تحقيق المناط في توسعة المسعى للدكتور محمد المختار الشنقيطي

إنضم
12/01/2006
المشاركات
372
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة النبوية
تحقيق المناط في توسعة المسعى للدكتور محمد المختار الشنقيطي
للدكتور محمد المختار بن الشيخ - محمد الأمين الشنقيطي
المعهد العالي للأئمة والخطباء - جامعة طيبة المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
تباينت أقوال العلماء الأجلاء في جواز السعي بين الصفا والمروة وحكم التوسعة الجديدة والحديث في هذا الباب يتلخص في ثلاث نقاط، أما النقطة الأولى: فهي في معنى تحقيق المناط والتمثيل له وتطبيقه على توسعة المسعى، والنقطة الثانية: في الاستدلال على أن زيادة المسعى واقعة بين الصفا والمروة بما ورد من كلام العلماء من التعريف بالصفا والمروة وتحديدهما (وهما المناط): والنقطة الثالثة: في حكم السعي (التطواف) بالصفا والمروة في الحج والعمرة، وخاتمة الحديث خلاصة ما توصل إليه البحث.
أما النقطة الأولى وهي: معنى تحقيق المناط، فمعنى (التحقيق) في اللغة (التثبيت) والتدقيق، وحق الأمر وجب، ووقع و(المناط) لغة: مكان النوط وهو التعليق القاموس (ج2، ص389، ج3 ص221).
ومعنى تحقيق المناط في الاصطلاح هو: (إثبات العلة في الفرع) المذكرة ص380 أو هو (إثبات العلة المتفق عليها بنص أو إجماع بالاجتهاد في صورة التراع) البحر (ج5 ص256)، وهو ما عبر عنه الشاطبي بقوله: ومعناه (أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى الحكم في تعيين محله) وذلك أن الشارع إذ قال {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}وثبت عندنا معنى العدالة شرعا افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة سواء بل إننا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة (طرف أعلى) في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق (وطرف آخر) وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف كالمجاوزة لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام فضلاً عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر وهذا الوسط غامض لابد فيه من بلوغ حد الوسع وهو الاجتهاد (الموافقات ج4 ص90).
وقبل تحقيق المناط (إثبات العلة في آحاد صورها بالنظر والاجتهاد في معرفة وجودها في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها) كتحقيق ان النباش سارق، وكتحقيق جهة القبلة التي هي مناط وجوب استقبالها المشار إليه بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} والإشهاد المشار إليه بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}وتحقيق المثل في قوله تعالى: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فجهة القبلة مناط وجوب استقبالها ومعرفتها عند الاشتباه مظنونة، والعدالة مناط قبول الشهادة ومعرفتها في الشخص المعين مظنونة، وكذلك المثل في جزاء الصيد (نشر البنود ج2 ص207 الإبهاج ج3 ص89).
وقيل تحقيق المناط (إثبات الحكم في صورة النزاع) فإن كان بواسطة تطبيق النص العام على أفراده فليس بقياس، وقد سبقت أمثلته من الإشهاد وجزاء المثل، وإن كان بواسطة العلة فهو قياس، وقد سبق التمثيل له بجعل النباش سارقاً، ويمثل له بإثبات الطهارة للفأرة والكلب قياساً على الهرة بعلة التطواف، وإذا علم معنى تحقيق المناط بأمثلته انتقلنا إلى تطبيقه على توسعة المسعى وذلك أن الله عز وجل نص على مناط التطواف (السعي) بينهما ومعرفة أن الزيادة واقعة بين الصفا والمروة مظنونة فنثبت أنها واقعة بينهما بالاجتهاد والنظر والتحري في أدلة ذلك وأماراته، وكما أن جهة القبلة تعرف بأمارات مثل مهب الريح والشمس والقمر والنجوم، والعدالة لها أمارات كذلك، فكذلك كون الزيادة في المسعى داخلة وواقعة بين الصفا والمروة بأدلة وأمارات وهي موضوع النقطة الثانية.
