علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
1) حاصل معنى أليم 2) الخلاف بين العلماء في أليم هل هو فعيل بمعنى مفعل أم هو مجاز عقلي
أولا : حاصل المعنى :
العَذاب الأَلِيمُ : الوجع الشديد الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ غاية البلوغ
وصيغة فعيل فيها معنى القوة و الدوام فهو الوجع الشديد الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ وهو لازم
والتنكير في نحو عذاب أليم : للتعظيم والتهويل فهو عذاب لا يكتنه كُنهُه .
_____________________________
ثانيا : أقوال العلماء في صيغة أليم :
القول الأول :
قالوا : الألم في الحقيقة صفة المُعَذَّب لكن يوصف به العذاب على المجاز العقلي للمبالغة .
فهو مجاز عقلي وصف به العذاب للمبالغة نحو نهاره صائم { والنهار مبصرا }{عيشة راضية } ، فهو شديد الألم فلِقُوة تسببه (أي العذاب) في الإيلام جعل كأنه متألم لشدة إيلامه ، كما في{ النهار مبصرا} لقوة تسببه في الإبصار جعل مبصرا ونحو {عيشة راضية } فلقوة تنعيمها وإرضائها جعلت هي راضية ، وكما في تحية بينهم ضرب وجيع : جعل الضرب ذا وجع مع أنه سبب إلقاء الوجع إلى المضروب ، وكذلك جعل العذاب متألما وذا ألم مع أنه موقع للألم للمعذب فالإسناد فيهما مجاز عقلي وهو معنى قول أبي السعود " { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم يقال : ألمٌ وهو أليم ، كوجعٍ وهو وجيع وُصف به العذابُ للمبالغة كما في قوله :
تحيةُ بينهم ضَرْبٌ وجيعُ ... على طريقة جَدَّ جِدُّه فإن الألم والوجعَ حقيقةٌ للمؤلم والمضروب ، كما أن الجِدّ للجادّ "
قال التحقيق : الأصل الواحد في المادة هو الوجع الشديد ، والأليم ما ثبت له الوجع كما أن الآلم ما ظهر وصدر منه الوجع وإذا أردنا تعديته قلنا آلمته إيلاما أي أوجدت الألم وأما تفسير الأليم بالمؤلم والسميع بالمسمع فغير وجيه وناشئ من عدم التوجه إلى حقيقة معنى هذه الصيغة والمنظور في توصيف العذاب والرجز واليوم بكلمة الأليم الإشارة إلى شدتها في أنفسها وهذا أبلغ من التفسير بالمؤلم
اختاره : الكشاف وأبو السعود و البيضاوي و حقي و البقاعي و الرازي و هميان الزاد و المظهري و ابن عجيبة و المنار و التحقيق و المطعني و الزرقاني في شرح المواهب اللدنية و أجازه السمين وأبو حيان والتحرير والتنوير.
ـــــــــــــــــــــــــ
والذي دعا الزمخشري ومن تبعه إلى جعله مجازا عقليا أنه لا يثبت (فعيلا) بمعنى (مُفْعل ) والزمخشري يقول: إن فعيلا إنما يكون بمعنى فاعل، أو مفعول من الثلاثي، فأمَّا الرباعي فلا يجيء منه فعيل، فلا يقال: فعيل في " أحسن " ولا في " أعطى " فجعل أليما مأخوذا من " ألم " الثلاثي لا من آلم الرباعي .
قال السيوطي في حاشيته على البيضاوي : هذا فرار مما قاله الأكثرون، أن أليما بمعنى مؤلم، وجعلوه مثل (بديع السموات والأرض) أي مبدعهما.
وقول الشاعر:
أَمِنْ رَيحَانَةَ الدَّاعِيْ السَّمِيْعُ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
أي المسمع
والزمخشري يقول: إن فعيلا إنما يكون بمعنى فاعل، أو مفعول من الثلاثي، فأمَّا الرباعي فلا يجيء منه فعيل، فلا يقال: فعيل في " أحسن " ولا في " أعطى " فجعل أليما مأخوذا من " ألم " الثلاثي.
ونَظَّرَهُ بقولهم: وجع الرجل، فهو وجيع.
واحتاج إلى مجاز في الإسناد، وهو أن المتوجع والمتألم هو الإنسان، وقد ينسب ذلك إلى المصدر الحالِّ به، فيقال: ضرب وجيع، والوجع إنما هو للمضروب، ويقال: عذاب أليم، والألم إنما هو للمُعَذَّبِ، ونَظَّرَهُ بقولهم: جَدَّ جِدُّهُ، والجد في الأمر هو الاجتهاد، وهو على التحقيق فعل الجادِّ، لا فعل الجِدِّ .
