علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
[h=1]الربط:
فلما أخبر تعالى أنه سخر له الجن ، ذكر حالهم في أعمالهم ، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما ،ومن فيهما بما يشاء، تفصيلٌ لما ذُكر من عملِهم، فالجملة مبينة لجملة { وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ}.[/h]· ذكر في حق داود اشتغاله بآلة الحرب ، وفي حق سليمان بحالة السلم وهي المساكن والمآكل وذلك لأن سليمان كان ولد داود ، وداود قتل جالوت والملوك الجبابرة ، واستوى داود على الملك ، فكان سليمان كولد ملك يكون أبوه قد سوى على ابنه الملك وجمع له المال فهو يفرقه على جنوده ، ولأن سليمان لم يقدر أحد عليه في ظنه فتركوا الحرب معه وإن حاربه أحد كان زمان الحرب يسيرا لإدراكه إياه بالريح فكان في زمانه العظمة بالإطعام والإنعام .
[h=1]يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ[/h][h=1]{ يعملون له } أي في أي وقت شاء[/h][h=1]{ ما يشاء } أي عمله[/h][h=1] مِنْ مَحَارِيبَ [/h] { مِن محاريب } الخ ، بيانٌ لمَا يشاءُ
قدمت المحاريب على التماثيل، لأن النقوش تكون في الأبنية، فبين أنهم كانوا يعملون أي صورة أرادها سليمان
[h=1]وَتَمَاثِيلَ [/h]· جمع تمثال هو الصورة الممثلة، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام، وهو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان.
· صوروا له صورا من نحاس وشبه وزجاج ورخام أي صوراً حساناً على تلك الأبنية فيها أسرار غريبة[1].
· قيل:صور الملائكة والنبيين والصالحين ، كانت تعمل من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم، و قيل كانوا يصورون السباع والطيور وغيرها.
· فإن قال قائل : أليس أن عمل الصور مكروه ؟ قلنا : هو في هذه الشريعة ، وكانت مباحة في شريعته ، وهذا مما يجوز أن تختلف في الشرائع، وقد كان عيسى يصور من الطين وينفخ فيه فيجعله الله طيرا ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرّماً.
· قال القرطبي: قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ) . أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة . وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم.
· قال الآلوسي كأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سداً لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية.
[h=1]وَجِفَانٍ [/h]لما ذكر القصور وزينتها ، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن فقال : { وجفان }.
الجفان:جمع جَفْنَة: وعاءٌ عظيم يوضع فيه الطعام ليؤكلفيها من خَزَفٍ ونحوه،أي القصاع الكبيرة جمع ، قال ابن سيده: أعظَمُ القِصَاع الجَفْنة، ثمَّ القَصْعةَ تَليها تُشْبِع العَشَرة ثمَّ الصَّحْفة تُشْبِع الخمسةَ وَنَحْوهم.
وكان سليمان عليه السلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان ، فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع الناس لكثرتهم . وقيل : إنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل ياكلون بين يديه .
[h=1]كَالْجَوَابِ ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم ، ذكر ما يطبخ فيه طعامها فقال : { وقدور راسيات }[/h]كالحياض الكبار جمع جابية: وهي الحوض الكبير الواسع العظيم الذي يجبي فيه الماءَ لسقي الأشجار والزروع أو لتشرب الإبل ، سُمِّيَتْ بذلك لأنه يُجْبى إليها الماءُ ،وإسنادُ الفعلِ إليها مَجازٌ ؛ لأنه يُجْبَى فيها، أو سميت جابية لانها تجبي الماء أعني تجمعه واصل ذلك وصف ثم غلبت عليه الاسمية.
وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله . وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها إلا بأنها خارقة من صنع الله
فإن قيل:الجفان هي التي يوضع فيها الطعام فهي آلة الأكل، والقدور آلة الطبخ ، والجفان ، والطبخ قبل الأكل .
