تذكير "قريب" مع الساعة والرحمة

العرابلي

New member
إنضم
10/04/2007
المشاركات
156
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
تذكير "قريب" مع الساعة والرحمة
لفظ "قريب" ذكر في القرآن (26) مرة؛ جاء كله بصيغة المذكر؛
قريب : 14مرة
قريبًا : 9 مرات
بقريب : مرة واحدة
أقريب : مرتان
لم يؤنث ولا مرة واحدة
لقد جاء في ثلاث مواضع صفة للمؤنث ومع ذلك لم يؤنث؛
قال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى
وقال تعالى : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب.
وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف.
أضافت العرب في لغتها التاء المربوطة لتقرأ بصوتين مختلفين؛
فعند الوقف عليها نقرأها هاء، وفي الوصل نقرأها تاء.
والسر في هذا الوضع هو في معنى التاء والهاء؛
فالتاء في استعمال العرب هي للتراجع.
والهاء في استعمال العرب هي أيضًا للانتهاء.
والمثال خير بيان؛
فمثلا: "الشجر" يوجد في الأرض بكثرة؛ فتسميته بصيغة الجمع سبقت تسميته بصيغة المفرد؛
فإذا أردنا إفراد "شجر" الدال على الجمع؛ أضفنا له تاء مقبوضة فأصبح اللفظ "شجرة"
والجمع يكون عن اجتماع أفراد كانوا متفرقين؛
فإذا تراجع الجمع رجع كل فرد لوحده؛ والتراجع حركة، فعند تحريك التاء المقبوضة عند الوصل في القراءة؛ نقرأها تاء، فناسبت حركتها معنى التراجع الذي في التاء.
وإذا انتهى الجمع كان كل فرد لوحده؛ والانتهاء سكون، فعند تسكين التاء المقبوضة نقرأها هاء، فناسب السكون معنى الانتهاء الذي في الهاء.
فتاء التأنيث تضاف للجمع لإفراده كما في المثال السابق؛ (شجر – شجرة)
وتضاف للمذكر لتأنيثه. (كاتب – كاتبة)
وتضاف للمذكر لبيان منزلة له بعد منزلة أمثاله. (علاَّم – علاَّمة)
فالجنس البشري يتكون من الذكر والأنثى، وفيه منزلتان فقط ؛
الذكر بحكم الله، وبما فطره الله عليه؛ له المنزلة الأول، والأنثى لها المنزلة الأخرى.
ولبيان المنزلة الثانية أو المنزلة الأخرى يؤنث المذكر. فتأنيث المذكر هو للدلالة على أن الآخر له المنزلة الأخرى بعد المذكر، وهي منزلة ليس بعدها منزلة فالتأنيث نهاية للمنازل.
فإفادة التاء في تأنيثه؛ لتراجعه إلى المنزلة التالية، وإفادة الهاء فيه أنه آخر المنازل فلا منزلة بعده.
فالتأنيث هنا بوجود آخر معه وأنه نهاية المنازل.
لذلك جرى تأنيث علاَّم، بلفظ علاَّمة؛ أي أنه وصل منزلة ليس بعدها منزلة، ولم يبلغها أحد من أمثاله.
أما التأنيث في مثل حديقة، فهو تأنيث دون وجود لفظ مفرد مذكر يسبقها،
ودون وجود لفظ يدل على الجمع سبقها في التسمية؛ كالحال في شجر وشجرة.
وإذا نظرنا في الأرض وجدنا أكثر الأرض كان مشاعًا كالمراعي، والغابات، بما فيها من أعشاب وأشجار، فلما تم إحاطة بعضها، وجعله بستانًا خاصًا لمن حجزه له؛ فقد انتهت مشاعيته للناس، وتراجع الناس عن دخوله والانتفاع به إلا بإذن صاحب، واستغنى به عن الرحيل بعيدًا إلى غيره، صلح أن يوضع له لفظ يدل على تأنيثه بالتاء المقبوضة.
فلو تم تأنيث قريب في الآيات بلفظ قريبة؛ (الساعة قريبة)، (رحمة الله قريبة)، لاختل المعنى، ولدل على أن دون الساعة شيء أقرب منها مماثل لها،
ويصبح دلالة القريب بعيدة في حال التأنيث؛ فيختل عندها المعنى.
أي أن هناك دون الساعة مثل الساعة أقرب إلينا من الساعة نفسها، وكأن القول يفيد لعل القريب يكون بعيدًا. .. أما قريبه وقريبته فهو وصف لأفراد من الجنس البشري؛ منهم المذكر ومنهم المؤنث.
وكذلك رحمة الله؛ فلو أُنث اللفظ لدل على وجود رحمة أخرى، فإذا كانت هذه رحمة الله ... فلمن تكون الرحمة الأولى التي تقدمت عليها .... أتكون من غير الله، فيحصل عند ذلك إخلال كبير في المعنى ..
هذا من جانب، ومن جانب آخر؛
فإن الساعة هي من أشد أيام الله على الناس .... فالذي يناسب الشدة هو التذكير وليس التأنيث.
وكذلك فإن الرحمة من الله التي هي عطاء من الله تعالى يعطي المرحوم القوة والاستمرارية والتمتع، فالتذكر مع هذه القوة الحاصلة من الرحمة أنسب من التأنيث. ..
هذا بيان الله تعالى ... وما بيان الناس إلا بعض مما علمه الله لهم .
التأنيث والتذكر في القرآن باب فيه مواضع كثيرة تحتاج الوقوف عليها.
وكلها تفتح أبواب معرفة عظيمة تبين مكانة القرآن الكريم، ودقته في اختيار الألفاظ واستعمالها، فعظمته لا مثيل لها، ولن يكون له مثيل عند الناس؛ لأنه ممن علم الناس الكلام والبيان، سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
 
