تدليس لجنة إعداد كتاب "قطر الندى وبل الصدى" بالثالث الإعدادي الأزهري

إنضم
22/03/2012
المشاركات
288
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
القاهرة

(1)
قلت سابقا: عندما عدت إلى التعليم استعرضتُ كتب اللغة العربية المقررة على مراحل ما قبل الجامعة من الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي- استعراضا شمل كتاب التلميذ وكتاب المعلم، وكتبت تعليقاتي عليها في مقالات كثيرة سابقة شغلت كتابي الأخير "في النقد التعليمي".
ولم أكن أفكر في الصنيع نفسه مع كتب الأزهر لعلمي أنها تراثية، لكنني فوجئت مفاجأة لم تكن هينة بخصوص كتاب "قَطْرُ الندى وبل الصدى" المقرر على الصف الثالث الإعدادي الأزهري.
ما طبيعة هذه المفاجأة؟ أهي علمية تتصل بالمؤلف ابن هشام؟
لا، ليست علمية تتصل بالمؤلف ابن هشام المتوفى 761 هجرية.
إذا، بمن تتصل؟
إنها تتصل بلجنة إعداد الكتاب الإعداد التربوي.
كيف كان ذلك؟
قالت لجنة إعداد الكتاب في مقدمة طبعة 1431/1432هـ الموافقة 2010/2011 ص3: (ها هو ذا "المختار من شرح قطر الندى وبل الصدى) المقرر على الصف الثالث الإعدادي بالمعاهد الأزهرية بعد أن تناولناه بالصقل والتهذيب، وأعملنا فيه يد التخفيف والتيسير؛ فقمنا بضبط أمثلته وشواهده، وبتوضيح غامضه، وبتكملة تلك الشواهد، وشرحها شرحا مناسبا وإعرابها إعرابا كاملا. وكذلك عمدنا إلى حذف بعض عباراته التي يقتضي التيسير حذفها ونرى أنها لا تتلاءم مع مستوى طلاب اليوم ولا تتناسب مع مداركهم وفهمهم ووقتهم، وكان ذلك بالقدر اليسير جدا.
كما قمنا بإتباع كل باب بطائفة من الأسئلة والتمرينات يسبر بها الطلاب غور فهمهم، ويتعرفون مستوى تحصيلهم ومدى تطبيقهم".
هذا هو منهج عمل اللجنة بنصه، وهو منهج متميز رائق لا غبار عليه.
أين -إذا- السوء في اللجنة ما دام منهجهم رائقا ومتينا؟
يتجلى ذلك في إجابة سؤال عن طبيعة عمل اللجنة؛ فما عمل اللجنة؟
(2)
للجنة عملان:
أحدهما: التصرف في المادة العلمية لشرح ابن هشام على متنه.
وهذا عمل تربوي يتمثل في قولهم: " تناولناه بالصقل والتهذيب، وأعملنا فيه يد التخفيف والتيسير"، وقولهم: " وكذلك عمدنا إلى حذف بعض عباراته التي يقتضي التيسير حذفها ونرى أنها لا تتلاءم مع مستوى طلاب اليوم ولا تتناسب مع مداركهم وفهمهم ووقتهم، وكان ذلك بالقدر اليسير جدا".
وهذا البعد مداره اخلاف وجهات النظر؛ فما لم توجد معايير ضابطة تحدد ما يلائم مدارك الطلاب وما لا يلائمها فإن الأمر يظل محل خلاف؛ فقد ترى اللجنة حذف باب أو مسألة من باب محققة لذلك ويرى آخرون أن هذا الحذف عينه هو سبب الخلل.
وبتجاوز هذه النقطة نجد أن قولهم: "الصقل والتهذيب"- غير ملائم، لكننا نتجاوزه هو الآخر إلى البعد الآخر.
آخرهما: علمي يتمثل في قولهم: " فقمنا بضبط أمثلته وشواهده، وبتوضيح غامضه، وبتكملة تلك الشواهد، وشرحها شرحا مناسبا وإعرابها إعرابا كاملا".
وهنا تمثل السوء.
كيف؟
هذه الصياغة تؤكد لك أن هذا العمل العلمي من صنع أيديهم ونتاج فكرهم، فهل هذا صحيح.
لا. ليس بصحيح.
لماذا؟
لأنهم أخذوا كل ذلك في الجوانب الثلاثة: المنهج، والهوامش، والإعراب- من تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد هذا الكتاب الذي سماه "سبيل الهدى بتحقيق شرح قطر الندى".
كيف؟
(3)
لو فاضلت بين المنهج والهوامش والإعراب في كتاب اللجنة المقرر على الثالث الإعدادي وكتاب الشيخ محمد لوجدت أنهم نقلوا منه فيها من دون نسب ولا عزو ولا توثيق، وتراهم أجروا على كلام الشيخ محمد ما أجروه على كلام ابن هشام كما قالوا سابقا: "تناولناه بالصقل والتهذيب، وأعملنا فيه يد التخفيف والتيسير"، وقولهم: "وكذلك عمدنا إلى حذف بعض عباراته التي يقتضي التيسير حذفها ونرى أنها لا تتلاءم مع مستوى طلاب اليوم ولا تتناسب مع مداركهم وفهمهم ووقتهم، وكان ذلك بالقدر اليسير جدا".