وأما قوله (بديع السموات والأرض) فقد فسره الزمخشري في مكانه بأنه من باب الصفة المشبهة ، بديع السموات كقولك: جميل الوجه، وكريم الأب، وليس المعنى مبدع السموات، بل المعنى بديعة سماواته، كما أن المعنى جميل وجهه، وكريم أبوه.
وأما قوله:
أمن ريحانة الداعي السميع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
فقد ذكر الزمخشري - فيما علّق عنه، ورأيته بخطه على حاشية " الكشاف " - أن المراد من ريحانة داع من قلبي، سميع لدعاء داعيها، لا بمعنى مسمع منها
قال الشهاب : له : ( أي مؤلم إلخ ) : إشارة إلى أنه فعيل من ألم الثلاثي كوجيع من وجع فإنه الفصيح المطرد ، وفعيل بمعنى مفعل ليس بثبت عند الزمخشريّ والمصنف (البيضاوي) ، وان خالفه فيه لا يمكنه أن ينكر قلته ، وعدم اطراده كما ستسمعه مفصلاَ عن قريب في تفسير قوله تعالى { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }
( قوله على طريقة جد جده ) اتفق شراح الكشاف هنا على أن المراد أنه على طريقته في أنه اسناد مجازي وليس المراد أنه من قبيل الاسناد إلى مصدر المسند كما في ضرب وجيع بل هو قريب منه
قال زاده : فهو بمعنى الأليم فإنه صفة مشبهة مشتق من الفعل اللازم وهو ألم يألم الما فهو أليم ومعنى ألم صار ذا ألم بأن تعلق به الألم فيكون ذا ألم وهو بعينه بمعنى المؤلم
القول الثاني :
قالوا أليم فعيل بمعنى مفعل : أليم بمعنى مؤلم وموجع إيجاعا شديدا بالغ الغاية في الإيلام من آلمه يؤلمه إيلاما فهو أليم أي مؤلم ، عدل من (مفعل) إلى (فعيل) أي عن مؤلم إلى أليم، للمبالغة في الصفة وإفادة الثبوت واللزوم مع المبالغة في الإيلام ، كما أن (حميد) مثلا أبلغ من (محمود) ، و(حميم) أبلغ من (محموم)، لكن هنا فعيل بمعنى اسم الفاعل لا اسم المفعول ، فالأَلِيمُ : المُؤلِمُ المُوجِعُ مثل السَّمِيع بمعنى المُسْمِع قال الرضي : وقد جاء (فعيل) مبالغة مُفْعِل، كقوله تعالى: (عذاب أليم )
الراغب و الطبري والقرطبي والآلوسي و و سيد طنطاوي والنحاس والسمعاني والخازن والبغوي والصابوني و عبد الكريم الخطيب والهواري ومكي والطبرسي والجلال والشنقيطي الطوسي و المصباح المنير ولسان العرب و تاج العروس و معجم غريب القرآن وابن قتيبة و ابن فارس والمزهر للسيوطي وأبو البقاء الكفوي والأزهري و والنحو الوافي والبقاعي في غير سورة البقرة قدمه أبو حيان والسمين
وهؤلاء أثبتوا مجيء (فعيل) بمعنى (مُفْعل) :
قال الطبري : قال أبو جعفر: والأليم: هو المُوجعُ. ومعناه: ولهم عذاب مؤلم بصرفِ"مؤلم" إلى"أليم" ، كما يقال: ضَرْبٌ وجيعُ بمعنى مُوجع، والله بَديع السموات والأرض، بمعنى مُبْدِع. ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعي السَّمِيعُ... يُؤَرِّقنُي وأَصْحَابِي هُجُوعُ
بمعنى المُسْمِع. ومنه قول ذي الرمة:
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلاتٍ... يَصُدُّ وُجُوهَهَا وَهَجُ أَلِيمُ
وإنما الأليم صفةٌ للعذاب، كأنه قال: ولهم عذاب مؤلم. وهو مأخوذ من الألم، والألم: الوَجَعُ.