[h=1]لأنه لما ذكر البناء الذي هو المسكن بين ما يكون في المسكن من ماعون الأكل ، فلما بين الأبنية الملكية أراد بيان عظمة السماط الذي يمد في تلك الدور، وأشار إلى الجفان لأنها تكون فيه، وأما القدور فلا تكون فيه، ولا تحضر هناك،ولهذاقال:{ راسيات } أي غير منقولات، ثم لما بين حال الجفان العظيمة، كان يقع في النفس أن الطعام الذي يكون فيها في أي شيء يطبخ ، فأشار إلى القدور المناسبة للجفان [/h][h=1]القراءات:[/h]قوله : " كالجوابِ " قرأ ابنُ كثير بإثباتِ ياء " الجوابي " وصلاً ووقفاً . وأبو عمروٍ وورشٌ بإثباتِها وَصْلاً ، وحَذْفِها وقفاً . والباقون بحَذْفِها في الحالَيْن
ومن قرأ بياء فهذا هو الأصل، وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه
[h=1]وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ[/h]لما بين حال الجفان ، سرى الذهن إلى عظمة ما يطبخ فيه ، فذكر القدور للمناسبة . القدر : إناء يطبخ فيه من فخار أو غيره ، وهو على شكل مخصوص.
القدور: جمع قدر، وهو ما يطبخ فيه لحم أو طعام آخر من فخار أو حديد أو صفر ، على شكل مخصوص
راسيات: قدور ثابتات ثباتاً عظيماً على الأثافي[2] كالجبال، أي لا يحركن عن أماكنها لعظمهن و لا ينزلن عنها لعظمها، و لا تنقل لكبرها، وإنما يغرف منها في تلك الجفان لها قوائم ، وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم ، ومنه الجبال الرواسي لثبوتها
[h=1] اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا :[/h]· فلما ذكر منته عليهم ، من المساكن وما تبعها ، أمرهم بشكرها ، إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه لا يلهيهم ذلك عن العبادة فقال حكاية عما قيل لهم: { اعملوا } أي وقلنا لهم : تمتعوا واعملوا .
· ودل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال : { آل داود }
· أي اعملوا كل ما يقرب إلى الله واعبدوه شكرا على ما آتاكم من النعم ، وفي هذا دلالة على وجوب شكر النعمة ، وأن الشكر طاعة المنعم وتعظيمه و على أن العبادة حقها أن تؤدّى على طريق الشكر لا للرجاء والخوف.
· وايضا أشارة إلى أن من أوتي النعمة عليها أن يشكر لا أن يعمل لا للتباهي والتعالي بما سخره الله.
· قال ابن عطا الله : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها، وفي الحكم الفاروقية ( لا تغفل عن شكر الصنائع وسرعة استرجاع الودائع ).
· موقع اعملوا : على الاستئناف أو الحالية من فاعل مع تقدير القول.
[h=1]الإعراب:[/h]1) مفعول لأجله : أي من أجل الشكر له سبحانه على نعمه عليكم في مقابلة نعمه ، كقول القائل جئتك طمعا وعبدت الله رجاء غفرانه .
مكي و البغوي والطبرسي والسعدي قدمه البيضاوي والزمخشري والبقاعي
2) على الحال ، أي : شاكرين.
3) مفعول مطلق من غير لفظه على تقدير اشكروا شكرا ، لأن اعملوا فيه معنى اشكروا ، من حيث إنّ العمل للمنعم شكر له ، ويكون المصدر من غير لفظ الفعل كقول القائل جلست قعودا ، وذلك لأن العمل شكر فقوله : { اعملوا } يقوم مقام قوله : { اشكروا}.
4) أن يكون مفعولا به لـ(اعملوا) كقولك اضرب زيدا كما قال تعالى : { واعملوا صالحا } لأن الشكر صالح ،أي اعملوا عملاً هو الشكر أي : اعْمَلوا الطاعةَ ، سُمِّيَتِ الصلاةُ والصيام والعبادات ونحوُها شكراً لسَدِّها مَسَدَّه ، إذ سدت مسده، فالكلام كقولك عملت الطاعة.
وقيل: ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً - على طريق المشاكلة
[h=1]لطيفة:[/h]لما قال عقيب قوله تعالى : { أن اعمل سابغات } { اعملوا صالحا } [ سبأ : 11 ] ، قال عقيب ما يعمله الجن : { اعملوا آل داوود شكرا } إشارة إلى ما ذكرنا أن هذه الأشياء حالية لا ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مستغرقة فيها وإنما الواجب الذي ينبغي أن يكثر منه هو العمل الصالح الذي يكون شكرا ، وفيه إشارة إلى عدم الالتفات إلى هذه الأشياء ، وقلة الاشتغال بها كما في قوله : { وقدر في السرد } أي اجعله بقدر الحاجة.