النقطة الثانية: في الاستدلال على أن الزيادة واقعة بين الصفا والمروة بما ورد من كلام العلماء وأهل الخبرة من أهل مكة المكرمة:
1- شهادة الشهود في المحكمة الشرعية بمكة المكرمة من أهل الخبرة وكبار السن على أنهم عاينوا الصفا والمروة قبل أن يهدما من الجهة الشرقية وقالوا: إن الصفا كان ممتدا إلى جبل أبي قبيس، والمروة ممتدة إلى جبل قعيقعان، وقد ذكر كل من الإمامين ابن جزي والطاهر بن عاشور- رحمهما الله- هذا في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}الآية، وعبارة الطاهر (والصفا والمروة اسمان لجبلين متقابلين، أما الصفا فهو رأس نهاية جبل أبي قيس، وأما المروة فهو رأس منتهى جبل قعيقعان) (التحرير ج2 ص60).
2- ما ذكره الفقهاء والمؤرخون واللغويون مثل الأزرقي والفكاهي والأزهري والفيومي وابن سيدة والفاسي والقطب الحنفي وابن منظور والفيروز أبادي وغيرهم في التعريف بالصفا والمروة ومعنى تسمية كل منهما جبل ممتد على جميع الجهات مما يدل بوضوح على أن التوسعة واقعة بين الصفا والمروة وبدليل امتدادهما من الناحية الشمالية الشرقية، وهناك من العلماء مثل (العلامة الشيخ محمد سالم بن عبد الودود) من يرى أن التوسعة الجديدة لم تستوعب المسافة العرضية للصفا والمروة (المسعى).
3- ما جاء في تهذيب الأسماء واللغات (ج3 ص181) أن الصفا أنف من جبل أبي قبيس والمروة أنف جبل قعيقعان، وفي رحلة التجييي ص350 والروض المعطار ج1 ص362 أن الصفا في أصل أبي قبيس والمروة في أصل قعيقعان، وفي القاموس ج4 ص354 والصفا من مشاعر مكة بلحف أبي قبيس، وابتنيت على متنه دار فيحاء، وفي دار السعادة ج2 ص87 وصفهما بأنهما في ذيل جبلي أبي قبيس وقعيقعان، وفي حاشية البجيرمي على الخطيب ج2 ص381 وصفهما بأنهما في طرفي جبل أبي قبيس وقعيقعان، وجاء وصفهما انهما رأسا نهاية جبل أبي قبيس وقعيقعان (التحرير ج2 ص60) ووصفهما بأنهما مصعدان إلى أبي قبيس وقعيقعان،، وجاء وصف الصفا بأنه مرتفع من أبي قبيس (معجم البلدان ج3 ص411).
4- أن المسعى كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع مما هو عليه الآن، فقد كان يمر من داخل المسجد ثم أخرج من المسجد (ما بين عام 160 -167هـ) في عهد الخليفة العباسي المهدي ليتسع المسجد، وحتى يكون مربعاً وتكون الكعبة وسطه كما في أخبار مكة للأرزقي ج2 ص79 حيث قال: (وكان المسعى في موضوع المسجد الحرام اليوم) وفي مصنف ابن أبي شيبة عم مجاهد قال: في ما بين العلمين: هذا بطن المسيل الذي رمل فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولكن الناس انتفضوا منه. وفي الأم للشافعي ج3 ص544 (ثم ينزل يمشي حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعياً شديداً، وهذا يدل على ما ذكره الأزرقي ومجاهد من أن المسعى كان داخل المسجد، وأنه أخرج عنه. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة ان النبي- صلى الله عليه وسلم- ناداه يوم الفتح فقال له يا أبا هريرة.. (اهتف بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري قال: فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم أترون إلا أوباش قريش وأتباعهم.. إلى قوله احصدوهم حصداً حتى توافوني بالصفا (وكونه- صلى الله عليه وسلم- التقى مع الأنصار على الصفا، وأن مسلمة الفتح بايعوه على الصفا، ولا شك أن عددهم كان كثيرا مما يدل بوضوح على ان الصفا كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع بكثير مما هو عليه الآن بل إن الصفا بوضعه الحالي لا يمكن الجلوس فوقه لضيقه ووعورته.