قال الطوسي : والاليم بمعنى المؤلم الموجع: فعيل بمعنى مفعل: مثل بديع بمعنى مبدع ومكان حريز بمعنى محرز فال ذو الرمة: يصك وجوهها وهج اليم فان قيل اذا كان معنى
قال اللسان : ( ألم ) الأَلَمُ الوجَعُ والجمع آلامٌ وقد أَلِمَ الرجلُ يَأْلَمُ أَلَماً فهو أَلِمٌ ويُجْمَعُ الأَلَمُ آلاماً وتَأَلَّم وآلَمْتُه والأَلِيمُ المُؤلِمُ المُوجِعُ مثل السَّمِيع بمعنى المُسْمِع وأَنشد ابن بري لذي الرمة يَصُكُّ خُدُودَها وهَجٌ أَلِيمُ والعَذاب الأَلِيمُ الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ غاية البلوغ وإِذا قلت عَذاب أَلِيمٌ فهو بمعنى مُؤلِم قال ومثله رجل وجِع وضرْب وَجِع أَي مُوجِع وتَأَلَّم فلان من فلان إِذا تَشَكَّى وتَوَجَّع منه
قال الشنقيطي : وَالْأَلِيمُ مَعْنَاهُ الْمُؤْلِمُ . أَيْ : الْمَوْصُوفُ بِشِدَّةِ الْأَلَمِ وَفَظَاعَتِهِ .
وَالتَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : أَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْفَعِيلَ وَصْفًا بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ ، فَمَا يُذْكَرُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ مَعْرُوفٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْ إِطْلَاقِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَذَابٌ أَلِيمٌ أَيْ مُؤْلِمٌ ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ مُبْدِعُهُمَا ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ} أي مُنْذِرٍ لَكُمْ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ :
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
فَقَوْلُهُ : الدَّاعِي السَّمِيعُ ، يَعْنِي الدَّاعِيَ الْمُسْمِعَ . وَقَوْلُهُ أَيْضًا :
وَخَيْلٍ قَدْ دَلِفْتَ لَهَا بَخِيلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
أَيْ مُوجِعٌ . وَقَوْلُ غَيْلَانَ بْنِ عُقْبَةَ : وَيَرْفَعُ مِنْ صُدُورٍ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
أَيْ مُؤْلِمٌ .
قال سيد طنطاوي : { أَلِيمٌ } أي : مؤلم وموجع وجعاً شديدا . من ألم - كفرح - فهو ألم ، وآلمه يؤلمه إيلاما ، أي : أوجعه إيجاعاً شديدا .
قال ابن عاشور : : وَالْأَلِيمُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّ الرُّبَاعِيَّ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ وَأَصْلُهُ عَذَابٌ مُؤْلَمٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُؤْلَمٌ مَنْ يُعَذَّبُ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الْمُؤْلَمَ هُوَ الْمُعَذَّبُ دُونَ الْعَذَابِ كَمَا قَالُوا جَدَّ جَدُّهُ، أَوْ هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ أَلِمٍ بِمَعْنَى صَارَ ذَا أَلَمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ أَيْ مُؤْلِمٍ بِكَسْرِ اللَّامِ، فَقِيلَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَثَبَتَ فِي نَظِيرِهَا نَحْوُ الْحَكِيمِ وَالسَّمِيعِ بِمَعْنَى الْمُسْمِعِ كَقَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:
وَخَيْلٌ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
أَيْ مُوجِعٌ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَأَنَّ مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِلْمُوَلِّدِينَ قُصِدَ مِنْهُ التَّبَاعُدُ عَنْ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ بِدُونِ دَاعٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ حَالُ الْجَاهِلِ بِحَالِ الْبَلِيغِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْرِيجِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ عَلَيْهِ. :
قال ابن عاشور : وَالنَّذِيرُ: الْمُنْذِرُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهُوَ مِثْلُ بَشِيرٍ، وَمِثْلُ حَكِيمٍ بِمَعْنَى مُحْكِمٍ، وَأَلِيمٌ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، وَسَمِيعٌ بِمَعْنَى مُسْمِعٍ، فِي قَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:
قال الراغب : الأَلَمُ الوجع الشديد ، يقال : أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ.قال تعالى : فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ [النساء / 104] ، وقد آلمت فلانا ، وعذاب أليم ، أي : مؤلم.