[h=1]وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[/h]الجملة في محل نصب حال أو استئناف تذييلي (حال عام): قلنا ذلك والحال أنه قليل, وهو داخل في جملة ما قيل لهم ، فهو من تمام المقول ، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح.
"قليلٌ " خبرٌ مقدمٌ، و " من عبادِيْ " صفةٌ له و " الشَّكورُ " مبتدأ
{ الشكور}: صيغة مبالغة ، وأريد به الجنس أي المبالغ في الشكر ، المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه في أكثر أوقاته ، يشكر على أحواله كلها ، اعتقاداً وكدحاً واعترافاً بمنة اللّه تعالى ، بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه ، بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه ،وصونها عن صرفها في المعصية .
وأول الشكر إخلاص التوحيد وإفراد الطاعة ثم الشكر لنعمه سبحانه .
، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه مطلق الشكر كثير ، وأقل ذلك حال الاضطرار .
والمتبادر الذي تلهمه روح الآيات أنها بسبيل التذكير بما كان من إخلاص داود وسليمان واعترافهما بفضل الله وشكرهما له مع ما كان لهما من سعة ملك وسلطان ، وضرب المثل بهما للكفار الذين يقفون من آيات الله ونعمه موقف العناد والمكابرة والجحود والتكذيب.
[h=1]عبادي:[/h][h=1] قال الفخر الرازي: فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله : { عبادي } مع الإضافة إلى نفسه ، وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين ، كقوله تعالى : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } وقوله : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .[/h]
[h=1]قال الرازي: فإن قيل على ما ذكرتم شكر الله بتمامه لا يمكن وقوله : { قليل } يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه ، نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله ، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .[/h]
[h=1]الأقوال في المراد بـ(محاريب): [/h][h=1]القول الأول:[/h][h=2] القصور الحصينة الشامخة الحصينة والمساكن الشريفة العالية والأبنية الرفيعة[3] [/h]سميت محاريب:
1) لأنها َ أَشْرَفُ الْأماكن وأكرمها ومقدمها [4] لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ويحامى عنها ويذب عنها هي أهل لأن يحارب عنها ب) ولأنها عالية مشرفة و المحراب : الموضع العالي الشريف .
2) المحراب أصله ـ كما قال الآلوسي وجماعة ـ مفعال صيغة مبالغة كمطعان اسم لمن يكثر الحرب فسمي به المكان، سمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته فصاحبه صيره فى حمايته ،ويحامى عليها ويذب عنها ، فهي أهل لأن يحارب عنها .
وقال ابن عاشور: والمحاريب : جمع محراب ، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة ، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب ، ثم أطلق على القصر الحصين . وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ، وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية
[h=2]اختاره : مجاهد البيضاوي والقرطبي و الشوكاني و ابن جزي وعطية[5] وأبو السعود والبيضاوي والآلوسي وهميان الزاد وابن عاشور والرازي والصابوني والميرغني والمراغي وقدمه البقاعي[/h]ولعل ترجيحهم له لأنه المناسب لذكر التماثيل والجفان والقدور بعده
****************
وقريب منه قول: الأبنية الرفيعة العالية المرتفعة الشريفة
وهو الذي اختاره :القرطبي والشوكاني الفخر الرازي و الجلال والسعدي والثعالبي وابن عطية
[h=1]وقريب منه أيضا : المساكن الشريفة العالية اختاره: ابن زيد و الطبرسي[/h][h=1]القول الثاني:[/h][h=1]أماكن العبادة كالمساجد[6] ،فمحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجتمعون فيها للصلاة[/h]اختاره : الضحاك و قتادة ومقاتل والحسن البصري والفراء وابن قتيبة والخازن والأمثل والظلال والطباطبائي والسمرقندي والسمعاني والميسر والمنتخب
[h=1]القول الثالث: [/h]والمحراب : مقدّم كل مسجد وبيت ومصلّى ، وهو بناء حسن أشرف شيء في المسكن وصدره
الطبري و ابن كثير وأبو عبيدة
[h=1]القول الرابع :[/h] الجمع بين القول الأول والثاني المساجد والقصور والأبنية الرفيعة الشامخة الحصينة
قتادة الكلبي والصنعاني وابن أبي زمنين والثعلبي والواحدي والبغوي و النيسابوري و المظهري وحسنين مخلوف.