النقطة الثالثة في حكم السعي (التطواف)
بين الصفا والمروة في الحج والعمرة:
اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة على ثلاثة مذاهب الأول: انه ركن لا يجير بدم فإن لم يأت به الحاج كان عليه حج قابل، وهو مذهب مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد، وفي رواية وصحح هذا المذهب كثير من أصحابه واسحاق واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}الآية، وأن الشعائر لابد وأن تكون من الأركان، وأن سبب نزول الآية صرفها عن ظاهرها لإفادة الوجوب وبقوله- صلى الله عليه وسلم- (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) وبفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قوله (خذوا عني مناسككم) وبعموم قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}وقد بين صلى الله عليه وسلم ان السعي من الحج المأمور به (بداية المجتهد ج2 ص67 المغني ج5 ص238 الأم ج3 ص543 تفسير الطبري ج2 ص49-52 أضواء البيان ج7 ص245-269).
المذهب الثاني: أن السعي واجب، ومن رجع من حجه ولم يسع كان عليه دم وبه قال الأحناف على تفصيل عندهم ذكره في بدائع الصنائع ج2 ص133 والإمام أحمد في رواية، والقاضي أبو يعلى والحسن والثوري، وقال ابن قدامة: إنه أولى ودليل غير الأحناف الأدلة السابقة في المذهب الأول، أما الأحناف فإنهم يرون أن الركنية لا تثبت إلا بالقرآن، وأن الوجوب وجب بالسنة وأما الوقوف بعرفة فإنه مجمع عليه وينظر المراجع السابقة وخاصة بدائع الصنائع وأضواء البيان 245
المذهب الثالث: أن السعي تطوع وسنيته ثابتة بقوله تعالى: {مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}ولا شيء على تاركه وهو مروي عن الإمام أحمد وابن عباس وعروة وأنس وابن الزبير وبن سيرين ونقله الشوكاني عن أبي حنيفة.
واستدلوا بقوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}وقالوا: إن الفعل من النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب (فتح القدير للشوكاني ج1 ص226) فما بعدها بالإضافة إلى المراجع السابقة.
والغرض هنا هو ذكر مذاهب العلماء في السعي بصرف النظر عن أي المذاهب أرجح، لأن الترجيح يحتاج إلى استقصاء للأدلة ومناقشتها.
الخاتمة - نرجو الله حسنها - في خلاصة ما توصل إليه البحث:
هو أنه مما تقدم من الكلام حول معنى تحقيق المناط وأمثلته وتطبيقه على زيادة المسعى والاستدلال من كلام العلماء الخ وبيان حكم السعي بين الصفا والمروة والمذاهب فيه ينحصر الأمر في زيادة المسعى في واحد من ثلاثة أمور لا رابع لها وهي:
الأول: أن تكون الزيادة بين الصفا والمروة فهي جزء من المسعى القديم ولا فرق وهذا ما ظهر لي بناء على ما تقدم من الأدلة وتحقيق المناط ولا إشكال إذا. الثاني: على وجه الافتراض أن تكون الزيادة خارجة عن الصفا والمروة، ولا علاقة لها بالمسعى فعندئذ يأخذ الحاج أو المعتمر بقول من يرى من ترك السعي عليه دم لأنه ترك واجباً وحجه وعمرته صحيحان أو يأخذ بقول من يرى انه تطوع لا شيء عليه.