قال المزهر للسيوطي : وقولهم هذا العذابُ الأليم ، قال أبو بكر: الأليم : معناه في كلام العرب المؤلم الموجع فصُرفَ عن المؤلم إلى الأليم كما قالوا مُحْكِم وحَكِيم ومُسْمِع وسَمِيع قال عمرو بن معد يكرب
( أَمِنْ ريحانة َ الداعي السَمِيعُ يؤرقني وأصحابي هُجُوعُ )
أراد بالسميع المُسْمِع وقال ذو الرمة
( ونرفعُ من صدورِ شَمَرْدَلاتٍ يصكُّ وجوهَها وَهَجٌ أَليمُ )
قال البقاعي : { لهم عذاب أليم* } أي مؤلم بالغ إيلامه في الدنيا والآخرة .
الفرق بين المذهبين :
المذهب الأول :قال أليم من إلِم يألم فهو أليم : نحو ألِم زيد يألم فهو أليم فـ(فعيل) من الثلاثي (ألِمَ)، وفي عذاب أليم مجاز عقلي فهو لكثرت إيلامه كأنه متألم قالوا ولا يأتي فعيل من الرباعي بل من الثلاثي فلا يقال أليم بمعنى مؤلم بل أليم بمعنى متألم .
المذهب الثاني : من آلمه يؤلمه إيلاما أي أوجعه إيجاعا شديدا ، فالعذاب الأليم بمعنى مُؤلِم فـ(أليم) من الرباعي آلم على وزن أفعل ، عدل(مفعل) إلى (فعيل) أي عن مؤلم إلى أليم، للمبالغة في الصفة وإفادة الثبوت واللزوم مع المبالغة في الإيلام ، كما أن (حميد) مثلا أبلغ من (محمود) ، و(حميم) أبلغ من (محموم)،و الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْفَعِيلَ وَصْفًا بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ
الترجيح :
الراجح هو قول الجمهور وهو القول الثاني وأدلة ذلك :
1) أن صيغة(فعيل) بمعنى (مفعل) واردة في القرآن وكلام العرب وإثباتها مذهب جمهور العلماء .
فقد جاء منها (نذير) بمعنى منذر ، بديع بمعنى مبدع ، سميع بمعنى مسمع ، وحكيم بمعنى محكم وغيرها من الصيغ المذكور سابقا وقال ابن بري : قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له
2) أن عدم إثبات مجيء فعيل بمعنى مفعل يضطرنا إلى التكلف في تفسير نصوص كثيرة ولنأخذ مثالا لذلك قوله تعالى { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} قال الزمخشري في تفسيرها : يقال بدع الشيء فهو بديع ، كقولك : بزع الرجل فهو بزيع . و { بَدِيعُ السماوات } من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أي بديع سمواته وأرضه . وقيل : البديع بمعنى المبدع ، كما أنّ السميع في قول عمرو :
أمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... بمعنى المسمع وفيه نظر" فجعل أصل المعنى بديعة سماواته ، وواضح أن الأوضح في السياق أن يكون وصفا لله مباشرة كما يدل عليه السياق { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} فالأوضح أن يكون مبدع السماوات لا بديع سماواته وإن كانت في الحاصل تعود لوصفه سبحانه هذا من جهة من جهة ثانية جعل المعنى مبدع السماوات مذهب الجمهور ، ويضاف ما ذكره الآلوسي بقوله :
"{ بَدِيعُ السماوات والأرض } أي مبدعهما فهو فعيل من أفعل وكان الأصمعي ينكر فعيلاً بمعنى مفعل ، وقال ابن بري : قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له ، ومن ذلك السميع في بيت عمرو بن معدي كرب السابق . والاستشهاد بناءاً على الظاهر المتبادر على ما هو الأليق بمباحث العربية فلا يرد ما قيل في البيت لأنه على خلافه كما لا يخفى على المنصف ، وقيل : هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف أي بديع سماواته . وأنت تعلم أنه قد تقرر أن الصفة إذا أضيفت إلى الفاعل يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا إذا صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الاخوان لاتصافه بأنه متقوّ بهم ، وفيما نحن فيه وإن امتنع اتصافه بالصفة المذكورة لكن يصح اتصافه بما دلت عليه وهو كونه مبدعاً لهما . وهذا يقتضي أن يكون الأولى بقاء المبدع على ظاهره وهو الذي عليه أساطين أهل اللغة "
وكذلك يضاف أن تفسير الزمخشري لـ{ عذاب أليم } احتاج إلى تكلف حمله على المجاز العقلي مع أن له مندوحة في القول الثاني مع ما في القول الثاني من البلاغة من العدول من صيغة اسم الفاعل إلى فعيل الدال على المبالغة في الصفة واللزوم والله أعلم .
