د عبدالله الهتاري
New member
- إنضم
- 17/03/2006
- المشاركات
- 159
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[]يمتاز التعبير القرآني ببلاغة تصريف القول، فهو ينوع الأساليب، ويتصرف في التراكيب من حيث التقديم والتأخير، والذكر والحذف، والمخالفة في النسق الإعرابي والتنوع في الجمل، من اسمية إلى فعلية والعكس، والتذكير والتأنيث، والخروج عن الظاهر في العدد والمعدود من خلال المخالفة بين الإفراد والتثنية والجمع، والتحول في الإسناد.
كل هذه الظواهر الأسلوبية المتعددة في التعبير القرآني، يراد من مجيئها دلالات مقصودة تفصح عن بلاغة القرآن الكريم وروعة بيانه، وتنتصب شاهداً من شواهد الإعجاز فيه.
وهذه التحولات في التركيب والتحولات فيه تدعو إلى التأمل والتدبر المستمر في دلالات التركيب القرآني، لمحاولة الوصول إلى عمق الدلالة وعدم الوقوف عند سطحية النص وظاهر العبارة.
وهذا يستلزم منا الوقوف عند ظاهرة التغير في التركيب للسياق القرآني، ومتابعة الخروج والتحول عن النسق المطرد للسياق نفسه، محاولين في ذلك تعليل تلك التحولات تعليلا يبرز لنا معاني النحو، ويسهم في تذوق النص القرآني بتوظيف تراكيب اللغة فيه وتعليل التغيرات الحاصلة فيها مقتصرين في ذلك على نماذج لكل نمط من أنماط هذا التحول، وهو ما سنعرض له في المباحث الآتية:
المبحث الأول
التحول عن الفعل المتعدي بنفسه إلى المتعدي بحرف والعكس
يرد هذا النوع من التحول في نمطين هما:
النمط الأول: أن يرد الفعل متعدياً بنفسه في السياق، ثم يرد مرة أخرى في السياق نفسه متعدياً بحرف.
والنمط الثاني: أن يرد الفعل متعدياً بنفسه، ثم يتحول عنه إلى فعل آخر متعدٍّ بحرف، وكلا النوعين يمثلان خروجاً عن المشاكلة واطراد السياق وذلك يستدعي تعليل هذا التحول وتحليل نماذجه، وهو على النحو الآتي:
أولاً: التحول عن تعدي الفعل بنفسه إلى تعديه بحرف
من ذلك قوله تعالى على لسان نبيه زكريا عليه السلام: ]وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً[ [مريم: 5-6].
"ففي الآية الثانية مخالفة تتمثل في إعمال فعلي الإرث، إذ إن الموروث قد وقع مفعولاً به لأولهما "يرثني" ومجروراً بـ (من) بعد ثانيهما و"يرث من"، ولو جرى السياق على نمط واحد لقيل: يرثني ويرث آل يعقوب"([1]).
"والمراد بالإرث هنا: إرث الشرع والعلم؛ لأن الأنبياء لا تورث المال"([2]). لحديث رسول الله r "لا نُورَثُ ما تركناه صدقة"([3]).
وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن الفعل (وَرِثَ) يتعدَّى بنفسه، ويتعدّى بـ (من) وهما لغتان ودلالتهما واحدة.
يقول ابن منظور: "تقول: ورثت أبي، وورثت الشيء من أبي"([4]).
ويقول الزمخشري([5]): "يقال ورثته، وَوَرِثْتُ مِنْهُ لغتان، وقيل: مِنْ للتبعيض لا للتعدية؛ لأن آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء".
ويظهر أن (من) هنا للتبعيض، كما أشار الزمخشري، وأن الفعل (ورثته) يختلف في دلالته عن (وَرِثْتُ مِنْهُ)، إذ يفيد الفعل (ورثتُ منه)، أنه ورث منه بعض التركة لا كلها. فأفادت (من) التبعيض، وكذلك الحال في هذه الآية.
فنبي الله زكريا -عليه السلام- طلب من المولى -عزوجل- أن يرزقه ابناً صالحاً يكون أهلاً لتحمل الرسالة والنبوة، فيرث أباه النبوة، ويكون امتداداً للصالحين وللأنبياء من آل يعقوب، إذ ليس كل آل يعقوب صالحين ولا أنبياء، بدليل أن نبي الله زكريا أشار إلى أنه قد خاف الموالي من ورائه، وهم كما يقول بعض المفسرين "شرار بني إسرائيل، فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه، وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقباً من صُلْبه صالحاً يقتدي به في إحياء الدين، ويرتسم مراسمه فيه"([6]).
