علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فقد سئلت: عن الفرق بين (القَصَص)بالفتح، و(القِصَص) بالكسر، وبيان الفرق بينهما؟ ثم الفرق بينهما وبين الإخبار؟، فوفقني الله تعالى بمنه وكرمه للإجابة عنهما ، بعد استقصاء أقوال العلماء ما استطعت وترتيبها، وبيان أفضلها.
[h=1]وهذا البحث فيه خمس مسائل: [/h]
" فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان" أي: يَتْبعه شيئًا فشيئًا، واستقصى في ذلك على الترتيب حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر ليعرف أين ذَهَبَ؟[1] ، ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص:11] أي: اتِّبعي أثره، والقاصُّ هو الذي يتتَّبع خبراً بعد خبر[2] .
وأطلق المصدر (القَصَص) مرادًا به المفعولُ، أي "المقصوص" كـ "الخلق" بمعنى "المخلوق" وهو قول أكثر التفسير وهو الصحيح [3]، وهو اسم مفرد[4] في اللفظ.
قالوا وعلى ذلك عدة أدلة:
لكن هنا سؤال: هل هذا المعنى الثاني ينطبق على ما في خارج القرآن الكريم بحيث إذا أطلقت كلمة "القَصَص" دلت على شيئين: المعنى الأول المتفق عليه، والمعنى الثاني الذي صرح به بعض العلماء"؟
نحن إذا نظرنا في سورة آل عمران في قوله تعالى بعد أن ذكر قصة سيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ على ما هي عليه في الحقيقة قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
الإشارة (هذا) في الآية إلى ما تقدم في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ أي ما قص من نبأ عيسى ومريم.
وضمير الفصل(هو) يفيد القصر الإضافي كما يفيده تعريف الطرفين اللذين هما: (هذا) و(القصص).
و (الحق): صفة القصص وهو المقصود بالإفادة.
أي هذا الذي قصصناه عليك في شأن عيسى ومريم ـ عليهما السلام ـ هو الحق الذي لا مَعْدل عنه ولا محيد، لا ما يدعيه النصارى فيه من كونه إلهاً أو ابن الله، ولا ما تدعيه اليهود فيه، وتعالى عما يقوله الظالمون علواً كبير.
صريح الآية أن هذا الذي قصه الله تعالى هو الحق لا غيره ، وفي ذلك إشارة إلى أن قص النصارى و اليهود لها ليس بحق بل هو باطل، وأن القَصص الذي يذكر خارج القرآن الكريم قد يكون حقًا وقد يكون باطلًا، إلا أن يقال: إن الحقية مأخوذة من كلمة (القصص) وأنَّ ذكر (الحق) بعد (القصص) لتأكيد ما في كلمة القصص من الحقية؛ لأن السياق يقتضي التأكيد للرد على اليهود والنصارى، وقد يؤيده ما نقله المحققون من أهل اللغة كالزجاج، والفيومي، والبقاعي أن القصص تتضمن أنها المتحدث بها على أصح الوجوه وأصدقها، على ما هي عليه في الواقع والله أعلم.
[h=2]3)المسألة الثالثة: بيان المراد بالقِصَص (بكسر ففتح): [/h] القِصص جمع قِصة (بالكسر)، فهو (فِعَل) جمع (فِعْلَة)[23] كـ(قِطَع) جمع (قِطْعة)، والقِصة بالكسر ليست بمصدر بل هي اسم للمقصوص، والتركيز فيها على الجمعية، فلا تطلق إلا حيث كانت هناك أكثر من قصة، ثلاثة فأكثر[24] .
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف:111] كما تقدم.
بخلاف (القِصَص) فهي جمع تطلق على ثلاثة فأكثر.
لذلك لم يستعمل القرآن الكريم إلا (القَصَص) بالفتح في المواضع التي يراد بها أكثر من قصة مع أنه يمكن أن يستعمل الجمع (قِصَص) كما قوله تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف:176]،{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}[يوسف:3].
" قوله تعالى: {أَحْسَنَ القصص}: في انتصاب «أحسنَ» وجهان:
[أحدهما]: أن يكونَ منصوبًا على المفعول به، ولكنْ إذا جَعَلْتَ القصصَ مصدراً واقعاً موقعَ المفعولِ كالخَلْق بمعنى المَخْلوق، أو جعَلْتَه فَعَلاً بمعنى مفعول كالقَبَضِ والنَّقَص بمعنى المَنْقُوص والمقبوض، أي: نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الأشياءِ المقتصَّة.
والثاني: أن يكونَ منصوباً على المصدرِ المُبَيِّنِ، إذا جَعَلْتَ القصصَ مصدراً غيرَ مرادٍ به المفعولُ، ويكون المقصوصُ على هذا محذوفاً، أي: نَقُصُّ عليك أحسنَ الاقتصاص".[26]
كتبه علي هاني العقرباوي
الأردن ـ عمان
25 ـ جمادى الآخرة ـ 1441هـ
19 ـ 2 ـ 2020م
فيس ويوتيوب : علي هاني العقرباوي
[1] قال الحرالي:" تتبع الوقائع بالإخبار عنها شيئاً بعد شيء على ترتيبها، في معنى قص الأثر، وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر". نظم الدرر / البقاعي (4/ 444). وقال البقاعي:" {فاقصص القصص} أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك. (نظم الدرر/ البقاعي (3/ 247).