أولا : حاصل المعنى :
العَذاب الأَلِيمُ : الوجع الشديد الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ غاية البلوغ
وصيغة فعيل فيها معنى القوة و الدوام فهو الوجع الشديد الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ وهو لازم
والتنكير في نحو عذاب أليم : للتعظيم والتهويل فهو عذاب لا يكتنه كُنهُه .
_____________________________
ثانيا : أقوال العلماء في صيغة أليم :
القول الأول :
قالوا : الألم في الحقيقة صفة المُعَذَّب لكن يوصف به العذاب على المجاز العقلي للمبالغة .
فهو مجاز عقلي وصف به العذاب للمبالغة نحو نهاره صائم { والنهار مبصرا }{عيشة راضية } ، فهو شديد الألم فلِقُوة تسببه (أي العذاب) في الإيلام جعل كأنه متألم لشدة إيلامه ، كما في{ النهار مبصرا} لقوة تسببه في الإبصار جعل مبصرا ونحو {عيشة راضية } فلقوة تنعيمها وإرضائها جعلت هي راضية ، وكما في تحية بينهم ضرب وجيع : جعل الضرب ذا وجع مع أنه سبب إلقاء الوجع إلى المضروب ، وكذلك جعل العذاب متألما وذا ألم مع أنه موقع للألم للمعذب فالإسناد فيهما مجاز عقلي وهو معنى قول أبي السعود " { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم يقال : ألمٌ وهو أليم ، كوجعٍ وهو وجيع وُصف به العذابُ للمبالغة كما في قوله :
تحيةُ بينهم ضَرْبٌ وجيعُ ... على طريقة جَدَّ جِدُّه فإن الألم والوجعَ حقيقةٌ للمؤلم والمضروب ، كما أن الجِدّ للجادّ "
قال التحقيق : الأصل الواحد في المادة هو الوجع الشديد ، والأليم ما ثبت له الوجع كما أن الآلم ما ظهر وصدر منه الوجع وإذا أردنا تعديته قلنا آلمته إيلاما أي أوجدت الألم وأما تفسير الأليم بالمؤلم والسميع بالمسمع فغير وجيه وناشئ من عدم التوجه إلى حقيقة معنى هذه الصيغة والمنظور في توصيف العذاب والرجز واليوم بكلمة الأليم الإشارة إلى شدتها في أنفسها وهذا أبلغ من التفسير بالمؤلم
اختاره : الكشاف وأبو السعود و البيضاوي و حقي و البقاعي و الرازي و هميان الزاد و المظهري و ابن عجيبة و المنار و التحقيق و المطعني و الزرقاني في شرح المواهب اللدنية و أجازه السمين وأبو حيان والتحرير والتنوير.
ـــــــــــــــــــــــــ
والذي دعا الزمخشري ومن تبعه إلى جعله مجازا عقليا أنه لا يثبت (فعيلا) بمعنى (مُفْعل ) والزمخشري يقول: إن فعيلا إنما يكون بمعنى فاعل، أو مفعول من الثلاثي، فأمَّا الرباعي فلا يجيء منه فعيل، فلا يقال: فعيل في " أحسن " ولا في " أعطى " فجعل أليما مأخوذا من " ألم " الثلاثي لا من آلم الرباعي .
قال السيوطي في حاشيته على البيضاوي : هذا فرار مما قاله الأكثرون، أن أليما بمعنى مؤلم، وجعلوه مثل (بديع السموات والأرض) أي مبدعهما.
وقول الشاعر:
أَمِنْ رَيحَانَةَ الدَّاعِيْ السَّمِيْعُ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
أي المسمع
والزمخشري يقول: إن فعيلا إنما يكون بمعنى فاعل، أو مفعول من الثلاثي، فأمَّا الرباعي فلا يجيء منه فعيل، فلا يقال: فعيل في " أحسن " ولا في " أعطى " فجعل أليما مأخوذا من " ألم " الثلاثي.
ونَظَّرَهُ بقولهم: وجع الرجل، فهو وجيع.
واحتاج إلى مجاز في الإسناد، وهو أن المتوجع والمتألم هو الإنسان، وقد ينسب ذلك إلى المصدر الحالِّ به، فيقال: ضرب وجيع، والوجع إنما هو للمضروب، ويقال: عذاب أليم، والألم إنما هو للمُعَذَّبِ، ونَظَّرَهُ بقولهم: جَدَّ جِدُّهُ، والجد في الأمر هو الاجتهاد، وهو على التحقيق فعل الجادِّ، لا فعل الجِدِّ .
