تدارس ما رجحه ابن جرير الطبري في قوله تعالى (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله)

إنضم
24/05/2010
المشاركات
34
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بطلب من الشيخ د. محمد جابر (أبي مجاهد العبيدي) حفظه الله ووفقه
نضع بين أيدي الأخوة الكرام هذه المسألة للتدارس والبحث:
ما الذي رجحه ابن جرير الطبري في تأويل قوله تعالى (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) من سورة الأحقاف؟
ولماذا رجحه؟
وما المستفاد من أسلوب ابن جرير في هذا الترجيح؟
 
هذا نص ما أورده الإمام ابن جرير- رحمه الله - : ( وَقَوْلُهُ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مِثْلِهِ ، يَعْنِي عَلَى مِثْلِ الْقُرْآنِ ، قَالُوا : وَمِثْلُ الْقُرْآنِ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ مُوسَى بِالتَّصْدِيقِ التَّوْرَاةُ .

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :


حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ : ثَنَا دَاوُدُ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فَخَاصَمَ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، التَّوْرَاةُ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَمُوسَى مِثْلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ : سُئِلَ دَاوُدُ ، عَنْ قَوْلِهِ : [ ص: 103 ] ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ) . . . الْآيَةَ ، قَالَ دَاوُدُ قَالَ عَامِرٌ قَالَ مَسْرُوقٌ : وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا بِمَكَّةَ ، وَمَا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ ، وَلَكِنَّهَا خُصُومَةٌ خَاصَمَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا قَوْمَهُ ، قَالَ : فَنَزَلَتْ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) قَالَ : فَالتَّوْرَاةُ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَمُوسَى مِثْلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَبِرَسُولِهِمْ ، وَكَفَرْتُمْ .

حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : أُنَاسٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ شَاهِدًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ ; وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَسْرُوقٌ أَنَّ آل حم ، إِنَّمَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُحَاجَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمَهُ ، فَقَالَ : ( أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) يَعْنِي الْقُرْآنَ ( وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ ) مُوسَى وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْفُرْقَانِ .

حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ قَالَ : ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى مِثْلِهِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَسْرُوقٌ أَنَّ آل حم إِنَّمَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُحَاجَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهِ ، فَقَالَ : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) يَعْنِي الْفُرْقَانَ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فَمِثْلُ التَّوْرَاةِ الْفُرْقَانُ ، التَّوْرَاةُ شَهِدَ عَلَيْهَا مُوسَى ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْفُرْقَانِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ .

حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ قَالَ : ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُدُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ . عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) الْآيَةَ ، قَالَ : كَانَ إِسْلَامُ ابْنِ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِمَكَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ خُصُومَةٌ بَيْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ ، فَقَالَ : ( نَذِيرٌ مُبِينٌ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) قَالَ : التَّوْرَاةُ مِثْلُ الْفُرْقَانِ ، وَمُوسَى مِثْلُ مُحَمَّدٍ ، فَآمَنَ بِهِ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : آمَنَ هَذَا الَّذِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنَبِيِّهِ وَكِتَابِهِ ، وَاسْتَكْبَرْتُمْ أَنْتُمْ ، فَكَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ وَكِتَابَكُمْ ، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي ) . . . إِلَى قَوْلِهِ ( هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) .

وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِقَوْلِهِ (
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَامِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ بِالتَّصْدِيقِ ، قَالُوا : وَمِثْلُ الْقُرْآنِ التَّوْرَاةُ .

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :


حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التَّنِّيسِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ; قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَتْ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) .

حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ : ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أُنْزِلَ فِيَّ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) . . . إِلَى قَوْلِهِ ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .

حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ : ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : نَزَلَتْ فِيَّ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ ص: 105 ] فَقَالَ : إِنَّا نَجَدُهُ فِي التَّوْرَاةِ ، وَكَانَ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، وَأَعْلَمَهُمْ بِالْكِتَابِ ، فَخَاصَمَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ " ؟ " أَتُؤْمِنُونَ" ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، فَقَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ؟" قَالَ : نَعَمْ ، فَأَعْرَضَتِ الْيَهُودُ ، وَأَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - عَنْهُ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) يَقُولُ : فَآمَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ .

حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : ثَنَا عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ : ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) قَالَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ .

حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ ، كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ ، وَكَانَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ .

حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) ؟ قَالَ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ .

حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) الشَّاهِدُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَكَانَ مِنَ الْأَحْبَارِ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَهُودِ ، فَأَتَوْهُ ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالَ : " أَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ تَجِدُونَنِي مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَوْرَاةِ" ؟ قَالُوا : لَا نَعْلَمُ مَا تَقُولُ ، وَإِنَّا بِمَا جِئْتَ بِهِ كَافِرُونَ ، فَقَالَ : " أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ عِنْدَكُمْ" ؟ قَالُوا : عَالِمُنَا وَخَيْرُنَا ، قَالَ : " أَتَرْضَوْنَ بِهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : " مَا شَهَادَتُكَ يَا ابْنَ [ ص: 106 ] سَلَامٍ" ؟ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّ كِتَابَكَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَآمَنَ وَكَفَرُوا ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .

حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : ثَنَا عَوْفٌ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَنْ يُسْلِمَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمَتِ الْيَهُودُ أَنِّي مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، وَأَنَّ أَبِي كَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَكَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، فَأَرْسِلْ إِلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، وَمَنْ سَمَّاهُ مِنَ الْيَهُودِ ، وَأَخْبِئْنِي فِي بَيْتِكَ ، وَسَلْهُمْ عَنِّي ، وَعَنْ أَبِي ، فَإِنَّهُمْ سَيُحَدِّثُونَكَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ ، وَأَنَّ أَبِي مِنْ أَعْلَمِهِمْ ، وَإِنِّي سَأَخْرُجُ إِلَيْهِمْ ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَكَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، وَأَنَّكَ بُعِثْتَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ، قَالَ : فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَبَّأَهُ فِي بَيْتِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ" ؟ قَالُوا : أَعْلَمُنَا نَفْسًا . وَأَعْلَمُنَا أَبًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ تُسْلِمُونَ" ؟ قَالُوا : لَا يُسْلِمُ ثَلَاثَ مِرَارٍ ، فَدَعَاهُ فَخَرَجَ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَكَ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، وَأَنَّكَ بُعِثْتَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : مَا كُنَّا نَخْشَاكَ عَلَى هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ قَالَ : فَخَرَجُوا كُفَّارًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي ذَلِكَ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) .

حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) قَالَ : هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، شَهِدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِتَابَهُ حَقٌّ ، وَهُوَ فِي التَّوْرَاةِ حَقٌّ ، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ .

حَدَّثَنِي
أَبُو شُرَحْبِيلَ الْحِمْصِيُّ قَالَ : ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ : ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ [ ص: 107 ] الْأَشْجَعِيِّ قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مَعَهُ ، حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيسَةَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ ، فَكَرِهُوا دُخُولَنَا عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَرُونِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، يُحْبِطِ اللَّهُ عَنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الْغَضَبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ" قَالَ : فَأُسْكِتُوا فَمَا أَجَابَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمَّ ثَلَّثَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَانْصَرَفَ وَأَنَا مَعَهُ ، حَتَّى إِذَا كِدْنَا أَنْ نَخْرُجَ نَادَى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِنَا : كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : فَأَقْبَلَ ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ : أَيُّ رَجُلٍ تَعْلَمُونِي فِيكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، قَالُوا : وَاللَّهُ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَلَا أَفْقَهُ مِنْكَ ، وَلَا مِنْ أَبِيكَ ، وَلَا مِنْ جَدِّكَ قَبْلَ أَبِيكَ ، قَالَ : فَإِنِّي أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، قَالُوا كَذَبْتَ ، ثُمَّ رَدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَقَالُوا لَهُ شَرًّا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " كَذَبْتُمْ لَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ ، أَمَّا آنِفًا فَتُثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَثْنَيْتُمْ ، وَأَمَّا إِذْ آمَنَ كَذَّبْتُمُوهُ وَقُلْتُمْ مَا قُلْتُمْ ، فَلَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ" ، قَالَ : فَخَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ .

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي قَالَهُ مَسْرُوقٌ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فِي سِيَاقِ تَوْبِيخِ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ، وَاحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرَةُ سَائِرِ الْآيَاتِ قَبْلَهَا ، وَلَمْ يَجْرِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا لِلْيَهُودِ قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرٌ ، فَتُوَجَّهُ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ ، وَلَا دَلَّ عَلَى انْصِرَافِ الْكَلَامِ عَنْ قَصَصِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ مَعْنًى غَيْرَ أَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ وَرَدَتْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ ذَلِكَ عَنَى بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ ، وَالسَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَ ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ .

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَشَهِدَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، وَهُوَ الشَّاهِدُ مِنْ بَنِي [ ص: 108 ] إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ، يَعْنِي عَلَى مِثْلِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ ، وَذَلِكَ شَهَادَتُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ نَبِيٌّ تَجِدُهُ الْيَهُودُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ نَبِيٌّ . )


والمطلوب: ما القول الذي رجحه ابن جرير؟ وما سبب ترجيحه له؟ وماذا يستفاد من طريقته هذه في الترجيح؟.
 
القول الذي رجحه إبن جرير - رحمه الله - هو ان الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله ابن سلام - رضي الله عنه
سبب ترجيحه له: - مع أنه مخالف لظاهر القرآن من أن السياق هو في توبيخ الله تعالى لمشركي قريش و احتجاجا عليهم للنبي عليه الصلاة والسلام - أنه تأويل الصحابة و اكثر أهل التاويل و هم أعلم بالقرآن و معانيه و السبب الذي نزل من أجله و مراد الله تعالى به.
ويستفاد من طريقته - رحمه الله تعالى -: تقديم تفسير الصحابة و الأكثرية من أهل التأويل على المعنى الظاهر من السياق القرآني .

والله أعلم
 
لكن سؤالي هل هذه طريقة مطردة عند الإمام الطبري؟؟ فقد أشكل علي هذا النص

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
201alsh3er.gif
202alsh3er.gif


القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
قال أبو جعفر رحمه الله: قوله: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) أقسم الله جلّ ثناؤه بالسماء ذات البروج.
واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع، فقال بعضهم: عُنِي بذلك: والسماء ذات القصور. قالوا: والبروج: القصور.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال ابن عباس: قصور في السماء، قال غيره: بل هي الكواكب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( الْبُرُوجِ ) يزعمون أنها قصور في السماء، ويقال: هي الكواكب.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: والسماء ذات النجوم، وقالوا: نجومها: بروجها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال: البروج: النجوم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال: النجوم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) وبروجها: نجومها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والسماء ذات الرمل والماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا حصين بن نمير، عن سفيان بن حسين، في قوله: ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) قال: ذات الرمل والماء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة، ومن ذلك قول الله: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ هي منازل مرتفعة عالية في السماء، وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منـزلا ثم يستسرّ ليلتين، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر.​

هل تفسير الإمام الطبري لمعنى البروج هنا موافق لتفسير ابن عباس و أهل التأويل؟؟ أم هو شرح له ؟؟​
 
القول الذي رجحه إبن جرير - رحمه الله - هو ان الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله ابن سلام - رضي الله عنه
سبب ترجيحه له: - مع أنه مخالف لظاهر القرآن من أن السياق هو في توبيخ الله تعالى لمشركي قريش و احتجاجا عليهم للنبي عليه الصلاة والسلام - أنه تأويل الصحابة و اكثر أهل التاويل و هم أعلم بالقرآن و معانيه و السبب الذي نزل من أجله و مراد الله تعالى به.
ويستفاد من طريقته - رحمه الله تعالى -: تقديم تفسير الصحابة و الأكثرية من أهل التأويل على المعنى الظاهر من السياق القرآني .

