بسم الله الرحمن الرحيم
تذكير "قريب" مع الساعة والرحمة
لفظ "قريب" ذكر في القرآن (26) مرة؛ جاء كله بصيغة المذكر؛
قريب : 14مرة
قريبًا : 9 مرات
بقريب : مرة واحدة
أقريب : مرتان
لم يؤنث ولا مرة واحدة
لقد جاء في ثلاث مواضع صفة للمؤنث ومع ذلك لم يؤنث؛
قال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى
وقال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب.
وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف.
أضافت العرب في لغتها التاء المربوطة لتقرأ بصوتين مختلفين؛
فعند الوقف عليها نقرأها هاء، وفي الوصل نقرأها تاء.
والسر في هذا الوضع هو في معنى التاء والهاء؛
فالتاء في استعمال العرب هي للتراجع.
والهاء في استعمال العرب هي أيضًا للانتهاء.
والمثال خير بيان؛
فمثلا: "الشجر" يوجد في الأرض بكثرة؛ فتسميته بصيغة الجمع سبقت تسميته بصيغة المفرد؛
فإذا أردنا إفراد "شجر" الدال على الجمع؛ أضفنا له تاء مقبوضة فأصبح اللفظ "شجرة"
والجمع يكون عن اجتماع أفراد كانوا متفرقين؛
فإذا تراجع الجمع رجع كل فرد لوحده؛ والتراجع حركة، فعند تحريك التاء المقبوضة عند الوصل في القراءة؛ نقرأها تاء، فناسبت حركتها معنى التراجع الذي في التاء.
وإذا انتهى الجمع كان كل فرد لوحده؛ والانتهاء سكون، فعند تسكين التاء المقبوضة نقرأها هاء، فناسب السكون معنى الانتهاء الذي في الهاء.
فتاء التأنيث تضاف للجمع لإفراده كما في المثال السابق؛ (شجر – شجرة)
وتضاف للمذكر لتأنيثه. (كاتب – كاتبة)
وتضاف للمذكر لبيان منزلة له بعد منزلة أمثاله. (علاَّم – علاَّمة)
فالجنس البشري يتكون من الذكر والأنثى، وفيه منزلتان فقط ؛
الذكر بحكم الله، وبما فطره الله عليه؛ له المنزلة الأول، والأنثى لها المنزلة الأخرى.
ولبيان المنزلة الثانية أو المنزلة الأخرى يؤنث المذكر. فتأنيث المذكر هو للدلالة على أن الآخر له المنزلة الأخرى بعد المذكر، وهي منزلة ليس بعدها منزلة فالتأنيث نهاية للمنازل.
فإفادة التاء في تأنيثه؛ لتراجعه إلى المنزلة التالية، وإفادة الهاء فيه أنه آخر المنازل فلا منزلة بعده.
فالتأنيث هنا بوجود آخر معه وأنه نهاية المنازل.
لذلك جرى تأنيث علاَّم، بلفظ علاَّمة؛ أي أنه وصل منزلة ليس بعدها منزلة، ولم يبلغها أحد من أمثاله.
أما التأنيث في مثل حديقة، فهو تأنيث دون وجود لفظ مفرد مذكر يسبقها،
ودون وجود لفظ يدل على الجمع سبقها في التسمية؛ كالحال في شجر وشجرة.
وإذا نظرنا في الأرض وجدنا أكثر الأرض كان مشاعًا كالمراعي، والغابات، بما فيها من أعشاب وأشجار، فلما تم إحاطة بعضها، وجعله بستانًا خاصًا لمن حجزه له؛ فقد انتهت مشاعيته للناس، وتراجع الناس عن دخوله والانتفاع به إلا بإذن صاحب، واستغنى به عن الرحيل بعيدًا إلى غيره، صلح أن يوضع له لفظ يدل على تأنيثه بالتاء المقبوضة.
فلو تم تأنيث قريب في الآيات بلفظ قريبة؛ (الساعة قريبة)، (رحمة الله قريبة)، لاختل المعنى، ولدل على أن دون الساعة شيء أقرب منها مماثل لها،
ويصبح دلالة القريب بعيدة في حال التأنيث؛ فيختل عندها المعنى.
أي أن هناك دون الساعة مثل الساعة أقرب إلينا من الساعة نفسها، وكأن القول يفيد لعل القريب يكون بعيدًا. .. أما قريبه وقريبته فهو وصف لأفراد من الجنس البشري؛ منهم المذكر ومنهم المؤنث.
وكذلك رحمة الله؛ فلو أُنث اللفظ لدل على وجود رحمة أخرى، فإذا كانت هذه رحمة الله ... فلمن تكون الرحمة الأولى التي تقدمت عليها .... أتكون من غير الله، فيحصل عند ذلك إخلال كبير في المعنى ..
هذا من جانب، ومن جانب آخر؛
فإن الساعة هي من أشد أيام الله على الناس .... فالذي يناسب الشدة هو التذكير وليس التأنيث.
وكذلك فإن الرحمة من الله التي هي عطاء من الله تعالى يعطي المرحوم القوة والاستمرارية والتمتع، فالتذكر مع هذه القوة الحاصلة من الرحمة أنسب من التأنيث. ..
هذا بيان الله تعالى ... وما بيان الناس إلا بعض مما علمه الله لهم .
التأنيث والتذكر في القرآن باب فيه مواضع كثيرة تحتاج الوقوف عليها.