وأما قوله (بديع السموات والأرض) فقد فسره الزمخشري في مكانه بأنه من باب الصفة المشبهة ، بديع السموات كقولك: جميل الوجه، وكريم الأب، وليس المعنى مبدع السموات، بل المعنى بديعة سماواته، كما أن المعنى جميل وجهه، وكريم أبوه.
وأما قوله:
أمن ريحانة الداعي السميع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
فقد ذكر الزمخشري - فيما علّق عنه، ورأيته بخطه على حاشية " الكشاف " - أن المراد من ريحانة داع من قلبي، سميع لدعاء داعيها، لا بمعنى مسمع منها
قال الشهاب : له : ( أي مؤلم إلخ ) : إشارة إلى أنه فعيل من ألم الثلاثي كوجيع من وجع فإنه الفصيح المطرد ، وفعيل بمعنى مفعل ليس بثبت عند الزمخشريّ والمصنف (البيضاوي) ، وان خالفه فيه لا يمكنه أن ينكر قلته ، وعدم اطراده كما ستسمعه مفصلاَ عن قريب في تفسير قوله تعالى { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }
( قوله على طريقة جد جده ) اتفق شراح الكشاف هنا على أن المراد أنه على طريقته في أنه اسناد مجازي وليس المراد أنه من قبيل الاسناد إلى مصدر المسند كما في ضرب وجيع بل هو قريب منه
قال زاده : فهو بمعنى الأليم فإنه صفة مشبهة مشتق من الفعل اللازم وهو ألم يألم الما فهو أليم ومعنى ألم صار ذا ألم بأن تعلق به الألم فيكون ذا ألم وهو بعينه بمعنى المؤلم
القول الثاني :
قالوا أليم فعيل بمعنى مفعل : أليم بمعنى مؤلم وموجع إيجاعا شديدا بالغ الغاية في الإيلام من آلمه يؤلمه إيلاما فهو أليم أي مؤلم ، عدل من (مفعل) إلى (فعيل) أي عن مؤلم إلى أليم، للمبالغة في الصفة وإفادة الثبوت واللزوم مع المبالغة في الإيلام ، كما أن (حميد) مثلا أبلغ من (محمود) ، و(حميم) أبلغ من (محموم)، لكن هنا فعيل بمعنى اسم الفاعل لا اسم المفعول ، فالأَلِيمُ : المُؤلِمُ المُوجِعُ مثل السَّمِيع بمعنى المُسْمِع قال الرضي : وقد جاء (فعيل) مبالغة مُفْعِل، كقوله تعالى: (عذاب أليم )
الراغب و الطبري والقرطبي والآلوسي و و سيد طنطاوي والنحاس والسمعاني والخازن والبغوي والصابوني و عبد الكريم الخطيب والهواري ومكي والطبرسي والجلال والشنقيطي الطوسي و المصباح المنير ولسان العرب و تاج العروس و معجم غريب القرآن وابن قتيبة و ابن فارس والمزهر للسيوطي وأبو البقاء الكفوي والأزهري و والنحو الوافي والبقاعي في غير سورة البقرة قدمه أبو حيان والسمين
وهؤلاء أثبتوا مجيء (فعيل) بمعنى (مُفْعل) :
قال الطبري : قال أبو جعفر: والأليم: هو المُوجعُ. ومعناه: ولهم عذاب مؤلم بصرفِ"مؤلم" إلى"أليم" ، كما يقال: ضَرْبٌ وجيعُ بمعنى مُوجع، والله بَديع السموات والأرض، بمعنى مُبْدِع. ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعي السَّمِيعُ... يُؤَرِّقنُي وأَصْحَابِي هُجُوعُ
بمعنى المُسْمِع. ومنه قول ذي الرمة:
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلاتٍ... يَصُدُّ وُجُوهَهَا وَهَجُ أَلِيمُ
وإنما الأليم صفةٌ للعذاب، كأنه قال: ولهم عذاب مؤلم. وهو مأخوذ من الألم، والألم: الوَجَعُ.
