تحقيق معنى قوله تعالى{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
الربط:
1) لما بين عظمة سليمان وتسخير الريح والشياطين له وأنه كانت الشياطين يعملون له كل بناء ،وكان ربما استبعد موت من هو على هذه الصفة من ضخامة الملك بنفوذ الأمر وسعة الحال وكثرة الجنود بين أنه لم ينج من الموت، وأنه قضى عليه الموت ، تنبيها للخلق على أن الموت لا بد منه ، ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه .
2) وفيها إبطال لاعتقاد العامة يومئذٍ وما يعتقده المشركون أن الجن يعلمون الغيب ، فقد ذكر فيها كيفية تعمية الله موته على الجن المسخرين له في الأعمال الشاقة ، وقد كان الجن قد موهوا على الإنس ، وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب ، ويطلعون على المكنونات ، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى ، فمكثوا يعملون على عملهم ، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام ، واتَّكأ على عصاه ، وهي المنسأة ، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها ، ظنوه حيا ، وهابوه ، فغدوا على عملهم كذلك مدة طويلة ، حتى سلطت دابة الأرض على عصاه ، فلم تزل تنخرها فلما أكلتها دابةُ الأرض ، وهي الأرضة ، ضعفت وسقط سيدنا سليمان عليه السلام إلى الأرض ، وتفرقت الشياطين وتبينت أمر الجن للناس أنهم لا يعلمون الغيب كما كانوا يوهمون الناس ذلك.
3) وفي هذا أيضا بيان لعبدة الجن ضعف حالهم وأنهم كانوا مسخرين مع أنهم لا يعلمون الغيب ، فهؤلاء الجن مسخرون لعبد من عباد الله ، وهؤلاء هم محجوبون عن الغيب القريب ؛ وبعض الناس يطلب عندهم أسرار الغيب البعيد ، فالآية تقرر هوان شأن هذه المخلوقات التي كان لها صورة فخمة مفزعة في أذهان العرب حتى وصل أمرهم منها إلى عبادتها والاستعاذة بها والتقرب إليها
4) وفي هذا توبيخ للعرب أنهم يصدقون الخرافات اللاتي تأتيهم بها الكهان وغيرهم مما يفتنهم مع أنهم يشاهدون منه كذباً كبيراً ،هذا مع إعراضهم عمن يخبرهم بالآخرة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخبرهم بشيء قط إلا ظهر صدقه،وأظهر لهم من المعجزات ما بهر العقول.
[h=1]فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ[/h]· تفريع على قوله : { ومن الجن من يعمل بين يديه } إلى قوله : { وقدور راسيات } [ سبأ : 12 ، 13 ] أي دام عملهم له فلما تم لسليمان ما أَنعم الله به عليه من نعم يسخرها فيما يشاءُ ويوجهها إلى إنجاز ما يريد، حتى مات فلما قضينا عليه الموت، فهي عطف قصة بالفاء على أخرى قبلها ، أو على محذوف تقدير أحييناه وأكرمناه وفعلنا به ذلك كذلك فلما قضينا.
· وفي الآية التفات من ضمير الإفراد في { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشكور} إلى ضمير العظمة و مظهر الجلال فقال : { قضينا }.
· القضاء : الإرادة الإلهية القطعية المتعلقة بإيجاد المعدوم وإعدام الموجود
وهو إنفاذ المقدر أزلا ،سمي بذلك لإيجابه ما تعلق به البتة و فصل الأمر .
أي فلما توجهت إرادتنا لتحقيق ما قدر أزلا من موته وأخرجناه إلى حيز الوجود أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه وألزمناه إياه فمات ، ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته.
· و الضمير في { عليه } عائد على سيدنا سليمان عليه السلام
· وحقق صفة القدرة بأداة الاستعلاء فقال : { عليه }
[h=1]مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ [/h]الدلالة : الإِشْعار بأمر خفيّ كما في قوله تعالى : { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل } [ سبأ : 7 ] .
[h=1]الخلاف في ضمير {دلهم}:[/h][h=2]القول الأول: [/h][h=2]الضمير عاد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السلام أي ما دلَّ الجن على موته إلا الأرَضَةُ ، ويؤيده قوله تعالى{ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} وأن المقام للرد على من يتوهم أن الجن تعلم الغيب.[/h]مقاتل والطبري و مكي والبيضاوي و أبو حيان و الآلوسي و مكي و والصابوني والطبرسي وسيد طنطاوي والمراغي و التفسير الميسر واطفيش في الهميان الأعقم.