والله أعلم

وفقك الله
إجابة موفقة

والغريب أن ابن عطية وابن جزي وابن كثير ذكروا أن ابن جرير رجح أنه موسى عليه السلام.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ( ... وقال مسروق بن الأجدع والجمهور : الشاهد موسى بن عمران عليه السلام ، والآية مكية ، ورجحه الطبري .)
وقال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل : ( ... الثالث أنه موسى عليه السلام ورجّح ذلك الطبري.)
وقال ابن كثير : ( قال مسروق، والشعبي: ليس بعبد الله بن سلام، هذه الآية مكية، وإسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة. رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم، واختاره ابن جرير.).

فهل هذا وهم منهم وخطأ، أم يمكن أن يكون هناك جواب آخر؟
 
لا أكتمك أني كنت في مدارسة لسورة الأحقاف منذ حوالي شهر و حصل لي مع بعض الإخوة بحث حول هذه الآية ، وعندما سألت -حفظك الله - هذا السؤال؟؟ تبادر لذهني مما أذكره من تلك المدارسة أن الذي قاله ابن جرير الجمع بين القولين من أنه الشاهد هو موسى عليه السلام و كذلك عبد الله ابن سلام لكني عند رجوعي الآن للتفسير رأيت شيئا مختلفا ، و عند القراءة الأولية لتفسير ابن جرير - رحمه الله - للآية تجد أنه رجح قول مسروق بقوله :
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي قَالَهُ مَسْرُوقٌ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) فِي سِيَاقِ تَوْبِيخِ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ، وَاحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْآيَةُ نَظِيرَةُ سَائِرِ الْآيَاتِ قَبْلَهَا ، وَلَمْ يَجْرِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا لِلْيَهُودِ قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرٌ ، فَتُوَجَّهُ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ ، وَلَا دَلَّ عَلَى انْصِرَافِ الْكَلَامِ عَنْ قَصَصِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ مَعْنًى انتهى

فلو أن قارئا قرأ هذا النص لربما لم يحتج لأن يكمل بقية الكلام ليحكم برأي الإمام ابن جرير

غير أن كلام الإمام فيما يلي هذه الآية : "وقوله ( فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) يقول: فآمن عبد الله بن سلام, وصدّق بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , وبما جاء به من عند الله, واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود "
 
شكر الله لكما هذا التواضع في المناقشة والمدارسة

لكن ألا يمكن الجمع بين القولين وأن الآية تحتمل الاسمين فموسى عليه السلام شهد على مثله أي التوراة، وعبدالله بن سلام رضي الله عنه شهد على مثله وهو التوراة كذلك.
فيقال أن المقصود موسى عليه السلام لأن السورة مكية، وتكرر نزولها بالمدينة تذكيراً بها بعد اسلام عبدالله بن سلام؟
 
أخي سالم وفقه الله، نعم ممكن ان يكون هذا و هو قريب مما ذكره الإمام الطاهر بن عاشور حول الآية و زاد فيه أن الآية تحتمل أن يكون فيه بشارة على إسلام شاهد من اليهود في عصر النبي عليه الصلاة والسلام - وهو عبد الله ابن سلام -
لكن موطن الحديث على رأي الإمام الطبري تحديدا و حول منهجه في الترجيح ليس إلا
 
جزى الله المشايخ الكرامَ على هذه المُدارسة النافعة , وليأذنوا لي بالتساؤل:

فيما يتعلق بمنهج ابن جرير:
@ هل في كلام الإمام رحمه الله جزمٌ واضحٌ بترجيحه حملَ معنى الآية على عبد الله بن سَلام رضي الله عنهُ وحدهُ دونَ موسى عليه السلامُ.؟
الظاهرُ - في قاصر نظري - عدمُ ذلكَ , إذ لو تحصل لنا الجزمُ لما كان للمدارسة معنىً , ولأنه رحمه الله تعالى قدم القول الأول (موسى عليه السلامُ) في الرتبة وهُو المُوافقُ للسياق ولعل هذا ما جعل مَن بعد الطبري من العُلماء ينقل ترجيحه أن الشاهدَ هو موسى , وأحسب هذا الظن أولى من الحكم بالوهم والخطإ , و يضاف لذلك أن من قواعد الطبري رحمه الله في مُراعاة السياق أنه لا يعدلُ عنهُ بغير دليل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينص على ذلك بقوله ( فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره ، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل ، أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم به حجة ، فأما الدعاوى فلا تتعذر على أحد ) , وسياقُ السورة كلهُ إنما كان في المشركين ولا يُعدل عن السياق بما ليس مُلزماً , لأنه رحمه الله علق الإلزام بالعدول عن السياق على وجود أحد دليلين:
* ظاهرُ التنزيل.
* الخبر الثابتُ عن الرسول صلى الله عليه وسلم
.
وليس بين يدينا شيءٌ من ذلك يُلجئنا للخروج عن قاعدته القيمة تلك , بل الموجود عكسُ ذلك.