قال الطوسي : والاليم بمعنى المؤلم الموجع: فعيل بمعنى مفعل: مثل بديع بمعنى مبدع ومكان حريز بمعنى محرز فال ذو الرمة: يصك وجوهها وهج اليم فان قيل اذا كان معنى
قال اللسان : ( ألم ) الأَلَمُ الوجَعُ والجمع آلامٌ وقد أَلِمَ الرجلُ يَأْلَمُ أَلَماً فهو أَلِمٌ ويُجْمَعُ الأَلَمُ آلاماً وتَأَلَّم وآلَمْتُه والأَلِيمُ المُؤلِمُ المُوجِعُ مثل السَّمِيع بمعنى المُسْمِع وأَنشد ابن بري لذي الرمة يَصُكُّ خُدُودَها وهَجٌ أَلِيمُ والعَذاب الأَلِيمُ الذي يَبْلغ إِيجاعُهُ غاية البلوغ وإِذا قلت عَذاب أَلِيمٌ فهو بمعنى مُؤلِم قال ومثله رجل وجِع وضرْب وَجِع أَي مُوجِع وتَأَلَّم فلان من فلان إِذا تَشَكَّى وتَوَجَّع منه
قال الشنقيطي : وَالْأَلِيمُ مَعْنَاهُ الْمُؤْلِمُ . أَيْ : الْمَوْصُوفُ بِشِدَّةِ الْأَلَمِ وَفَظَاعَتِهِ .
وَالتَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : أَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْفَعِيلَ وَصْفًا بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ ، فَمَا يُذْكَرُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ مَعْرُوفٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْ إِطْلَاقِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَذَابٌ أَلِيمٌ أَيْ مُؤْلِمٌ ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ مُبْدِعُهُمَا ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ} أي مُنْذِرٍ لَكُمْ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ :
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
فَقَوْلُهُ : الدَّاعِي السَّمِيعُ ، يَعْنِي الدَّاعِيَ الْمُسْمِعَ . وَقَوْلُهُ أَيْضًا :
وَخَيْلٍ قَدْ دَلِفْتَ لَهَا بَخِيلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
أَيْ مُوجِعٌ . وَقَوْلُ غَيْلَانَ بْنِ عُقْبَةَ : وَيَرْفَعُ مِنْ صُدُورٍ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
أَيْ مُؤْلِمٌ .
قال سيد طنطاوي : { أَلِيمٌ } أي : مؤلم وموجع وجعاً شديدا . من ألم - كفرح - فهو ألم ، وآلمه يؤلمه إيلاما ، أي : أوجعه إيجاعاً شديدا .
قال ابن عاشور : : وَالْأَلِيمُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّ الرُّبَاعِيَّ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ وَأَصْلُهُ عَذَابٌ مُؤْلَمٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُؤْلَمٌ مَنْ يُعَذَّبُ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الْمُؤْلَمَ هُوَ الْمُعَذَّبُ دُونَ الْعَذَابِ كَمَا قَالُوا جَدَّ جَدُّهُ، أَوْ هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ أَلِمٍ بِمَعْنَى صَارَ ذَا أَلَمٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ أَيْ مُؤْلِمٍ بِكَسْرِ اللَّامِ، فَقِيلَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَثَبَتَ فِي نَظِيرِهَا نَحْوُ الْحَكِيمِ وَالسَّمِيعِ بِمَعْنَى الْمُسْمِعِ كَقَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:
وَخَيْلٌ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
أَيْ مُوجِعٌ، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَأَنَّ مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِلْمُوَلِّدِينَ قُصِدَ مِنْهُ التَّبَاعُدُ عَنْ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ بِدُونِ دَاعٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ حَالُ الْجَاهِلِ بِحَالِ الْبَلِيغِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْرِيجِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ عَلَيْهِ. :
قال ابن عاشور : وَالنَّذِيرُ: الْمُنْذِرُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهُوَ مِثْلُ بَشِيرٍ، وَمِثْلُ حَكِيمٍ بِمَعْنَى مُحْكِمٍ، وَأَلِيمٌ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، وَسَمِيعٌ بِمَعْنَى مُسْمِعٍ، فِي قَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:
قال الراغب : الأَلَمُ الوجع الشديد ، يقال : أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ.قال تعالى : فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ [النساء / 104] ، وقد آلمت فلانا ، وعذاب أليم ، أي : مؤلم.