وقد استجاب الله -عزوجل- دعاء نبيه وعلم مراده، فأجابه بقوله: ]فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ[ [آل عمران: 39].
ومنه أيضاً قوله تعالى: ]أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ[ [الأنعام: 6].
فدل التحول عن تعدي الفعل بنفسه (مكنَّاهم) إلى تعديه بالحرف (ما لم نمكن لكم) على المفارقة بين التمكينين، فتمكين الله للأمم السابقة كان أقوى وأشد من تمكين المتأخرين، فوافق المقال مقتضى الحال، إذ عدَّى فعل التمكين في الأولين بنفسه، وتعدي الفعل بنفسه أقوى من تعديه بحرف. في حين عدَّى فعل التمكين في المتأخرين بالحرف فقال: (ما لم نمكن لكم)، ولم يقل: (ما لم نمكنكم).
فكانت المخالفة بين البنية السطحية والعميقة على النحو التالي:
البنية السطحية: مكنَّاهم نمكن لكم
البنية العميقة([7]): مكنَّاهم مكنَّاكم
فتحول عن البنية العميقة إلى البنية السطحية ليرسخ دلالة المفارقة بين التمكينين حالاً ومقالاً كما سبق ذكره.
وقد كان في دلالة التركيب نفسه ما يدل على المفارقة في التمكينين وهو قوله: (ما لم نمكن لكم)، فأداة النفي (لم) تشير إلى تلك المفارقة، لكن السياق أمعن في ترسيخ دلالة المفارقة، ليس على مستوى التركيب فحسب بل على مستوى دلالة السياق كله، وذلك بإبراز المخالفة، وعدم الاطراد في السياق؛ ليشد ذهن المتلقي إلى تأمل ذلك، وفي التأمل مزيد تأكيد وترسيخ للدلالة.
ونظير ذلك في المفارقة بين التمكينين وتعدي الفعل بنفسه وتعديه بحرف،
ما ورد في قوله تعالى في وصف ذي القرنين:]إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[ [الكهف: 84]. فتعدى الفعل هنا بالحرف، فلم يقل: (إنا مكناه في الأرض). لكن ذا القرنين عندما تحدَّث عن نعمة ربه عليه: ]قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ[ [الكهف: 95]، ولم يقل: ما مكن لي فيه ربي. وذلك لأن: "الفعل (مكَّن) في الجملة الأولى ضعيف، فلم يتمكن من التعدية إلى المفعول به بنفسه؛ لذلك استعان بحرف الجر "اللام" ليوصله إليه، فتعدَّى إليه بواسطتها، وسبب ضعف الفعل في الجملة الأولى، أنه ورد في بداية إيراد قصة ذي القرنين، وتحدَّث عن بداية أمره، ومعروف أن الأمر عند بدايته يكون أضعف منه عند نهايته، ولذا احتاج إلى اللام لتعديه إلى المفعول به.
أما في الجملة الثانية: "ما مكَّنِّي فيه ربي خير"، فإن فعل (مكَّن) قوي، لذلك تعدَّى إلى المفعول به بنفسه، ونصبه مباشرة، والسياق هو الذي منحه القوة، فهو -أولاً: يتحدث عن ذي القرنين بعدما ظهر وتمكن وسيطر وانتصر، وهو ثانياً: ورد في سياق قوة ذي القرنين في بناء السد عند أولئك القوم"([8]).
ومنه قولـه تعالى: ]يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[ [الفجر: 27-30].
فتحول إلى تعدية الفعل (ادخلي) بنفسه فقال: (وادخلي جنتي)، بعد تعديته بحرف (في)،
([1]) أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، 192.
([2]) الكشاف، 2/503.
([3]) الحديث أخرجه البخاري عن أبي بكر -رضي الله عنه- برقم (3508) و(3810)، ومسلم برقم (1758)، وأخرجه البخاري أيضاً عن عائشة برقم (6346) ومسلم برقم (1758)، وأخرجه أيضاً عن أبي هريرة برقم (1761).
([4]) لسان العرب، مادة (ورث).