أما عن المنهج فقد سبق نقل منهجهم، وأما منهج الشيخ فإنه الشيخ محمد يقول في الطبعة الحادية عشرة الصادرة في ربيع الآخر 1383هـ الموافق أغسطس 1963م عن منهجه: "... لذلك لم أجد بدا من القيام على هذا الكتاب بضبط أمثلته وشواهده من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي، ثم بشرح أبياته شرحا وسطا بين الوجيز المخل والبسيط الممل، مع إعراب الأبيات إعرابا كاملا".
هذا هو منهج الشيخ الذي تمثلته اللجنة وهي تضع منهجها.
(4)
فإن ذهبنا نستعرض الهوامش الموضحة من كتاب اللجنة المقرر وكتاب الشيخ وجدنا كثيرا من التطابق.
مثل ماذا؟
يقول الشيخ في هامش 1 ص94 في باب الضميرعند استتار الضمير وجوبا:"المراد بالتاء هنا التاء الدالة على المخاطب، نحو "تقوم يا زيد" أما التاء الدالة على التأنيث فهي من جائز الاستتار، نحو "هند تقوم". ومما ذكرناه وذكره المؤلف نعلم أن حروف المضارعة على ثلاثة أنواع: نوع ...".
ويقول كتاب اللجنة في الباب نفسه في هامش 1 ص7: "إنما يستتر الضمير وجوبا في الفعل المضارع المبدوء بالتاء إذا كانت التاء للمخاطب مثل "أنت تقوم"، وأما إذا كانت التاء للغائبة مثل "هي تقوم" فالضمير مستتر جوازا. ويتضح من هذا ومما ذكره المؤلف أن حروف المضارعة على ثلاثة أنواع: نوع ...".
ونذهب صفحات قليلة لنجد في باب "العلم" كتاب اللجنة يقول في هامش 1 ص12: "خير من هذه التفرقة ما يقال: إن ما سمى به الوالدان ولدهما أول الأمر حين ولادته يعتبر اسما سواء صدر بأب أو أم أو أخ أو أخت أم لم يصدر، وسواء أشعر برفعة المسمى به أم بضعته أم لم يشعر. وما أطلق بعد ذلك على صاحب الاسم إن كان قد صدر بأب أو أم فهو كنية سواء أشعر بمدح ...".
وهذا النص الذي لم أورده كاملا اختصارا هو عينه الموجود في كتاب الشيخ ص98 هامش 1.
لكننا هنا نرى شيئا جديدا في النقل لم نجده في المثال السابق.
ما هو؟
كأن اللجنة لما أدركت أنها نقلت كلام الشيخ نصا لعجزها عن التصرف فيه استخدمت "ما" في قولها: " خير من هذه التفرقة ما يقال" حتى توحي من طرف خفي أن الآتي ليس كلامها بل كلام مقرر سابق.
لكنها في هامش 1ص13 لما استطاعت أن تتصرف في كلام الشيخ تعود إلى عادتها من جديد فلم تشر إلى أن كلامها له مصدر معلوم.
كيف؟
قالت تعليقا على إضافة الاسم إلى اللقب مفردين على قول ابن هشام: "والإتباع أقيس" في هامش1 ص13: "لأنه لا يحتاج إلى تاويل بخلاف الإضافة فإنها تحتاج إلى تأويل الأول بالمسمى ...". وهذا هو قول الشيخ في هامش2 ص98: "إنما كان الإتباع أقيس؛ لأن الإضافة تحوج إلى تأويل الأول بالمسمى ...".
ومن يتتبع مواضع الإيضاح سيجد الكثير، لكنني سأقتصر على السابق مخافة الإطالة في شيء مقرر ظاهر.
(4)
وإن تركنا مواضع الإيضاح وذهبنا إلى الإعراب نجد الأمر نفسه كما في إعراب شاهد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
الوارد في كتاب اللجنة ص21-22، وفي كتاب الشيخ ص108-109.
وستجد ذلك في غيره لو استعرضتَ وتتبعتَ.
(5)
وسأختم مقالي بملحوظة قد يراها البعض يسيرة لا تستحق التعليق، لكنني عايشت نتيجتها فأدركت أنها ليست يسيرة.
ما هي؟
إنها عنوان الكتاب.
ماذا به؟
إنه غير مشكول.
وماذا في هذا؟
فيه أنني سألت ذات يوم طالب نجح في الثالث الإعدادي قبل دخوله الأول الثانوي: ما اسم كتاب النحو المقرر عليك في الصف الثالث الإعدادي؟ فلم يعرف الإجابة، ولم يعرف قراءة العنوان لما أحضرت له الكتاب.
ما سبب ذلك؟
سببه أنهم في المعاهد يسمون المادة نحوا وليس باسم الكتاب، ومن أراد أن يقرأ عنوان الكتاب لا يجده مشكولا فلا يفقه قراءته قراءة صحيحة؛ فكيف يستقيم ذلك مع ما ادعته اللجنة في قولها: " تناولناه بالصقل والتهذيب، وأعملنا فيه يد التخفيف والتيسير". ومن أوائل ذلك ضبط الكتاب وكتابة اسم المؤلف على الغلاف؟
إنه لا يستقيم.


 
عودة
أعلى