قال المزهر للسيوطي : وقولهم هذا العذابُ الأليم ، قال أبو بكر: الأليم : معناه في كلام العرب المؤلم الموجع فصُرفَ عن المؤلم إلى الأليم كما قالوا مُحْكِم وحَكِيم ومُسْمِع وسَمِيع قال عمرو بن معد يكرب
( أَمِنْ ريحانة َ الداعي السَمِيعُ يؤرقني وأصحابي هُجُوعُ )
أراد بالسميع المُسْمِع وقال ذو الرمة
( ونرفعُ من صدورِ شَمَرْدَلاتٍ يصكُّ وجوهَها وَهَجٌ أَليمُ )
قال البقاعي : { لهم عذاب أليم* } أي مؤلم بالغ إيلامه في الدنيا والآخرة .
الفرق بين المذهبين :
المذهب الأول :قال أليم من إلِم يألم فهو أليم : نحو ألِم زيد يألم فهو أليم فـ(فعيل) من الثلاثي (ألِمَ)، وفي عذاب أليم مجاز عقلي فهو لكثرت إيلامه كأنه متألم قالوا ولا يأتي فعيل من الرباعي بل من الثلاثي فلا يقال أليم بمعنى مؤلم بل أليم بمعنى متألم .
المذهب الثاني : من آلمه يؤلمه إيلاما أي أوجعه إيجاعا شديدا ، فالعذاب الأليم بمعنى مُؤلِم فـ(أليم) من الرباعي آلم على وزن أفعل ، عدل(مفعل) إلى (فعيل) أي عن مؤلم إلى أليم، للمبالغة في الصفة وإفادة الثبوت واللزوم مع المبالغة في الإيلام ، كما أن (حميد) مثلا أبلغ من (محمود) ، و(حميم) أبلغ من (محموم)،و الْعَرَبَ تُطْلِقُ الْفَعِيلَ وَصْفًا بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ
الترجيح :
الراجح هو قول الجمهور وهو القول الثاني وأدلة ذلك :
1) أن صيغة(فعيل) بمعنى (مفعل) واردة في القرآن وكلام العرب وإثباتها مذهب جمهور العلماء .
فقد جاء منها (نذير) بمعنى منذر ، بديع بمعنى مبدع ، سميع بمعنى مسمع ، وحكيم بمعنى محكم وغيرها من الصيغ المذكور سابقا وقال ابن بري : قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له
2) أن عدم إثبات مجيء فعيل بمعنى مفعل يضطرنا إلى التكلف في تفسير نصوص كثيرة ولنأخذ مثالا لذلك قوله تعالى { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} قال الزمخشري في تفسيرها : يقال بدع الشيء فهو بديع ، كقولك : بزع الرجل فهو بزيع . و { بَدِيعُ السماوات } من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أي بديع سمواته وأرضه . وقيل : البديع بمعنى المبدع ، كما أنّ السميع في قول عمرو :
أمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... بمعنى المسمع وفيه نظر" فجعل أصل المعنى بديعة سماواته ، وواضح أن الأوضح في السياق أن يكون وصفا لله مباشرة كما يدل عليه السياق { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} فالأوضح أن يكون مبدع السماوات لا بديع سماواته وإن كانت في الحاصل تعود لوصفه سبحانه هذا من جهة من جهة ثانية جعل المعنى مبدع السماوات مذهب الجمهور ، ويضاف ما ذكره الآلوسي بقوله :
"{ بَدِيعُ السماوات والأرض } أي مبدعهما فهو فعيل من أفعل وكان الأصمعي ينكر فعيلاً بمعنى مفعل ، وقال ابن بري : قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له ، ومن ذلك السميع في بيت عمرو بن معدي كرب السابق . والاستشهاد بناءاً على الظاهر المتبادر على ما هو الأليق بمباحث العربية فلا يرد ما قيل في البيت لأنه على خلافه كما لا يخفى على المنصف ، وقيل : هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف أي بديع سماواته . وأنت تعلم أنه قد تقرر أن الصفة إذا أضيفت إلى الفاعل يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا إذا صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الاخوان لاتصافه بأنه متقوّ بهم ، وفيما نحن فيه وإن امتنع اتصافه بالصفة المذكورة لكن يصح اتصافه بما دلت عليه وهو كونه مبدعاً لهما . وهذا يقتضي أن يكون الأولى بقاء المبدع على ظاهره وهو الذي عليه أساطين أهل اللغة "
وكذلك يضاف أن تفسير الزمخشري لـ{ عذاب أليم } احتاج إلى تكلف حمله على المجاز العقلي مع أن له مندوحة في القول الثاني مع ما في القول الثاني من البلاغة من العدول من صيغة اسم الفاعل إلى فعيل الدال على المبالغة في الصفة واللزوم والله أعلم .