[1] قال ابن عاشور: ، فقد كان كرسي سليمان محفوفاً بتماثيل أُسود أربعة عشر كما وصف في الإِصحاح العاشر من سفر الملوك الأول . وكان قد جَعل في الهيكل جابية عظيمة من نحاس مصقول مرفوعة على اثنتي عشرة صورة ثور من نحاس .
[2] (الأثفية) أحد أَحْجَار ثَلَاثَة تُوضَع عَلَيْهَا الْقدر الأثْفِيَّةُ، بالضمِّ ويُكْسَرُ: الحَجَرُ يُوضَعُ عليه القِدْرُ، ج: أثافِيُّ
[3] زاد المبرد والجلال: يصعد إليها بدرج قال: أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج
[4] قال البيضاوي : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب } كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس
[5] هذا غير ابن عطية
[6] وأما قوله {{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ } فأصح تفسير فيها : الغرفة التي تتخذ للعبادة ولم يقيدها بدرج ولا غيره سميت بذلك
أ) لأنها َ أَشْرَفُ الْأماكن وأكرمها ومقدمها [6] لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ويحامى عنها ويذب عنها قال البقاعي هي أهل لأن يحارب عنها ب) ولأنها عالية مشرفة قال المبرد لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرج المحراب : الموضع العالي الشريف
وبيانه : المحراب : الغرفة الشريفة سيدة الأماكن وأشرفها ومقدمها التي يرتقى إليها بدرج تكون عالية مشرفة وهي محل خاص في مكان العبادة يجعل للإِمام أو الوجهاء والمبرزين والمحراب بناء يتّخذه ليخلو فيه بتعبده وصلاته والاصل فيه مجلس الاشراف الذ ي يحارب دونه ذبا عن أهله وهو عير المسجد أو الصلوات والهيكل
فلما أخبر تعالى أنه سخر له الجن ، ذكر حالهم في أعمالهم ، دلالة على أنه سبحانه يتصرف في السماء والأرض وما فيهما ،ومن فيهما بما يشاء، تفصيلٌ لما ذُكر من عملِهم، فالجملة مبينة لجملة { وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ}.[/h]· ذكر في حق داود اشتغاله بآلة الحرب ، وفي حق سليمان بحالة السلم وهي المساكن والمآكل وذلك لأن سليمان كان ولد داود ، وداود قتل جالوت والملوك الجبابرة ، واستوى داود على الملك ، فكان سليمان كولد ملك يكون أبوه قد سوى على ابنه الملك وجمع له المال فهو يفرقه على جنوده ، ولأن سليمان لم يقدر أحد عليه في ظنه فتركوا الحرب معه وإن حاربه أحد كان زمان الحرب يسيرا لإدراكه إياه بالريح فكان في زمانه العظمة بالإطعام والإنعام .
[h=1]يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ[/h][h=1]{ يعملون له } أي في أي وقت شاء[/h][h=1]{ ما يشاء } أي عمله[/h][h=1] مِنْ مَحَارِيبَ [/h] { مِن محاريب } الخ ، بيانٌ لمَا يشاءُ
قدمت المحاريب على التماثيل، لأن النقوش تكون في الأبنية، فبين أنهم كانوا يعملون أي صورة أرادها سليمان
[h=1]وَتَمَاثِيلَ [/h]· جمع تمثال هو الصورة الممثلة، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام، وهو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان.
· صوروا له صورا من نحاس وشبه وزجاج ورخام أي صوراً حساناً على تلك الأبنية فيها أسرار غريبة[1].
· قيل:صور الملائكة والنبيين والصالحين ، كانت تعمل من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم، و قيل كانوا يصورون السباع والطيور وغيرها.
· فإن قال قائل : أليس أن عمل الصور مكروه ؟ قلنا : هو في هذه الشريعة ، وكانت مباحة في شريعته ، وهذا مما يجوز أن تختلف في الشرائع، وقد كان عيسى يصور من الطين وينفخ فيه فيجعله الله طيرا ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرّماً.
· قال القرطبي: قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ) . أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة . وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم.
· قال الآلوسي كأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سداً لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية.