[2] قال الواحدي في التَّفْسِيرُ البَسِيْط:" والقَصَصُ: مصدر قولهم: (قَصَّ فلانٌ الحديثَ، يقصُّه قَصًّا، وقَصَصًا)، وأصله: اتِّباعُ الأثر؛ يقال: (خرج فلانٌ قَصَصًا في أثر فلان)، و (قَصًّا)؛ وذلك إذا اقتصَّ أثَره، ومنه قوله تعالى: [{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]، وقيل للقاصِّ يقصُّ لأتباعه خبرًا بعد خبر، وسَوقه الكلامَ سَوقًا، فمعنى (القَصَص): الخبر الذي تَتَابَعُ فيه المعاني". التَّفْسِيرُ البَسِيْط/ الواحدي (5/ 325).
[3] قال أبو السعود: "{فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي: ما جَرى عليهِ من الخبرِ المقصُوصِ، فإنَّه مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ كالعَلَلِ". (تفسير أبي السعود (7 / 9)، وجاء في تاج العروس: "والقَصَصُ، بالفَتْح: الخَبَرُ! المَقْصُوص، وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدرِ ". تاج العروس / الزبيدي (18/108). وجاء في لسان العرب: "والقِصّة الخبر، وهو القَصَصُ، وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً، وقَصَصاً أَوْرَدَه، والقَصَصُ الخبرُ المَقْصوص بالفتح وضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه، والقِصَص بكسر القاف جمع القِصّة التي تكتب". لسان العرب/ ابن منظور (5/3651). وقيل: إنه اسم مصدر، مراد به أثر المصدر، أو أنه اسم لما يقص.
[4] قال اطفيش: {فَاقْصُصِ القَصَصَ} المذكور، وهو مفرد مصدر بمعنى مفعول. (تيسير التفسير / محمد يوسف اطفِيَّش (5/241).
[5] معجم مقاييس اللغة / ابن فارس (5/ 11).
[6] نظم الدرر/ البقاعي (8/ 161).
[7] قال الراغب والسمين في عمدة الحفاظ:" والْقَصَصُ: الأخبار المتتبّعة" مفردات الراغب (671)، عمدة الحفاظ / السمين الحلبي (3/ 312). وقال المعجم الاشتقاقي: "قَصُّ الشعر (نصر) قطعه، القُصّة - بالضم: الخصلة من الشعر، وقُصة المرأة ناصيتها.
المعنى المحوري: تتبع أو تتابع باطراد مع تسوية. فالقُصَّة(بالضم) تكون مجزوزة باستواء أو مسواة على مقدم الرأس.
ومن هذا: "قصصت الشيء: تتبعت أثره شيئًا بعد شيء، والتسوية هنا الانضباط على ذلك. {فارتدا على آثارهما قصصا} [الكهف: 64] أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر أي يتبعانه (حتى يصلا) ومن ذلك "الخبر المقصوص قصة والقَصَص "بالتحريك: وضعت هذه المحركة موضع المصدر حتى صار أغلب عليها، والاستواء في القصة كمال التفاصيل يقال: "اقتصصت الحديث رويته على وجهه/ أتى به من فصه "فهي أحداث أو أمور لها أصل (فص) وتتوالى على نحو مترابط إلى نهاية ما (أو هي من قص الخبر أي حكايته متتابعة حسب ما سمع أو وقع) كقصة حياة سيدنا يوسف بأحداثها، وقصص سائر الرسل مع أقوامهم، والقرى مع أهلها ومصائرهم. المعجم الاشتقاقي/ محمد حسن جبل (4/ 1790). وقال البقاعي في نظم الدرر:" {فاقصص القصص} أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك"(8/ 161). وقال الطوسي: والقصص: الخبر الذي تتابع فيه المعاني وأصله اتباع الأثر، وفلان يقص أثر فلان أي يتبعه.
[8] تفسير المنار/ محمد رشيد رضا (8/ 281).
[9] في المراد بالقصص في آية الأعراف قولان:
[10] اختلف العلماء على قولين:
[11] في هذه الآية الكريمة قولان:
[12] والقاصّ:هو الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
[13] قال المصباح المنير: قصصت الخبر قصًا: حدثت به على وجهه. (المصباح المنير/ 505).
[14] قال ابن الأثير:" القاصُّ: الذي يأتي بالقِصَّة على وجْهِها كأنه يَتَتَبَّع مَعانِيَها وألْفاظَها"(النهاية في غريب الأثر/ ابن الأثير (4/ 113).
[15] قال الزجاج، وابن الجوزي، والنسفي، والماوردي عند قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} أي: نبين لك أحسن البيان، والقاصّ الذي يأتي بالقصة على حقيقتها". (معاني القرآن وإعرابه/ الزجاج (3/ 88)، (زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (2/413)، (تفسير النسفي (2/ 93)، (تفسير الماوردي = النكت والعيون (3/ 6).
