مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
فيكثر في شهر رمضان الحديث عن تدبر القرآن ، وقد سمعت في هذا الشهر أحاديث عنه ، فرأيت أن أطرح بعض اللفتات في هذا الموضوع ، فأقول مستعينًا بالله .
1 ـ يغفل بعض الناس عن أن تطلُّب فهم الآية على وجهها الصحيح نوع من التدبر ، والحقيقة أنه أصل من أصول تدبر القرآن إذ على الفهم السليم تُبنى الفوائد والاستنباطات السليمة في الغالب .
2 ـ إن استنباط الفوائد العلمية بعمومها هو نوع من تدبر القرآن ، وهذا مما قد يغفل بعض الناس عن إدخاله في التدبر ، ولو قرأت لمثل السهيلي ( ت : 581 ) في كتابه ( نتائج الفكر ) لوقفت على عجب من العجب في استنباط دقائق المعاني من كتاب الله تعالى ، يطرب لها الباحثون عن لطائف الآيات ودقائقها .
ولعلي أسوق لك من كتابه هذا ما يشجعك على اقتناء كتب هذا العلم الفذِّ ، فمن فوائده الماتعة :
ــ قال السهيلي : ( فإن قيل : كيف جاز ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( واذكر اسم ربك ) ، والمقصود بالذكر والتسبيح هو الرب تبارك وتعالى ، لا اللفظ الدال عليه ؟
قيل : هذا سؤال قد كعَّ ( جبن وضعف ) عنه أكثر المحصلين ، ونكتة عجز عنها أكثر المتأولين ... والقول السديد في ذلك ـ والله المستعان ـ أن نقول : الذكر على الحقيقة محله القلب ؛ لأنه ضد النسيان ، والتسبيح نوع من الذكر ، فلو أطلق التسبيح والذكر لما فهم منه إلا ذلك ، والله ـ عز وجل ـ إنما تعبدنا بالأمرين جميعًا ، ولم يتقبل من الإيمان إلا ما كان قولا باللسان ، واعتقادًا بالجنان ، فصار معنى الآيتين على هذا : اذكر ربك ، وسبح ربك بقلبك ولسانك ، ولذا أقحم الاسم تنبيهًا على هذا المعنى حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان ، لأن الذكر بالقلب متعلَّقه المسمى المدلول عليه بالاسم دون سواه ، والذكر باللسان متعلَّقه اللفظ مع ما يدل عليه ؛ لأن اللفظ لا يراد لنفسه ، فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبَّح دون ما يدل عليه من المعنى ، هذا ما لا يذهب إليه خاطر ، ولا يتوهمه ضمير ، فقد وضحت تلك الحكمة التي من أجلها أقحم ذكر الاسم ، وأنه به كملت الفائدة ، وظهر الإعجاز في النظم ، والبلاغة في الخطاب ، فهذه نكتة لمن تدبرها خير من الدنيا بحذافيرها ، والحمد لله على ما فهَّم وعلَّم )) نتائج الفكر ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ( ص : 44 ـ 45 ) .
3 ـ يفهم بعض الناس أن التدبر هو تنزيل الآيات على واقعه ، وأنه متى وجد مصداق معنى الآية أو شيئًا مما يشير إلى واقعه في الآية ، قال : هذا التدبر ، ولعمر الله إنه لمحقٌّ ، لكن من دون قصر التدبر على هذه الصورة .
وقد وجدت أن هذه الصورة تقوم على القياس والمثال ، فالمتدبر الذي يربط الآية التي لا ينتبه كثيرون إلى مرماها الذي وصل إليه ، المستخرج من القرآن أحكام واقعه اليومي = مما يَمُرُّ به أو بإخوانه المؤمنين أو غيرهم من الكافرين في شرق الأرض وغربها ، = إنما يقوم بنوع من أعلى أنواع التدبر .
وبهذا النوع يولع كثير من الناس ، ولا ملامة في ذلك ، بل ذلك عين ما يريده المسلم المصدق بكتاب ربه ، المتفهم لمعاني كلامه ومراميه العظام ، وإليه يشمر الكاتبون في التدبر ، وإنما أردت التنبيه على كونه يقوم على قياس الواقع بالآية ، ثم ربطه بها على انه مثال مما تتحدث عنه الآية أو تشير إليه ، وقد سقت في هذا الملتقى مثالاً من أول سورة القصص ، وقد علق عليه أخي عبد الرحمن الشهري بمثل ذلك ، وكل ذلك داخل في باب القياس والتمثيل .
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4114
4 ـ قد يختلط على المتأمل مرحلة التأثر بالقرآن ، ويظنها من التدبر ، وهي في الحقيقة ليس كذلك ، لأن التدبر ـ في حقيقته ـ عملية عقلية بحته ، يجريها المتدبر لكلام الله ، فيخرج ببعض الفوائد والاستنباطات .
أما التأثر بالقرآن الذي حكاه الله تعالى في قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ، فإن هذا له أسباب متعددة منها التدبر ، وفهم المعنى ، والحالة التي يكون عليها التالي لكتاب الله ، والحالة التي يكون عليها السامع وغير ذلك .
وأخيرًا ، أحذر نفسي وإخواني من أن الكلام في الآيات تفهمًا وتدبرًا على غير المنهاج الصحيح هو من القول على الله بغير علم ، وقد قال الله تعالى في هذا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فالحذر الحذر من الكلام في القرآن بلا علم ، لئلا ندخل في ما حرَّم الله .
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد ، وأن يفتح لنا من كتابه الكريم ما انغلق علينا حفظًا ، وفهمًا ، وتدبرًا ، وعملاً .
