تدبر جميل في آيات (الغرور) وتوضيح ما هو الغرور

محمد عصام

New member
إنضم
19/01/2019
المشاركات
150
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
35
الإقامة
سوريا
ما هو الغرور ؟؟

قال تعالى { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }
أخبرنا الله عن الشيطان حين أغوى آدم وزوجه (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ)
----------------------------------------------

الغرور هو أهداف وهمية
تقول غرروا فيه أي خدعوه
تقول انغر بالواسطة يعني خدع بها
الغرور أن ترى شيئاً على خلاف ما هو عليه، أو أن تضخِّم شيئاً تضخيماً غير معقول
لو رأيت إنسان أتقن علماً من علوم الدين، وظن أن هذا العلم هو الدين كله هو مغتر

ولو أردنا أن نعمق الموضوع أكثر (فإن الغرور والفتنة وجهان لعملة واحدة)
سأضرب مثال مهم جداً أن تفهمه ليتوضح لك باقي الكلام
لو أن شخصاً يسير في طريق مستقيم في نهايته هدف عظيم، ومعه وقت محدد
وهو يركض في هذا الطريق، سمع عن يمينه أصوات ضحك وفرح، فالتفت برأسه بجهة اليمين
هذه الالتفاتة ستخفض من سرعة سيره لأنه لم يعد ينظر أمامه
فإذا استمر في النظر وأحب أن ينظر على ماذا الناس يضحكون ولماذا هم مجتمعون
كان هذا الفعل يسمى (افتتان) أي أنه فُتِن بهم
فلما وصل إليهم وجدهم صور ضوئية غير حقيقة، ففهم أنه خدع بهم وأضاع وقته في السير إليهم
وأنهم صرفوه عن هدفه الحقيقي (وهذا هو الغرور)

لهذا احفظ هذه الجملة (الافتتان يقود للغرور)


ما هو الغرور ؟؟
قال تعالى { إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ } لقمان 33
وقال أيضا { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ } فاطر 5

مالفرق بين الآيتين ؟؟ ما الفرق بين (الغَرور و الغُرور) بضم الغين وفتحها

- تقول الطَهُور : جيء لرسول الله بطَهُور، أي هو ماء الوضوء فهو (شيء مادي) يتطهر به، أي هو الشيء الذي يسبب الطهارة
وكذلك الغَـرور بفتح الغين هو شيء مادي هو (مادة الغُرُور) أي هو الشيء الذي يسبب الغرور

- وتقول الطُهور بضم الطاء: سئل الصحابة كيف كان طُهُور رسول الله أي وضوءه أي هو (فعل الطهارة)
فالغُرُور بالضم هو (فعل الغرور)

إذاً الـغَـرُور: هو مادة الغُرُور، أو الشيء الذي يسبب الغُرُور
والـغُـرُور: هو فعل الغُرُور

ما هي مادة الغرور، أي ما هي الأشياء التي تسبب الغرور:

1- الدنيا – قال تعالى ({ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } الحديد 20
الدنيا بأموالها ولباسها وطعامها وشهواتها، تخدع الإنسان وتغره، فيقضي حياته بين عمل من أجل شهوة المال
ثم يموت ، فيعلم أنه قد غره في الله المال، وآخر يقضي حياته في النساء وغيره في اللهو المباح

2- الإنسان نفسه عندما يغر نفسه أو يغر غيره

قال تعالى: {إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً }فاطر40

قال تعالى ( {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }آل عمران24
أي افتراءهم في دينهم بأنهم قالوا لن تمسه النار إلا أياما معدودة قد خدعوا أنفسهم به لأنه اعتقاد غير صحيح
وفي ديننا هناك من غر نفسه:
يقول الحسن البصري إن قوما ألهتهم اماني المغفرة وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل


3- الشيطان عندما يغر الإنسان
{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }النساء120

إذا
الشيطان هو الغَرور(سبب)، ووعده ووسوسته هو الغُرور(فعل)
الدنيا هي الغَرور(سبب)، وانخداع الناس وقضاء عمرهم في لهوها هو الغُرُور (فعل)
النفس هي الغَرور(سبب)، والاعتقادات الخاطئة والأماني الوهمية هي الغُرُور (فعل)