[16][16] قال ابن عاشور: "القصص خبر صدق مطابق للواقع وما هو بقصة مخترعة". (التحرير والتنوير/ ابن عاشور (13/ 71).
[17] قال البقاعي:"{وقص} أي موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ {عليه} أي: شعيب عليه الصلاة والسلام {القصص} أي حدثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله، وتتبع له الأمور على ما هي عليه لما توسم فيه بما آتاه الله من الحكم والعلم من النصيحة والشفقة، والعلم والحكمة، والجلال والعظمة ".(نظم الدرر/ البقاعي (5/ 777).
[18] قال التحقيق: "الأصل في المادة رواية واقعة جارية مضبوطة بأي وسيلة كانت قراءة أو سماعًا على ما طابق الواقع". (التحقيق/ المصطفوي: (9/304).
[19] (تفسير المنار/ محمد رشيد رضا (12/ 208).
[20] تفسير أبي السعود (5/ 210)، (نظم الدرر/ البقاعي (12/ 22).
[21] قال السمين الحلبي في الدر المصون: "والقَصَصُ: مصدرُ قولهم: قَصَّ فلان الحديثَ يَقُصَّه قَصَّاً وقَصَصَاً. وأصلُه: تتبُّعُ الأثرِ، يقال: «فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان» أي: يَتْبعه ليعرفَ أين ذَهَبَ؟ ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي: اتِّبعي أثره وكذلك القاصُّ في الكلام لأنه يتتَّبع خبراً بعد خبر. (3/229).
[22] ومثله في الفرق بين الفعل المدغم وغير المدغم في الفعل المضارع المجزوم:
ففي قوله تعالى: {قالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)} يصح لغة أن يقال: لا تقصص، لا تقصّ، لكن اختار القرآن الكريم فك الإدغام لبيان قوة وتأكيد النهي من يعقوب ـ عليه السلام ـ ليوسف أن يقص الرؤيا، قال البقاعي:" فبين شفقته عليه، وأكد النهي بإظهار الإدغام فقال: {لا تقصص رؤياك}". (نظم الدرر/ البقاعي (4/ 224).
جاء في شرح البناء لعلي هاني في الكلام على الفعل المضعف المجزوم والمبني:" فكِّ الإدغامِ وارد على لغة الحجاز، والإدغامُ واردٌ على لغة تميم، وهذا لا يمنع من وجود سر بلاغي في الإيراد على إحدى اللغتين:
أولًا: سر الفك:
فك الإدغام إما أن يكون في الإثبات، وإما أن يكون في النفي أو في النهي:
وفي قوله تعالى: {ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في الْبِلادِ} [غافر:4] فك الإدغام فيه تأكيد للنهي عن الاغترار بتقلبهم، وفي قوله تعالى: {قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم:20] الفك أكد عدم المس لها أي: {ولم يمسسني بشر} بنكاح أصلاً: حلالٍ ولا غيره ِ، بشبهة ولا غيرها، هذه فائدة فك الإدغام.
ثانيا سر الإدغام:
الإدغام يدل على أن الفعل على أدنى الوجوه بوجه خفي، وقد جاء في أربعة مواضع في القرآن الكريم منها: قوله تعالى: { ياأ َيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يأتِي اللهِ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ }[المائدة:54] فمعنى قوله تعالى { من يرتدَّ}من يرتد ولو أقل ارتداد ولو على وجه خفي .(التسهيل في شرح كتاب البناء/ علي هاني(242).
[23] قال الطيبي: " "القصص" بالكسر: جمع قصة، وبالفتح: مصدر والاسم أيضاً، ثم استعمل موضع المصدر. (فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (/الطيبي (1/ 659).
[24] قال ابن التمجيد على البيضاوي:" قوله: أحسن الاقتصاص، إشعار بأنَّ (القَصَص) بفتح القاف مصدر قص بقص بمعنى الاقتصاص على وزن المدد والشطط في المضاعفات وعلى وزن الشرف والحسد في غيرها، وأما القصص بالكسر فإنه جمع قصة بالكسر والقصة بالكسر ليس بمصدر بل هُوَ اسم للمقصوص (ابن التمجيد على البيضاوي (10/ 246)
[25] التيسير في أحاديث التفسير/ محمد المكي الناصري(4/ 479).
[26] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون/ السمين الحلبي (6/ 430).
[27] التحرير والتنوير/ ابن عاشور (3/ 267).
[28]قال محمد رشيد رضا:" وأصل القص تتبع الأثر، فيكون بالعمل كقوله تعالى حكاية عن أم موسى: (وقالت لأخته قصيه) (28: 11) وبالقول، ومنه: (نحن نقص عليك أحسن القصص) [يوسف: 3]، وهي الأخبار المتتبعة كما حققه الراغب فليس كل خبر قصصًا". (المنار/ محمد رشيد رضا (8/ 281).
[29] التحقيق/ المصطفوي (9/306). بتصرف يسير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فقد سئلت: عن الفرق بين (القَصَص)بالفتح، و(القِصَص) بالكسر، وبيان الفرق بينهما؟ ثم الفرق بينهما وبين الإخبار؟، فوفقني الله تعالى بمنه وكرمه للإجابة عنهما ، بعد استقصاء أقوال العلماء ما استطعت وترتيبها، وبيان أفضلها.