الثالث: وهو أبعدها أن تكون الزيادة خارجة عن المسعى لا علاقة لها به، والسعي ركن لا يسوغ تركه ولا يجبر بدم فعندئذ يرجع إلى باب الضرورة وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وأن الحاج والمعتمر إذا لم يجد سبيلا إلى السعي بين الصفا والمروة فإما أن يسقط عنه، كما تسقط العبادة عند العجز عنها كأركان الصلاة ونحوها أو نقول له: مادامت زيادة المسعى متصلة بالمسعى القديم فتأخذ حكمه كما يأخذ الشارع حكم المسجد في صلاة الجمعة مع أنها لا تصح إلا في المسجد ولكن إذا امتلأ المسجد صحت صلاة الجمعة في الطرقات المتصلة بالمسجد والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تحقيق المناط في توسعة المسعى للدكتور محمد المختار الشنقيطي
للدكتور محمد المختار بن الشيخ - محمد الأمين الشنقيطي
المعهد العالي للأئمة والخطباء - جامعة طيبة المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
تباينت أقوال العلماء الأجلاء في جواز السعي بين الصفا والمروة وحكم التوسعة الجديدة والحديث في هذا الباب يتلخص في ثلاث نقاط، أما النقطة الأولى: فهي في معنى تحقيق المناط والتمثيل له وتطبيقه على توسعة المسعى، والنقطة الثانية: في الاستدلال على أن زيادة المسعى واقعة بين الصفا والمروة بما ورد من كلام العلماء من التعريف بالصفا والمروة وتحديدهما (وهما المناط): والنقطة الثالثة: في حكم السعي (التطواف) بالصفا والمروة في الحج والعمرة، وخاتمة الحديث خلاصة ما توصل إليه البحث.
أما النقطة الأولى وهي: معنى تحقيق المناط، فمعنى (التحقيق) في اللغة (التثبيت) والتدقيق، وحق الأمر وجب، ووقع و(المناط) لغة: مكان النوط وهو التعليق القاموس (ج2، ص389، ج3 ص221).
ومعنى تحقيق المناط في الاصطلاح هو: (إثبات العلة في الفرع) المذكرة ص380 أو هو (إثبات العلة المتفق عليها بنص أو إجماع بالاجتهاد في صورة التراع) البحر (ج5 ص256)، وهو ما عبر عنه الشاطبي بقوله: ومعناه (أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى الحكم في تعيين محله) وذلك أن الشارع إذ قال {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}وثبت عندنا معنى العدالة شرعا افتقرنا إلى تعيين من حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة سواء بل إننا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة (طرف أعلى) في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق (وطرف آخر) وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف كالمجاوزة لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام فضلاً عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبينهما مراتب لا تنحصر وهذا الوسط غامض لابد فيه من بلوغ حد الوسع وهو الاجتهاد (الموافقات ج4 ص90).
وقبل تحقيق المناط (إثبات العلة في آحاد صورها بالنظر والاجتهاد في معرفة وجودها في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها) كتحقيق ان النباش سارق، وكتحقيق جهة القبلة التي هي مناط وجوب استقبالها المشار إليه بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} والإشهاد المشار إليه بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}وتحقيق المثل في قوله تعالى: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فجهة القبلة مناط وجوب استقبالها ومعرفتها عند الاشتباه مظنونة، والعدالة مناط قبول الشهادة ومعرفتها في الشخص المعين مظنونة، وكذلك المثل في جزاء الصيد (نشر البنود ج2 ص207 الإبهاج ج3 ص89).
وقيل تحقيق المناط (إثبات الحكم في صورة النزاع) فإن كان بواسطة تطبيق النص العام على أفراده فليس بقياس، وقد سبقت أمثلته من الإشهاد وجزاء المثل، وإن كان بواسطة العلة فهو قياس، وقد سبق التمثيل له بجعل النباش سارقاً، ويمثل له بإثبات الطهارة للفأرة والكلب قياساً على الهرة بعلة التطواف، وإذا علم معنى تحقيق المناط بأمثلته انتقلنا إلى تطبيقه على توسعة المسعى وذلك أن الله عز وجل نص على مناط التطواف (السعي) بينهما ومعرفة أن الزيادة واقعة بين الصفا والمروة مظنونة فنثبت أنها واقعة بينهما بالاجتهاد والنظر والتحري في أدلة ذلك وأماراته، وكما أن جهة القبلة تعرف بأمارات مثل مهب الريح والشمس والقمر والنجوم، والعدالة لها أمارات كذلك، فكذلك كون الزيادة في المسعى داخلة وواقعة بين الصفا والمروة بأدلة وأمارات وهي موضوع النقطة الثانية.