([5]) الكشاف، 2/503.
([6]) السابق، 2/502.
([7]) أي: التي يقتضيها اطراد السياق والمشاكلة.
([8]) مع قصص السابقين في القرآن، صلاح الخالدي، 2/320-321.
__________________[/size][/size][/size][/size][/size][/font]
كل هذه الظواهر الأسلوبية المتعددة في التعبير القرآني، يراد من مجيئها دلالات مقصودة تفصح عن بلاغة القرآن الكريم وروعة بيانه، وتنتصب شاهداً من شواهد الإعجاز فيه.
وهذه التحولات في التركيب والتحولات فيه تدعو إلى التأمل والتدبر المستمر في دلالات التركيب القرآني، لمحاولة الوصول إلى عمق الدلالة وعدم الوقوف عند سطحية النص وظاهر العبارة.
وهذا يستلزم منا الوقوف عند ظاهرة التغير في التركيب للسياق القرآني، ومتابعة الخروج والتحول عن النسق المطرد للسياق نفسه، محاولين في ذلك تعليل تلك التحولات تعليلا يبرز لنا معاني النحو، ويسهم في تذوق النص القرآني بتوظيف تراكيب اللغة فيه وتعليل التغيرات الحاصلة فيها مقتصرين في ذلك على نماذج لكل نمط من أنماط هذا التحول، وهو ما سنعرض له في المباحث الآتية:
المبحث الأول
التحول عن الفعل المتعدي بنفسه إلى المتعدي بحرف والعكس
يرد هذا النوع من التحول في نمطين هما:
النمط الأول: أن يرد الفعل متعدياً بنفسه في السياق، ثم يرد مرة أخرى في السياق نفسه متعدياً بحرف.
والنمط الثاني: أن يرد الفعل متعدياً بنفسه، ثم يتحول عنه إلى فعل آخر متعدٍّ بحرف، وكلا النوعين يمثلان خروجاً عن المشاكلة واطراد السياق وذلك يستدعي تعليل هذا التحول وتحليل نماذجه، وهو على النحو الآتي:
أولاً: التحول عن تعدي الفعل بنفسه إلى تعديه بحرف
من ذلك قوله تعالى على لسان نبيه زكريا عليه السلام: ]وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً[ [مريم: 5-6].
"ففي الآية الثانية مخالفة تتمثل في إعمال فعلي الإرث، إذ إن الموروث قد وقع مفعولاً به لأولهما "يرثني" ومجروراً بـ (من) بعد ثانيهما و"يرث من"، ولو جرى السياق على نمط واحد لقيل: يرثني ويرث آل يعقوب"([1]).
"والمراد بالإرث هنا: إرث الشرع والعلم؛ لأن الأنبياء لا تورث المال"([2]). لحديث رسول الله r "لا نُورَثُ ما تركناه صدقة"([3]).
وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن الفعل (وَرِثَ) يتعدَّى بنفسه، ويتعدّى بـ (من) وهما لغتان ودلالتهما واحدة.
يقول ابن منظور: "تقول: ورثت أبي، وورثت الشيء من أبي"([4]).
ويقول الزمخشري([5]): "يقال ورثته، وَوَرِثْتُ مِنْهُ لغتان، وقيل: مِنْ للتبعيض لا للتعدية؛ لأن آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء".
ويظهر أن (من) هنا للتبعيض، كما أشار الزمخشري، وأن الفعل (ورثته) يختلف في دلالته عن (وَرِثْتُ مِنْهُ)، إذ يفيد الفعل (ورثتُ منه)، أنه ورث منه بعض التركة لا كلها. فأفادت (من) التبعيض، وكذلك الحال في هذه الآية.
فنبي الله زكريا -عليه السلام- طلب من المولى -عزوجل- أن يرزقه ابناً صالحاً يكون أهلاً لتحمل الرسالة والنبوة، فيرث أباه النبوة، ويكون امتداداً للصالحين وللأنبياء من آل يعقوب، إذ ليس كل آل يعقوب صالحين ولا أنبياء، بدليل أن نبي الله زكريا أشار إلى أنه قد خاف الموالي من ورائه، وهم كما يقول بعض المفسرين "شرار بني إسرائيل، فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه، وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقباً من صُلْبه صالحاً يقتدي به في إحياء الدين، ويرتسم مراسمه فيه"([6]).
