجيز لأبي شامة ، والانتصار للباقلاني)
ثانيهما : انه كما ذكرت توقيفي نزل به القرآن مرتبا قال به بعض أهل العلم كالبيهقي والكرماني
وثمت أقوال بين من يرى أن الخلاف لفظي (الزركشي) ومن يرى أن بعضه توقيفي وبعضه اجتهادي (ابن حجر)
والحاصل ليتك اتكأت عليهم واعتمدت على عقلهم ونظرهم في الاستدلال على حقائق تاريخية بالنصوص والادلة والآثار وهي موجودة بدلا من الحساب والنظريات المعرضة للاجتهاد والنظر.
ومثل هذه الأمور ليست من طرائق الاستدلال الصحيح لا سيما على حقائق تاريخية فإذا انضاف إلى ذلك أنك تختار رأيا تخالف فيه الجمهور ثم لا يكون مستندك إلا الحساب فهذا في تقديري خطا جسيم في الاسلوب والنتيجة ولا تشفع لك فيه صحة النتائج إن صحت بارك الله فيه.
فالجواب على ما قدمت قول ابن مسعود، وهو مما ثبت عنه : تمارينا في سورة من القرآن ، فقلنا : خمس وثلاثون ، أو ست وثلاثون آية ، قال : فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا يناجيه ، قال : فقلنا : إنا اختلفنا في القراءة ، قال : فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم ، قال : ثم أسر إلى علي شيئا ، فقال لنا علي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كما علمتم..
وهنا أسألك : كيف عد ابن مسعود العدد من القراءة ؟
ولماذا أجابه صلى الله عليه وسلم أن اقرؤوا كما علمتم ؟
ثم تأتي فتحدثنا عن الباقلاني والكرماني والزركشي وغيرهم.. من أعلم بالقرآن أابن مسعود أم هؤلاء ؟
ثم لنقبل ما دعوتنا إليه.. فنسألك : هل هؤلاء في آرائهم أعملوا عقولهم في النصوص ؟ أم رووا مباشرة عن الصحابة أنهم فعلوا كذا وكذا في عد القرآن وترتيبه ؟
فإن اختلافهم ناتج عن عمل العقل في النص فلابد أن يكون منهم المخطئ ومنهم من على صواب..
وإن كان اختلافهم في نقل مباشر عن الصحابة أن فريقا من الصحابة قال هو من تدبيرنا وفريقا قال هو من وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما لا نجده في كتب الرواية، فالحكم وقتها على الرواية، وهي لا توجد بفضل الله..
والظاهر من كلامك أنهم إنما استدلوا بالعقل على النصوص ووفق فهمهم للروايات عن الصحابة كان ظن كل واحد منهم ولهذا وقع الخلاف..
وإن كانوا اختلفوا في كلام الصحابة فأخطأ بعضهم وأصاب البعض الآخر.. فأنى لبعضهم أن يفقهوا الحكمة من وراء ترتيب القرآن..
ورحم الله الإمام مالك حين قال :
كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر ويعني به محمد صلى الله عليه وسلم..
والاستاذ واضح من خلال بحثه أنه ينتصر للقائلين بتوقيف القرآن.. ويقدم أمورا، أجزم يا أخي أنك تنبهر لسماعها وينبهر لسماعها كل ذي سمع.. فكيف يحملك عقلك على إنكار ما يقدم الاستاذ فقط لأن أحدا في القرن الثالث أو الخامس أو الثامن للهجرة أعمل عقله وقال بالتوفيق.. ولا أظن أنه هو نفسه لو وقف على ما وقفنا عليه من حسن الترتيب لجزم أنه من عند الله..
وقلت :
أحدثك عن مسألة علمية بنيت عليها مقالك وهي أن ترتيب السور توقيفي .. والمطلوب: أثبت أولا بالأدلة النقلية أن الترتيب توقيفي مع أن الصحابة رضي الله عنهم كانت مصاحفهم غير متفقة على ترتيب حتى رُتبت السور في عهد عثمان رضي الله عنهم.
أو صرح لنا بأنك لا تعرف عن هذه المسألة شيئا من الآثار ولا تملك إلا الأدلة الحسابية لننتقل إليها؟ لنريك ما يخرم عدك من علم عد الآي والقراءات التي تزيد حروفا وتنقص وتزيد كلمات وتنقص والحروف المضعفة وغير ذلك مما يخرم عدك .. دع هذا الان ولا تنشغل إلا بالأدلة النقلية ، أرجو أن يكون الأمر واضحا دليل نقلي فقط أو اعتذر عن ذلك وقل أدلتي حسابية لنتفرغ معك للحساب وندقق عدك.
وبالمناسبة النظرية المعجزة ينبغي ألا تنخرم فكيف ستفعل
وقد قال لي أحد الظرفاء اليوم إن أحد الناس تحدث عن عيون القطط على الطريق - قطع صغير توضع كعلامات بجوار الخطوط الصفراء والبيضاء الفسفورية على الطريق المسفلت - وزعم أنها عددها ثلاث ملايين قطعة فقيل له ومن قال لك قال عدوها !!
اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع
أما الدليل بالتاريخ، فإنه تبين لك أنهم اختلفوا وقد قدمت ثلات آراء لأنهم تعقلنوا في الآثار..