النقطة الثانية: في الاستدلال على أن الزيادة واقعة بين الصفا والمروة بما ورد من كلام العلماء وأهل الخبرة من أهل مكة المكرمة:
1- شهادة الشهود في المحكمة الشرعية بمكة المكرمة من أهل الخبرة وكبار السن على أنهم عاينوا الصفا والمروة قبل أن يهدما من الجهة الشرقية وقالوا: إن الصفا كان ممتدا إلى جبل أبي قبيس، والمروة ممتدة إلى جبل قعيقعان، وقد ذكر كل من الإمامين ابن جزي والطاهر بن عاشور- رحمهما الله- هذا في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}الآية، وعبارة الطاهر (والصفا والمروة اسمان لجبلين متقابلين، أما الصفا فهو رأس نهاية جبل أبي قيس، وأما المروة فهو رأس منتهى جبل قعيقعان) (التحرير ج2 ص60).
2- ما ذكره الفقهاء والمؤرخون واللغويون مثل الأزرقي والفكاهي والأزهري والفيومي وابن سيدة والفاسي والقطب الحنفي وابن منظور والفيروز أبادي وغيرهم في التعريف بالصفا والمروة ومعنى تسمية كل منهما جبل ممتد على جميع الجهات مما يدل بوضوح على أن التوسعة واقعة بين الصفا والمروة وبدليل امتدادهما من الناحية الشمالية الشرقية، وهناك من العلماء مثل (العلامة الشيخ محمد سالم بن عبد الودود) من يرى أن التوسعة الجديدة لم تستوعب المسافة العرضية للصفا والمروة (المسعى).
3- ما جاء في تهذيب الأسماء واللغات (ج3 ص181) أن الصفا أنف من جبل أبي قبيس والمروة أنف جبل قعيقعان، وفي رحلة التجييي ص350 والروض المعطار ج1 ص362 أن الصفا في أصل أبي قبيس والمروة في أصل قعيقعان، وفي القاموس ج4 ص354 والصفا من مشاعر مكة بلحف أبي قبيس، وابتنيت على متنه دار فيحاء، وفي دار السعادة ج2 ص87 وصفهما بأنهما في ذيل جبلي أبي قبيس وقعيقعان، وفي حاشية البجيرمي على الخطيب ج2 ص381 وصفهما بأنهما في طرفي جبل أبي قبيس وقعيقعان، وجاء وصفهما انهما رأسا نهاية جبل أبي قبيس وقعيقعان (التحرير ج2 ص60) ووصفهما بأنهما مصعدان إلى أبي قبيس وقعيقعان،، وجاء وصف الصفا بأنه مرتفع من أبي قبيس (معجم البلدان ج3 ص411).
4- أن المسعى كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع مما هو عليه الآن، فقد كان يمر من داخل المسجد ثم أخرج من المسجد (ما بين عام 160 -167هـ) في عهد الخليفة العباسي المهدي ليتسع المسجد، وحتى يكون مربعاً وتكون الكعبة وسطه كما في أخبار مكة للأرزقي ج2 ص79 حيث قال: (وكان المسعى في موضوع المسجد الحرام اليوم) وفي مصنف ابن أبي شيبة عم مجاهد قال: في ما بين العلمين: هذا بطن المسيل الذي رمل فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولكن الناس انتفضوا منه. وفي الأم للشافعي ج3 ص544 (ثم ينزل يمشي حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعياً شديداً، وهذا يدل على ما ذكره الأزرقي ومجاهد من أن المسعى كان داخل المسجد، وأنه أخرج عنه. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة ان النبي- صلى الله عليه وسلم- ناداه يوم الفتح فقال له يا أبا هريرة.. (اهتف بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري قال: فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم أترون إلا أوباش قريش وأتباعهم.. إلى قوله احصدوهم حصداً حتى توافوني بالصفا (وكونه- صلى الله عليه وسلم- التقى مع الأنصار على الصفا، وأن مسلمة الفتح بايعوه على الصفا، ولا شك أن عددهم كان كثيرا مما يدل بوضوح على ان الصفا كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع بكثير مما هو عليه الآن بل إن الصفا بوضعه الحالي لا يمكن الجلوس فوقه لضيقه ووعورته.