تأمل معي هذه الآية
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }الحديد14
لاحظ بدأوا بقولهم (فتنتم أنفسم) ثم انتهوا بقولهم (غركم بالله الغَرور)
كما قلت لك (الفتنة تقود إلى الغرور)
ما هو الغَرور الذي غرهم في الله ؟؟ الجواب هو:
1- الأمر الذي فتنوا أنفسهم به وتربصوا عليه (هوى الدنيا)
2-
الشيطان الذي وسوس لهم
3-
نفسهم التي غرتهم بالأماني
فكانت هذه الثلاثة مجتمعة هي (الغَرور) الذي غرهم عن سيرهم إلى ربهم
-------------------------------------------

لو تأملنا كيف وسوس الشيطان لآدم وزوجه وكيف دلاهما بغرور
فإنك تجد قوله { يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } (سورة طه 120)

أحيانا صديق إذا أراد أن يدل صديقه على مشروع حرام أو شيء يريده أن يقتنع معه
يضع يده على كتفه ويخفض صوته قليلاً ويقول (ما رأيك بمشروع تقص من وراءه ذهب)
أكيد لا يوجد مشروع تقص من وراه الذهب حقا!! ولكن هو لفظ مبالغة فيه غُرُور
وكذلك قول الشيطان ( شجرة الخلد وملك لا يبلى ) لا يوجد ملك لا يبلى ولكنه الغرور
-----------------------------
لماذا يشاهد الأطفال مسلسل دراغون بول أو ناروتو وهو مؤلف من 600 حلقة
الجواب بسبب الغرور !!
كلّما ما وصل البطل لمقاتل وهزمه يخرج مقاتل آخر، كلما وصل لمستوى قوة معين، يظهر مستوى قوة أكبر وأعظم
النفس البشرية تنجذب للغرور، وهذا ما يعول عليه منتجو الأفلام
----------------------------------------------
تخيل إنسان في مغارة مظلمة في باطن الأرض ولا يرى شيئا ثم أضاء له ضوء من بعيد فسار باتجاهه فإذا أراد أن يصل طُفِئ الضوء، ثم ظهر له آخر أبعد من الأول، فسار باتجاهه، فإذا وصل إليه طُفِئ، وظهر له آخر أبعد
هذا هو الغرور وهذه هي الفتنة
------------------------
اليوم الدجل ينتشر بكثرة ، الأفلام ، المسلسلات ، ألعاب الكمبيوتر
كلها أشياء وهمية يقضي الإنسان من عمره ساعات عليها
هذا هو الدجل الممهد لخروج الدجال

إن من الغرور أن يلهو الرجل كبير السن الساعات الطوال على شاشات التلفاز يتابع الأفلام والمسلسلات، ولا يأبه لتقدّمه في السن وقربه من لقاء الله سبحانه وتعالى
فعن أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أعذرَ اللّهُ إلى امرئ أخَّرَ أجَله حتى بَلَّغَهُ ستين سنة".
-------------------------------------------------
انظر للغرور الذي يعيشه الكافر
(والذين كفرو أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب)
كما اتبعوا الغرور في الدنيا وافتتنوا به كذلك يوم القيامة يفتنون بالغرور ( يوم هم على النار يفتنون )
قال تعالى (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ )
----------------------------------
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

درست الإبتدائي لأجل المستقبل !
فقالوا لي : ادرس المتوسط لأجل المستقبل !
ثم قالوا لي : ادرس الثانوي لأجل المستقبل !
ثم قالوا : ادرس" الباكالوريوس " لأجل المستقبل !
ثم قالوا : توظف لأجل المستقبل !
ثم قالوا :تزوج لأجل المستقبل !
ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل !
وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري 77 عاماً ولا زلت انتظر هذا المستقبل ! هذا هو الغرور
المستقبل ما هو إلا خرقةُ حمراء، وضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها - لأن المستقبل إذا وصلت إليه يصبح حاضراً ، والحاضر يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديدا ..
إن المستقبل الحقيقي هو:
" أن ترضي الله وأن تنجو من ناره ، وتدخُل الجنة "
----------------------------------