فيكثر في شهر رمضان الحديث عن تدبر القرآن ، وقد سمعت في هذا الشهر أحاديث عنه ، فرأيت أن أطرح بعض اللفتات في هذا الموضوع ، فأقول مستعينًا بالله .
1 ـ يغفل بعض الناس عن أن تطلُّب فهم الآية على وجهها الصحيح نوع من التدبر ، والحقيقة أنه أصل من أصول تدبر القرآن إذ على الفهم السليم تُبنى الفوائد والاستنباطات السليمة في الغالب .
2 ـ إن استنباط الفوائد العلمية بعمومها هو نوع من تدبر القرآن ، وهذا مما قد يغفل بعض الناس عن إدخاله في التدبر ، ولو قرأت لمثل السهيلي ( ت : 581 ) في كتابه ( نتائج الفكر ) لوقفت على عجب من العجب في استنباط دقائق المعاني من كتاب الله تعالى ، يطرب لها الباحثون عن لطائف الآيات ودقائقها .
ولعلي أسوق لك من كتابه هذا ما يشجعك على اقتناء كتب هذا العلم الفذِّ ، فمن فوائده الماتعة :
ــ قال السهيلي : ( فإن قيل : كيف جاز ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( واذكر اسم ربك ) ، والمقصود بالذكر والتسبيح هو الرب تبارك وتعالى ، لا اللفظ الدال عليه ؟
قيل : هذا سؤال قد كعَّ ( جبن وضعف ) عنه أكثر المحصلين ، ونكتة عجز عنها أكثر المتأولين ... والقول السديد في ذلك ـ والله المستعان ـ أن نقول : الذكر على الحقيقة محله القلب ؛ لأنه ضد النسيان ، والتسبيح نوع من الذكر ، فلو أطلق التسبيح والذكر لما فهم منه إلا ذلك ، والله ـ عز وجل ـ إنما تعبدنا بالأمرين جميعًا ، ولم يتقبل من الإيمان إلا ما كان قولا باللسان ، واعتقادًا بالجنان ، فصار معنى الآيتين على هذا : اذكر ربك ، وسبح ربك بقلبك ولسانك ، ولذا أقحم الاسم تنبيهًا على هذا المعنى حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان ، لأن الذكر بالقلب متعلَّقه المسمى المدلول عليه بالاسم دون سواه ، والذكر باللسان متعلَّقه اللفظ مع ما يدل عليه ؛ لأن اللفظ لا يراد لنفسه ، فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبَّح دون ما يدل عليه من المعنى ، هذا ما لا يذهب إليه خاطر ، ولا يتوهمه ضمير ، فقد وضحت تلك الحكمة التي من أجلها أقحم ذكر الاسم ، وأنه به كملت الفائدة ، وظهر الإعجاز في النظم ، والبلاغة في الخطاب ، فهذه نكتة لمن تدبرها خير من الدنيا بحذافيرها ، والحمد لله على ما فهَّم وعلَّم )) نتائج الفكر ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ( ص : 44 ـ 45 ) .
3 ـ يفهم بعض الناس أن التدبر هو تنزيل الآيات على واقعه ، وأنه متى وجد مصداق معنى الآية أو شيئًا مما يشير إلى واقعه في الآية ، قال : هذا التدبر ، ولعمر الله إنه لمحقٌّ ، لكن من دون قصر التدبر على هذه الصورة .
وقد وجدت أن هذه الصورة تقوم على القياس والمثال ، فالمتدبر الذي يربط الآية التي لا ينتبه كثيرون إلى مرماها الذي وصل إليه ، المستخرج من القرآن أحكام واقعه اليومي = مما يَمُرُّ به أو بإخوانه المؤمنين أو غيرهم من الكافرين في شرق الأرض وغربها ، = إنما يقوم بنوع من أعلى أنواع التدبر .
وبهذا النوع يولع كثير من الناس ، ولا ملامة في ذلك ، بل ذلك عين ما يريده المسلم المصدق بكتاب ربه ، المتفهم لمعاني كلامه ومراميه العظام ، وإليه يشمر الكاتبون في التدبر ، وإنما أردت التنبيه على كونه يقوم على قياس الواقع بالآية ، ثم ربطه بها على انه مثال مما تتحدث عنه الآية أو تشير إليه ، وقد سقت في هذا الملتقى مثالاً من أول سورة القصص ، وقد علق عليه أخي عبد الرحمن الشهري بمثل ذلك ، وكل ذلك داخل في باب القياس والتمثيل .
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4114
4 ـ قد يختلط على المتأمل مرحلة التأثر بالقرآن ، ويظنها من التدبر ، وهي في الحقيقة ليس كذلك ، لأن التدبر ـ في حقيقته ـ عملية عقلية بحته ، يجريها المتدبر لكلام الله ، فيخرج ببعض الفوائد والاستنباطات .
أما التأثر بالقرآن الذي حكاه الله تعالى في قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ، فإن هذا له أسباب متعددة منها التدبر ، وفهم المعنى ، والحالة التي يكون عليها التالي لكتاب الله ، والحالة التي يكون عليها السامع وغير ذلك .
وأخيرًا ، أحذر نفسي وإخواني من أن الكلام في الآيات تفهمًا وتدبرًا على غير المنهاج الصحيح هو من القول على الله بغير علم ، وقد قال الله تعالى في هذا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فالحذر الحذر من الكلام في القرآن بلا علم ، لئلا ندخل في ما حرَّم الله .
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد ، وأن يفتح لنا من كتابه الكريم ما انغلق علينا حفظًا ، وفهمًا ، وتدبرًا ، وعملاً .