ونحن نسألك أنت وقد علمت الأدلة عندك.. ماهو الرأي الصحيح من بين الآراء الثلاثة التي قدمتها..
فإنما أن تكون كلها صحيحة وهذا لا يقول به عاقل..
وإما أن يكون أحدها صحيحا..
فإن كان الصحيح عندك أن ترتيب القرآن لم يكن بالوحي.. ففسر لنا هذا النظم العددي كيف يكون ويختص به القرآن دون غيره من الكتب ؟
فإن وجدت تفسيرا لذلك فنحن بانتظاره.. وإلا فهو الدليل على صحة الرأي الذي يقول بالتوقيف وخطإ من قال بخلافه..
ومثله الزيادات في الحروف والنقص لو تتبعته ونظرت فيه لوجدت أنه يخضع لمعان كثيرة مما يدل على أن الرسم من الوحي أيضا..
وهذا كله مرجعه الروايات عن الصحابة لمن فقهها..
لكن كم من مستشهد بالرواية عن الصحابي والرواية تدل على غير ما فهم لقلة التدقيق في الالفاظ..
أما حكاية القطط فلا أظنه يفيد في مثل هذه المسائل.. ولا هو من قبيل ما يقدمه الاستاذ جلغوم..
لأنه يعدها ويقدم لك النتائج ويسألك أن تتثبت بل ويتحداك أن تجد خطأ في ما أحصى وعد..
وأنا أتتبعه من يوم عرفته لعلي أجد له خطأ فابرق به إليه عبر البريد.. فلم أجد له إلا ما يشرح قلبي أن أسمع منه وأتعلم..
وإن كان هو حباه الله بهذا الأمر.. فانا احمد الله له.. وأسأله أن يظهر ما أنعم الله إليه..
ولعلي أنتهي إلى سامي عوض، الذي سبق وأن قال أنه فلاح بسيط.. لأقول له ما دمت فلاحا فما الذي دعاك أن تتجشم هذا الطريق.. وأن تتكلم في العقائد.. ولعلي أذكره، وقد كنت أرسلت إليه على الخاص، بأني مستعد أن أجادلك مباشرة على السكايب فإني أراك تتهرب وتجد الفرصة في الكتابة لأنه يسهل عليك أن لا تجيب، ولن تتمتع بذلك إن كانت المحادثة مباشرة..
وقد قال :
عند بعض اليهود والمسيحيين والمسلمين ولع في اللجوء الى الأعداد لإثبات أن كتبهم المقدسة قد جاءت من السماء.
هذه ظاهرة بحد ذاتها تستحق الدراسة
- من متى بدأ هذا الولع عند اصحاب كل ديانة؟
- ما القصد من وراء ذلك الولع؟
- من هم المشككون فيه من داخل كل ديانة ومن خارجها؟
- ما موقف رجال الدين وسدنته الرسميين من هذه الظاهرة؟
- هل هناك وجود لمثل هذه الحسابات خارج اتباع الديانات السماوية؟
- هل تم اخضاع كتب اخرى مثل الف ليلة وليلة أو الالياذة أو الكوميديا الإلهية لمثل هذه الحسابات؟
والمسلمون يعرفون ظاهرة
رشاد خليفة الذي كان مولعا بهذا الأمر وكانت وسائل الإعلام المسلمة تطبل وتزمر وتهلل له لهذا السبب، ثم حكم عليه بالردة خاصة لأنه ادعى ان السنة من عمل الشيطان وأنه رسول جاء ذكره في القرآن فتم اغتياله في امريكا من قبل مسلم عند خروجه من المسجد عام 1990. وقد اخذ الشعلة عنه أحد تلاميذه التركي
اديب يوكسل الذي هاجر الى امريكا بمساعدة رشاد خليفة.
وإن اردتم رأيي الخاص، فأنا شخصيا أشك في سلامة عقول من يبتلى بمثل هذا الولع، مع احترامي لهم. وأظن ان البشرية تحتاج الى بهلوانيين ومشعوذين للترفيه عن ذاتها. ولولا الحاجة لهم لما وجدوا. ولكن يجب عدم أخذ اقوالهم بأنها منزلة من عند الله. فهم مجرد بهلوانيون ومشعوذون للتسلية. ولا افرق شخصيا بين المولعين اليهود والمسيحيين والمسلمين في هذا المجال. فهم كلهم بهلوانيون ومشعوذون ويستحقون كل الاحترام. هذا رأيي مع احترامي لكل رأي مخالف.
ولعلي أجيبك إن كان الفلاحون قد ولعوا بالديانة فما الذي يغني الرياضيين عن النظر فيه..
وهذا يكفي جوابا على بقية أسئلتك..
أما الالياذة وألف ليلة وليلة فنطلب منك دراستها لتقيم الحجة على القرآن.. وأذكرك بعملك لوجه الله واستجابتك للأزهر أن تقدم هديتك المسمومة إلينا.. وليتك تفعل الشيء نفسه مع مطلبنا هذا إليك أيها الجهبذ..
ثم قمت تتكلم عن رشاد خليفة وأنت أشد حمقا منه.. ومن الحمق أنك لا تدري أنك على نفس نهجه..
يغفر الله لي وللمسلمين
عمارة سعد شندول