[h=1]وَجِفَانٍ [/h]لما ذكر القصور وزينتها ، ذكر آلات المأكل لأنها أول ما تطلب بعد الاستقرار في المسكن فقال : { وجفان }.
الجفان:جمع جَفْنَة: وعاءٌ عظيم يوضع فيه الطعام ليؤكلفيها من خَزَفٍ ونحوه،أي القصاع الكبيرة جمع ، قال ابن سيده: أعظَمُ القِصَاع الجَفْنة، ثمَّ القَصْعةَ تَليها تُشْبِع العَشَرة ثمَّ الصَّحْفة تُشْبِع الخمسةَ وَنَحْوهم.
وكان سليمان عليه السلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان ، فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع الناس لكثرتهم . وقيل : إنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل ياكلون بين يديه .
[h=1]كَالْجَوَابِ ولما ذكر الصحاف على وجه يعجب منه ويستعظم ، ذكر ما يطبخ فيه طعامها فقال : { وقدور راسيات }[/h]كالحياض الكبار جمع جابية: وهي الحوض الكبير الواسع العظيم الذي يجبي فيه الماءَ لسقي الأشجار والزروع أو لتشرب الإبل ، سُمِّيَتْ بذلك لأنه يُجْبى إليها الماءُ ،وإسنادُ الفعلِ إليها مَجازٌ ؛ لأنه يُجْبَى فيها، أو سميت جابية لانها تجبي الماء أعني تجمعه واصل ذلك وصف ثم غلبت عليه الاسمية.
وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله . وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها إلا بأنها خارقة من صنع الله
فإن قيل:الجفان هي التي يوضع فيها الطعام فهي آلة الأكل، والقدور آلة الطبخ ، والجفان ، والطبخ قبل الأكل .
[h=1]لأنه لما ذكر البناء الذي هو المسكن بين ما يكون في المسكن من ماعون الأكل ، فلما بين الأبنية الملكية أراد بيان عظمة السماط الذي يمد في تلك الدور، وأشار إلى الجفان لأنها تكون فيه، وأما القدور فلا تكون فيه، ولا تحضر هناك،ولهذاقال:{ راسيات } أي غير منقولات، ثم لما بين حال الجفان العظيمة، كان يقع في النفس أن الطعام الذي يكون فيها في أي شيء يطبخ ، فأشار إلى القدور المناسبة للجفان [/h][h=1]القراءات:[/h]قوله : " كالجوابِ " قرأ ابنُ كثير بإثباتِ ياء " الجوابي " وصلاً ووقفاً . وأبو عمروٍ وورشٌ بإثباتِها وَصْلاً ، وحَذْفِها وقفاً . والباقون بحَذْفِها في الحالَيْن
ومن قرأ بياء فهذا هو الأصل، وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه
[h=1]وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ[/h]لما بين حال الجفان ، سرى الذهن إلى عظمة ما يطبخ فيه ، فذكر القدور للمناسبة . القدر : إناء يطبخ فيه من فخار أو غيره ، وهو على شكل مخصوص.
القدور: جمع قدر، وهو ما يطبخ فيه لحم أو طعام آخر من فخار أو حديد أو صفر ، على شكل مخصوص
راسيات: قدور ثابتات ثباتاً عظيماً على الأثافي[2] كالجبال، أي لا يحركن عن أماكنها لعظمهن و لا ينزلن عنها لعظمها، و لا تنقل لكبرها، وإنما يغرف منها في تلك الجفان لها قوائم ، وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم ، ومنه الجبال الرواسي لثبوتها
[h=1] اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا :[/h]· فلما ذكر منته عليهم ، من المساكن وما تبعها ، أمرهم بشكرها ، إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه لا يلهيهم ذلك عن العبادة فقال حكاية عما قيل لهم: { اعملوا } أي وقلنا لهم : تمتعوا واعملوا .
· ودل على مزيد قربهم بحذف أداة النداء وعلى شرفهم بالتعبير بالآل فقال : { آل داود }
· أي اعملوا كل ما يقرب إلى الله واعبدوه شكرا على ما آتاكم من النعم ، وفي هذا دلالة على وجوب شكر النعمة ، وأن الشكر طاعة المنعم وتعظيمه و على أن العبادة حقها أن تؤدّى على طريق الشكر لا للرجاء والخوف.
· وايضا أشارة إلى أن من أوتي النعمة عليها أن يشكر لا أن يعمل لا للتباهي والتعالي بما سخره الله.