[h=2]القول الثاني: لم يقصروه على الجن بل وسعوا في مرجع الضمير على خلاف بينهم [/h][h=2]البقاعي وابن عجيبة والرازي وابن عاشور والطباطبائي وحبنكة[/h][h=2] وضعفه البيضاوي والآلوسي واطفيش [/h]قال البقاعي : جنوده وكل من في مملكته من الجن والإنس وغيرهم من كل قريب وبعيد
قال الطباطبائي: لما قبض كان متكئا على عصاه فبقي على تلك الحال قائما متكئا على عصاه زمانا لا يعلم بموته إنس ولا جن.
النسفي و ابن عجيبة: { الموتَ ما دلّهم } أي : الجن وآل داود
قال ابن عاشور:"وضمير { دلهم } يعود إلى معلوم من المقام ، أي أهلَ بَلاطه".
الفخر الرازي:فظن جنوده أنه في العبادة وبقي كذلك أياما وتمادى شهورا ، ثم أراد الله إظهار الأمر لهم ، فقدر أن أكلت دابة الأرض عصاه فوقع وعلم حاله
الراجح:
هو القول الأول لعدة أسباب :
1) الأول ان المذكور قبل هذا الضمير وبعده هم الجن { مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ ـ ـ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} .
[h=2]2) وأن المقام للرد على من يتوهم أن الجن تعلم الغيب.[/h]3) أن تصور خفاء أمر سليمان عليه السلام مدة طويلة على الجن أمر ممكن و كان مقصودا لإظهار حالهم كما سيأتي في الأبحاث الآتية ، أما خفاؤه على أهل بلاطه وأهل بيته مدة طويلة فهذا لا يتصور .
4) وقد ناقش جماعة من العلماء هذا الثاني رادين له :
فقد قال الآلوسي : "وضمير { دَلَّهُمْ } عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السلام ، وقيل : عائد على آل سليمان ، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد : { تَبَيَّنَتِ الجن }".
وقال اطفيش في التيسير: "والهاء فى دلهم عائد الى الذين يعملون له عليه السلام ، لا الى آل داود ، أن المقام للرد على من يتوهم أن الجن تعلم الغيب ، كما يدل له { فلما خرَّ تبيَّنت الجن } .
يقول علي هاني: فإن أبيت هذا الاختيار فنقول: الضمير في دلهم يرجع للجن و لمعظم أتباعه وجنده وليس لكل من حوله من أهل وحاشية.
[h=1]إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ[/h]القول الأول:
هي السوسة التي تأكل الخشب وهي الأَرَضَة (بفتحات)، وهي الدويبة التي يقال لها السُّرْفة ـ بضم فإسكان ، و"الأرض" فعلها ، فأضيفت إليه فـ"الأَرْضَ" مصدرٌ لقولك: أرَضَتِ الدابةُ الخشبةَ تَأْرِضُها أَرْضاً أي : أكلَتْها ـ فكأنه قيل: دابَّةٌ الأكل فالأرض فى الآية مصدر أضيف اليه فاعله ، وهذا هو التفسير الصحيح وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع، وليس الأرض هي الأرض التي يمشى عليها .
أي لم يدلّ الجنّ على موت سليمان إلاّ دَابّةُ الأرْضِ وهي الأَرَضَة وقعت في عصاه ، التي كان متكئا عليها فأكلتها
اختاره : ابن عباس ومجاهد ومقاتل والفراء و الطبري و الزمخشري و أبو السعود و الآلوسي و البغوي والبيضاوي وابن عاشور و الجلال مكي و ابن جزي ووابن الجوزي الشوكاني والماتريدي والسمرقندي والهواري وابن أبي زمنين وحسنين مخلوف ودروزة وسيد طنطاويوحسنين مخلوف و الطوسي والقاسمي و اطفيش والطبرسي والقشيري و الطبرسي
قال سيد قطب: قيل إنها الأرضة ، التي تتغذى بالأخشاب ، وهي تلتهم أسقف المنازل وأبوابها وقوائمها بشراهة فظيعة ، في الأماكن التي تعيش فيها . وفي صعيد مصر قرى تقيم منازلها دون أن تضع فيها قطعة خشب واحدة خوفاً من هذه الحشرة التي لا تبقي على المادة الخشبية ولا تذر
قال الآلوسي: "وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت أنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت ، وفي المثل أصنع من سرفة "
قال حبنكة:" دُوَيْبَّة تأكل الخشب ونحوه أو هي دودة تأكل الخشب ونحوه وتعرف عند علماء الأحياء باسم النمل الأبيض وهو يأكل الأخشاب في المباني ويتلفها.
أ من أنواعه أيضا نوع أبيض يسمى سوس الخشب وهو المسمى الآن بالنمل الأبيض.
