علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
[h=1]هذا البحث الذي تكملة للبحث الذي حملته على الموقع قبل أسبوع بعنوان تحقيق الفرق بين فوق ومن فوق: [/h][h=1]المبحث السابع: الفرق بين {وراء} و{ من وراء} : [/h][h=1] (من وراء) وردت مع (من) عدة أربعة وعشرين موضعا ، جاءت مع (من) في اثني عشر موضعا أربعة منها بمعنى والثمانية الباقية بمعنى آخر ، وهذا ن المعنيان ناشئان من معنى الابتداء ؛ لأن (من) لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء ، ثم تتولد معان فرعية أخرى فدخول (من) يأتي على معنيين : [/h][h=1]المعنى الأول: تجتمع فيه أربع آيات : [/h][h=1]الآية الأولى : {{ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (33/53).[/h][h=1]الآية الثانية : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} (59/ 14).[/h][h=1]الآية الثالثة : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}.[/h][h=1] الآية الرابعة: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} (49/ 4).[/h][h=1]فهذه الآيات الخمس القول فيها ما قاله الكشاف في سورة الحجرات عند قوله تعالى { من وراء الحجرات}: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} (49/ 4)[/h][h=1]قال الزمخشري :" (الوراء: الجهة التي يواريها عنك الشخص بظله من خلف أو قدام ، و(من) لابتداء الغاية، وأنّ المناداة نشأت من ذلك المكان فإن قلت : ما فرق بين الكلامين بين ما تثبت فيه وما تسقط عنه . قلت : الفرق بينهما أنّ المنادي والمنادى في أحدهما يجوز أن يجمعهما الوراء ، وفي الثاني : لا يجوز لأنّ الوراء تصير بدخول من مبتدأ الغاية . ولا يجتمع على الجهة الواحدة أن تكون مبتدأ ومنتهى لفعل واحد ، والذي يقول : ناداني فلان من وراء الدار . لا يريد وجه الدار ولا دبرها ، ولكن أي قطر من أقطارها الظاهرة كان مطلقاً بغير تعيين واختصاص ، والإنكار لم يتوجه عليهم من قبل أنّ النداء وقع منهم في أدبار الحجرات أو في وجوهها ، وإنما أنكر عليهم أنهم نادوه من البرّ والخارج مناداة الأجلاف بعضهم لبعض ، من غير قصد إلى جهة دون جهة ".[/h]
فالحاصل من كلام الزمخشري : أن (من) هي التي تشير إلى أن المنادى والمنادي في جهتين مختلفتين لأن مبدأ النداء ومنشأه من الوراء ، ولو أسقط (من) فقيل { ينادونك وراء الحجرات } لما كان هناك ما يمنع أن يكون المنادى والمنادي في جهة واحدة وراء الحجرات، فلا يكون حينئذ في ندائهم ما يدعو إلى الإنكار عليهم ". قال محمد الأمين الخضري: وهذه بديعة أخرى من بدائع الكشاف في { ينادونك من وراء الحجرات } حيث إن الذي تنكره الآية من الأعراب الذين نادوا الرسول هو أنهم نادوه من جهة بعيدة غير الجهة التي فيها الرسول مما استدعى أن يرفعوا أصواتهم على طريقة أجلاف البادية دون مراعاة لمقام من ينادونه و(من) هي التي تشير إلى أن المنادى والمنادي في جهتين مختلفتين لأن مبدأ النداء ومنشأه من الوراء ولو أسقط من فقيل { ينادونك وراء الحجرات } لما كان هناك ما يمنع أن يكون المنادى والمنادي في جهة واحدة وراء الحجرات فلا يكون حينئذ في ندائهم ما يدعو إلى الإنكار عليهم " قال ابن عاشور : و { من } للابتداء ، أي ينادونك نداء صادراً من وراء الحجرات فالمنادون بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا وراء حجراته فالذي يقول : ناداني فلان وراء الدار ، لا يريد وراء مفتح الدار ولا وراء ظهرها ولكن أيَّ جهة منها وكان القوم المنادون في المسجد فهم تجاه الحجرات النبوية ، ولو قال : ناداني فلان وراء الدار ، دون حرف { مِن } ، لكان محتمِلاً لأن يكون المنادي والمنادَى كلاهما في جهة وراء الدار ، وأنَّ المجرور ظرف مستقر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ولهذا أوثر جلب { مِن } ليدل بالصراحة على أن المنادَى كان داخل الحجرات لأن دلالة { مِن } على الابتداء تستلزم اختلافاً بين المبدأ والمنتهَى كذا أشار في « الكشاف » ، ولا شك أنه يعني أن اجتلاب حرف { مِن } لدفع اللبس .
قال البيضاوي : ومن ابتدائية فإن المناداة نشأت من جهة الوراء ، وفائدتها الدلالة على أن المنادي داخل الحجرة إذ لا بد وأن يختلف المبتدأ والمنتهى بالجهة" .