يقول الأستاذ راتب النابلسي:
لي صديق توفي ـ رحمه الله ـ كان شاباً يعمل في سوق الحميدية، عنده رغبة أن يجمع قمامة المحل بعلبة، ثم يلفها بورق فخم جداً، مع شريطة حمراء، مع وردة، ويضعها على طرف الرصيف، يأتي إنسان يظن فيها مُطيف ألماس فيحملها ويسرع، يلحقه، يمشي مئتي متر ويفك الشريط، يتابعه، مئتا متر ثانية يفك الربطة، مئتا متر ثالثة يفك الورق، يفتح حتى يشاهد المطيف الألماس فيجد قمامة المحل، خيبة أمل الإنسان وهو شاب لا يشعر بحقيقة الحياة الدنيا أما حينما يقترب اجله يعرف حقيقة الحياة الدنيا البطولة أن تعرفها وأنت شاب إن عرفتها وأنت على مشارف المغادرة هذا شيء طبيعي، تغر وتضر وتمر، اعرفها أسعد الناس بها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم بها


الحقيقة ثمانية وخمسين آية في القرآن الكريم وردت فيها الحياة الدنيا بشكل مفصل:
﴿ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ
المتاع من المتعة يعني لذة عابرة، الإنسان يأكل أكلة ربع ساعة انتهى الأكل فإذا امتلأت المعدة بطعام خشن أو طعام نفيس بعد ربع ساعة كلاهما سواء، فلذة عابرة أما السعادة المستقرة بمعرفة الله، فرق بين اللذة والسعادة، اللذة عابرة ويعقبها ندم والسعادة متنامية إلى ما لا نهاية، الله عز وجل، مرة سألني واحد أنه متعلق بالدنيا تعلق شديد حتى يفهم أمور الدين فهم يتوافق مع مذاجه،

الله عز وجل قال:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
ملخص الملخص، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرخ لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
والحمد لله رب العالمين
 
كلام جميل جدا لشيخي النابلسي ( يتحدث فيه عن الغرور عند طلاب العلم)

المغتر يرى خلاف الواقع، الواقع هو المقياس، إذا توهَّمت شيئاً على خلاف ما هو عليه فأنت مغتر، والغرور يساوي الجهل، بل إن تعريف العلم الدقيق: الوصف المطابق للواقع مع الدليل
موضوع الغرور طويل جدا أنا أقصر هذا الدرس على طلاب العلم فقط، على روَّاد المساجد
قد تجد إنسان أتقن شيء ؛ أتقن فرعاً من فروع الدين، وقد يكون فرع جُزئي جداً، إذا به يغتر، ويظن أن هذا الفرع هو الدين كله، ويستعلي على بقية الناس، ويقيِّمهم في ضوء هذا العلم الذي أتقنه، هذا غرور.
أتقن الفقه فظن أن الفقه هو كل شيء، فهناك غير هذا كعلم العقيدة، وفي علم السلوك، وفي السلوك إلى الله عزَّ وجل، تطهير القلب، ظن أن الفقه هو الدين، إنسان ظن أن التجويد هو الدين، التجويد جزء من الدين وليس هو الدين كلَّه، إنسان ظن أن علم المواريث هي الدين، إنسان ظن أن علم القراءات هي الدين، علم القراءات جزء من الدين، هذه كلها أجزاء من الدين، فالإنسان إذا توهَّم هذا الجزء كلاَّ وقع في الغرور.
هؤلاء الذين يحضروا مجالس العلم، هؤلاء الذين يرتادون المساجد، هؤلاء الذين يعتقدون أنهم على حق، وأنهم تفوَّقوا، وأنهم نجوا، هؤلاء قد تزل أقدامهم إلى غرورٍ خطير.