[h=1]القول الثاني: أنَّ الأرضَ هذه المعروفةُ التي يمشى عليها والمرادُ بدابَّةِ الأرضِ الأَرَضَةُ دُوَيْبَّةٌ تأكُل الخَشَبَ، وإضافة { دَابَّةٍ } إليها لأن فعلها في الأكثر فيها ، [/h][h=1]أبو حيان والسمين الحلبي والبقاعي وعبد الكريم الخطيب ورده الآلوسي [/h]قال البقاعي: "{ إلا دآبة الأرض } فخمها بهذه الإضافة التي من معناها أنه لا دابة للأرض غيرها لما أفادته من العلم ، ولأنها لكونها تأكل من كل شيء من أجزاء الأرض من الخشب والحجر والتراب والثياب وغير ذلك أحق الدواب بهذا الاسم ، ويزيد ذلك حسناً ان مصدر فعلها أرض بالفتح والإسكان فيصير من قبيل التورية ليشتد التشوف إلى تفسيرها ثم بين أنها الأرضة بقوله مستأنفاً في جواب من كأنه قال : أي دابة هي وبما دلت : { تأكل منسأته }".
[h=1]قال الآلوسي رادا له : " والأولى التفسير الأول وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع".[/h]
[h=1]تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [/h]المنسأة : وزنها مِفْعَلَة ، من نسأْتُ : أي طردت وزجرت وأخرتُ تقول: نسأت البعير : إذا زجرته ليزداد سيره. ونسأت الغنم زجرتها و سقتها
وإِنما سمِّيت مِنْسأة، لأنه يُنْسَأُ بها، أي: يُطْرَدُ ويُزْجَر ويؤخر بها ؛لأنه كان بها يؤخّر ما أراد تأخيره ، وبها يدفع ما أراد دفعه ، ومن ذلك الجن كانوا يزجرون ويساقون بها.
وقد نص جماعة من العلماء على أن المنسأة هي العصا الكبيرة العظيمة مثل التي تكون مع الراعي وأضرابه
منهم: الفراء و الآلوسي و ابن عاشور.
[h=1]موقع جملة {تأكل منسأته}:[/h]القول الأول: حال ، أي دَابَّةٍ أي:آكلة منسأته ، وهي حال مصاحبة
اختاره أبو حيان والآلوسي والمظهري ودرويش وصافي في الجدول وأجازه السمين .
القول الثاني: مستأنفة
أجازه السمين الحلبي
[h=1]كيف خفي موت سيدنا سليمان: [/h]ذكرنا أن الضمير في {دلهم} يحتمل أن يرجع للجن فقط أو للجن والإنس .
[h=2]الاحتمال الأول : رجوعه للجن وهو الراجح[/h]وهناك أسباب كثيرة واحتمالات كثيرة ممكنة سهلت هذا الأمر:
1) أنهم كانوا لا يدنون منه لما أوتي من وفور الهيبة وسعة السلطان و التمكين ونفاذ الأمر ، ويدلك على هذا عظمة ما أوتي من الجنود من الجن والإنس والطير ، وقصته في تهديد الهدهد تشير إلى طرف من ذلك.
2) أنه عليه السلام كان يُكثر العبادة لله والخضوع له ، وينفرد بنفسه ،فذلك لم يجترئوا أن يدنوا منه ، وكانوا يقولون : إنه يتعبد ويتحنث ، فقد روي انه كان من عادة سيدنا سليمان ان يعتكف في مسجد ببيت المقدس المدد الطوال الشهر والشهرين واقل واكثر ومعه طعامه وشرابه.
3) أنه روي أن سيدنا سليمان عليه السلام قد قصد أن يخفي موته لما أحس بدنو أجله أو أوحي له ذلك؛ ليكشف للناس أمر الجن و كان يدعو ويقول:" اللهم عَمِّ على الجن موتي ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب"، وعمل التدبيرات اللازمة لهذا الأمر، وناهيك بمن سخر له الجن أن يهيء ما شاء من الأسباب لذلك، وأوصى أهله والمقربين منه : أن لا يخبروا أحدا بموته ، وأمرهم أن يكتموا موته ، ودعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ، وأمرهم بالعمل ، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، وتوكأ على عصاه على موضع يتماسك معه، أو جلس على كرسيه ممسكا عصاه واضعا رأسه عليها يذكر الله ويسبح ويتلو ، وأمر بإغلاق أبوابه ، ومنع الناس من الدخول عليه ، وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه ، فكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته ، وينظرون إليه يحسبون أنه حي ، ويقولون : إنه قائم يصلي فيقبلون على أعمالهم ، ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس ، لكثرة اعتكافاته وعبادته كما كان يفعل أبوه سيدنا داوود كما يدل عليه قوله تعالى { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)}ف، قد روي أنه كان عليه السلام يقف في عبادة الله ليلة كاملة ويوما تاما وكانوا يظنون أنه يستريح ويأكل في الليل وفي الأوقات التي لا يرونه فيها، ثم توفي صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة، وبقي أياما أو تمادى أسابيع على هذه الحال ، حتى أرسل الله سبحانه الأرض فأكلت منسأته، وقد ورد في بعض الروايات بأنّ «آصف بن برخيا» وزير سليمان الخاص ، هو الذي كان يدير اُمور الدولة .
