تدبر

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
بين تعبيرين قرآنيين
قال أبو حيان - رحمه الله : وجاء هنا { فَلا تَقْرَبُوهَا } ، وفي مكان آخر { فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } ، وقوله : { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } ؛ لأنه غلَّب هنا جهة النهي إذ هو المعقب بقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } ، وما كان منهيًا عن فعله كان النهي عن قربانه أبلغ ؛ وأما حيث جاء { فَلاَ تَعْتَدُوهَا } ، فجاء عقب بيان عدد الطلاق ، وذكر أحكام العدة والإيلاء والحيض ، فناسب أن ينهي عن التعدي فيها ، وهو مجاوزة الحد الذي حده الله فيها ؛ وكذلك قوله تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } ، جاء بعد أحكام المواريث ، وذكر أنصباء الوارث ، والنظر في أموال الأيتام ، وبيان عدد ما يحل من الزوجات ، فناسب أن يذكر عقيب هذا كله التعدي الذي هو مجاوزة ما شرعه الله من هذه الأحكام إلى ما لم يشرعه ؛ وجاء قوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } ، عقيب قوله : { وَصِيَّةً مّنَ اللَّهِ } ، ثم وعد من أطاع بالجنة ، وأوعد من عصا وتعدى حدوده بالنار ..
فكل نهي من القربان والتعدي واقع في مكان مناسبته ( 1 ) .
وقال سيد قطب - رحمه الله : ونقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد ، حسب اختلاف الملابستين : في الأولى تحذير من القرب ، وفي الثانية تحذير من الاعتداء . . فلماذا كان الاختلاف ؟
في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى قوله تعالى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } ؛ والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية ، فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود الله فيها ، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ، ووقع في نطاق حبائلها !
أما الأخرى فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات ؛ فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف ، وتجاوزها ، وعدم الوقوف عندها ؛ فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة ؛ بسبب اختلاف المناسبة . . وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة ! ( 2 ) .
___
1 - انظر البحر المحيط عند تفسير الآية ( 187 ) من سورة البقرة .
2 - انظر في ظلال القرآن عند الآية ( 229 ) من سورة البقرة ، باختصار وتصرف .
 
عودة
أعلى