وقد استجاب الله -عزوجل- دعاء نبيه وعلم مراده، فأجابه بقوله: ]فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ[ [آل عمران: 39].
ومنه أيضاً قوله تعالى: ]أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ[ [الأنعام: 6].
فدل التحول عن تعدي الفعل بنفسه (مكنَّاهم) إلى تعديه بالحرف (ما لم نمكن لكم) على المفارقة بين التمكينين، فتمكين الله للأمم السابقة كان أقوى وأشد من تمكين المتأخرين، فوافق المقال مقتضى الحال، إذ عدَّى فعل التمكين في الأولين بنفسه، وتعدي الفعل بنفسه أقوى من تعديه بحرف. في حين عدَّى فعل التمكين في المتأخرين بالحرف فقال: (ما لم نمكن لكم)، ولم يقل: (ما لم نمكنكم).
فكانت المخالفة بين البنية السطحية والعميقة على النحو التالي:
البنية السطحية: مكنَّاهم نمكن لكم
البنية العميقة([7]): مكنَّاهم مكنَّاكم
فتحول عن البنية العميقة إلى البنية السطحية ليرسخ دلالة المفارقة بين التمكينين حالاً ومقالاً كما سبق ذكره.
وقد كان في دلالة التركيب نفسه ما يدل على المفارقة في التمكينين وهو قوله: (ما لم نمكن لكم)، فأداة النفي (لم) تشير إلى تلك المفارقة، لكن السياق أمعن في ترسيخ دلالة المفارقة، ليس على مستوى التركيب فحسب بل على مستوى دلالة السياق كله، وذلك بإبراز المخالفة، وعدم الاطراد في السياق؛ ليشد ذهن المتلقي إلى تأمل ذلك، وفي التأمل مزيد تأكيد وترسيخ للدلالة.
ونظير ذلك في المفارقة بين التمكينين وتعدي الفعل بنفسه وتعديه بحرف،
ما ورد في قوله تعالى في وصف ذي القرنين:]إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً[ [الكهف: 84]. فتعدى الفعل هنا بالحرف، فلم يقل: (إنا مكناه في الأرض). لكن ذا القرنين عندما تحدَّث عن نعمة ربه عليه: ]قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ[ [الكهف: 95]، ولم يقل: ما مكن لي فيه ربي. وذلك لأن: "الفعل (مكَّن) في الجملة الأولى ضعيف، فلم يتمكن من التعدية إلى المفعول به بنفسه؛ لذلك استعان بحرف الجر "اللام" ليوصله إليه، فتعدَّى إليه بواسطتها، وسبب ضعف الفعل في الجملة الأولى، أنه ورد في بداية إيراد قصة ذي القرنين، وتحدَّث عن بداية أمره، ومعروف أن الأمر عند بدايته يكون أضعف منه عند نهايته، ولذا احتاج إلى اللام لتعديه إلى المفعول به.
أما في الجملة الثانية: "ما مكَّنِّي فيه ربي خير"، فإن فعل (مكَّن) قوي، لذلك تعدَّى إلى المفعول به بنفسه، ونصبه مباشرة، والسياق هو الذي منحه القوة، فهو -أولاً: يتحدث عن ذي القرنين بعدما ظهر وتمكن وسيطر وانتصر، وهو ثانياً: ورد في سياق قوة ذي القرنين في بناء السد عند أولئك القوم"([8]).
ومنه قولـه تعالى: ]يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[ [الفجر: 27-30].
فتحول إلى تعدية الفعل (ادخلي) بنفسه فقال: (وادخلي جنتي)، بعد تعديته بحرف (في)،
([1]) أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، 192.
([2]) الكشاف، 2/503.
([3]) الحديث أخرجه البخاري عن أبي بكر -رضي الله عنه- برقم (3508) و(3810)، ومسلم برقم (1758)، وأخرجه البخاري أيضاً عن عائشة برقم (6346) ومسلم برقم (1758)، وأخرجه أيضاً عن أبي هريرة برقم (1761).
([4]) لسان العرب، مادة (ورث).
([5]) الكشاف، 2/503.
([6]) السابق، 2/502.
([7]) أي: التي يقتضيها اطراد السياق والمشاكلة.
([8]) مع قصص السابقين في القرآن، صلاح الخالدي، 2/320-321.
__________________[/size][/size][/size][/size][/size][/font]