وفيما يتعلقُ بالمعنى:
@ ألا يُمكنُ أن لا نَعتَبر المَعنى مُشكلاً ولا الخلافَ بين السلف موجوداً عند رد تفاسيرهم إلى القاعدة التي نص عليها شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه اللهُ بقوله في اختلاف التنوع بين المُفسرينَ ( أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِعِبَارَةِ غَيْرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرِ الْمَعْنَى الْآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى...) فموسى عليه السلامُ وعبد الله بنُ سلام رضي الله عنهُ كلاهُما شاهدٌ من بني إسرائيل , وفي كل منهُما معنىً أو وصفٌ ليس في الآخَر.؟

@ الأصلُ في الألفاظ العُمومُ , ولفظُ الشاهد هُنا لا ينبغي قصرهُ على واحد بعينه إلا بدليل , وما دام الدليلُ المُلزمُ المخصص للمُراد بشاهد معين غيرُ موجود , فالأولى حملُ اللفظ على عُمومه ليكونَ مراداً به كل شاهد , ومن جنس هذا الشاهد موسى عليه السلامُ وعبد الله رضي الله عنهما وغيرهما , كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ( وقوله تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِد) ليس المقصود شاهداً واحداً معيناً، وقول من قال: إنه عبد الله بن سلام ليس بشيء، فإن هذه نزلت بمكة قبل أن يعرف ابن سلام، ولكن المقصود جنس الشاهد).
 
لكن السؤال لماذا اثبت الإئمة ابن كثير و ابن جزي و ابن عطية قولا واحدا للطبري مع أنه صرح تصريحا واضحا بالقولين و مال إلى الثاني ؟؟
 
شكر الله لجميع من شارك في هذه المدارسة

وهذا موضوع سابق له تعلق بهذه المسألة:

منزلة السياق من قرائن الترجيح.
السياق ثابت في كل آية من كتاب الله تعالى، وهو أصلٌ في بيان معناها؛ لأنه لا يتعارض مع أي قرينة من القرائن، ولا يجوز الخروج بالآية عما دل عليه لفظها وسياقها.

ويقرر ذلك صاحب قواعد الترجيح في قاعدة مهمة فيقول" :كل تفسير ليس مأخوذاً من دلالة ألفاظ الآية وسياقها فهو رد على قائله"([1]).

وعليه فيكون السياق أصلاً مطرداً متفقاً مع جميع القرائن والأدلة في الآية، وقد تقرر هذا لدي واطرد في جميع تفسير سورة البقرة من خلال السياق وكفا بها شاهداً، ولم يمر عليّ مثال واحد في ترجيح معنى مخالف للسياق، وإنما يكون السياق مطردا مع القرائن الأخرى.

ويتقرر من هذا بأن السياق يأتي في المرتبة الأولى من حيث الاعتبار في معنى الآية، ويكون القول الذي يتوافق مع سياق الآية هو القول الصحيح المعتمد.

وقد قرر ذلك الزركشي بقوله: " ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له، وإن خالف أصل الوضع اللغوي لثبوت التجوز"([2]).

ويقرر ذلك صاحب قواعد الترجيح فيقول: "القول الذي تؤيده قرائن السياق مرجح على ما خالفه"([3]).

ولكن هنا مسألة مهمة يجب اعتبارها وهي أن معرفة السياق مبنية على الاجتهاد وغلبة الظن، وعليه فيكون تحديد السياق أمراً ظنياً لا قطعياً، ولهذا تجد الاختلاف في تحديد السياق في الآية الواحدة ([4]).

مسألة مهمة: تنازع دلالة السياق مع غيرها في معنى الآية .
قد يرد ما يدل ظاهراَ على تعارض بعض الأدلة مع السياق ، لكن التأمل الدقيق في التوفيق بينهما يؤدي إلى تبين الرابط أو المناسبة .

ومن ذلك :

أولاً: تعارض دلالة السياق مع الحديث أو مع تفاسير جمهور السلف.
ومثل لذلك قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف 10]، فقد ذكر ابن جرير الخلاف في الآية، وأن فيها قولين:

القول الأول: أنه موسى بن عمران عليه السلام، على مثله، يعني على مثل القرآن، قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة.

القول الثاني: أنه عنى به عبد الله بن سلام، قالوا: ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق. قالوا: ومثل القرآن التوراة، وهو الوارد عن جمهور السلف.

وقد رجح الطبري القول الأول لدلالة السياق ثم رجع إلى القول الثاني لكونه قول أكثر أهل التأويل من السلف. فقال":والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن الآية في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش، واحتجاجاً عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك عني به عبد الله بن سلام، وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل"([5]).

وبالتأمل نرى أنه لا تعارض بين القولين؛ لأن القول الثاني داخل في القول الأول؛ إذ هو استشهاد بالآية عليه، ولكن القول الأول هو الأصل في الآية ولا يمكن إغفاله لوجوه:

أولاً: أنه سياق السورة كلها والآية في خطاب المشركين، كما ذكر ابن جرير.

قال ابن جرير في تأويل الآية السابقة لهذه الآية: "الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية، والخبر خرج من الله عزّ وجلّ خطاباً للمشركين وخبرا عنهم، وتوبيخا لهم، واحتجاجا من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عليهم"([6]). فإذا كانت السورة كلها في المشركين، فما الذي يجعلنا نخص هذه الآية ونخرجها عن سياقها.

ثانياً: أن الآية نازلة في مكة، وعبد الله بن سلام لم يسلم إلا بعد الهجرة، فيكون تضمن الآية له على وجه العموم. ويؤكد ذلك ما أخرجه ابن جرير عن مسروق قال: (والله ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما أنزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بها قومه) ([7]).

وعلى هذا فلا يكون تفسير السلف مخالفاً للسياق، ولعل ما ورد عن السلف في تفسير الآية من باب دخوله في جنس الشاهد أو أن النبي صلى الله عليه وسلم استشهد بالآية عليه، وذكرها فيه، وهذا كثير في تفاسير السلف.

قال شيخ الإسلام":وقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِد} ليس المقصود شاهداً واحداً معيناً، وقول من قال: إنه عبد الله بن سلام ليس بشيء، فإن هذه نزلت بمكة قبل أن يعرف ابن سلام، ولكن المقصود جنس الشاهد"([8]).

قال ابن كثير":وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام"([9]).

ثانياً: تنازع دلالة السياق مع العموم.
كثيراَ ما يظهر تعارض القول بالعموم مع السياق الخاص في الآية عند الترجيح ، وبالنظر والتأمل يتبين أن القول بما يوافق السياق هو الأصل ، ولا يعارض ذلك القول بالعموم فيما هو في حكمه ، وبذلك يتفق العموم مع السياق الخاص ، لأن القاعدة الأصولية المعتبرة أن ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .

وما ذهب إليه صاحب قواعد الترجيح من قوله ":وقواعد العموم مقدمة على قواعد السياق وغيرها، فقواعد العموم أقوى من قواعد السياق"([10]).

وهذه القاعدة محل نظر ، لأنه لا تعارض بين قواعد العموم والسياق ، إذ السياق دال على حكم خاص يؤخذ منه العموم ، فكيف يقدم القول بالعموم .

ولذا نجده – وفقه الله - مع تقريره لهذه القاعدة إلا أنه قد بيّن تخصيص السياق للعموم في قاعدة أخرى فقال: قاعدة (يجب حمل نصوص الوحي على العموم ما لم يرد نص بالتخصيص)، ثم يبين المخصص بأنه السياق أو الدليل بقوله: (إلا أن يكون السياق يقتضي تخصيصها حتماً، أو يقوم الدليل على ذلك)([11]).

ولا يجوز بحال إخراج الآية عن سياقها إلى عموم غير مناسب للسياق لأن ذلك يخرج الآية عن مقصودها وغرضها وسياقها ، ومن هنا قلنا بلزوم الانطلاق من السياق في القول بالعموم ، ولهذا نستطيع القول بأن السياق هو المحدد للعموم والموجه له .

قال صاحب رسالة أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص: "هل يعد السياق عند العلماء مخصصاً للعام أم لا"؟.

قلما تعرض العلماء لهذه المسألة، ولكن ورد عن الشافعي في الرسالة ما يقتضي التخصيص بالسياق، فإنه بوب على ذلك فقال: (باب الذي يبين سياقه معناه) وأورد فيه قوله تعالى:{وأَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} فإن السياق أرشد إلى أن المراد أهلها، وهو قوله تعالى: +إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ" [الأعراف 163]) وما ذهب إليه قوي؛ لأن السياق نوع من القرائن، ولا ريب في أن الناس في مخاطباتهم يتركون العام لأجل القرينة الدالة على إرادة الخصوص، والشرع يخاطب الناس بحسب تعارفهم([12]).


--الحواشي -----------------------------------------------

([1]) ((قواعد التفسير عند المفسرين)) (2/349).
([2]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/317).
([3]) ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (2/299).
([4]) انظر: ((أثر السياق في النظام النحوي)) (ص93).
([5]) ((جامع البيان)) ((11/281)).
([6]) ((جامع البيان)) ((11/277)).
([7]) انظر: ((جامع البيان)) (11/278).
([8]) ((النبوات)) (1/177).
([9]) ((تفسير القرآن العظيم)) (7/278).
([10]) ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (1/66).
([11]) ((قواعد الترجيح عند المفسرين)) (2/528).
([12]) ((أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص)) (ص418).

تنبيه: للطحاوي في مشكل الآثار كلام حول هذه المسألة؛ فليرجع إليه من أراد التوسع.
 
التعديل الأخير:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وصحابته ومن والاه
تأويل ابن جرير الطبري كان على مستويين :
المستوى الأول :
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل، لأن قوله: { قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللَّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ } في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش، واحتجاجاً عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى،
المستوى الثاني :
غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به،
فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك، وشهد عبد الله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله، يعني على مثل القرآن، وهو التوراة، وذلك شهادته أن محمداً مكتوب في التوراة أنه نبيّ تجده اليهود مكتوباً عندهم في التوراة، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبيّ.
وإذا قارنا هذا مع ماجاء في تأويل الآية 101 من سورة الأعراف :
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }الأعراف101
حيث جاء في تأويل : " فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ"
قال : " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم ...
وقال آخرون...
وأشبه هذه الأقوال بتأويل الآية وأولاها بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن أبي بن كعب والربيع
وأما الذي قاله مجاهد من أن معناه : لو ردوا ما كانوا ليؤمنوا فتأويل لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا من خبر عن الرسول صحيح . وإذا كان ذلك كذلك ، فأولى منه بالصواب ما كان عليه من ظاهر التنزيل دليل ".
من ذلك نستنتج أن التأويل عند ابن جرير يكون حسب الترتيب التالي :
أولا : دليل ظاهر التنزيل + خبر الرسول صحيح
ثانيا : دليل ظاهر التنزيل + الأخبار الواردة عن جماعة من أصحاب رسول الله
ثالثا : خبر الرسول الصحيح مقدم عن الدليل من ظاهر التنزيل
رابعا : الأخبار الواردة عن جماعة من أصحاب رسول الله مقدمة عن الدليل من ظاهر التنزيل
خامسا : ما كان عليه من ظاهر التنزيل دليل
 
التعامل مع النص القرآني

التعامل مع النص القرآني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكر الإخوة الأساتذة على الإيضاح والبيان ، جزاهم الله خيرا ، وزادهم علما .
إن أمكن أريد أن أزيد نقطة واحدة كالتالي :