4) إضافة أنه الله سبحانه أراد ذلك وقد سأل سيدنا سليمان ربه أن يعمي على الجن موته والله على كل شيء قدير ، إذا أراد شيئا هيأ أسبابه { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ}و لله سبحانه أن يخرق العادة[1].
الاحتمال الثاني: أن يكون الضمير يشمل الجن والإنس ، وعلى هذا الاحتمال يمكن تصور ذلك ، بأنه كان معتكفا وأمر الناس وأهل حاشيته أن لا يدخلوا عليه ، وقد وضح هذا الاحتمال الشيخ حبنكة حيث قال: "ومما يمكن أن يعتمد عليه أنه كان عليه السلام له خلوات مع ربه، فإذا دخل مكانه الخاص الذي يخلو به لم يجرؤ أحد من الجن والإنس أن يدخل عليه ؛لما أعطاه الله من هيبة عظيمة في القلوب، وكان له كرسي في خلوته يجلس عليه ويتوكأ فيه على عصاه واضعا رأسه عليها يذكر الله ويسبح ويتلو ، وكانت له القدرة على الجلوس الطويل معروفة لدى الجميع ، وربما كانوا يرونه من بعض النوافذ إذا مروا من جهتها جالسا على كرسيه ممسكا عصاه وواضعا رأسه على أعلاها وهم لا يملكون أن يراقبوه مراقبة دائمة ، وإنما تكون نظراتهم لمحات في بعض الأوقات ، فيتصورون أنه ترك مجلسه لحاجاته ثم عاد، وشاء الله أن يعمي عن كل من حوله من الإنس والجن واقعه وحاله ، وقبض ملك الموت روحه في أوائل خلوته ، وهو جالس على كرسيه ممسكا بعصاه وواضعا جبينه على أعلاها ، وشاء الله أن يحفظه وهو على الوضع مدة طويلة يدرك بها الجن أنهم لا يعلمون الغيب القريب منهم ، ويدرك بها الإنس أن الجن لا يعلمون شيئا من الغيب فهم لم يعلموا موت سليمان وهو في خلوته في داخل قصره وهم ينفذون أوامره لهم بأعمال شاقة كان قد أمرهم بها قبل أن يدخل خلوته ، وأرسل الله تعالى الأرضة تأكل من عصاه فخر سليما ، ولمح ناظروا وضعه أنه خر على الأرض خرور الموتى فدخل خاصته وأعيان قصره إلى خلوته فوجدوه ميتا ".
[h=1]وقد وردت روايات فيها مبالغة:[/h] كثير من المفسرين جعل مدة بقاء سيدنا سليما ن ميتا هي سنة كاملة
قال القرطبي: وفي التفسير بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس قال : أقام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام حولا لا يعلم بموته وهو متكئ على عصاه ، والجن منصرفة فيما كان أمرها به ، ثم سقط بعد حول.
وقال ابن كثير قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة.
وهذه المدة فيها مبالغة لذلك استنكرها جماعة من العلماء:
منهم ابن عاشور والمراغي وشحاته وحسين فضل الله وعبد الكريم الخطيب والأمثل الشيرازي
قال ابن عاشور:" ولا شك أن ذلك لم يطل وقتُه لأن مثله في عظمةِ ملكه لا بد أن يفتقده أتباعُه".
قال المراغي:"وقد روى القصاصون أنها كانت سنة ، ومثل هذا لا ينبغي الركون إليه قال شحاته :"وليس لدينا خبر صحيح نطمئن إليه في تحديد المدة التي قضاها سليمان ميتا والجن تعمل بين يديه فتكتفي بما أشار إليه القرآن من أنه مكث فترة ما ميتا "
يقول علي هاني: ونحن نستطيع أن نعمل حسابا تقريبيا للمدة التي بقي فيها سيدنا سليمان عليه السلام بأن نحسب مقدار ما يمكن أن تأكله الأرضة من عصى بحيث يسقط ما فوقها.