النقطة الثالثة في حكم السعي (التطواف)
بين الصفا والمروة في الحج والعمرة:
اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة على ثلاثة مذاهب الأول: انه ركن لا يجير بدم فإن لم يأت به الحاج كان عليه حج قابل، وهو مذهب مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد، وفي رواية وصحح هذا المذهب كثير من أصحابه واسحاق واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}الآية، وأن الشعائر لابد وأن تكون من الأركان، وأن سبب نزول الآية صرفها عن ظاهرها لإفادة الوجوب وبقوله- صلى الله عليه وسلم- (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) وبفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قوله (خذوا عني مناسككم) وبعموم قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}وقد بين صلى الله عليه وسلم ان السعي من الحج المأمور به (بداية المجتهد ج2 ص67 المغني ج5 ص238 الأم ج3 ص543 تفسير الطبري ج2 ص49-52 أضواء البيان ج7 ص245-269).
المذهب الثاني: أن السعي واجب، ومن رجع من حجه ولم يسع كان عليه دم وبه قال الأحناف على تفصيل عندهم ذكره في بدائع الصنائع ج2 ص133 والإمام أحمد في رواية، والقاضي أبو يعلى والحسن والثوري، وقال ابن قدامة: إنه أولى ودليل غير الأحناف الأدلة السابقة في المذهب الأول، أما الأحناف فإنهم يرون أن الركنية لا تثبت إلا بالقرآن، وأن الوجوب وجب بالسنة وأما الوقوف بعرفة فإنه مجمع عليه وينظر المراجع السابقة وخاصة بدائع الصنائع وأضواء البيان 245
المذهب الثالث: أن السعي تطوع وسنيته ثابتة بقوله تعالى: {مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}ولا شيء على تاركه وهو مروي عن الإمام أحمد وابن عباس وعروة وأنس وابن الزبير وبن سيرين ونقله الشوكاني عن أبي حنيفة.
واستدلوا بقوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}وقالوا: إن الفعل من النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب (فتح القدير للشوكاني ج1 ص226) فما بعدها بالإضافة إلى المراجع السابقة.
والغرض هنا هو ذكر مذاهب العلماء في السعي بصرف النظر عن أي المذاهب أرجح، لأن الترجيح يحتاج إلى استقصاء للأدلة ومناقشتها.
الخاتمة - نرجو الله حسنها - في خلاصة ما توصل إليه البحث:
هو أنه مما تقدم من الكلام حول معنى تحقيق المناط وأمثلته وتطبيقه على زيادة المسعى والاستدلال من كلام العلماء الخ وبيان حكم السعي بين الصفا والمروة والمذاهب فيه ينحصر الأمر في زيادة المسعى في واحد من ثلاثة أمور لا رابع لها وهي:
الأول: أن تكون الزيادة بين الصفا والمروة فهي جزء من المسعى القديم ولا فرق وهذا ما ظهر لي بناء على ما تقدم من الأدلة وتحقيق المناط ولا إشكال إذا. الثاني: على وجه الافتراض أن تكون الزيادة خارجة عن الصفا والمروة، ولا علاقة لها بالمسعى فعندئذ يأخذ الحاج أو المعتمر بقول من يرى من ترك السعي عليه دم لأنه ترك واجباً وحجه وعمرته صحيحان أو يأخذ بقول من يرى انه تطوع لا شيء عليه.