· قال ابن عطا الله : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها، وفي الحكم الفاروقية ( لا تغفل عن شكر الصنائع وسرعة استرجاع الودائع ).
· موقع اعملوا : على الاستئناف أو الحالية من فاعل مع تقدير القول.
[h=1]الإعراب:[/h]1) مفعول لأجله : أي من أجل الشكر له سبحانه على نعمه عليكم في مقابلة نعمه ، كقول القائل جئتك طمعا وعبدت الله رجاء غفرانه .
مكي و البغوي والطبرسي والسعدي قدمه البيضاوي والزمخشري والبقاعي
2) على الحال ، أي : شاكرين.
3) مفعول مطلق من غير لفظه على تقدير اشكروا شكرا ، لأن اعملوا فيه معنى اشكروا ، من حيث إنّ العمل للمنعم شكر له ، ويكون المصدر من غير لفظ الفعل كقول القائل جلست قعودا ، وذلك لأن العمل شكر فقوله : { اعملوا } يقوم مقام قوله : { اشكروا}.
4) أن يكون مفعولا به لـ(اعملوا) كقولك اضرب زيدا كما قال تعالى : { واعملوا صالحا } لأن الشكر صالح ،أي اعملوا عملاً هو الشكر أي : اعْمَلوا الطاعةَ ، سُمِّيَتِ الصلاةُ والصيام والعبادات ونحوُها شكراً لسَدِّها مَسَدَّه ، إذ سدت مسده، فالكلام كقولك عملت الطاعة.
وقيل: ومعناه أنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً - على طريق المشاكلة
[h=1]لطيفة:[/h]لما قال عقيب قوله تعالى : { أن اعمل سابغات } { اعملوا صالحا } [ سبأ : 11 ] ، قال عقيب ما يعمله الجن : { اعملوا آل داوود شكرا } إشارة إلى ما ذكرنا أن هذه الأشياء حالية لا ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مستغرقة فيها وإنما الواجب الذي ينبغي أن يكثر منه هو العمل الصالح الذي يكون شكرا ، وفيه إشارة إلى عدم الالتفات إلى هذه الأشياء ، وقلة الاشتغال بها كما في قوله : { وقدر في السرد } أي اجعله بقدر الحاجة.
[h=1]وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[/h]الجملة في محل نصب حال أو استئناف تذييلي (حال عام): قلنا ذلك والحال أنه قليل, وهو داخل في جملة ما قيل لهم ، فهو من تمام المقول ، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح.
"قليلٌ " خبرٌ مقدمٌ، و " من عبادِيْ " صفةٌ له و " الشَّكورُ " مبتدأ
{ الشكور}: صيغة مبالغة ، وأريد به الجنس أي المبالغ في الشكر ، المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه في أكثر أوقاته ، يشكر على أحواله كلها ، اعتقاداً وكدحاً واعترافاً بمنة اللّه تعالى ، بظاهره وباطنه من قلبه ولسانه وبدنه ، بأن يصرف جميع ما أنعم الله عليه فيما يرضيه ،وصونها عن صرفها في المعصية .
وأول الشكر إخلاص التوحيد وإفراد الطاعة ثم الشكر لنعمه سبحانه .
، وعبر بصيغة فعول إشارة إلى أن من يقع منه مطلق الشكر كثير ، وأقل ذلك حال الاضطرار .
والمتبادر الذي تلهمه روح الآيات أنها بسبيل التذكير بما كان من إخلاص داود وسليمان واعترافهما بفضل الله وشكرهما له مع ما كان لهما من سعة ملك وسلطان ، وضرب المثل بهما للكفار الذين يقفون من آيات الله ونعمه موقف العناد والمكابرة والجحود والتكذيب.
[h=1]عبادي:[/h][h=1] قال الفخر الرازي: فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله : { عبادي } مع الإضافة إلى نفسه ، وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين ، كقوله تعالى : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } وقوله : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .[/h]
[h=1]قال الرازي: فإن قيل على ما ذكرتم شكر الله بتمامه لا يمكن وقوله : { قليل } يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه ، نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله ، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .[/h]
[h=1]الأقوال في المراد بـ(محاريب): [/h][h=1]القول الأول:[/h][h=2] القصور الحصينة الشامخة الحصينة والمساكن الشريفة العالية والأبنية الرفيعة[3] [/h]سميت محاريب:
1) لأنها َ أَشْرَفُ الْأماكن وأكرمها ومقدمها [4] لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ويحامى عنها ويذب عنها هي أهل لأن يحارب عنها ب) ولأنها عالية مشرفة و المحراب : الموضع العالي الشريف .