[h=1]فَلَمَّا خَرَّ [/h]وجملة { فلما خر } مفرعة على جملة { ما دلهم على موته } وهي تدل على سرعة اتصال جواب الشرط بالشرط ، أي سرعة تبينهم عند خروره عليه السلام .
خر: سقط سقوطا سريعا قويا ويحدث دفعة واحدة لجميع الجسم لا بجزء جزء وزاد الراغب والتحقيق: سقوطا يسمع له خرير .
أي سقط سيدنا سليمان عن العصا ميتاً فلما سقط عند انكسار العصا تبينت الجن ـ ـ .
[h=1]تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ[/h]أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب ، لغلبة الجهل عليهم .
[h=1]في معنى تبينت ثلاثة أقوال: [/h][h=2]القول الأول: [/h]قول: الفراء والطبري و ابن عطية وابن عاشور و ابن الجوزي و الثعلبي و مكي و السمعاني و القرطبي و ابن جزي و أبو حيان والواحدي و السمين الحلبي والسعدي و الأزهريو الطوسي وابن هشام و الطبرسي ومقاتل ويحيى بن سلام وابن أبي زمنين و السمعاني وقدمه الزمخشري.
· «تبينت الجنُّ »: من تبين الشيء إذا ظهر ظهورا بينا وتجلّى.
· و المصدر من { أن لو كانوا} بدل اشتمال من { الجن }نحو:" تبين زيدٌ جهلُه" فقوله : { تبينت الجن } إسنادُ مُبهم فصَّله قوله : { أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين } فـ { أَن } مصدرية والمصدر المنسبك منها بدل من { الجن } بدلَ اشتمال:
· أي تبين وانكشفت الجن للإنس ، أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ، ما لبثوا في العذاب المهين وهو العمل الشاق الطويل التعب عليهم فلو علموا الغيب ، لعلموا موت سليمان ، الذي هم أحرص شيء عليه ، و ما عملوا مسخَّرين وهو ميت وهم يظنُّونه حيّاً ؛ ليسلموا مما هم فيه ،
كأنه قال: بان أمر الجن وظهر ظهورا بينا للإنس أنهم لا يعلمون الغيب الذي يدّعون علمه ويلبسون به[2] ، لأن الجن كانوا يذكرون للإنس أنهم يعلمون الغيب
كقولِه :
تَبَيَّنَ لي أنَّ القَماءَةَ ذِلَّةٌ *** وأنَّ أَعِزَّاءَ الرجالِ طِيالُها
ويؤيد هذا الوجه ـ كما قال الواحدي في البسيط وحبنكة ـ قراءة : رُويس عن يعقوب بضم الفوقية والموحدة وكسر التحتية بالبناء للمفعول " تُبِيِّنَتِ الجنُّ " ، أي: عُلِم من حال الجن أنهم لا يعلمون الغيب و { أن لو كانوا يعلمون } بدل اشتمال من الجن.
[h=2]القول الثاني: قولقتادة و الواحدي البيضاوي والجلال و البقاعي أبو السعود والآلوسي والبغوي والخازن والنسفي وابن عجيبة والمراغي وحسنين مخلوف.[/h]" تَبَيَّن " هنا متعدٍّ بمعنى أَدْركت الأمر وعلمته بعد التباسه عليك ، والمصدر المؤول{ أَن لَّوْ كَانُواْ } مفعولٌ به، والمرادُ بالجنِّ ضَعَفَتَهم ، وبالضميرِ في " كانوا " كبارَهُمْ ومَرَدَتَهم .
أي علمت الجن وأيقنت وتحققت فعلم الجن كلهم علماً بيناً بعد التباس الأمر على عامّتهم وضعفتهم وتوهّمهم أنّ كبارهم يَصْدُقون في ادعائهم علم الغيب أي تبين وعلم وأدرك جمهورهم والخدمة منهم ، و أن لو كان رؤساءهم وكبارهم يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين منهم ، علموا ذلك و وظهر لهم ظهوراً تاماًعلماً بيناً لا يقدر السادة معه على تدبيج وتدليس ؛لأنهم هم الذين يدعون علم الغيب لأتباعهم من الجن والإنس ويوهمونهم ذلك .
[h=2]القول الثالث:[/h]علم المدّعون علم الغيب منهم عجزهم ، وأنهم لا يعلمون الغيب وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم ، وإنما أريد التهكم بهم كما تتهكم بمدّعي الباطل إذا دحضت حجته وظهر إبطاله بقولك : هل تبينت أنك مبطل . وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبيناً .
أجازه الزمخشري
نوع أن واسمها وخبرها في { أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ}:
أنْ: مخففة من الثقيلة أي أنه ،واسمها ضمير الشأن أي: أنَّ الشأن لو كانوا يعلمون الغيب ،وجملة { يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} خبر لـ(أنْ).