قال البقاعي : والحال أن نداءهم إياك كائن { من وراء } إثبات هذا الجار يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان داخلها ، ولو سقط لم يفد ذلك ، بل كان يفيد أن نسبة الأماكن التي وراءها الحجرات كلها بالنسبة إليه وإليهم على حد سواء ، وذلك بأن يكون الكل خارجها
[h=1]يقول علي هاني : ويمكن إضافة معنى القرب أيضا لأن النداء نشأ من وراء الحجرات وهذا فيه جلافة أكثر وعدم رعاية الحرمة .[/h]****************************************************************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الثانية وهي قوله تعالى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (33/53)[/h] قال محمد الأمين الخضري : يؤيد ما قاله الكشاف في سورة الحجرات ـ قوله تعالى { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } حيث جاءت (من) دالة على وجوب أن يكون الحجاب فاصلا بينهم وبين أزواج الرسول ولو سقطت من لصح أن يكونوا معهن في جهة واحدة وراء الحجاب"
قال البقاعي: كائنين وكائنات { من وراء حجاب } أي ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم قال ابن عاشور: و { من وراء حجاب } متعلق ب { فاسألوهن } فهو قيد في السائل والمسؤول المتعلق ضميراهما بالفعل الذي تعلق به المجرور . و { من } ابتدائية . والوراء : مكان الخلف وهو مكان نسبي باعتبار المتجه إلى جهة ، فوراء الحجاب بالنسبة للمتجهين إليه فالمسؤولة مستقبلة حجابها والسائل من وراء حجابها وبالعكس .
***********************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الثالثة قوله تعالى : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} (59/ 14)[/h]قال محمد الأمين الخضري: ومثل ذلك { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر } فـ(من) هذه هي التي كشفت عن جبنهم وضعف بأسهم فهم لا يقاتلون إلا إذا كانت الجدر بينهم وبين عدوهم حاجزا يمنع من الوصول إليهم ولا يخرجون إلى عدوهم وراءه هذه الجدر وهو ما يمكن أن يفهم بدون من".
قال الزمخشري : { أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم ، لقذف الله الرعب في قلوبهم ، وأن تأييد الله تعالى ونصرته معكم .
قال البقاعي: { أو من وراء جدر } أي محيط بهم سواء كان بقرية أو غيرها لشدة خوفهم
قال أبو حيان: أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم .
قال النيسابوري: { أو من وراء جدر } لا مبارزين مكشوفين في الأراضي المستوية
*******************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الرابعة وهي قوله تعالى في سورة الشورى { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} (42/51) [/h]قال الزمخشري:" وقوله : { من وراء حجاب } مَثَلٌ ، أي : كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه ، وهو من وراء حجاب ، فيسمع صوته ولا يرى شخصه ، وذلك كما كلم الله موسى ويكلم الملائكة. ومن وراء حجاب : ظرف واقع موقع الحال أيضاً ، كقوله تعالى : { وعلى جُنُوبِهِمْ } والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً ، أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً ".
*****************************
[h=1]المعنى الثاني: لدخول (من): [/h][h=1]جاءت (من) في ثمانية آيات بمعنى واحد: [/h]الآية الأولى : { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}11(/71)
الآية الثانية : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (4/102)
الآية الثالثة : { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} (14/16)
الآية الرابعة: { يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}(14/17).
الآية الخامسة: { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} (45/10).
الآية السادسة: { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} (23/100).
الآية السابعة: { وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}.
الآية الثامنة: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} .
فهذه الآيات الثمانية : يقال فيها ما أخذناه في (من فوق، من تحت) ونحوها فهي تفيد ثلاثة معان:
المعنى الأول: الابتداء وبيان مبدأ جهة الشيء أي الشيء مبتدئ من كذا.
المعنى الثاني: على القرب الشديد بلا فاصل.
المعنى الثالث: وفيها التأكيد .
أما الآية الأولى ، وهي قوله تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} (11/71) فهي تفيد كونها كون البشرى سريعة التحقق مباشرة كأن هذا يكون من وراء ذلك ليس هناك فاصل بعيد سيولد إسحاق وعن قريب يولد يعقوب وكل قرب بحسبه ، وهنا تقريب للزمن وتقليل مناسبة للبشرى وتفيد ثالثا توكيد البشرى .
قال الزمخشري كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب مولود أو موجود ، أي من بعده.
قال الطبرسي : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) يعني ومن بعد إسحاق يعقوب .
قال الطباطبائي و قوله : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب } إسحاق هو ابنها من إبراهيم ، ويعقوب هو ابن إسحاق ( عليه السلام ) فالمراد أن الملائكة بشروها بأنها ستلد إسحاق وإسحاق سيولد له يعقوب ولد بعد ولد .