الثالث: وهو أبعدها أن تكون الزيادة خارجة عن المسعى لا علاقة لها به، والسعي ركن لا يسوغ تركه ولا يجبر بدم فعندئذ يرجع إلى باب الضرورة وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وأن الحاج والمعتمر إذا لم يجد سبيلا إلى السعي بين الصفا والمروة فإما أن يسقط عنه، كما تسقط العبادة عند العجز عنها كأركان الصلاة ونحوها أو نقول له: مادامت زيادة المسعى متصلة بالمسعى القديم فتأخذ حكمه كما يأخذ الشارع حكم المسجد في صلاة الجمعة مع أنها لا تصح إلا في المسجد ولكن إذا امتلأ المسجد صحت صلاة الجمعة في الطرقات المتصلة بالمسجد والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
التوسعة الجديدة للمسعى للدكتور مصطفى مخدوم

التوسعة الجديدة للمسعى للدكتور مصطفى مخدوم

التوسعة الجديدة للمسعى للدكتور مصطفى مخدوم
عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة
رؤية فقهية

أخذت التوسعة الجديدة للمسعى حيزا كبيرا من أحاديث المجالس وفتاوى العلماء وأسئلة العامة، ولعل هذا الاهتمام الواسع بالمسألة راجع إلى أمرين: أولهما ارتباط المسألة بعبادة السعي بين الصفا والمروة التي يحتاج إلى معرفتها آلاف المسلمين القاصدين للحج أو العمرة، وثانيهما فتوى بعض العلماء الأفاضل للتوسعة بجواز أو عدم صحة السعي فيها، فأقول مستعينا بالله إن العبادات التي شرعها الله تعالى نوعان: الأول: عبادات مطلقة من حيث المكان بمعنى أن الله تعالى شرعها للناس دون أن يربطها بأماكن مخصوصة مثل الأذكار المطلقة ومثل الصلوات الخمس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته) متفق عليه. والثاني: عبادات مقيدة بأماكن مخصوصة بحيث لا تؤدى إلا في مكان معين مثل الطواف فإنه عبادة مرتبطة بالبيت الحرام {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}ومثل الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى، ولهذا جاء في الموطأ أن عمر رضي الله عنه كان يقول (لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة) وكان يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة)، أي إلى منى، لأن العقبة ليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، فهذه عبادات يلزم التقيد فيها بالمكان الذي حدده الشرع دون تغيير.
ومن ذلك السعي فإنه عبادة مرتبطة بالصفا والمروة كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وقوله: من شعائر الله أي من معالم الله التي جعلها مشعرا للناس يعبدونه عندها كما قاله الإمام ابن جرير الطبري، فالسعي مخصوص بهذا المكان، والآية خبر في الظاهر ولكنها أمر في الباطن.
قالت عائشة رضي الله عنها: (طاف رسول الله وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة، ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) متفق عليه وبناء على ذلك فالواجب هو إيقاع السعي بين الجبلين، بحيث لا يخرج المحرم عن محاذاة الجبلين من جهة العرض، كما يجب عليه استيعاب المسافة بينهما من جهة الطول، وقدرها بعض الفقهاء قديما بـ777 ذراعا.
وهذا الجانب النظري متفق عليه بين المختلفين وإنما وقع الخلاف في التوسعة الجديدة من جهة أن المسعى الجديد هل هو داخل في البينية ومحاذاة الجبلين أو هو خارج عن السمت والمحاذاة؟ فمن رأى التوسعة الجديدة خارجة عن السمت والمحاذاة من جهة العرض أنكر التوسعة الجديدة ومنع من السعي فيها، ومن رآها داخلة في المحاذاة والبينية لم ينكر التوسعة الجديدة وأجاز السعي فيها.
وهذا خلاف في تحقيق المناط كما يعبر الأصوليون والمقصود به كما يقول الشاطبي: (أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى الحكم في تعيين محله) وذلك مثل الاتفاق على وجوب استقبال القبلة في صلاة الفريضة ثم يقع النظر أو الخلاف في تحديد جهة القبلة.