[h=1]وهذا البحث فيه خمس مسائل: [/h]
- [h=1]1)المسألة الأولى: أصل كلمة (القَصَص)(بالفتح):[/h]
" فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان" أي: يَتْبعه شيئًا فشيئًا، واستقصى في ذلك على الترتيب حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر ليعرف أين ذَهَبَ؟[1] ، ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص:11] أي: اتِّبعي أثره، والقاصُّ هو الذي يتتَّبع خبراً بعد خبر[2] .
وأطلق المصدر (القَصَص) مرادًا به المفعولُ، أي "المقصوص" كـ "الخلق" بمعنى "المخلوق" وهو قول أكثر التفسير وهو الصحيح [3]، وهو اسم مفرد[4] في اللفظ.
- قال ابن فارس: "القاف والصاد أصلٌ صحيح يدلُّ على تتبُّع الشَّيء، من ذلك قولهم: قصَصْتُ الأثَر، إذا تتبَّعتَه".[5]
- قال البقاعي:" وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك".[6]
- المعنى الأول المتفق عليه: أنَّ القَصَص: اسم لما يُقص من الأَخبار المتتبعة التي تُتُبِّعت فيها الوقائعُ والمعاني حتى لم تدع في شيء منها لبسًا، خبرًا بعد خبرٍ، ومعنىً بعد معنىً، مع كمال التفصيل، وتتوالى على نحو مترابط إلى النهاية، كما يقص الأثر، فالقَصُّ أخص من الإخبار؛ فإنّ القص إخبار بخبرٍ فيه طولٌ وتفصيل، والقاصُّ في الكلام يتتَّبع الأَخبارَ خبرًا بعد خبر، ويتتبع المعاني ليوردها.[7]
- سواء كانت قصة واحدة فيها أحداث كثيرة، فصلت أحداثها و أخبارها وتُتُبِّعت بدقة وتفصيل كما ورد في آل عمران في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)} الإشارة (هذا) إلى ما تقدم من أمر عيسى ومريم عليهما الصلاة والسلام، وكما في قوله تعالى: { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}[القصص:25]، المراد أن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ حدثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم، وإذلالهم لعباد الله ، والسبب الذي أخرجه من أرضه، وتتبع له الأمور على ما هي عليه، وهي قصة واحدة فيها تفصيلات.
- سورة الأعراف بعدما قصت معظم قصص الأنبياء، وفصلت قصة بني إسرائيل، وذكرت قصة الذي أوتي الآيات ثم انسلخ منها عقَّب عليها القرآن الكريم بقوله: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] و(ال) هنا للعهد، والمعهود قصص كثيرة ذكرت في سورة الأعراف وغيرها.[9]
- في سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} على الخلاف في عمومها لكل قصص القرآن ويدخل دخولًا أوليًا قصة يوسف عليه السلام وأخوته، أو الكلام على قصة يوسف وأخوته فقط.[10]
- خاتمة سورة يوسف على الأصح، في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}.[11]
- المعنى الثاني الذي تتضمنه كلمة (القَصص)ذكره جماعة من المحقق وهو: أنَّ (القَصَص): يضاف لها مع المعنى الأول: "أنها المتحدث بها على أصح الوجوه وأصدقها، على ما هي عليه في الواقع".[12] وهذا المعنى صرح به الفيومي في المصباح المنير[13] ،وابن الأثير في النهاية[14]، والزجاج في معاني القرآن، وابن الجوزي، والنسفي، والماوردي[15] ، وابن عاشور[16]،ومحمد رشيد رضا، والبقاعي[17]، وفريد وجدي، والمصطفوي في التحقيق[18].
قالوا وعلى ذلك عدة أدلة:
- أنَّ (قّصَص) من قصَّ الأثرَ، واقتصه: إذا تتبعه وأحاط به خُبرًا، فيكون عن خُبْر وإحاطة.
- التعبير بالمصدرِ مرادًا به اسم المفعول فيه مبالغة كأنه عين القص، وهذا يدل على صحة وصدق هذه الأخبار وأنه بولغ في تتبعها، والتعبير بالمصدر للمبالغة كثير في اللغة والقرآن الكريم، كما في سورة الكهف: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:14] أي قولاً ذَا شططٍ، أي: ذا بُعدٍ وتجاوزٍ عن الحدِّ والحق جداً، كأنه عينُ الشطط، وُصفَ بالمصدر مبالغةً ثم اقتُصر على الوصف مبالغةً على مبالغة.[20]
- اختيار المصدر " القَصص" بفك الإدغام دون "القَصِّ" بالإدغام، مع أنه يقال: قصَّ، يقصُّ، قصصًا، وقصًّا [21]؛ففك الإدغام يدل على أمرين:
- غاية التتبع للأخبار والأحداث بغاية الدقة زيادة على دلالة المادة (ق، ص،ص) على ذلك[22].
- على أنه أخبار متتبعة كثيرة، خبر بعد خبر لا خبر واحد.
- {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} [الأعراف:176].
- {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} [يوسف:3].
- {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف:111]
- {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)} [القصص:25].
لكن هنا سؤال: هل هذا المعنى الثاني ينطبق على ما في خارج القرآن الكريم بحيث إذا أطلقت كلمة "القَصَص" دلت على شيئين: المعنى الأول المتفق عليه، والمعنى الثاني الذي صرح به بعض العلماء"؟
نحن إذا نظرنا في سورة آل عمران في قوله تعالى بعد أن ذكر قصة سيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ على ما هي عليه في الحقيقة قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
الإشارة (هذا) في الآية إلى ما تقدم في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ أي ما قص من نبأ عيسى ومريم.
وضمير الفصل(هو) يفيد القصر الإضافي كما يفيده تعريف الطرفين اللذين هما: (هذا) و(القصص).
و (الحق): صفة القصص وهو المقصود بالإفادة.
أي هذا الذي قصصناه عليك في شأن عيسى ومريم ـ عليهما السلام ـ هو الحق الذي لا مَعْدل عنه ولا محيد، لا ما يدعيه النصارى فيه من كونه إلهاً أو ابن الله، ولا ما تدعيه اليهود فيه، وتعالى عما يقوله الظالمون علواً كبير.
صريح الآية أن هذا الذي قصه الله تعالى هو الحق لا غيره ، وفي ذلك إشارة إلى أن قص النصارى و اليهود لها ليس بحق بل هو باطل، وأن القَصص الذي يذكر خارج القرآن الكريم قد يكون حقًا وقد يكون باطلًا، إلا أن يقال: إن الحقية مأخوذة من كلمة (القصص) وأنَّ ذكر (الحق) بعد (القصص) لتأكيد ما في كلمة القصص من الحقية؛ لأن السياق يقتضي التأكيد للرد على اليهود والنصارى، وقد يؤيده ما نقله المحققون من أهل اللغة كالزجاج، والفيومي، والبقاعي أن القصص تتضمن أنها المتحدث بها على أصح الوجوه وأصدقها، على ما هي عليه في الواقع والله أعلم.
[h=2]3)المسألة الثالثة: بيان المراد بالقِصَص (بكسر ففتح): [/h] القِصص جمع قِصة (بالكسر)، فهو (فِعَل) جمع (فِعْلَة)[23] كـ(قِطَع) جمع (قِطْعة)، والقِصة بالكسر ليست بمصدر بل هي اسم للمقصوص، والتركيز فيها على الجمعية، فلا تطلق إلا حيث كانت هناك أكثر من قصة، ثلاثة فأكثر[24] .
- المسألة الرابعة: الفرق بين القَصَص، والقِصَص:
- أن (القَصَص) من حيث اللفظ اسم مفرد أصله مصدر، وأما القِصَص فجمع.
- أن (القَصَص) قد يطلق ويراد به قصة واحدة فيها أحداث وأخبار متعددة ، تقص بتتبع حتى لم تدع في شيء منها لبساً، خبرًا بعد خبر، ومعنى بعد معنى، مع كمال التفصيل، وتتوالى على نحو مترابط إلى النهاية كما في قوله تعالى:{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}، وكما في:{ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}[القصص:25] وقد تقدم بيانه.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف:111] كما تقدم.
بخلاف (القِصَص) فهي جمع تطلق على ثلاثة فأكثر.
- أنَّ كلمة (القَصَص) تدل على غاية التتبع والدقة في هذا التتبع، وهذا من استعمال المصدر بمعنى المفعول، ومن فك الإدغام فيدلان على غاية المبالغة في ذلك مع دلالتها على أخبار كثيرة كما تقدم.
لذلك لم يستعمل القرآن الكريم إلا (القَصَص) بالفتح في المواضع التي يراد بها أكثر من قصة مع أنه يمكن أن يستعمل الجمع (قِصَص) كما قوله تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف:176]،{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}[يوسف:3].
- "القَصَص" بالفتح قد يستعمل مصدرًا باقيًا على مصدريته بمعنى الاقتصاص بخلاف "القِصَص" بالفتح فلا يستعمل مصدرًا، جاء في التيسير في أحاديث التفسير: و" القَصص " هنا بفتح القاف لفظ مفرد بمعنى الخبر المحكي المقصوص، ويطلق لفظ القَصَص بمعنى رواية الخبر، أما القِصَص بكسر القاف فهو جمع قصة".[25]
" قوله تعالى: {أَحْسَنَ القصص}: في انتصاب «أحسنَ» وجهان:
[أحدهما]: أن يكونَ منصوبًا على المفعول به، ولكنْ إذا جَعَلْتَ القصصَ مصدراً واقعاً موقعَ المفعولِ كالخَلْق بمعنى المَخْلوق، أو جعَلْتَه فَعَلاً بمعنى مفعول كالقَبَضِ والنَّقَص بمعنى المَنْقُوص والمقبوض، أي: نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الأشياءِ المقتصَّة.