****************
وأما الآية الثانية : في الضمير في { فليكونوا} قولان: الأول :للقائمين معك أي إذا فرغوا من السجود وأتموه فلينصرفوا للحراسة، والقول للثاني: الضمير يرجع للطائفة الأخرى أي إذا سجد الرجال الذين قاموا معك للصلاة فليكن الرجال الآخرون الذين ليسوا في الصلاة من ورائكم لحمايتكم .
وعلى القولين (من) تدل على أن عليهم أن يصيروا خلفكم مصافي العدوّ للحراسة في مقابلة العدو في مكان قريب يحفظ ويحمي بحيث لا ينفذ العدو ، لأن الحراسة تقتضي القرب من المحروسين وحياطتهم حامية لظهوركم ، مانعة نزول الأذى بكم ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأن من لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء.
****************
وأما كل من الآية الثالثة والرابعة والخامسة وهي قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16} (14/ 16).
{ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}(14/17).
[h=1]{ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} (45/10).[/h]
والوراء : اسم لما توارى عن العين .
سر التعبير بـ(وراء ) تشمل معنيين من كلمة (وراء) ومعان من الحرف من كلها مقصودة :
1)فيه تعقب شيء شيئاً وملازمة طلب شيء شيئاً فيستعار له ( الوراء ) ، كلّ ذلك تشبيه بالكائن خلف؛ لأنها كشيء يتبعهم من خلف لا يلبث أن يتصل بهم.
كقول لبيد : أليس ورائي إن تراختْ منيت لزُوم العصا تُحنى عليها الأصابع
وكأنَّ جهنَّم تلاحق وتتبع المذنبين والكفار ؛ ولا يفوتونها فهم سيقعون فيها!
ووجه ذلك أن جهنم تنتظر هذا الجبار العنيد ، وتترصد له ، وتتبعه لذا فقد استخدمت كلمة وراء حيث كان ، بحيث لا يستطيع الفرار منها ، أو الهرب عنها .. " ففيها معنى الطلب كما يطلب الغريم غريمه (لا مفر منه طالباً له).نحو {إن جهنم لبالمرصاد}.
2) تدل على انه واقع فيه لا محالة وهو لا يشعر ولا يظن أنه يصيبه لأنه لا يراه لأنه من ورائه
فهو واقع في عذاب جهنم وهو لا يشعر لأنه لا يراها؛ لأنها من ورائه ولا يتقيها لأنه في غفلة عنها، وعبر عن غفلته عنها بقوله : { من ورائه جهنم } أي لا بد أن يتبوأها، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم .
قال البقاعي: ثم أتبعه ما هو كالدليل على خيبته من أن سيره 5 إلى ما أمامه من العذاب ، فهو واقع فيه لا محالة وهو لا يشعر ، وعبر عن غفلته عنه بقوله : { من ورائه جهنم } أي لا بد أنه يتبوأها"
قال سيد قطب: ولفظ ( من ورائهم )مقصودة ظلاله فوق معناه . وظلاله . . أنهم لا يرونه لأنه من ورائهم ولا يتقونه لأنهم في غفلة عنه ؛ ولا يفوتهم فهم سيقعون فيه !.\
ابن عاشور : "جملة { من ورائهم } بيان لجملة { لهم عذاب مهين } . وفي قوله : { من ورائهم } تحقيق لحصول العذاب وكونه قريباً منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدوّ يتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه آمناً . ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة ، ومنه قوله تعالى : { وكان وراءهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، وقول لبيد :
أليسَ ورائي إنْ تراخت منيتي *** لُزومُ العصا تُحنى عليها الأصابع
ومن فسر وراء بقُدّام ، فما رعَى حق الكلام" .
يقول علي هاني: "وذكر (من) يدل على شدة القرب ولصوق جهنم والعذاب ، وأنها لا محالة واقعة بهم ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء".
*****************
{مَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
الأصل أمامهم لكن استعار كلمة الوراء تشبيها بالكائن خلف شيء لا يراه، فالملك من ورائهم لا يتقونه لأنهم في غفلة عنه، فالاستعارة بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لأخذ سفينتهم ، فاستعمال {وراء} بدون (من) لأن المراد أولا بيان جهة الملك أنه في جهة الوراء ، وأنه لا مهرب منه حيث إحاطة جنوده بالأماكن كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم .
وثانيا : لأنه ليس المراد الملاحقة والتتبع كما في { من ورائهم جهنم} بل كون جنود الملك في جهة مرورهم في جهة الأمام المخفية عنهم كلما مرت سفينة أخذوها ، و لأنه لم يكن قريبا منهم قربا كبيرا بدليل أنهم لم يشعروا به فلذلك قال وراءهم ، وهذا من دقائق الفروق القرآنية ، ويؤيد هذا كلام العلماء: قال المفسرون أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده
قال السعدي أي : كان مرورهم على ذلك الملك الظالم ، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما.