وكلها تفتح أبواب معرفة عظيمة تبين مكانة القرآن الكريم، ودقته في اختيار الألفاظ واستعمالها، فعظمته لا مثيل لها، ولن يكون له مثيل عند الناس؛ لأنه ممن علم الناس الكلام والبيان، سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
تذكير "قريب" مع الساعة والرحمة
لفظ "قريب" ذكر في القرآن (26) مرة؛ جاء كله بصيغة المذكر؛
قريب : 14مرة
قريبًا : 9 مرات
بقريب : مرة واحدة
أقريب : مرتان
لم يؤنث ولا مرة واحدة
لقد جاء في ثلاث مواضع صفة للمؤنث ومع ذلك لم يؤنث؛
قال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى
وقال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب.
وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف.
أضافت العرب في لغتها التاء المربوطة لتقرأ بصوتين مختلفين؛
فعند الوقف عليها نقرأها هاء، وفي الوصل نقرأها تاء.
والسر في هذا الوضع هو في معنى التاء والهاء؛
فالتاء في استعمال العرب هي للتراجع.
والهاء في استعمال العرب هي أيضًا للانتهاء.
والمثال خير بيان؛
فمثلا: "الشجر" يوجد في الأرض بكثرة؛ فتسميته بصيغة الجمع سبقت تسميته بصيغة المفرد؛
فإذا أردنا إفراد "شجر" الدال على الجمع؛ أضفنا له تاء مقبوضة فأصبح اللفظ "شجرة"
والجمع يكون عن اجتماع أفراد كانوا متفرقين؛
فإذا تراجع الجمع رجع كل فرد لوحده؛ والتراجع حركة، فعند تحريك التاء المقبوضة عند الوصل في القراءة؛ نقرأها تاء، فناسبت حركتها معنى التراجع الذي في التاء.
وإذا انتهى الجمع كان كل فرد لوحده؛ والانتهاء سكون، فعند تسكين التاء المقبوضة نقرأها هاء، فناسب السكون معنى الانتهاء الذي في الهاء.
فتاء التأنيث تضاف للجمع لإفراده كما في المثال السابق؛ (شجر – شجرة)
وتضاف للمذكر لتأنيثه. (كاتب – كاتبة)
وتضاف للمذكر لبيان منزلة له بعد منزلة أمثاله. (علاَّم – علاَّمة)
فالجنس البشري يتكون من الذكر والأنثى، وفيه منزلتان فقط ؛
الذكر بحكم الله، وبما فطره الله عليه؛ له المنزلة الأول، والأنثى لها المنزلة الأخرى.
ولبيان المنزلة الثانية أو المنزلة الأخرى يؤنث المذكر. فتأنيث المذكر هو للدلالة على أن الآخر له المنزلة الأخرى بعد المذكر، وهي منزلة ليس بعدها منزلة فالتأنيث نهاية للمنازل.
فإفادة التاء في تأنيثه؛ لتراجعه إلى المنزلة التالية، وإفادة الهاء فيه أنه آخر المنازل فلا منزلة بعده.
فالتأنيث هنا بوجود آخر معه وأنه نهاية المنازل.
لذلك جرى تأنيث علاَّم، بلفظ علاَّمة؛ أي أنه وصل منزلة ليس بعدها منزلة، ولم يبلغها أحد من أمثاله.
أما التأنيث في مثل حديقة، فهو تأنيث دون وجود لفظ مفرد مذكر يسبقها،
ودون وجود لفظ يدل على الجمع سبقها في التسمية؛ كالحال في شجر وشجرة.
وإذا نظرنا في الأرض وجدنا أكثر الأرض كان مشاعًا كالمراعي، والغابات، بما فيها من أعشاب وأشجار، فلما تم إحاطة بعضها، وجعله بستانًا خاصًا لمن حجزه له؛ فقد انتهت مشاعيته للناس، وتراجع الناس عن دخوله والانتفاع به إلا بإذن صاحب، واستغنى به عن الرحيل بعيدًا إلى غيره، صلح أن يوضع له لفظ يدل على تأنيثه بالتاء المقبوضة.
فلو تم تأنيث قريب في الآيات بلفظ قريبة؛ (الساعة قريبة)، (رحمة الله قريبة)، لاختل المعنى، ولدل على أن دون الساعة شيء أقرب منها مماثل لها،
ويصبح دلالة القريب بعيدة في حال التأنيث؛ فيختل عندها المعنى.
أي أن هناك دون الساعة مثل الساعة أقرب إلينا من الساعة نفسها، وكأن القول يفيد لعل القريب يكون بعيدًا. .. أما قريبه وقريبته فهو وصف لأفراد من الجنس البشري؛ منهم المذكر ومنهم المؤنث.
وكذلك رحمة الله؛ فلو أُنث اللفظ لدل على وجود رحمة أخرى، فإذا كانت هذه رحمة الله ... فلمن تكون الرحمة الأولى التي تقدمت عليها .... أتكون من غير الله، فيحصل عند ذلك إخلال كبير في المعنى ..
هذا من جانب، ومن جانب آخر؛
فإن الساعة هي من أشد أيام الله على الناس .... فالذي يناسب الشدة هو التذكير وليس التأنيث.
وكذلك فإن الرحمة من الله التي هي عطاء من الله تعالى يعطي المرحوم القوة والاستمرارية والتمتع، فالتذكر مع هذه القوة الحاصلة من الرحمة أنسب من التأنيث. ..
هذا بيان الله تعالى ... وما بيان الناس إلا بعض مما علمه الله لهم .
التأنيث والتذكر في القرآن باب فيه مواضع كثيرة تحتاج الوقوف عليها.
وكلها تفتح أبواب معرفة عظيمة تبين مكانة القرآن الكريم، ودقته في اختيار الألفاظ واستعمالها، فعظمته لا مثيل لها، ولن يكون له مثيل عند الناس؛ لأنه ممن علم الناس الكلام والبيان، سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي