أسامة بن العربي
New member
تحية وفاء
لروح الشيخ الدكتور الفقيه الأصولي
المرحوم الأستاذ محمد الشريف الرحموني التونسي
بقلم: د. فتحي بن الشريف العبيدي([1])لروح الشيخ الدكتور الفقيه الأصولي
المرحوم الأستاذ محمد الشريف الرحموني التونسي
جامعة الزيتونة – تونس
مشاهدة المرفق 1032045
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. إنّا لله وإنّا إليه راجعون
قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ [سورة التوبة، الآية 123]
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» [أخرجه البخاري، الصحيح: ج4 ص49، ج8 ص149]
الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، عَلَمٌ كبيرٌ من أعلام العلم والدين والتقوى، وبدر ساطع من الفضل والعفاف والكرم،و وبقية السلف الصالح، وفقيه نِحْرِيرٌ من فقهاء تونس الأبرار، وأصولي بارع من الطبقة الأولى، فارقنا يوم الاثنين 1 جمادى الأولى 1440هـ، الموافق له 7/1/2019م، ورحل إلى الدار الآخرة في جوار رب رحيم.
إنها لمصيبة كبرى، وإنها لَثُلْمَةٌ في الأسرة العلمية الزيتونية، وخسارة في أهل الفقه، وللأمة الإسلامية جمعاء.
الله أكبر، لقد عرفت المرحوم الشيخ العلامة سيدي محمد الشريف الرحموني التونسي، منذ السنة الجامعية 1403-1404هـ/1983-1984م حين كنت طالبا ودرست عليه مادة أصول الفقه في السنة الثالثة-شعبة الفقه والسياسة الشرعية، ثم درست عليه مادّتي الأصول والسياسة الشرعية في السنة الرابعة من نفس الشعبة، وما زلت أحتفظ بالكراسات التي دوّنت فيها محاضراته، رحمه الله.
وأفدنا منه كثيرا في هاتين المادتين، فقد كان يحسن تقديم المادة العلمية بطريقة منهجية مُثْلَى، تقوم على تبسيط المعلومة وتحليلها العميق، واستباق الإشكالات التي يمكن أن تطرأ في ذهن الطالب والإجابة عنها، مع الحرص على استصحاب الأدلة النقلية والعقلية في كل مسألة يلقيها في الدرس، مع مراعاة القواعد البيداغوجية التي أتقنها، واكتسبها بحكم خبرته الطويلة في مجال التدريس.
وكان –رحمه الله- ذا أخلاق عالية، يحترم طلبة العلم، ويكرمهم غاية الإكرام، ويحبّهم، ويستبشر بلقائهم، ويحرص على إفادتهم حتّى خارج أوقات الدروس، بنصائحه الحكيمة، وتوجيهاته السديدة، ويحثّهم دائما على التقوى، والامتثال للشرع العزيز.
وكان –رحمه الله- في تلك الفترة من الثماننات من القرن الماضي، يدرّسنا صحبة زمرة فاضلة مباركة من زملائه أساتذة الزيتونة، من أمثال: فضيلة الشيخ الدكتور الفرضي سيدي محمد عزّ الدين سلام، والشيخ الدكتور المقرئ الفقيه محمد بن إبراهيم، والشيخ الدكتور البحّاثة محمد بولجفان، والشيخ الدكتور الفاضل عبد العزيز المجدوب، والشيخ الدكتور مختار التليلي، والشيخ الدكتور محمد الطاهر المعموري، رحمه الله جميعا، وأجزل ثوابهم على ما قدموه لنا من وافر المعلومات، وحكيم التوجيهات، بجاه نبيّنا الكريم صاحب المعجزات.
وتدلّ السيرة الذاتية للشيخ المرحوم الأستاذ الدكتور محمد الشريف الرحموني على حياة حافلة في طلب العلم ونشره بكل إخلاص وتفان، وقد أخذ على أساطين العلم بالكعبة الإفريقية، الجامعة الزيتونية، ويكفي أن نذكر تَتَلْمُذَهُ على فضيلة الشيخ العلّامة البحر الأستاذ محمد الفاضل ابن عاشور، وهو غنيّ عن التعريف، كما جمع بين الشهادات العلمية من جامع الزيتونة المعمور، ومن الكليّة الزيتونية للشريعة وأصول الدين جمع الله له بين الحُسْنَيَيْنِ، رضا الله الرحمن الرحيم، والدخول إلى جنات النّعيم.
وزيادة على تصديه للتدريس لمدّة تقارب الأربعين عاما، فإنه أتحف الطلبة والباحثين والقراء بتآليف قيّمة مفيدة في اختصاصه الفقهي الأصولي، جعلها الله تعالى في ميزان حسناته، صدقة جارية له يوم العرض عليه، ونفع بها كما نفع بصاحبها من قبل.
رحم الله فقيد زيتونيتنا العريقة المعطاء، وفقيد بلدنا الطيّب تونس الخضراء، فضيلة الأستاذ الدكتور الفقيه الأصولي سيدي محمد الشريف الرحموني، وجازاه الله خيرا عن العلم وأهله، ورزق ذويه ومحبّيه وطلبته ومريديه جميل الصبر والسلوان، إنّه سميع مجيب.
وأترك المجال لشيخنا الراحل ليترجم لنفسه، ترجمة ذاتية، كنت طلبت من حضرته تحبيرها في ضوء أسئلة محدّدة قدمتها لفضيلته سنة 1407هـ1987م لمّا كنت طالبا بالدراسات العليا، فحرّرها بخطّه رحمه الله، وجعل الجنة مأواه، وفيما يلي نصها([2]):
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
ترجمة شخصية
بطلب من السيد: فتحي العبيدي: طالب بالكلية الزيتونية، وقد وردت الإجابة فيها مرتبة حسب الأسئلة التي مدني بها([3]):
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
ترجمة شخصية
بطلب من السيد: فتحي العبيدي: طالب بالكلية الزيتونية، وقد وردت الإجابة فيها مرتبة حسب الأسئلة التي مدني بها([3]):
1) محمد الشريف بن محمود بن الحاج علي الرحموني.
2) مولود في 20 فيفري 1934 بتالة، والداه انتقلا إلى رحمة الله تعالى: الأب توفي في 22 أوت 1962، والأم وافاها الأجل في 8 فيفري 1981، للمترجم له أربعة أولاد: ثلاثة أبناء وبنت واحدة: أكبرهم تخرج والبقية يواصلون دراستهم في ظروف عادية.
3) النشأة الأولى كانت بالقرية المذكورة إلى سنة 1947 تاريخ انتقاله إلى العاصمة (تونس) للدراسة، وحتى الآن لم تنقطع صلته بمسقط رأسه (تالة).
4) الدراسة الابتدائية كانت بكتاب القرية أولا ثم بضاحية سيدي أبي سعيد ثانيا، والثانوية كانت بجامع الزيتونة بدءا من أكتوبر 1948، والعالية كانت بجامع الزيتونة أولا ثم بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين ثانيا، أبرز الشيوخ الذين أخذت عنهم:
السادة: محمد الفاضل ابن عاشور، أحمد بن ميلاد، محمد العربي العنابي، محمد الشاذلي ابن القاضي، محمد الهادي العلاني، محمد الحبيب ابن الخوجة، فرج محجوب، إبراهيم بن حسن، عبد الرزاق المملوك، عبد العزيز بن جعفر، وغيرهم رحم الله من مات منهم، ومد في عمر من مازالوا على قيد الحياة.
وقد تحصلت على الشهائد العلمية التالية:
أ- الأهلية في جوان 1952.
ب- التحصيل في العلوم، دورة جوان 1955.
ج- العالمية في الشريعة بملاحظة حسن في جوان 1963.
د- الإجازة في الشريعة بملاحظة قريب من الحسن في جوان 1969.
ه- دكتوراه المرحلة الثالثة بملاحظة حسن جدا في 14 فيفري 1981 شعبة الفقه والسياسة الشرعية.
و- دكتوراه الدولة في العلوم الإسلامية بملاحظة مشرف جدا في 12 جوان 1986 شعبة الفقه والسياسة الشرعية.
5) أثر في توجيهي – من الأقرباء- أخي الشيخ: أحمد الرحموني طيب الله ثراه الذي حباني برعايته وعطفه وعلمه بما لا يعلمه إلا الله تعالى.
كما أثر في توجيهي أيضا من غير الأقرباء الشيخان الجليلان: محمد الفاضل ابن عاشور، وأحمد ابن ميلاد، جزى الله جميعهم عني أفضل الجزاء.
6) أحبّ العلوم إلى موضوع تخصّصي (الفقه والسياسة الشرعية) لجمع هذا النوع بين الأصلين: القرآن والسنة.
7) أنا من الجيل المخضرم الذي عاش أهم الأحداث في هذا وذاك، ومعايشة أي حدث تحمل الفرد على التأثر به سلبا أو إيجابا، وفي الحالين تبقى بصمات الأحداث واضحة في أفكاره وعواطفه، فقد عاصرت فترة من كفاح الشعب التونسي المسلم للمستعمر دفاعا عن وطنه وكرامته ودينه ولغته وقيمه، وعاصرت كفاح الطلبة الزيتونيين من أجل تحقيق مطالبهم التي يعني تحقيقها زحزحة المستعمر فاستقلال البلاد، وعشت جانبا مما ساهموا به في دفع الحركة الوطنية ومواصلتها ونشرها في المدن والقرى والأرياف..إلخ
ولا أخفي عليك أن نكبتي بفقد أخي أحمد وسندي –بعد الله تعالى- -في ظروف ليست عادية- قد هدت كياني وكادت أن تقلب حياتي رأسا على عقب لولا أن المولى تبارك وتعالى أدركني بلطفه فجعل لي في حياته عظات وفي موته عبرا، وكان ذلك في بداية 1963.
8) نشاطي في خدمة العلم وطلابه يتمثل في البحث والتدريس مدة تزيد الآن على الثلاثين سنة، وقد ساهمت –ولله الحمد- في إفادة أجيال لا حصر لها من التلاميذ والطلبة البارزين، منهم هذا الذي دعاني إلى كتابة هذه الأسطر فتحي العبيدي وغيره من كثيرين نسيتهم وكثيرين لن أنساهم.
9) توليت التدريس في الابتدائي والثانوي والعالي، وأشغل الآن خطة أستاذ مساعد بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين، وقد تم اقتراحي بداية من 20 أوت 1986 للارتقاء إلى أستاذ محاضر.
10) صدر لي عن الدار العربية للكتاب بتونس:
أ- مناسك الحج والعمرة من القرآن والسنة دراسة وتطبيقا، سنة 1981 وقد نفدت طبعته الأولى سنة 1984، والدار التي أصدرته تفكر في طبعه ثانية.
ب- نظام الشرطة في الإسلام إلى أواخر القرن الرابع الهجري، سنة 1983، ونفدت طبعته الأولى سنة 1985، وربما أعيد طبعه.
ج- فرح الأسماع برخص السماع –تقديم وتحقيق وتعليق- وهو من تأليف محمد الشاذلي التونسي، صدر سنة 1985.
وينتظر أن يصدر لي في المستقبل – إن شاء الله- كتاب الرخص الفقهية من القرآن والسنة النبوية([4]).
هذا إلى جانب البحوث الجزئية التي نشرت وتنشر باستمرار –بعونه تعالى- في النشريات والصحف والمجلات التونسية والعربية.
11) المختارات التي طلبتموها تجدونها في كتاب نظام الشرطة وخاصة في المقدمة، وتجدونها أيضا في مقدمة الرخص الفقهية.
12) وأخيرا أرجو أن تضع كتاب الله –وأنت من حفاظه- بين عينيك في جميع تصرفاتك، وأطلب من الله تعالى أن يوفقك، وأن ييسر سبيلك إلى خيري الدنيا والآخرة، ومعذرة على هذا التأخير والاختصار.
باردو في 12 جمادى الأولى 1407هـ-وفي 12/1/1987م.
محمد الشريف الرحموني
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
إلى صاحب الفضيلة شيخنا
الأستاذ الدكتور: محمد الشريف الرحموني
الأستاذ الدكتور: محمد الشريف الرحموني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ فقد عزمت بعد التوكل على الله على جمع تراجم شيوخي الذين درست عليهم، وأخذت عنهم شتى المعارف والعلوم، وسأكون شاكرا إذا تكرمتم بإعطائي بيانا شافيا حول النقاط الملحقة بهذه الأسطر، فتتكون بذلك ترجمة شاملة لكم ولنشاطكم في خدمة الإسلام وعلومه.
وتقبلوا سيدي فائق تقديري وأحر تحياتي.
تلميذكم ومُجِلُّكُمْ
فتحي العبيدي
الأسئلة:
1) الاسم واللقب، اسم الأب والجد والكنية ؟
2) تاريخ الولادة ومكانها ومعلومات عن الأسرة (الوالدان – الأولاد – ظروف الأسرة...).
3) طبيعة البيئة التي نشأتم فيها ؟
4) دراستكم العلمية: أين ؟ وعلى من ؟ (ذكر أهم مشايخكم) الإجازات والشهادات التي تحصلتم عليها ؟ ظروف دراستكم ؟
5) الرجال الذين أثّروا في توجيهكم من الأقرباء أو المشايخ ؟
6) أي العلوم أحب إليكم ؟ ولماذا ؟
7) أهم الأحداث التي عاصرتموها وأثرها في تكوينكم الفكري والروحي ؟
8) حدود نشاطكم في خدمة العلم وطلابه ؟ (ذكر أبرز تلاميذكم) ؟
9) شغلكم ؟ الخطط التي توليتموها ؟
10) إنتاجكم العلمي: هل لكم مؤلفات ؟ ماهي ؟ وإن لم يكن لكم ذلك فهل تعتزمون التأليف أو التحقيق ؟ في أي مجال ؟ مع بسطة عما تنوون تأليفه أو تحقيقه ؟
11) مختارات من أحبّ ما كتبتم إليكم، وما نظمتم، إذا ثمة نظم ؟
12) وأخيرا نرجو من فضيلة الأستاذ أن يمدنا بنصائح توجيهية، وأن يدعو لنا.
* ملاحظة: نرجو من فضيلة الأستاذ المترجم له أن يمدنا بصورة شمسية.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منكم عملكم هذا،
وأن يوفقكم إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته([5]).
-----------------------
([1]) كتبه وأعده للنشر أ. أسامة بن العربي
([2]) نص الترجمة منقول حرفيا عن النسخة التي كتبها المترجم له بخط يده.
([3]) انظر نصوص هذه الأسئلة في الملحق بالمقال.
([4]) صدر هذا الكتاب للمؤلف –رحمه الله- عن مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله، تونس، سنة 1412هـ/1992م، في طبعته الثانية.
([5]) نص رسالة الأسئلة منقول حرفيا من النسخة الأصلية التي أرسلها أ.د فتحي العبيدي إلى المترجم له.