والخلاف في تحقيق المناط هو من جنس الخلاف في المسائل الاجتهادية التي لا يجوز فيها الإنكار على المخالف.
ولكن القدر الثابت من الناحية التاريخية والجغرافية هو أن جبلي الصفا والمروة كانا أكبر حجما مما هو مشاهد اليوم وكانت عليه مساكن وبيوت، وممكن كان له بيت على الصفا العلامة اللغوي الفيروزأبادي وقد أتم كتابه (القاموس المحيط) في منزله على الصفا وهو من علماء القرن التاسع الهجري، وقد أكد جماعة من المعاصرين العدول من كبار السن ممن شاهدوا الجبلين من زمان طويل أعرض من الباقي اليوم، ويؤكد هذا أيضا ما ذكره غير واحد من العلماء قديما من كون المروة طرفا من جبل قعيقعان، وكون الصفا طرفا من جبل أبي قبيس.
وينبغي التنبيه إلى أن تحديد العرض بالمحاذاة والمسامتة هو أمر تقريبي وليس تحديدا دقيقا ولهذا قال بعض الفقهاء: (لا يضر الالتواء اليسير) أي الخروج اليسير عن المحاذاة، ويؤيده أن الأصل هو التيسير في الشيء اليسير.
وأرى أن المسألة مرتبطة بأمر آخر يجب بيانه في هذا المقام وهو أننا لو فرضنا جدلا خروج التوسعة الجديدة عن محاذاة الجبلين الصفا والمروة فهل يمنع ذلك من صحة السعي فيها؟
إن الأصل كما عرفناه سابقا هو وجوب إيقاع السعي بين الجبلين بحيث لا يخرج عن السمت والمحاذاة بين الجبلين ولكن لو دعت الحاجة كالزحام الشديد إلى الخروج عن محاذاة الجبلين فإن المسعى الخارج يعتبر في حكم المتصل والواقع بين الجبلين، ويسمى مثله في مصطلحات العلماء بالمتصل حكما، وله نظائر فقهية متعددة منها: ما جاء عن الإمام أحمد في الرجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة فقال: أرجو ألا يكون به بأس.
ومنها: ما ذهب إليه الحنابلة وغيرهم من صحة الاقتداء بالإمام إذا كان المأموم خارج المسجد متى اتصلت الصفوف، وقد ذكر المجد وغيره أن المشترط هو الاتصال العرفي بمعنى ألا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله، فالبعد اليسير أو الكثير الذي لا يخرج في العادة عن الاتصال فهو كالصف المتصل حكما.
ومنها: قول أحمد في المنبر يوم الجمعة إذا قطع الصف فإنه لا يضر ويجوز للحاجة، وألحق بذلك بعض الحنابلة كل بناء بني لمصلحة المسجد.
ومنها: قول الرجل لامرأته: أنت طالق - يا فاطمة - إن خرجت من الدار، فإن الشرط هنا معتبر لأنه متصل حكما، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا الإذخر) بعد فاصل يسير.
ولا شك أن واقع المسعى القديم في عصرنا يعاني من الزحام الشديد الذي يوقع في الحرج والمشقة، ولا سيما لدى كبار السن والنساء والأطفال، وخاصة في أيام المواسم، ومثل هذه المشقة الزائدة معتبرة في الشرع، وهي سبب للتوسعة والرخصة كما قال الفقهاء: (المشقة تجلب التيسير) وكما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}فالخلاصة أن التوسعة الجديدة داخلة في محاذاة الصفا والمروة وأن الزيادة لها حكم المزيد فيه، ولو فرضنا جدلا خروجها عن المحاذاة والبينية فإن ذلك لا يمنع صحة السعي في حالة المشقة والحاجة لكونها في حكم المتصل ولأن الحاجة العامة تقتضيها، والله أعلم.
 
عودة
أعلى