والثاني: أن يكونَ منصوباً على المصدرِ المُبَيِّنِ، إذا جَعَلْتَ القصصَ مصدراً غيرَ مرادٍ به المفعولُ، ويكون المقصوصُ على هذا محذوفاً، أي: نَقُصُّ عليك أحسنَ الاقتصاص".[26]
- إذا لم نؤول أو نقدر فالأصل أن نقول: أعجبني هذا القَصَصُ، وأعجبتني أو أعجبني هذه القِصَص؛ ولا نقول: أعجبتني هذه القَصَص، لأن (القَصَص) بالفتح في الأصل مصدر مفرد مذكر لا مؤنث؛ وأما القِصص، بكسر القاف، فهي جمع قصة، وهي جمع تكسير يصح تذكير الفعل قبلها وتأنيثه.
- المسألة الخامسة: الفرق بين "القَصِّ" و"الإخبار:
- إشارة إلى أن هذه الأخبار تتبعت فيها الوقائعُ والمعاني خبرًا بعد خبرٍ، ومعنىً بعد معنى حتى لم تدع في شيء منها لبساً، مع كمال تفصيل الأقوال، "فالقص أخص من الإخبار ونحوها؛ فإنَّ القصَّ إخبار بخبر فيه طول وتفصيل"([27]) فليس كل خبر قصصًا.[28]
- التحدث على أصح الوجوه وأصدقها، على ما هي عليه في الواقع، "فهو عين الوقائع الخارجية ومثلها من دون تغيير، فهو الحق الحاكي عن الحق والواقع، وبه يفصل الحق من الأباطيل، وبه ينكشف الأمر الخالص والقول الصحيح من الأقوال والآراء المتخالفة الضعيفة".و[29]
كتبه علي هاني العقرباوي
الأردن ـ عمان
25 ـ جمادى الآخرة ـ 1441هـ
19 ـ 2 ـ 2020م
فيس ويوتيوب : علي هاني العقرباوي
[1] قال الحرالي:" تتبع الوقائع بالإخبار عنها شيئاً بعد شيء على ترتيبها، في معنى قص الأثر، وهو اتباعه حتى ينتهي إلى محل ذي الأثر". نظم الدرر / البقاعي (4/ 444). وقال البقاعي:" {فاقصص القصص} أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك. (نظم الدرر/ البقاعي (3/ 247).
[2] قال الواحدي في التَّفْسِيرُ البَسِيْط:" والقَصَصُ: مصدر قولهم: (قَصَّ فلانٌ الحديثَ، يقصُّه قَصًّا، وقَصَصًا)، وأصله: اتِّباعُ الأثر؛ يقال: (خرج فلانٌ قَصَصًا في أثر فلان)، و (قَصًّا)؛ وذلك إذا اقتصَّ أثَره، ومنه قوله تعالى: [{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]، وقيل للقاصِّ يقصُّ لأتباعه خبرًا بعد خبر، وسَوقه الكلامَ سَوقًا، فمعنى (القَصَص): الخبر الذي تَتَابَعُ فيه المعاني". التَّفْسِيرُ البَسِيْط/ الواحدي (5/ 325).
[3] قال أبو السعود: "{فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي: ما جَرى عليهِ من الخبرِ المقصُوصِ، فإنَّه مصدرٌ سُمِّي به المفعولُ كالعَلَلِ". (تفسير أبي السعود (7 / 9)، وجاء في تاج العروس: "والقَصَصُ، بالفَتْح: الخَبَرُ! المَقْصُوص، وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدرِ ". تاج العروس / الزبيدي (18/108). وجاء في لسان العرب: "والقِصّة الخبر، وهو القَصَصُ، وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً، وقَصَصاً أَوْرَدَه، والقَصَصُ الخبرُ المَقْصوص بالفتح وضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه، والقِصَص بكسر القاف جمع القِصّة التي تكتب". لسان العرب/ ابن منظور (5/3651). وقيل: إنه اسم مصدر، مراد به أثر المصدر، أو أنه اسم لما يقص.
[4] قال اطفيش: {فَاقْصُصِ القَصَصَ} المذكور، وهو مفرد مصدر بمعنى مفعول. (تيسير التفسير / محمد يوسف اطفِيَّش (5/241).
[5] معجم مقاييس اللغة / ابن فارس (5/ 11).
[6] نظم الدرر/ البقاعي (8/ 161).
[7] قال الراغب والسمين في عمدة الحفاظ:" والْقَصَصُ: الأخبار المتتبّعة" مفردات الراغب (671)، عمدة الحفاظ / السمين الحلبي (3/ 312). وقال المعجم الاشتقاقي: "قَصُّ الشعر (نصر) قطعه، القُصّة - بالضم: الخصلة من الشعر، وقُصة المرأة ناصيتها.
المعنى المحوري: تتبع أو تتابع باطراد مع تسوية. فالقُصَّة(بالضم) تكون مجزوزة باستواء أو مسواة على مقدم الرأس.