أنا أستغرب استشكال بعض أهل العلم لتذكير لفظ (قريب) في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) حتى ذكر ابن القيم في هذه المسألة عشرة أقوال
وقال الشنقيطي: للعلماء فيها أقوال تزيد على العشرة

والخلاصة المرضية أن القرب قربان:
1: قرب القرابة والنسب، وهذا يتبع الموصوف في التذكير والتأنيث، بلا خلاف عند أهل اللغة، تقول: فلان قريب مني، وفلانة قريبة مني.
ومنه قول الشاعر:
[poem= font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فتى لم تلده بنت عم قريبة = فيضوى وقد يضوى رديد القرائب[/poem]
والقرب الثاني: قرب المسافة والمكانة والزمن
فهذا يجوز فيه التذكير المطلق والإتباع
ومن الأول: قوله تعالى: (وما يدريك لعل الساعة قريب)
وقول امرئ القيس:
[poem= font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم = قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا[/poem]ولفظ (بعيد) نظير (قريب) في هذا الحكم
وقد قال تعالى: (وما هي من الظالمين ببعيد) وقال: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد)


ومن الثاني: قول عروة بن حزام العذري:
[poem= font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عشية لا عفراء منك قريبة = فتدنو ولا عفراء منك بعيد[/poem]
وقول الفرزدق وهو من فاحش قوله، وإنما أوردته للشاهد اللغوي:
[poem= font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
دَعَوْتُ الذي سَوّى السماءَ بِأَيْدِهِ، = وَلَلَّهُ أَدْنَى مِنْ وَرِيدِي وَأَلْطَفُ
لَيَشغَلَ عَنّي بَعْلَها، بِزَمَانَةٍ = تَدَلّهُهُ عَنّي، وَعَنْهَا، فَتُسْعِفُ
بِمَا في فُؤَادَينا من الشَوْقِ والهَوَى = فَيجْبُرُ مُنْهَاضُ الفُؤادِ المشقَّفُ
فَأَرْسَلَ في عَيْنَيْهِ ماءً عَلاَهُما = وَقَدْ عَلِموا أني أَطبُّ وَأَعْرَفُ
فَدَاوَيْتُهُ حَوْلَينِ، وَهِي قَرِيبَةٌ = أَرَاها، وَتَدْنُو لي مِراراً، فَأَرْشُفُ[/poem]

قال أبو منصور الأزهري: (قال الفراء: العرب إذا قالت: دارك منا بعيدٌ أو قريبٌ، أو قالوا: فلانة منا قريب أو بعيد ذكروا القريب والبعيد؛ لأن المعنى هي في مكان قريب أو بعيد، فجعل القريب والبعيد خافاً من المكان.
قال الله جلّ وعزّ: (وما هي من الظالمين ببعيد) وقال: (وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً)
وقال: (إن رحمة الله قريبُ من المحسنين)
قال: ولو أنثتا وبنيتا على بعدت منك فهي بعيدة، وقربت فهي قريبة كان صواباً.
قال: ومن قال قريبٌ وبعيدٌ وذكرهما لم يثن قريباً وبعيداً، فقال: هما منك قريبٌ وهما منك بعيدٌ.
قال: ومن أنثهما فقال: هي منك قريبة وبعيدة ثنَّي وجمع فقال: قريبات وبعيدات.
وأنشد:
[poem= font="Simplified Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
عشيَّةَ لاعفراء منك قريبة = فتدنو ولاعفراء منك بعيد[/poem] قال: وإذا أردت بالقريب والبعيد قرابة النسب أنثت لاغير، لم يختلف العرب فيها).
 