السياق أصل التعامل مع النص القرآني وذلك إذا كان هناك من أدلة تعضده ، ولا تنافيه . كخبر الرسول الصحيح ، أو الأخبار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم .​
فالسياق حجة إذا لم يقم دليل أقوى على خلافه . أما إذا وقع الخلاف فتكون النتيجة على ثلاثة مستويات :
أولا : المستوى التوفيقي ، حيث يكون الرابط أوالمناسبة الجامعة بينهما .
ثانيا : المتوى المتعارض ، والراجح للدليل الأقوى .
ثالثا : المستوى الضمني : كتعارض القول بالعموم مع السياق الخاص .
وهذا المستوى الأخير هو موضوع مدارستنا هاته ، مما جعل المفسرين كابن عطية وابن جزي وابن كثير يذكرون أن ابن جرير رجح أنه موسى عليه السلام . لأن هذا هوالترجيح الأصلي الذي يوجد ضمنه الترجيح الثاني . وهذا الإجماع من المفسرين هو ما يؤكد أن قولهم هذا مبني على أساس علمي خال من الوهم والخطأ .
والله أعلم
 
باختصار:
القول الذي رجحه الإمام ابن جرير رحمه الله أن الشاهد هو عبدالله بن سلام رضي الله عنه.
وسبب الترجيح أنه تأويل الصحابة وأكثر أهل التأويل.
والمستفاد من هذا الأسلوب: تقديم أقوال الصحابة وأكثر أهل التأويل.
ولكن هل هذه الطريقة مطردة عند ابن جرير رحمه الله كما سأل الآخ: عبدالرحمن شاهين؟
ولماذا نقل بعض المفسرين عن ابن جرير غير ما رجحه كما سأل الشيخ د. أبو مجاهد؟
ذكر الشيخ: محمود الشنقيطي: أن ابن جرير رحمه الله لم يجزم بالترجيح في المسألة، وأنه قدم ذكر موسى عليه السلام لموافقته للسياق، وأن منهج ابن جرير رحمه الله أنه لا يعدل عن السياق إلا بدليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر الشيخ د. أبو مجاهد: مناقشة حول تقديم السياق والعدول عنه يحتاج تلخيصاً.
وأضاف الشيخ عبدالكريم فائدة أحسبها قيمة في الاحتجاج بالسياق ومستويات الخلاف فيه.
صوبوني وشاركوني نُخْرج الخلاصة وفقكم الله فقد كدت أغرق في بحركم والمصيبة أني لا أجيد السباحة وليس لدي طوق نجاة.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه


الإمام الطبري كان دقيقا ، عندما مارس التأويل اعتمادا على الآليات التي استخدمها للتوصل إلى النتيجة المعلنة :

[ظاهر التنزيل + ما قاله مسروق =====> الشاهد هو موسى عليه السلام ] ترجيح اجتهادي
[الأخبار الواردة عن جماعة من أصحاب رسول الله =====> الشاهد هو عبد الله بن سلام ] مأثور
خلاصة :
تأويلات متعددة ، تبقى مفتوحة وواردة يقول المفسرإثر إحداها: (والصواب من القول في ذلك عندنا)
هذا دليل قاطع على أن الراجح عند الطبري هو ما أكده المفسرون بعده وهو أن الشاهد هو موسى عليه السلام . كما ترك المجال مفتوحا للتأويل على أن الشاهد هو عبد الله بن سلام . وذلك اعتمادا على ما أثر على جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذا المجال المفتوح هو الذي أشار له الرازي ( ت 606 ) حيث يقول :
" القول الثاني: في تفسير قوله تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِي إِسْرٰءيلَ } أنه ليس المراد منه شخصاً معيناً بل المراد منه أن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم موجود في التوراة والبشارة بمقدمه حاصلة فيها فتقدير الكلام لو أن رجلاً منصفاً عارفاً بالتوراة أقر بذلك واعترف به، ثم إنه آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنكرتم ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم ضالين عن الحق؟ فهذا الكلام مقرر سواء كان المراد بذلك الشاهد شخصاً معيناً أو لم يكن كذلك لأن المقصود الأصلي من هذا الكلام أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب من عند الله وثبت أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذين الأمرين كيف يليق بالعقل إنكار نبوته. "

والله أعلم
 
عودة
أعلى