قال البقاعي: { وكان وراءهم } أي أمامهم ، ولعله عبر بلفظ ( وراء ) كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم و واروها ، وفسره الحرالي في بأنه وراءهم في غيبته عن علمهم وإن كان أمامهم في وجهتهم ، لأنه فسر الوراء بما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان ، قال : فربما اجتمع أن يكون الشيء ، وراء من حيث إنه لا يعلم ، ويكون أماماً في المكان " اهـ .
قال الطباطبائي : و قوله : { و كان وراءهم ملك } وراء بمعنى الخلف وهو الظرف المقابل للظرف الآخر الذي يواجهه الإنسان ويسمى قدام وأمام لكن ربما يطلق على الظرف الذي يغفل عنه الإنسان وفيه من يريده بسوء أو مكروه وإن كان قدامه.
قال الفخر الرازي : وتحقيقه أن كل ما غاب عنك فقد توارى عنك وأنت متوار عنه ، فكل ما غاب عنك فهو وراءك وأمام الشيء وقدامه إذا كان غائبا عنه متواريا عنه فلم يبعد إطلاق لفظ وراء عليه .
وبما تقدم يظهر الفرق الدقيق بين { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وبين { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} { وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}[1].
*****************
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} (19/ 5)
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} (19/ 5)
و { الموالي } بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب ،
فيتعلق الظرف بما تضمنَّه المَوالي مِنْ معنى الفِعْلِ ، أي : الذين يَلُوْن الأمرَ بعديلكن استعمال ورائي تشعر لأني سأموت ولا أرى ما يفعلون : أي قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين ، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بوليّ يرزقه فهم الولاء يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل ، فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم. بعد موتي أي خِفتُ الذين يلون الأمرَ من ورائي خفت فعل الموالي من ورائي أو جور المولى
ولا يتعلق ب " خَفْتُ " لفسادِ المعنى الأقارب أن يسيئوا الخلافة
يقول علي هاني : من للابتداء فهم سيلون الأمر مباشرة من بعده ويفسدون فالابتداء يدل على ذلك ويدل على خوفه عليه السلام على أي إفساد من خلفه مباشرة فما بعد لأنهم إذا ولو بعده مباشرة فسيفسدون مباشرة .
وحملها البقاعي على التبعيض البقاعي { من ورائي } أي في بعض الزمان الذي [SUP]8[/SUP] بعد موتي أي خفت الموالي من بعد موتى أن يجوروا في أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي .
يقول علي هاني ما ذكره البقاعي في الحاصل يعود لما ذكرته لأن الحاصل استغراق خوفه من أول لحظة فما بعدها وإذا خاف أن يفسدوا ولو بعض وقت فقد خاف أي إفساد وهذا عموم
**********************
وأما الآية السادسة : وهي قوله تعالى : { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (23/100) ، فهي كالآيات الثلاثة السابقة في معنى الوراء:
البرزخ: هو الحاجز والحائل القوي المخلل بين الشيئين الذين يكتنفانه ويحيطان به غير ظاهر ، ولذلك استعمل البرزخ فيما يكون غير مرئي كما في هذه الآية الكريم وفي { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53} { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20} والكلمة تدل على أن فيه حجزا قويا كأن أصله البراز وهو المكان المتسع والخاء للمبالغة والتخلل فكأنه منطقة واسعة حجزت بحيث لا يمكن الرجوع ، و ليس الملاحظ في آية {ومن ورائهم برزخ} الاتساع ولكن قوة الحجز، والبرزخ يدل أيضا على أن الشيء المتوسط لا من صريح هذا ولا من صريح فالبرزخ هنا ليس الدنيا الخالصة ولامن الآخرة الخالصة ولا هو خارج عنهما بل هو بين بين ، وهذا التعريف للبرزخ مستخلص من كلام العلماء المنقول في الهامش[2] .
فمعنى الآية: حاجز وحائل قوي يحجُز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا يلاحقهم ويتبعهم ويحيط بهم لا يستطيعون الفكاك منه ، مستمر لا يقدر أحد على رفعه ، يستمر هذا البرزخ الحاجز إلى يوم يبعثون من قبورهم ، وذلك يوم القيامة ، فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من الرجوع حاجزة عن الاجتماع ، ،وهذا إقناط كلي من الرجوع فلقد قضي الأمر ، وانقطعت الصلات ، وأغلقت الأبواب ، وأسدلت الأستار.
وذكر (من) يدل على شدة القرب ولصوق ، ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء".
قال ابن عاشور: والوراء هنا مستعار للشيء الذي يصيب المرء لا محالة ويناله وهو لا يظنه يصيبه . شبه ذلك بالذي يريد اللحاق بالسائر فهو لاحقه ، وهذا كقوله تعالى { والله من ورائهم محيط } [ البروج : 20 ] وقوله { ومن ورائهم جهنم } [ الجاثية : 10 ] وقوله { من ورائهم عذاب غليظ } [ إبراهيم : 17 ] . وتقدم قوله : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] .
وقال لبيد :
أليس ورائي أن تراخت منيتي *** لزوم العصا تُحنى عليها الأصابع
ومعنى { إلى يوم يبعثون } أنهم غير راجعين إلى الحياة إلى يوم البعث . فهي إقناط لهم لأنهم يعلمون أن يوم البعث الذي وُعدوه لا رجوع بعده إلى الدنيا فالذي قال لهم { إلى يوم يبعثون } هو الذي أعلمهم بما هو البعث .
قال الطباطبائي : المراد بكونه وراءهم كونه أمامهم محيطا بهم وسمي وراءهم بعناية أنه يطلبهم كما أن مستقبل الزمان أمام الإنسان ويقال : وراءك يوم كذا بعناية أن الزمان يطلب الإنسان ليمر عليه وهذا معنى قول بعضهم : إن في وراء معنى الإحاطة ، قال تعالى : { و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } : [ الكهف : 79 ] .
*****************
وأما الآية السابعة ، وهي قوله تعالى : { وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}(85/ 20)
فذكر (من) يدل على شدة القرب والإحاطة كالمحاصر المحاط به من جوانبه ، قد سدت عليهم الجوانب ، وأنهم في قبضة القدرة لا يفلتون ولا يفوتونه ، كما لا يفوت فائت الشيء المحيط به ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء مع التأكيد، وكلمة وراء تفيد أيضا أنهم في غفلة عنه ، وهو لا يعلم.
قال البقاعي:{ من ورائهم } أي من كل جهة يوارونها أو تواريهم ، وذلك كل جهة { محيط * } فهو محيط- بهم من كل جهة بعلمه وقدرته ، فهو كناية عن أنهم في قبضته لا يفوتونه بوجه كما أنه لا يفوت من صار في القبضة بإحاطة العدو به من غير مانع ، فهو سبحانه قادر على أن يحل بهم ما أحل بأولئك ، ولعله خص الوراء لأن الإنسان يحمي ما وراءه ولأنه جهة الفرار من المصائب ".
[h=1]ثانيا : وراء من غير (من) وردت في اثني عشر موضعا: [/h]
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} (2/91)
[h=1]وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)(2/101)[/h]{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}(3/187).
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4/24).
{ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} (6/ 94)
وكذلك { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} (11/92)
وكذلك { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (23/ 7)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} (70/ 31)
{ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ} (57/ 13)
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) (76/ 27)
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} (74/ 10)
[h=1]تستعمل حيث لا يكون النظر إلى أن شيئا ناشئ أو مبتدئ من شيء آخر ، وإنما شيء وراء شيء ، فهي جهة واحدة وهي جهة الوراء مع عموم ، وكذلك إذا لم يكن المراد أنه يوجد حجاب يكون شخص في جهة منه والثاني في جهة أخرى .[/h]************************************************
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} (2/91)
استعمال وراء هنا ليدل على أنهم لا يرون أمام أعينهم إلا التوراة ويكفرون بما عدا ذلك كفرا مستمرا كائنا ما كان ، والمراد الأصلي بما كفروا به هو القرآن الكريم لأن السياق له وقيل: القرآن والإنجيل ، وحذف (من) هنا لأنه ليس المراد أنه يوجد حجاب وكل واحد في جهة وليس المراد أن شيئا ناشئ عن شيء بل المراد جهة الوراء ثم العموم فهم يكفرون بكل ما سواه ولا يرونه ولا يلاحظونه بل نظرهم في زعمهم للتوراة فقط فهي في نظرهم كالشيء العالي العظيم الذي لا يرى غيره ولا ينظر لغيره لأن الوراء ما لا يناله الحس ، فالمراد بما وراءه في الآية ما عداه وسواه وغيره كما يقال للرجل يتكلم بالحسن :ما وراء هذا الكلام شيء يراد به ، ، والمقصود بهذا الغير هنا خصوص القرآن بقرينة السياق لتقدم قوله : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } ولتعقيبه بقوله : { وهو الحق مصدقاً } .
[h=1]***********************[/h][h=1]{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(2/101).[/h]{ نبذ } أي رمى رمي استخفاف قال الزمخشري : { كتاب الله } يعني التوراة ، لأنهم بكفرهم برسول الله المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها ":.
(وراء ظهورهم) ، مثل لتركهم وإعراضهم عنه رأسا ، ، مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه لأن ما يجعل ظهرياً لا يرى ولا يلتفت إليه ولا يعتد به لأنه قد زال النظر إليه جملة ، والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة
واستعمال الوراء دون من وراء لأنه ليس المراد أن الرمي كان من جهة الوراء بل الرمي كان في جهة الوراء وأيضا تدل على قوة عدم الاعتداد والرمي في جهة الوراء ويزيد هذا المعنى أنه لم يقل وراءهم قال ابن عاشور : وإضافة الوراء إلى الظهر لتأكيد بُعد المتروك بحيث لا يلقاه بعد ذلك فجعل للظهر وراء وإن كان هو هنا بمعنى الوراء . قال ابن عرفة : المراد بذكر الظهر تأكيد لمعنى وراء كقولهم من وراءِ وراء .