وللفائدة أسوق مختصر كلام ابن القيم كما اختصره الموصلي في مختصر الصواعق المرسلة، وقد أوصل الأقوال في هذه المسألة إلى عشرة أقوال:

قال رحمه الله: (قالَ تَعَالَى: (إن رحمة الله قريب من الحسنين) ، ولم يَقُلْ: قَرِيبةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الخبرُ عنها مُذَكَّراً:
• إمَّا لأنَّ “ فَعِيلاً “ بينَهُ وبينَ “ فَعُولٍ “ اشْتِرَاكٌ منْ وُجُوهٍ: منها الوزنُ والعددُ والزيادةُ والمبالغةُ، وكونُ كلٍّ منهما يَكُونُ مَعْدُولاً عنْ فاعلٍ تارةً، وعنْ مفعولٍ أُخْرَى، وَمَجِيئُهُمَا صِفَتَيْنِ وَاسْمَيْنِ، و “ فعولٌ “ إذا كانَ مَعْدُولاً عنْ فاعلٍ اسْتَوَى مُذَكَّرُهُ ومُؤَنَّثُهُ في عدمِ إِلْحَاقِ التاءِ؛ كامرأةٍ نَؤُومٍ وَضَحُوكٍ، فَحَمَلُوا فَعِيلاً عليهِ في بعضِ المواضعِ لعقدِ الأُخُوَّةِ التي بَيْنَهُمَا.
• وإمَّا لأنَّ قريباً مَعْدُولٌ عنْ مفعولٍ في المعنَى، كَأَنَّهَا قُرِّبَتْ منهم وَأُدْنِيَتْ، وهمْ يُرَاعُونَ اللفظَ تارةً والمعنى أُخْرَى...
• وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ يكونُ “ قريبٌ “ خبراً عنهُ، تقديرُهُ: مكانُ رحمةِ اللَّهِ أوْ تَنَاوُلُهَا ونحوُ ذلكَ قريبٌ.
• وإمَّا على تقديرِ مَوْصُوفٍ محذوفٍ يكونُ “ قريبٌ “ صفةً لهُ، تقديرُهُ: أَمْرٌ أوْ شيءٌ قريبٌ؛ كقولِ الشاعرِ:
قَامَتْ تُبَكَّيهِ على قَبْرِهِ = مَنْ لِيَ مِنْ بَعْدِكَ يا عَامِرُ
تَرَكْتَنِي في الدارِ ذا غُرْبَةٍ = قدْ ذَلَّ مَنْ ليسَ لهُ نَاصِرُ

أيْ: شَخْصاً ذا غُرْبَةٍ. وعلى هذا حَمَلَ سِيبَوَيْهِ “ حَائِضاً “ و “ طَالِقاً “ و “ طَامِثاً “ ونحْوَهَا.
• وإمَّا على اكتسابِ المضافِ حُكْمَ المضافِ إليهِ، نحوَ: ذَهَبَتْ بَعْضُ أصابعِهِ، وَتَوَاضَعَتْ سُورُ المدينةِ وبابُهُ.
• وإمَّا مِن الاستغناءِ بأحدِ المذكورَيْنِ عن الآخرِ والدلالةِ بالمذكورِ على المحذوفِ، والأصلُ: إنَّ اللَّهَ قَرِيبٌ من المحسنِينَ، ورحمتَهُ قريبةٌ منهم، فيكونُ قدْ أَخْبَرَ عنْ قُرْبِ ذاتِهِ وقُرْبِ ثوابِهِ من المحسنِينَ، واكْتَفَى بالخبرِ عنْ أَحَدِهِمَا عن الآخرِ، وقريبٌ منهُ: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) [التوبة: 62]، (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) [التوبة: 34]. وَمِثْلُهُ على أحدِ الوُجُوهِ: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية) الآيَةَ [الشعراء: 4]؛ أيْ: فَذَلُّوا لها خَاضِعِينَ، فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُم لها خَاضِعَةً.
• وإمَّا لأنَّ القريبَ يُرَادُ بهِ شيئانِ:
• أحدُهُمَا: النَّسَبُ والقرابةُ، فهذا يُؤَنَّثُ، تقولُ: هذهِ قريبةٌ لي وقَرَابَةٌ.
• والثاني: قُرْبُ المكانِ والمنـزلةِ. وهذا يُجَرَّدُ عن التاءِ، تقولُ: جَلَسَتْ فلانةُ قَرِيباً مِنِّي. هذا في الظرفِ، ثُمَّ أَجْرَوا الصفةَ مُجْرَاهُ للأُخُوَّةِ التي بَيْنَهُمَا، حيثُ لمْ يُرَدْ بكلِّ واحدٍ منهما نَسَبٌ ولا قرابةٌ، وإنَّمَا أُرِيدَ قربُ المكانةِ والمنـزلة.
• وإمَّا لأنَّ تأنيثَ الرحمةِ لَمَّا كانَ غيرَ حَقِيقِيٍّ سَاغَ حذفُ التاءِ منْ صفتِهِ وخبرِهِ كما سَاغَ حَذْفُهَا من الفعلِ، نحوَ: طَلَعَ الشمسُ.
• وإمَّا لأنَّ قَرِيباً مصدرٌ لا وَصْفٌ كالنقيضِ والعويلِ والوجيبِ مُجَرَّدٍ عن التاءِ؛ لأنَّكَ إذا أَخْبَرْتَ عن المُؤَنَّثِ بالمصدرِ لمْ تَلْحَقْهُ التاءُ، كما تَقُولُ: امْرَأَةٌ عَدْلٌ، وصَوْمٌ ونَوْمٌ.