  1. هناك فئةٌ من طلاَّب العلم أحكموا العلوم الشرعيَّة والعقليَّة، وأهملوا تفقُّد الجوارح وحفظها عن المعاصي، أي معه شهادة، شيخه فلان، من المعهد الفلاني، بتفوُّق، بشهادة كبيرة جداً، أما غض بصره، ضبط لسانه، تحرير دخله ما في دقَّة، يسهر، يلعب نرد، يشرب أرجيلة، فهذه الأمور بسيطة، أما هو معه الشهادة الفلانيَّة، من المعهد الفلاني ـ وانتهى الأمر ـ هؤلاء الذين أتقنوا العلوم الشرعية والعقلية، وأهملوا تفقُّد الجوارح وحفظها عن المعاصي، لم يلزموا أنفسهم بالطاعات، اغتروا بعلمهم، ظنوا أنهم من الله بمكان، ولو نظر هؤلاء بعين البصيرة، علموا أن علم المعاملة لا يراد به إلا العمل.
    لو أنك علمت كيف تعمل لا تنجو، ينبغي أن تعمل، علمت كيف تعمل، كيف تزكي نفسك، هذا لا يجدي، فالقصد أن تزكي نفسك، وهذه منزلق خطير جداً، تعلم كيف تكون التزكية، يجب أن تزكي نفسك، لا أن تعلم كيف تزكي نفسك،

    حدَّثني أخ فقال لي: والله في مدرسة شرعيَّة رجل من أهل العلم، ألقى درس للصف الحادي عشر عن الكبر، مذمة الكبر. قال لي: والله أبدع إبداع، تفوق تفوُّق، لمَّ الموضوع من كل أطرافه، وأتى بشواهد من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وقصص التابعين، شيء رائع جداً، فلما انتهى الدرس، دخل إلى غرفة المدرسين، ولفَّ رجلاً على رجل، وانزوى ولم يشعر أن أحداً من الحاضرين له أن يكلِّمه، هو فوق ذلك، هو قبل دقائق كان يتحدَّث عن الكِبْر، وهو في أعلى درجة من الكبر وهو لا يدري.

    لا ينبغي أن تتعلَّم كيف تكون التزكية ؛ بل لابدَّ من أن تزكي نفسك. في منزلق خطير في حلقات العلم، أنه يكتفي بالعلم ولا يعمل

    أنت تعلِّم أن الغيبة حرام، وأن المغتاب يقع في أشد أنواع الإثم ثم أنت لا تتورَّع أن تغتاب كل المسلمين، بل كل العلماء. كنت مرَّة في جلسة فلفت نظري أن كل واحد نصَّب نفسه وصي على كل العلماء، وبدأ يشرِّحهم واحداً واحداً، وهو لم يقدِّم شيئاً للمسلمين، فقلت لهم: أنا لا أسمع منكم أي كلام ما لم تعملوا عملاً لخدمة المسلمين، وتأتوا به في الأسبوع القادم، وإلا النقد سهل جداً
    =============================
  2. لفرقة الثانية: أحكمت العلم والعمل الظاهر ؛ جوارحه ضبطها، دخله ضبطه، تعلَّم علماً شرعياً وطبَّقه في حياته العملية، نقول: هذا الإنسان في عنده ورطة، هذه قد لا يعتني بقلبه، هو صار كامل علم وعمل، لكن ما طهَّر قلبه من العجب، من الكبر، من الحسد، هذه أمراض القلب مهلكة، فلا يكفي أن تتعلَّم وأن تعمل بما عملت، بل ينبغي أن تتعلَّم، وأن تعمل بما علمت، وأن تزكي نفسك والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ)) صحيح مسلم
  3. الآن الفرقة الثالثة، قال: فرقةٌ ثالثة من طلاب العلم علموا أن هذه الأخلاق الباطنة مذمومة، إلا أنهم بعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكّون عنها. الثالثة علمت أن هناك أمراض في القلب مهلكة، لكنهم توهَّموا أنهم معافون منها، فإذا تكبَّر يقول لك: هذه عزَّ الطاعة. وإذا تطاول يقول لك: هذه تأديب للآخرين ، وإذا تقرَّب إلى قوي قال: لصالح المسلمين أفعل هذا. هو يعلم أن في القلب أمراض لكنه يؤوِّلها تأويل لصالحه. فيكون عنده أمراض لم ينجو منها لكنه يفسرها تفسيراً لصالحه، هذه مشكلة كبيرة جداً، وهذا الشيء واقع
    ========================
  4. حالة أخرى وهي فرقةٌ أحكموا العلم، وطهَّروا جوارحهم، وزيَّنوها بالطاعات، وتفقَّدوا قلوبهم بتصفيتها من الرياء والحسد والكبر، ولكن بقيت في زوايا القلب خفايا من مكائد الشيطان، وخِدَعِ النفس لم يفطنوا لها، وأهملوها، فترى أحدهم يسهر ليله، ويعمل في النهار كل الأعمال الصالحة، ويرى أن باعثه على ذلك الحرص على إظهار دين الله، هكذا يرى، وربما كان الباعث طلب الذكر وانتشار السيط، فلو إنسان طعن فيه، أو قلَّل من قدره تجده يقيم النكير.