وكذلك يقال في { وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} (3/187).
وكذلك { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} (6/ 94) لكن هذا الترك ليس عن اختيارهم قال الزمخشري : { وَرَاء ظُهُورِكُمْ } لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيراً ولا قدّمتموه لأنفسكم قال الفخر الرازي : فبقيت الأموال التي اكتسبها وأفنى عمره في تحصيلها وراء ظهره والشيء الذي يبقى وراء ظهر الإنسان لا يمكنه أن ينتفع به
وكذلك { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} (11/92)
فالاتخاذ أخذ الشيء لأمر يستمر في المستأنف كاتخاذ البيت واتخاذ المركوب ، والظهري : جعل الشيء وراء الظهر ، قال الزمخشري ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به ، والظهريّ : منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب قال البقاعي : أي أعرضتم عنه إعراض من جعل الشيء وراءه ؛ وحقق معنى الوراء بقوله : { ظهرياً } أي جعلتموه كالشيء الغائب عنكم المنسي عندكم الذي لا يعبأ به ، ولم تراقبوه فيّ لنسبتي إليه بالرسالة والعبودية .
[h=1]***********************[/h]
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4/24)
استعمال الوراء لأن المراد بيان عظمة هذه المحرمات بحيث أنه يجب عدم تعديها بالزواج بواحدة منها وأن ما خلفها هو المباح فالتركيز على الوراء وليس المراد أن الإحلال م ناشئ أو مبتدئ من الوراء ، قال البقاعي : وبين عظمة هذا التحريم بأداة البعد فقال : { ما وراء ذلكم } أي الذي ذكر لكم من المحرمات العظيمة . قال ابن عاشور : والمعنى : أحلّ لكم ما عَدا أولئكم المحرّمات
وكذلك { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (23/ 7)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} (70/ 31)
**********************
{ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ} (57/ 13)
لأن هذا قيل على سبيل التهكم والمراد إما الرجوع للموقف أو للدنيا وعلى كلا القولين المراد الرجوع رجوعا بعيدا والمراد الإقناط والاستهزاء بهم كما فعلوا بالمؤمنين وهذا يناسبه نزع (من)، وأيضا لأنه لا يوجد حجاب نحو { ينادونك من وراء الحجرات } بل فراغ، وليس المراد ابتداء الرجوع من الوراء.
قال البقاعي : { قيل } أي لهم جواباً لسؤالهم قول رد وتوبيخ وتهكم وتنديم : { ارجعوا وراءكم } أي في جميع جهات الوراء التي هي أبعد الجهات عن الخير كما كنتم في الدنيا لا تزالون مرتدين على أعقابكم عما يستحق أن يقبل عليه ويسعى إليه اطفيش - الهميان : طرد لهم وتهكم بهم وتخييب واقناط أي ارجعوا الى الموقف حيث اعطينا النور فالتمسوا النور فيه فمنه يقتبس سيد قطب - ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) . . ويبدو أنه صوت للتهكم ، والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام : ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور ! الطباطبائي: والأظهر على هذا أن يكون المراد بالوراء الدنيا ، ومحصل المعنى : ارجعوا إلى الدنيا التي تركتموها وراء ظهوركم وعملتم فيها ما عملتم على النفاق ، والتمسوا من تلك الأعمال نورا فإنما النور نور الأعمال أو الإيمان ولا إيمان لكم ولا عمل .
[h=1]***********************[/h]
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) (76/ 27)
حذف (من) للدلالة على إحاطة أهواله بهم من كل الجهات كما أخذنا في { رفعنا فوقهم الطور} {من ورائه جهنم} البقاعي : { وراءهم } أي أمامهم أي [SUP]5[/SUP] قدامهم على وجه الإحاطة بهم وهم عنه معرضون كما يعرض الإنسان عما وراءه ، أو خلفهم لأنه يكون بعدهم لا بد أن يدركهم { يوماً } أي منها . ولما كان ما أعيا الإنسان وشق عليه ثقيلاً .
[h=1] قال سيد قطب: ويذرون اليوم الثقيل الذي ينتظرهم هناك بالسلاسل والأغلال والسعير ، بعد الحساب العسير ! الطباطبائي: و كون اليوم وراءهم تقرره أمامهم لأن وراء تفيد معنى الإحاطة ، أو جعلهم إياه خلفهم ووراء ظهورهم بناء على إفادة { يذرون } معنى الإعراض . ***********************[/h]
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} (74/ 10)
قبل الكلام على توجيه حذف (من) في الآية الكريمة نأخذ الإعرابات في لفظة وراء ، وهي ثلاثة
ففي (وراء) ثلاثة إعرابات:
الإعراب الأول: ظرف متعلق بـ(أوتي) أي الإيتاء مكانه في وراء الظهر خلف ظهره، قال حقي البروسوي: "ظرف لأوتي مستعمل في المكان" اهـ ، تُجْعَلُ يُسْرَاهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَيَأْخُذُ بِهَا كِتَابَهُ.
