محمد عصام
New member
ما هو الغرور ؟؟
قال تعالى { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }
أخبرنا الله عن الشيطان حين أغوى آدم وزوجه (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ)
----------------------------------------------
الغرور هو أهداف وهمية
تقول غرروا فيه أي خدعوه
تقول انغر بالواسطة يعني خدع بها
الغرور أن ترى شيئاً على خلاف ما هو عليه، أو أن تضخِّم شيئاً تضخيماً غير معقول
لو رأيت إنسان أتقن علماً من علوم الدين، وظن أن هذا العلم هو الدين كله هو مغتر
ولو أردنا أن نعمق الموضوع أكثر (فإن الغرور والفتنة وجهان لعملة واحدة)
سأضرب مثال مهم جداً أن تفهمه ليتوضح لك باقي الكلام
لو أن شخصاً يسير في طريق مستقيم في نهايته هدف عظيم، ومعه وقت محدد
وهو يركض في هذا الطريق، سمع عن يمينه أصوات ضحك وفرح، فالتفت برأسه بجهة اليمين
هذه الالتفاتة ستخفض من سرعة سيره لأنه لم يعد ينظر أمامه
فإذا استمر في النظر وأحب أن ينظر على ماذا الناس يضحكون ولماذا هم مجتمعون
كان هذا الفعل يسمى (افتتان) أي أنه فُتِن بهم
فلما وصل إليهم وجدهم صور ضوئية غير حقيقة، ففهم أنه خدع بهم وأضاع وقته في السير إليهم
وأنهم صرفوه عن هدفه الحقيقي (وهذا هو الغرور)
لهذا احفظ هذه الجملة (الافتتان يقود للغرور)
ما هو الغرور ؟؟
قال تعالى { إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ } لقمان 33
وقال أيضا { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ } فاطر 5
مالفرق بين الآيتين ؟؟ ما الفرق بين (الغَرور و الغُرور) بضم الغين وفتحها
- تقول الطَهُور : جيء لرسول الله بطَهُور، أي هو ماء الوضوء فهو (شيء مادي) يتطهر به، أي هو الشيء الذي يسبب الطهارة
وكذلك الغَـرور بفتح الغين هو شيء مادي هو (مادة الغُرُور) أي هو الشيء الذي يسبب الغرور
- وتقول الطُهور بضم الطاء: سئل الصحابة كيف كان طُهُور رسول الله أي وضوءه أي هو (فعل الطهارة)
فالغُرُور بالضم هو (فعل الغرور)
إذاً الـغَـرُور: هو مادة الغُرُور، أو الشيء الذي يسبب الغُرُور
والـغُـرُور: هو فعل الغُرُور
ما هي مادة الغرور، أي ما هي الأشياء التي تسبب الغرور:
1- الدنيا – قال تعالى ({ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } الحديد 20
الدنيا بأموالها ولباسها وطعامها وشهواتها، تخدع الإنسان وتغره، فيقضي حياته بين عمل من أجل شهوة المال
ثم يموت ، فيعلم أنه قد غره في الله المال، وآخر يقضي حياته في النساء وغيره في اللهو المباح
2- الإنسان نفسه عندما يغر نفسه أو يغر غيره
قال تعالى: {إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً }فاطر40
قال تعالى ( {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }آل عمران24
أي افتراءهم في دينهم بأنهم قالوا لن تمسه النار إلا أياما معدودة قد خدعوا أنفسهم به لأنه اعتقاد غير صحيح
وفي ديننا هناك من غر نفسه:
يقول الحسن البصري إن قوما ألهتهم اماني المغفرة وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل
3- الشيطان عندما يغر الإنسان
{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }النساء120
إذا
الشيطان هو الغَرور(سبب)، ووعده ووسوسته هو الغُرور(فعل)
الدنيا هي الغَرور(سبب)، وانخداع الناس وقضاء عمرهم في لهوها هو الغُرُور (فعل)
النفس هي الغَرور(سبب)، والاعتقادات الخاطئة والأماني الوهمية هي الغُرُور (فعل)
تأمل معي هذه الآية
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }الحديد14
لاحظ بدأوا بقولهم (فتنتم أنفسم) ثم انتهوا بقولهم (غركم بالله الغَرور)
كما قلت لك (الفتنة تقود إلى الغرور)
ما هو الغَرور الذي غرهم في الله ؟؟ الجواب هو:
1- الأمر الذي فتنوا أنفسهم به وتربصوا عليه (هوى الدنيا)
2- الشيطان الذي وسوس لهم
3- نفسهم التي غرتهم بالأماني
فكانت هذه الثلاثة مجتمعة هي (الغَرور) الذي غرهم عن سيرهم إلى ربهم
-------------------------------------------
لو تأملنا كيف وسوس الشيطان لآدم وزوجه وكيف دلاهما بغرور
فإنك تجد قوله { يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } (سورة طه 120)
أحيانا صديق إذا أراد أن يدل صديقه على مشروع حرام أو شيء يريده أن يقتنع معه
يضع يده على كتفه ويخفض صوته قليلاً ويقول (ما رأيك بمشروع تقص من وراءه ذهب)
أكيد لا يوجد مشروع تقص من وراه الذهب حقا!! ولكن هو لفظ مبالغة فيه غُرُور
وكذلك قول الشيطان ( شجرة الخلد وملك لا يبلى ) لا يوجد ملك لا يبلى ولكنه الغرور
-----------------------------
لماذا يشاهد الأطفال مسلسل دراغون بول أو ناروتو وهو مؤلف من 600 حلقة
الجواب بسبب الغرور !!