والذي عندي أنَّ الرحمةَ لَمَّا كانتْ منْ صفاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وصفاتُهُ قائمةٌ بذاتِهِ، فإذا كانتْ قَرِيبَةً من المحسنينَ، فهوَ قريبٌ سبحانَهُ منهم قَطْعاً، وقدْ بَيَّنَّا أنَّهُ سبحانَهُ قريبٌ منْ أهلِ الإحسانِ، ومنْ أهلِ سُؤَالِهِ بإجابتِهِ.

وَيُوَضِّحُ ذلكَ أنَّ الإحسانَ يَقْتَضِي قُرْبَ العبدِ منْ ربِّهِ، فَيُقَرِّبُ ربَّهُ منهُ... فإنَّهُ مَنْ تَقَرَّبَ منهُ شِبْراً يَتَقَرَّبُ منهُ ذِرَاعاً، ومَنْ تَقَرَّبَ منهُ ذِرَاعاً تَقَرَّبَ منهُ بَاعاً، فهوَ قريبٌ من المُحْسِنِينَ بذاتِهِ ورحمتِهِ قُرْباً ليسَ لهُ نظيرٌ، وهوَ معَ ذلكَ فَوْقَ سَمَاواتِهِ على عرشِهِ، كما أنَّهُ سبحانَهُ يَقْرَبُ منْ عبادِهِ في آخرِ الليلِ وهوَ فَوْقَ عرشِهِ، وَيَدْنُو منْ أهلِ عَرَفَةَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ, وهوَ على عرشِهِ، فإنَّ عُلُوَّهُ سبحانَهُ على سَمَاواتِهِ منْ لَوَازِمِ ذاتِهِ، فلا يكونُ قطُّ إلاَّ عَالِياً، ولا يكونُ فَوْقَهُ شيءٌ الْبَتَّةَ، كما قالَ أعلمُ الخلقِ: (( وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ )).
وهوَ سبحانَهُ قريبٌ في عُلُوِّهِ، عالٍ في قُرْبِهِ، كما في الحديثِ الصحيحِ عنْ أبي مُوسَى الأشعريِّ قالَ: كُنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سَفَرٍ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا بالتكبيرِ، فقالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِباً، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ ))

فَأَخْبَرَ وهوَ أَعْلَمُ الخلقِ بهِ أنَّهُ أقربُ إلى أحدِهِم منْ عُنُقِ راحلتِهِ، وَأَخْبَرَ أنَّهُ فوقَ سَمَاواتِهِ على عَرْشِهِ مُطَّلِعٌ على خلقِهِ، يَرَى أَعْمَالَهُم، وَيَعْلَمُ ما في بُطُونِهِم، وهذا حَقٌّ لا يُنَاقِضُ أَحَدُهُمَا الآخرَ.

والذي يُسَهِّلُ عليكَ فَهْمَ هذا: مَعْرِفَةُ عظمةِ الربِّ وإحاطتِهِ بخلقِهِ، وأنَّ السَّمَاواتِ السبعَ في يَدِهِ كَخَرْدَلَةٍ في يَدِ العبدِ، وأنَّهُ سبحانَهُ يَقْبِضُ السَّمَاواتِ بيدِهِ والأرضَ بيدِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ.
فكيفَ يَسْتَحِيلُ في حقِّ مَنْ هذا بعضُ عَظَمَتِهِ أنْ يكونَ فوقَ عرشِهِ، وَيقْرُبَ منْ خلقِهِ كيفَ شَاءَ وهوَ على العرشِ)
 
عودة
أعلى