حقي البروسي وأحمد الخراط .
الإعراب الثاني: أنه َظَرْفُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ كِتابَهُ. قاله ابن عاشور أي يؤتى كتابه حال كونه من وراء ظهره .
الإعراب الثالث : أنه منصوب بنزع الخافض أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره كما أعربه جماعة ، وَيُنَاوَلُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره .
درويش ،ودعاس ، الطباطبائي .
الإعراب الأول أصح لأن الآية الكريمة تركز على أن مكان الإيتاء هو وراء الظهر ،أي في خلفه : بأن تغل يمينه إلى عنقه ، وتكون شماله إلى وراء ظهره[3] ، ويوضع كتابه فيها لأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم فيؤتاه في الموضع الذي نبذ فيه كتاب الله في حياته ، وهذه أيضا علامة الشقاوة ، وهذا احتباك : ذكر اليمين أولاً يدل على الشمال ثانياً ، وذكر الوراء ثانياً-يدل على الأمام أولاً ، فالمرجح الإعراب الأول لأن المراد أن الإيتاء يتحصل في المكان الذي هو وراء الظهر المقابل للأمام ، فالسياق يركز على هذا فكأنه قال أوتي كتابه بيمنه أمامه والآخر أوتي كتابه بشماله وراء ظهره فمكان إيتاء الكتاب هو وراء الظهر .
، وقريب من الإعراب الأول الإعراب الثاني .
وأما الإعراب الثالث فلا يصح لأنه ليس المراد أن ابتداء الإيتاء يكون من وراء الظهر كما هو نص الإعراب الثالث، لأمرين : الأمر الأول : لأنه ليس التركيز على مكان ابتداء الإيتاء بل التركيز على المكان الذي يتحصل فيه الإيتاء ويستقر ، والأمر الثاني : لأنه لو قيل من وراء الظهر سواء لفظا أو تقديرا ، لكان تعبيرا موهما ، لأنه يحتمل أن يكون مكان الإيتاء من خلف الظهر ولكن الإيتاء يحصل من الأمام بأن يكون المؤتي في الخلف ويناوله الكتاب أمامه فهذا يصدق عليه أنه آتاه من وراء ظهره ، وليس مرادا ، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
[1] فإن قيل : لم لا تحملون الوراء على حقيقتها فالملك كان وراءهم حقيقة ، نقول: جمهور العلماء لم يحملوها على هذا ، بل قالوا ولو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه ، ولكن كان بين أيديهم قال اطفيش: والصحيح عندهم القول الثاني أي قدامهم ملك في ذهابهم وأما الأول فمشكل لأنهُ إن كان أمامهم في ذهابهم فما فائدة الإخبار بأنه خلفهم في رجوعهم وأيضاً فيأخذها حين الذهاب لا يتربص للرجوع وإن كانوا يرجعون في طريق غير الأول فيكون خلقهم فلا يكون خلفهم إلا بعد أن كان قدامهم فيأخذها إذا كانوا مستقبلية فما فائدة الإخبار بأنهُ خلفهم ؟ اللهم إلا أن يقال : يأخذها بعد الإدبار لا يأخذ في عادته عند الإقبال.
[2] قال ابن فارس: الحائل بين الشيئين كأن بينهما رازا أي متسعا من الأرض ثم صار كل حائل برزخا قال محمد وسيم البكري في البكريات : الخاء يدل على التلاشي ــ ـ فهو غير ظاهر ، قال التحقيق: هذه الكلمة من مادة برز وحرف الخاء في آخرها زائد يدل على المبالغة ـ ـ ثم قال " وهذا البرزخ شبيه جدا بالبراز: فإن من تبرز وخرج إلى براز قرنه في الحرب فقد انقطع عن جميع متعلقات ولا يرى إلا قدرة نفسه في مقابل طرفه وقرنه ولا ينفعه ما كان له من عنوان أو مال أو قريب أو حميم المعجم الاشتقاقي:" مادة برز تدل على خلوص شيء أو ظهوره ظهورا قويا أي نفاذه من بين ما يكتنفه بجَهد وقوة كما يقال للفرس الذي يسبق الإبل قد برز عليها أي خلص من ونفذ من بين ما يكتنفه ، والخاء تعبر عن شيء من التخلل ، فيتحصل أن معنى برزخ : معبر باطني جوفي من خلال حاجز بين أشياء وواضح أن الموت وفترة القبر توصل إلى يوم البعث " ، . البقاعي عند تفسير مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ} : وقال ابن برجان : البرزخ ما ليس هو بصريح هذا ولا بصريح هذا ، فكذلك السهل والجبل بينهما برزخ يسمى الخيف ، كذلك الليل والنهار بينهما برزخ يسمى غبشاً ، كذلك بين الدنيا والآخرة برزخ ليس من هذا ولا من هذا ولا هو خارج عنهما ، وكذلك الربيعان هما [SUP]5[/SUP] برزخان بين الشتاء والصيف بمنزلة غبش أول النهار وغبش آخره ، جعل بين [SUP]6[/SUP] كل صنفين من الموجودات برزخاً ليس من هذا ولا من هذا وهو منهما كالجماد والنبات والحيوان [SUP]7[/SUP] .