    فأنت تقول: الهدف نشر دين الله عزَّ وجل، فلماذا غضبت هذا الغضب حينما مسَّت شخصيَّتك ؟ هذه حالة دقيقة جداً، هم تعلَّموا، وعملوا، وطهَّروا قلوبهم، لكن بقيت في زوايا قلوبهم بعض الأمراض، هم توهَّموا أنهم ينشرون دين الله عزَّ وجل، لكن غاب عنهم أنهم يطلبون الذكر والسيط بين الناس، إما صريحاً بالدعاوى الطويلة العريضة، وإما ضمناً بالطعن بالآخرين، لكن لا شعوري، كلَّما سمع من إنسان كلمة يعطي طعن، أن هذه غلط وأنا الصح، غلط أنا الصح، بالمناسبة الله عزَّ وجل ذمَّ هؤلاء الذين يزكون أنفسهم فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
    ===========================
  5. في ناس أولعوا بالخلافيَّات، همَّه الأول أن يأتي بالرأي، والرأي المخالف، وحجج الفرقة الأولى، والرد على هذه الحُجَج، وحجج الفرقة الثانية، ورده على هذه الحجج، فقد ضيَّع كل حياته في القيل والقال، وإن الله كما قال عليه الصلاة والسلام: كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ))
    ==========================
  6. وفي ناس اشتغلوا بعلم الكلام، والمنطق، والفلسفة الإغريقيَّة، هؤلاء أيضاً زلَّت أقدامهم، ولم يعلموا أن الدين ليس بحاجةٍ إلى علمٍ هجين، الدين دين الله، الكتاب والسنة يكفي، هل يجب أن تتعلَّم منطق اليونان لكي تفهم العقيدة ؟ يجب أن تتعلَّم علوم الإغريق كي تكون مؤمناً ؟ مستحيل. ورد في الحديث الصحيح أنه:(مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ))

    والله مرة واحد سألني سؤال فقال لي: نحن في القرية مختلفين، ومتناقشين، ومتنازعين على تعريف التهجُّد بدقَّة، وتعريف قيام الليل، اختلفوا إذا الإنسان نام واستيقظ هل هذا تهجُّد أم هو قيام ليل ؟ قلت له: أنا أنصحك أن تستيقظ في هذا الليل، وتصلي ركعتان بإخلاص وخشوع، وقل له: يا رب أنا لا أدري ما اسم هذه الصلاة ولكن اقبلها مني فقط. ما صلَّى بحياته قيام الليل ولا تهجَّد، وغارقاً بالفرق بين قيام الليل والتهجُّد، أي واحد يكون قيام الليل هل هو القيام بعد النوم، أم الصلاة قبل النوم، واقع في هذا الجدل ولم يفكر أن يصلي قيام الليل، هذه مشكلة يعاني منها المسلمون، فأكثر المسلمين في قضايا صغيرة كثير يكبِّرها.
    ==========================
  7. هناك أيضاً فرقة أخرى اشتغلت بالوعظ، الوعظ عن طريق القصص، والقصص غير الصحيحة، والأحاديث الضعيفة، يجب أن يأتي بشيء غريب، الإغراب مرض في الدعوة، حديث ضعيف، أنت اذكر حديث صحيح يعرفه كل الناس، وعمِّق فهمك له، واشرحه شرح طويل، لا تنزعج من حديث معروف، ابقَّ في الصحاح، واشرح حديث مألوف معروف لكن تعمَّق في شرحه، أحسن ما تضيِّع الناس بشيء في عليه إشكال
    ===========================
  8. في أناس اشتغلوا بالأشعار والأدب، تجد دعوة إلى الله مضمونها كله شعر، وأحياناً شعر غزلي، الحقيقة هو ممتع، في أشياء ممتعة بالأدب، لكن هل من المعقول تكون دعوة إلى الله في جامع أكثرها شعر وصف، بل وصف مثير ؟ هذا الشيء كذلك فيه انحراف بالدعوة.