[h=1] مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ[/h]المراد بالعذاب المهين : العمل الشاق الصعب المذلّ
أي لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا بعد موت سيدنا سليمان ، في العمل الشاق المذل الذي أمرهم به سيدنا سليمان قبل موته مثل حمل الصخر، واستخراج المعادن ، والبناء ، والعكوف على بابه ، وحول محرابه ، و كانوا مسخرين فيه يطيعونه فيه وهم يحسبون أن سيدنا سليمان حيّ وهو ميت ، وإنما سماه عذابا ، للمشاق التي فيه أو لأنه كان خاصا بالشياطين والمردة فكان فيه عقوبة لهم ، قال الفخر الرازي:"قوله : { ما لبثوا في العذاب المهين } دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير ، لأن المؤمن لا يكون في زمان النبي في العذاب المهين" ، وقال الشيرازي في الأمثل:" ( العذاب المهين ) هذا التعبير قد يكون إشارة إلى الأعمال الشاقّة التي كان سليمان ( عليه السلام ) يعهد بها إلى مجموعة من الجنّ كنوع من العقاب ، وإلاّ فإنّ نبيّ الله لا يمكن أن يضع أحداً في العذاب عبثاً ، وهو على ما يبدو عذاب مذلّ".،
· والمعنى أن الجن لو كانت تعلم الغيب لما خفي عليها موت سليمان ، وقد ظهر أنه خفي عليها بدوامها في الخدمة الصعبة وهو ميت .
وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضاً .
وبعد موت سيدنا سليمان تفرقت الشياطين و أخلوا مكانهم، ومضوا إلى حيث يشاءون! كما تشير الآية الكريمة .
[h=1]مدى صحة الرواية المذكورة في القصة عن ابن عباس رضي الله عنهما: [/h]قال ابن كثير قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب ، وفي صحته نظر ، قال ابن جرير :
ـ ـ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان سليمان نبي الله ، عليه السلام ، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غُرِسَتْ ، وإن كانت لدواء كُتِبَتْ . فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخروب . قال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان : اللهم ، عَمّ على الجن موتتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب . فنحتها عصًا ، فتوكأ عليها حولا ميتا ، والجن تعمل . فأكلتها الأرضة ، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين " .
قال : وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال : " فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء "
قال ابن كثير :وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث إبراهيم بن طَهْمان ، به . وفي رفعه غرابة ونكارة ، والأقرب أن يكون موقوفًا ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات ، وفي بعض حديثه نكارة .
[h=1]مقارنة بين القرآن الكريم والتوراة المحرفة : [/h][h=1]في قصة سليمان وداوود عليهما السلام: [/h]· هنا أشياء لم ترد في السورتين مثل : إلانة الحديد لداوود وصنعه الدروع ، وإسالة عين القطر لسليمان ، ومثل تعيين المسافة التي يقطعها الريح المسخر لسليمان في الغدو والرواح ، وتفصيل ما كان يصنعه الجن لسليمان من منشآت عظيمة ، وهذه الزيادات أيضا لم ترد في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم التي تقص سيرة داوود وسليمان عليهما السلام .
· يصوّر القرآن سيدنا سليمان بصورة نبي عظيم ، ذي علم وافر ، وتقوى عالية ، لم يأسره المقام والمال أبداً ، مع كلّ ما كان له من سلطة في حكومة عظيمة ، وقال حينما أرسلت ملكة سبأ ـ لخداعه ـ هدايا نفيسة وثمينة ( أتمدونن بمال فما آتاني الله خير ممّا آتاكم ) لم يكن لهم من هم سوى أداء الشكر لله على نعمه ( وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي . . . )،قائد لم يسمح بظلم نملة حينما قالت وهم في وادي النمل : ( يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون )
كان «عابداً» إذا غفل عن ذكر ربّه أو شغل بالدنيا عاد منيباً وهو يقول : ( إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي . . ).
كان «حكيماً» لم يجانب المنطق في قول ، حتّى في حديثه مع الهدهد ، لم يتخلّ عن الحقّ والعدالة .
كان «حاكماً» له من المعاونين من له من علم الكتاب ما استطاع به إحضار عرش بلقيس في أقلّ من طرفة عين .
وقد وصفه القرآن الكريم بـ «الأوّاب» و «نعم العبد» .
شخص أعطاه الله «الحكم» و «العلم» وشمله بهدايته ، ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً .
لكنّنا نجد أنّ التوراة الحالية المحرّفة ، قد لوّثت صفحة هذا النّبي العظيم بالشرك وغيره ، فقد نسبت إليه أسوأ الأوصاف فيما يخصّ بناء المعابد الوثنية ، والترويج لعبادة الأوثان ، والولع المفرط بالنساء ، وتعبيرات قبيحة جدّاً من أوصاف العشّاق المبتذلين ، التي نخجل عن ذكرها .
ونكتفي بذكر بعض ما ورد في التوراة من الأساطير الأهون قبحاً ، ففي الكتاب الأوّل للملوك من التوراة نقرأ ما يلي :
«وأولع سليمان بنساء غريبات كثيرات فضلا عن ابنة فرعون ، فتزوّج نساء موآبيات وعمّونيّات وأدوميات وصيدونيات وحثيات ، وكلّهنّ من بنات الاُمم التي نهى الربّ بني إسرائيل عن الزواج منهنّ قائلا لهم : «لا تتزوّجوا منهم ولا هم منكم لأنّهم يغوون قلوبكم وراء آلهتهم» ولكن سليمان التصق بهنّ لفرط محبّته لهنّ ، فكانت له سبع مائة زوجة ، وثلاث مئة محضية ، فانحرفن بقلبه عن الربّ فاستطعن في زمن شيخوخته أن يغوين قلبه وراء آلهة اُخرى ، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه ، وما لبث أن عبد عشتاروت آلهة الصيدونيين وملكوم إله العمونيين البغيض ، وارتكب الشرّ في عيني الربّ ، ولم يتّبع سبيل الربّ بكمال كما فعل أبوه داود ، وأقام على تلّ شرقي اورشليم مرتفعاً تكموش إله الموآبيين الفاسق . ولمولك إله بني عمون البغيض ، وشيّد مرتفعات لجميع نسائه الغربيات ، اللواتي رحن يوقدن البخور عليها ، ويقربن المحرّقات لآلهتهنّ فغضب الربّ على سليمان لأنّ قلبه ضلّ عنه مع أنّه تجلّى له مرّتين ونهاه عن الغواية وراء آلهة اُخرى ، فلم يطع وصيّته ، لهذا قال الله لسليمان ! لأنّك انحرفت عنّي ونكثت عهدي ، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها ، فانّي حتماً اُمزّق أوصال مملكتك واُعطيها لأحد عبيدك ، إلاّ أنّني لا أفعل ذلك في أيّامك ، من أجل داود أبيك ، بل من يد إبنك اُمزّقها ، غير أنّي اُبقي له سبطاً واحداً يملك عليه إكراماً لداود عبدي . . . ».
ومن مجموع هذه القصّة الخرافية للتوراة يتّضح أنهم يصفون سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام بما يلي :
1 ـ إنّ سليمان كان يحبّ كثيراً النساء الوثنيات ، وتزوّج بكثير منهنّ على خلاف أوامر الله تعالى ، وتدريجيّاً مال إلى دينهنّ ، وبالرغم من كثرة نسائه ( 700 زوجة و300 محضية ) فانّ حبّه لهنّ أدّى إلى إنحرافه عن طريق الحقّ ( نعوذ بالله ) .
2 ـ إنّ سليمان أمر بصراحة ببناء معابد للأوثان فوق الجبل المقابل لأورشليم المركز الديني المقدّس لبني إسرائيل ، وأحد المعابد كان لصنم «كموش» الذي يعبده الموآبيون ، والآخر لصنم «عشترون» الذي كان يعبده الصيداويون . وكلّ ذلك حدث في أيّام شيخوخته .
3 ـ إنّ الله تعالى قرّر عقوبة سليمان بسبب إنحرافه وذنوبه الكبيرة بأن يفقد مملكته ، ولكن لا من يده ، بل من يد إبنه «رحبعام» ويتركه إلى آخر عمره يلعب ويعبث كيفما شاء من أجل أبيه داود العبد المخلص ، أي ذلك العبد الذي تقول التوراة عنه انّه إرتكب قتل النفس وزنا المحصنة والإستيلاء على زوجة قائد جيشه المتفاني ! ! فهل يمكن تصديق مثل هذه التّهم ضدّ رجل مقدّس مثل سليمان ؟ !
ولو فرضنا أنّ سليمان لم يكن نبيّاً ـ كما يصرّح القرآن بذلك ـ وقلنا بأنّه من ملوك بني إسرائيل ، فمع ذلك لا يمكن تصديق مثل هذه التّهم في حقّه ، لأنّه لو لم يكن نبيّاً فلا أقل من أنّ مرتبته كانت تالية لمرتبة النّبي ، لأنّ له كتابين من كتب العهد القديم أحدها يدعى : «مواعظ سليمان» والآخر «أشعار سليمان» .