كلّما ما وصل البطل لمقاتل وهزمه يخرج مقاتل آخر، كلما وصل لمستوى قوة معين، يظهر مستوى قوة أكبر وأعظم
النفس البشرية تنجذب للغرور، وهذا ما يعول عليه منتجو الأفلام
----------------------------------------------
تخيل إنسان في مغارة مظلمة في باطن الأرض ولا يرى شيئا ثم أضاء له ضوء من بعيد فسار باتجاهه فإذا أراد أن يصل طُفِئ الضوء، ثم ظهر له آخر أبعد من الأول، فسار باتجاهه، فإذا وصل إليه طُفِئ، وظهر له آخر أبعد
هذا هو الغرور وهذه هي الفتنة
------------------------
اليوم الدجل ينتشر بكثرة ، الأفلام ، المسلسلات ، ألعاب الكمبيوتر
كلها أشياء وهمية يقضي الإنسان من عمره ساعات عليها
هذا هو الدجل الممهد لخروج الدجال
إن من الغرور أن يلهو الرجل كبير السن الساعات الطوال على شاشات التلفاز يتابع الأفلام والمسلسلات، ولا يأبه لتقدّمه في السن وقربه من لقاء الله سبحانه وتعالى
فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أعذرَ اللّهُ إلى امرئ أخَّرَ أجَله حتى بَلَّغَهُ ستين سنة".
-------------------------------------------------
انظر للغرور الذي يعيشه الكافر
(والذين كفرو أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب)
كما اتبعوا الغرور في الدنيا وافتتنوا به كذلك يوم القيامة يفتنون بالغرور ( يوم هم على النار يفتنون )
قال تعالى (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ )
----------------------------------
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
درست الإبتدائي لأجل المستقبل !
فقالوا لي : ادرس المتوسط لأجل المستقبل !
ثم قالوا لي : ادرس الثانوي لأجل المستقبل !
ثم قالوا : ادرس" الباكالوريوس " لأجل المستقبل !
ثم قالوا : توظف لأجل المستقبل !
ثم قالوا :تزوج لأجل المستقبل !
ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل !
وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري 77 عاماً ولا زلت انتظر هذا المستقبل ! هذا هو الغرور
المستقبل ما هو إلا خرقةُ حمراء، وضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها - لأن المستقبل إذا وصلت إليه يصبح حاضراً ، والحاضر يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديدا ..
إن المستقبل الحقيقي هو:
" أن ترضي الله وأن تنجو من ناره ، وتدخُل الجنة "
----------------------------------
يقول الأستاذ راتب النابلسي:
لي صديق توفي ـ رحمه الله ـ كان شاباً يعمل في سوق الحميدية، عنده رغبة أن يجمع قمامة المحل بعلبة، ثم يلفها بورق فخم جداً، مع شريطة حمراء، مع وردة، ويضعها على طرف الرصيف، يأتي إنسان يظن فيها مُطيف ألماس فيحملها ويسرع، يلحقه، يمشي مئتي متر ويفك الشريط، يتابعه، مئتا متر ثانية يفك الربطة، مئتا متر ثالثة يفك الورق، يفتح حتى يشاهد المطيف الألماس فيجد قمامة المحل، خيبة أمل الإنسان وهو شاب لا يشعر بحقيقة الحياة الدنيا أما حينما يقترب اجله يعرف حقيقة الحياة الدنيا البطولة أن تعرفها وأنت شاب إن عرفتها وأنت على مشارف المغادرة هذا شيء طبيعي، تغر وتضر وتمر، اعرفها أسعد الناس بها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم بها
الحقيقة ثمانية وخمسين آية في القرآن الكريم وردت فيها الحياة الدنيا بشكل مفصل:
﴿ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ﴾
المتاع من المتعة يعني لذة عابرة، الإنسان يأكل أكلة ربع ساعة انتهى الأكل فإذا امتلأت المعدة بطعام خشن أو طعام نفيس بعد ربع ساعة كلاهما سواء، فلذة عابرة أما السعادة المستقرة بمعرفة الله، فرق بين اللذة والسعادة، اللذة عابرة ويعقبها ندم والسعادة متنامية إلى ما لا نهاية، الله عز وجل، مرة سألني واحد أنه متعلق بالدنيا تعلق شديد حتى يفهم أمور الدين فهم يتوافق مع مذاجه،
الله عز وجل قال:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
ملخص الملخص، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرخ لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
والحمد لله رب العالمين