ومن هذا: "قصصت الشيء: تتبعت أثره شيئًا بعد شيء، والتسوية هنا الانضباط على ذلك. {فارتدا على آثارهما قصصا} [الكهف: 64] أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر أي يتبعانه (حتى يصلا) ومن ذلك "الخبر المقصوص قصة والقَصَص "بالتحريك: وضعت هذه المحركة موضع المصدر حتى صار أغلب عليها، والاستواء في القصة كمال التفاصيل يقال: "اقتصصت الحديث رويته على وجهه/ أتى به من فصه "فهي أحداث أو أمور لها أصل (فص) وتتوالى على نحو مترابط إلى نهاية ما (أو هي من قص الخبر أي حكايته متتابعة حسب ما سمع أو وقع) كقصة حياة سيدنا يوسف بأحداثها، وقصص سائر الرسل مع أقوامهم، والقرى مع أهلها ومصائرهم. المعجم الاشتقاقي/ محمد حسن جبل (4/ 1790). وقال البقاعي في نظم الدرر:" {فاقصص القصص} أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك"(8/ 161). وقال الطوسي: والقصص: الخبر الذي تتابع فيه المعاني وأصله اتباع الأثر، وفلان يقص أثر فلان أي يتبعه.
[8] تفسير المنار/ محمد رشيد رضا (8/ 281).
[9] في المراد بالقصص في آية الأعراف قولان:
- القول الأول: المختار اختاروا العموم فقالوا المراد: اقصص هذه القصة ـ وهي قصة الذي انسلخ عن آيات الله ـ وغيرها من المقصوص عليك من جهتنا من أخبار القرون الماضية، وأخبر بالأخبار العظيمة التي تتبع فيها مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم.
- القول الثاني: قصر المراد على قصة الذي انسلخ من آيات الله تعالى، وليس هذا الرأي بسديد فقد حجر واسعًا.
[10] اختلف العلماء على قولين:
- القول الأول: قالوا المراد جميع قصص القرآن الكريم أحسن قصص ،فكلّ قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه ، وكلّ قصة في القرآن هي أحسن من كلّ ما يقصّه القاصّ في غير القرآن، ويدخل دخولًا أوليًا قصة يوسف عليه السلام بدليل ذكر هذه الآية الكريمة في أولها ، وهذا القول هو المتبادر الظاهر ، والأنسب بعموم اللفظ، ويدل عليه ورود القصص في خاتمة السورة بعد ذكر الرسل مطلقًا: واختار هذا : قتادة، و الطبري، و مكي، و السمعاني، و البغوي، و الخازن، وابن عطية، و ابن عاشور، ابن أبي زمنين، و ابن عاشور ، وابن الجوزي، ومحمد سيد طنطاوي، والسعدي،وجماعة آخرون من المفسرين.
- القول الثاني: قالوا المراد قصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ وإخوته خاصة هي أحسن القصص، وقد اختار كون أحسن القصص قصة يوسف خاصة: الثعلبي، والرازي، وأبو حيان، والقرطبي، والزمخشري، والبيضاوي، والنسفي، والشوكاني، وجماعة آخرون من المفسرين.
[11] في هذه الآية الكريمة قولان:
- القول الأول ـ وهو المختار ـ قالوا : الضمير في قصصهم لسائر الرسل ـ عليهم السلام ـ الذين طال بهم البلاء مع أممهم حتى استيأسوا فجاءهم النصر وأُهلِك أعداؤهم، وأنجاهم الله تعالى، من نوح إلى يوسف ومن بعده ، فيدخل دخولًا أوليًا قصة يوسف عليه السلام وإخوته، وهذا هو الراجح بدليل الآية التي قبلها: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}، ثم جاءت هذه الآية:{ لَقَدْ كَانَ يوسف وأبويه وإخوته.
- القول الثاني: قالوا: الضمير في قصصهم ليوسف عليه السلام وإخوته فقط، والمعنى: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عِبرة لأهل الحِجا والعقول، وقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وأبيه وإخوته مشتملة على أخبار متعددة كثيرة.
[12] والقاصّ:هو الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
[13] قال المصباح المنير: قصصت الخبر قصًا: حدثت به على وجهه. (المصباح المنير/ 505).
[14] قال ابن الأثير:" القاصُّ: الذي يأتي بالقِصَّة على وجْهِها كأنه يَتَتَبَّع مَعانِيَها وألْفاظَها"(النهاية في غريب الأثر/ ابن الأثير (4/ 113).
[15] قال الزجاج، وابن الجوزي، والنسفي، والماوردي عند قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} أي: نبين لك أحسن البيان، والقاصّ الذي يأتي بالقصة على حقيقتها". (معاني القرآن وإعرابه/ الزجاج (3/ 88)، (زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (2/413)، (تفسير النسفي (2/ 93)، (تفسير الماوردي = النكت والعيون (3/ 6).
[16][16] قال ابن عاشور: "القصص خبر صدق مطابق للواقع وما هو بقصة مخترعة". (التحرير والتنوير/ ابن عاشور (13/ 71).
[17] قال البقاعي:"{وقص} أي موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ {عليه} أي: شعيب عليه الصلاة والسلام {القصص} أي حدثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله، وتتبع له الأمور على ما هي عليه لما توسم فيه بما آتاه الله من الحكم والعلم من النصيحة والشفقة، والعلم والحكمة، والجلال والعظمة ".(نظم الدرر/ البقاعي (5/ 777).
[18] قال التحقيق: "الأصل في المادة رواية واقعة جارية مضبوطة بأي وسيلة كانت قراءة أو سماعًا على ما طابق الواقع". (التحقيق/ المصطفوي: (9/304).