2) المحراب أصله ـ كما قال الآلوسي وجماعة ـ مفعال صيغة مبالغة كمطعان اسم لمن يكثر الحرب فسمي به المكان، سمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته فصاحبه صيره فى حمايته ،ويحامى عليها ويذب عنها ، فهي أهل لأن يحارب عنها .
وقال ابن عاشور: والمحاريب : جمع محراب ، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة ، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب ، ثم أطلق على القصر الحصين . وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ، وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية
[h=2]اختاره : مجاهد البيضاوي والقرطبي و الشوكاني و ابن جزي وعطية[5] وأبو السعود والبيضاوي والآلوسي وهميان الزاد وابن عاشور والرازي والصابوني والميرغني والمراغي وقدمه البقاعي[/h]ولعل ترجيحهم له لأنه المناسب لذكر التماثيل والجفان والقدور بعده
****************
وقريب منه قول: الأبنية الرفيعة العالية المرتفعة الشريفة
وهو الذي اختاره :القرطبي والشوكاني الفخر الرازي و الجلال والسعدي والثعالبي وابن عطية
[h=1]وقريب منه أيضا : المساكن الشريفة العالية اختاره: ابن زيد و الطبرسي[/h][h=1]القول الثاني:[/h][h=1]أماكن العبادة كالمساجد[6] ،فمحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجتمعون فيها للصلاة[/h]اختاره : الضحاك و قتادة ومقاتل والحسن البصري والفراء وابن قتيبة والخازن والأمثل والظلال والطباطبائي والسمرقندي والسمعاني والميسر والمنتخب
[h=1]القول الثالث: [/h]والمحراب : مقدّم كل مسجد وبيت ومصلّى ، وهو بناء حسن أشرف شيء في المسكن وصدره
الطبري و ابن كثير وأبو عبيدة
[h=1]القول الرابع :[/h] الجمع بين القول الأول والثاني المساجد والقصور والأبنية الرفيعة الشامخة الحصينة
قتادة الكلبي والصنعاني وابن أبي زمنين والثعلبي والواحدي والبغوي و النيسابوري و المظهري وحسنين مخلوف.
[1] قال ابن عاشور: ، فقد كان كرسي سليمان محفوفاً بتماثيل أُسود أربعة عشر كما وصف في الإِصحاح العاشر من سفر الملوك الأول . وكان قد جَعل في الهيكل جابية عظيمة من نحاس مصقول مرفوعة على اثنتي عشرة صورة ثور من نحاس .
[2] (الأثفية) أحد أَحْجَار ثَلَاثَة تُوضَع عَلَيْهَا الْقدر الأثْفِيَّةُ، بالضمِّ ويُكْسَرُ: الحَجَرُ يُوضَعُ عليه القِدْرُ، ج: أثافِيُّ
[3] زاد المبرد والجلال: يصعد إليها بدرج قال: أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج
[4] قال البيضاوي : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب } كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس
[5] هذا غير ابن عطية
[6] وأما قوله {{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ } فأصح تفسير فيها : الغرفة التي تتخذ للعبادة ولم يقيدها بدرج ولا غيره سميت بذلك
أ) لأنها َ أَشْرَفُ الْأماكن وأكرمها ومقدمها [6] لأنه يدافع عنه ويحارب دونه ويحامى عنها ويذب عنها قال البقاعي هي أهل لأن يحارب عنها ب) ولأنها عالية مشرفة قال المبرد لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرج المحراب : الموضع العالي الشريف
وبيانه : المحراب : الغرفة الشريفة سيدة الأماكن وأشرفها ومقدمها التي يرتقى إليها بدرج تكون عالية مشرفة وهي محل خاص في مكان العبادة يجعل للإِمام أو الوجهاء والمبرزين والمحراب بناء يتّخذه ليخلو فيه بتعبده وصلاته والاصل فيه مجلس الاشراف الذ ي يحارب دونه ذبا عن أهله وهو عير المسجد أو الصلوات والهيكل