وأساساً كيف يجيب اليهود والنصارى الذين يعتقدون بهذه التوراة الحالية على هذه الأسئلة والإشكالات ؟ وكيف يتسنّى لهم قبول مثل هذه الفضائح ؟ !، ولا شك أنه من افتراءات الشياطين على سليمان وملكه كما قال تعالى{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.
*************
[h=1]حديث صحيح له تعلق بالآية : [/h]حديث صحيح له تعلق بالآية رواه النسائي:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "
قال الآلوسي :روى أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكراً لله تعالى على ذلك
*************
[h=1]التفسير الإشاري: [/h]قال ابن عجيبة:" الإشارة : كل دولة في الدنيا تحول ، وكل عز فيها عن قريب يزول ، فالعاقل مَن صرف دولته في طاعة مولاه ، وبذل جهده في محبته ورضاه ، فإن كانت قسمته في الأغنياء كان من الشاكرين ، وإن كانت في الفقراء كان من الصابرين ، والفقير الصابر أحظى من الغني الشاكر ، ولذلك ورد أن سليمان عليه السلام آخر مَن يدخل الجنة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعبد الرحمان بن عوف آخر مَن يدخلها من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين . والغني الشاكر هو الذي يُعطي ولا يُبالي ، ويتواضع للكبير والصغير ، والوجيه والحقير ، والفقير الصابر هو الذي يغتبط بفقره ، ويكتمه عن غيره . وبالله التوفيق ".
قال القشيري:"وهكذا المَلِكُ الذي يقوم مُلكُه بغيره ، ويكون استمساكه بعصا . فإنه إذا سَقَطَ سَقَطَ بسقوطه ، ومَنْ قام بغيره زال بزواله .
قال الآلوسي:" ومن باب الإشارة : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } [ سبأ : 14 ] فيه إشارة إلى أن الضعيف قد يفيد القوي علماً".



[1] قال البقاعي:
وقد تقرر أن كل شيء ثبت لمن قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء من الخوارق ثبت له مثله أو أعظم منه إما له نفسه أو لأحد من أمته ، وهذا الذي ذكر لسليمان عليه السلام من حفظه بعد موته سنة لا يميل قد ثبت مثله لشخص من هذه الأمة من غير شيء يعتمد عليه ، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته في باب أحوالهم عند الخروج من الدنيا : وقال أبو عمران الأصطخري : رأيت أبا تراب في البادية قائماً ميتاً لا يمسكه شيء - انتهى .
و ثبت مثل ذلك لشخص في بلاد شروان من بلاد فارس بالقرب من شماخى ، اسم ذلك الولي محمد ، ولقبه دمدمكي ، مات من نحو أربعمائة سنة في المائة الخامسة من الهجرة ، وهو قاعد في مكان من مقامه الذي كان يتعبد فيه على هيئة المتشهد وعليه قميص وعلى رأسه قبع كهيئة قباع الأعاجم البسطامية ، أخبرني من شاهده ممن كذلك لا أتهمه من طلبة العلم العجم ، وهو أمر مشهور متواتر في بلادهم غني عن مشاهدة شخص معين ، قال : زرته غير مرة وله هيبة تمنع المعتقد من الدنو منه دنواً يرى به وجهه كما أشار تعالى إلى مثل ذلك بقوله تعالى { لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً }[ الكهف : 18 ] قال : وكان معنا في بعض المرات شخص من طلبة العلم من أهل كيلان غير معتقد يقول : إنما هذا نوع شعبدة يخيل به على عقول الرعاع ، قال : فتقدم إليه بجرأة ولمس صدره ونظر في وجهه ، فأصيب في الحال فلم يرجع إلا محمولاً ، فأقام في المدرسة التي كان يشتغل بها في مدينة شماخي مدة ، وأخبرنا أن الشيخ دمدمكي قال له لما لمسه : لولا أنك من أهل العلم هلكت ، وأنه شيخ خفيف اللحية ، قال : وقد تبت إلى الله تعالى وصرت من المعتقدين لما هوعليه أنه حق ، ولا أكذب بشيء من كرامات الأولياء ، قال الحاكي : وقد دفن ثلاث مرات إحداها بأمر تمرلنك فيصبح جالساً على ما هو عليه الآن - والله الموفق للصواب

[2] وكانوا قد موهوا على الإنس ، وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب ، ويطلعون على المكنونات ، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى ، فمكثوا يعملون على عملهم ، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام ، واتَّكأ على عصاه ، وهي المنسأة ، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها ، ظنوه حيا ، وهابوه .


 
عودة
أعلى