[19] (تفسير المنار/ محمد رشيد رضا (12/ 208).
[20] تفسير أبي السعود (5/ 210)، (نظم الدرر/ البقاعي (12/ 22).
[21] قال السمين الحلبي في الدر المصون: "والقَصَصُ: مصدرُ قولهم: قَصَّ فلان الحديثَ يَقُصَّه قَصَّاً وقَصَصَاً. وأصلُه: تتبُّعُ الأثرِ، يقال: «فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان» أي: يَتْبعه ليعرفَ أين ذَهَبَ؟ ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي: اتِّبعي أثره وكذلك القاصُّ في الكلام لأنه يتتَّبع خبراً بعد خبر. (3/229).
[22] ومثله في الفرق بين الفعل المدغم وغير المدغم في الفعل المضارع المجزوم:
ففي قوله تعالى: {قالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)} يصح لغة أن يقال: لا تقصص، لا تقصّ، لكن اختار القرآن الكريم فك الإدغام لبيان قوة وتأكيد النهي من يعقوب ـ عليه السلام ـ ليوسف أن يقص الرؤيا، قال البقاعي:" فبين شفقته عليه، وأكد النهي بإظهار الإدغام فقال: {لا تقصص رؤياك}". (نظم الدرر/ البقاعي (4/ 224).
جاء في شرح البناء لعلي هاني في الكلام على الفعل المضعف المجزوم والمبني:" فكِّ الإدغامِ وارد على لغة الحجاز، والإدغامُ واردٌ على لغة تميم، وهذا لا يمنع من وجود سر بلاغي في الإيراد على إحدى اللغتين:
أولًا: سر الفك:
فك الإدغام إما أن يكون في الإثبات، وإما أن يكون في النفي أو في النهي:
- فإن كان في الإثبات: ففك الإدغام يدل على المبالغة في الفعل والتمكن والظهور، فـ(يضلل) بالفك تدل على الضلال الراسخ الثابت، فمعنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:88]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ} [الرعد:33]، ومن يضلل اللُه الملكُ الأعظمُ المحيط بكل شيء إضلالًا راسخًا كأنه مجبول عليه فهوَ في غاية البيان واضحًا في قلبه ليخرج الضلال العارض. وفك الإدغام في قوله تعالى: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب} [ص:39]، يدل على عظمة المنِّ وظهور أمره، ومعنى قوله تعالى: {رَبَّنا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهمْ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ} [يونس:88] اشدد شداً قويًا مكينًا ظاهراً لكل أحد قال ابن عباس: اطبع عليها وامنعها من الإيمان.
- وأما إن كان الفك في النفي أو النهي فهو يدل على تأكيد النفي أو النهي، وإليك بعض الآيات مع بيان سرها:
وفي قوله تعالى: {ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في الْبِلادِ} [غافر:4] فك الإدغام فيه تأكيد للنهي عن الاغترار بتقلبهم، وفي قوله تعالى: {قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم:20] الفك أكد عدم المس لها أي: {ولم يمسسني بشر} بنكاح أصلاً: حلالٍ ولا غيره ِ، بشبهة ولا غيرها، هذه فائدة فك الإدغام.
ثانيا سر الإدغام:
الإدغام يدل على أن الفعل على أدنى الوجوه بوجه خفي، وقد جاء في أربعة مواضع في القرآن الكريم منها: قوله تعالى: { ياأ َيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يأتِي اللهِ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ }[المائدة:54] فمعنى قوله تعالى { من يرتدَّ}من يرتد ولو أقل ارتداد ولو على وجه خفي .(التسهيل في شرح كتاب البناء/ علي هاني(242).
[23] قال الطيبي: " "القصص" بالكسر: جمع قصة، وبالفتح: مصدر والاسم أيضاً، ثم استعمل موضع المصدر. (فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (/الطيبي (1/ 659).
[24] قال ابن التمجيد على البيضاوي:" قوله: أحسن الاقتصاص، إشعار بأنَّ (القَصَص) بفتح القاف مصدر قص بقص بمعنى الاقتصاص على وزن المدد والشطط في المضاعفات وعلى وزن الشرف والحسد في غيرها، وأما القصص بالكسر فإنه جمع قصة بالكسر والقصة بالكسر ليس بمصدر بل هُوَ اسم للمقصوص (ابن التمجيد على البيضاوي (10/ 246)
[25] التيسير في أحاديث التفسير/ محمد المكي الناصري(4/ 479).
[26] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون/ السمين الحلبي (6/ 430).
[27] التحرير والتنوير/ ابن عاشور (3/ 267).
[28]قال محمد رشيد رضا:" وأصل القص تتبع الأثر، فيكون بالعمل كقوله تعالى حكاية عن أم موسى: (وقالت لأخته قصيه) (28: 11) وبالقول، ومنه: (نحن نقص عليك أحسن القصص) [يوسف: 3]، وهي الأخبار المتتبعة كما حققه الراغب فليس كل خبر قصصًا". (المنار/ محمد رشيد رضا (8/ 281).
[29] التحقيق/ المصطفوي (9/306). بتصرف يسير.