    لو أنه في بلد لا توجد فيها إذاعة، وأراد المسؤولون أن يمنعوا التجوُّل، فوضعوا إعلانات في الطرقات، إعلانات بمنع التجول تحت طائلة إطلاق الرصاص. فجاء واحد قال: والله هذا الورق لا يوجد مهنه، ورق مبرغل، هذا الورق غير وطني، هذا حتماً مستورد، فدقق فهنا جاءت حروف أجنبيَّة من ضمن تصنيع الورق، انتبه، والثاني انتبه للخط هذا ليس خط، هذا تنضيد حروف، هذا خط خطاط، وانتبه واحد لنوع الحبر فيه لمعة، ولا أحد انتبه لمضمون البلاغ، وهو يفكر بالخط جاءته رصاصة فقتلته، تقرأ البلاغ وتذهب إلى بيتك فقط، يجب تهتم بالمضمون.

    الآن في كثير دعوة قضية أن القرآن فيه إعجاز عددي، سبعة وتسعة عشر، وحساب الأرقام، لكن وفي النهاية ؟!! هذا كتاب منهج هل قرأته ؟ هل فهمت المضمون ؟ هل عملت به ؟ هل جعلته دستوراً لك في حياتك ؟ فأخطر شيء في انحراف الدعوة أن تخرج الدعوة عن مسارها الصحيح إلى فروع جانبيَّة، تستهلك في هذه الفروع، ولا تؤتي ثمارها كما أرادها الله عزَّ وجل

    يقول لك: إذا ما أتقنت الأربعة عشر شدة في الفاتحة، إن لم تأتِ بها فالصلاة باطلة، هذا غرور كذلك، مبالغة، فالله عزَّ وجل يقبل من إنسان أن يقرأ الفاتحة وسورة، ويركع ويسجد، الشيء المقبول لا بالتقعُّر، لهذه الدرجة ينسى الإنسان الصلاة كلها، هو يهتم بالشدات فيضيع عليه المعنى والخشوع في الصلاة كلها، في مبالغات كثيرة جداً.
    ==========================
  9. في أناس اهتموا بالنوافل وتركوا الفرائض. يجب عليه أن يقبل الحجر الأسود، فيضرب واحد، ويرفس واحد، ويزيح واحد، فيرتكب عشر مخالفات ليقبِّل الحجر، أنا والله مرَّة شهدت في بعض الحجج، اخترت يوم في الساعة الثالثة قبل العصر بربع ساعة، والحرارة ثمانية وخمسين، وبعدما انتهى الحج بعشرين يوم، واقفين خمسين واحد، لو وقفوا بالدور لقبَّلوا الحجر في دقائق، لكن يطلع الواحد من التقبيل كأنه معصور بغسَّالة.
    ===========================
  10. في ناس اختصوا بالحيَل الشرعيَّة، يظن نفسه شاطر، قبل نهاية الحول يهب ماله لزوجته، فلما وُهِبَت هذا المال ما مضى عليها الحول، فإذا اقترب حوَلان الحول تهبه لزوجها، يطلع أنه كل حياته ما دفع زكاة، قبل نهاية الحول يهبه لزوجته، وقبل نهاية حولها تهبه لزوجها، وانتهى الأمر، ومختصين بالحيَل الشرعية، مع أن الحيل الشرعية لها جواب، ولها درس طويل، الحيل الشرعية مسموح بها الإيجابيَّة فقط، الإيجابية أي أنك تحتال على عمل صالح، إنسان لا يأخذ منك صدقة، تحتال بطريقة أنها بشكل هدية، الإيجابيات فقط، أما من أجل التهرُّب من التكاليف فترتكب حيلة شرعيَّة !!


باب الغرور طويل، وأنا اقتصرت على غرور يظهر عند طلاَّب العلم الشرعي،
أما غرور أهل الدنيا، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)﴾
 
عودة
أعلى