[3] قال الرازي: وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ يُؤْتَى كِتَابُهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ لِأَنَّهُ إِذَا حَاوَلَ أَخْذَهُ بِيَمِينِهِ كَالْمُؤْمِنِينَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَأُوتِيَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ بِشِمَالِهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ} وَلَمْ يَذْكُرِ الظَّهْرَ وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْتَى بِشِمَالِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْكَلْبِيِّ [ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لِأَنَّ يَمِينَهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، وَتَكُونُ يَدُهُ الْيُسْرَى خَلْفَهُ ]وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُعْطَى بِشِمَالِهِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ وراء ظهره.:
فالحاصل من كلام الزمخشري : أن (من) هي التي تشير إلى أن المنادى والمنادي في جهتين مختلفتين لأن مبدأ النداء ومنشأه من الوراء ، ولو أسقط (من) فقيل { ينادونك وراء الحجرات } لما كان هناك ما يمنع أن يكون المنادى والمنادي في جهة واحدة وراء الحجرات، فلا يكون حينئذ في ندائهم ما يدعو إلى الإنكار عليهم ". قال محمد الأمين الخضري: وهذه بديعة أخرى من بدائع الكشاف في { ينادونك من وراء الحجرات } حيث إن الذي تنكره الآية من الأعراب الذين نادوا الرسول هو أنهم نادوه من جهة بعيدة غير الجهة التي فيها الرسول مما استدعى أن يرفعوا أصواتهم على طريقة أجلاف البادية دون مراعاة لمقام من ينادونه و(من) هي التي تشير إلى أن المنادى والمنادي في جهتين مختلفتين لأن مبدأ النداء ومنشأه من الوراء ولو أسقط من فقيل { ينادونك وراء الحجرات } لما كان هناك ما يمنع أن يكون المنادى والمنادي في جهة واحدة وراء الحجرات فلا يكون حينئذ في ندائهم ما يدعو إلى الإنكار عليهم " قال ابن عاشور : و { من } للابتداء ، أي ينادونك نداء صادراً من وراء الحجرات فالمنادون بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا وراء حجراته فالذي يقول : ناداني فلان وراء الدار ، لا يريد وراء مفتح الدار ولا وراء ظهرها ولكن أيَّ جهة منها وكان القوم المنادون في المسجد فهم تجاه الحجرات النبوية ، ولو قال : ناداني فلان وراء الدار ، دون حرف { مِن } ، لكان محتمِلاً لأن يكون المنادي والمنادَى كلاهما في جهة وراء الدار ، وأنَّ المجرور ظرف مستقر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ولهذا أوثر جلب { مِن } ليدل بالصراحة على أن المنادَى كان داخل الحجرات لأن دلالة { مِن } على الابتداء تستلزم اختلافاً بين المبدأ والمنتهَى كذا أشار في « الكشاف » ، ولا شك أنه يعني أن اجتلاب حرف { مِن } لدفع اللبس .
قال البيضاوي : ومن ابتدائية فإن المناداة نشأت من جهة الوراء ، وفائدتها الدلالة على أن المنادي داخل الحجرة إذ لا بد وأن يختلف المبتدأ والمنتهى بالجهة" .
قال البقاعي : والحال أن نداءهم إياك كائن { من وراء } إثبات هذا الجار يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان داخلها ، ولو سقط لم يفد ذلك ، بل كان يفيد أن نسبة الأماكن التي وراءها الحجرات كلها بالنسبة إليه وإليهم على حد سواء ، وذلك بأن يكون الكل خارجها
[h=1]يقول علي هاني : ويمكن إضافة معنى القرب أيضا لأن النداء نشأ من وراء الحجرات وهذا فيه جلافة أكثر وعدم رعاية الحرمة .[/h]****************************************************************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الثانية وهي قوله تعالى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (33/53)[/h] قال محمد الأمين الخضري : يؤيد ما قاله الكشاف في سورة الحجرات ـ قوله تعالى { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } حيث جاءت (من) دالة على وجوب أن يكون الحجاب فاصلا بينهم وبين أزواج الرسول ولو سقطت من لصح أن يكونوا معهن في جهة واحدة وراء الحجاب"
قال البقاعي: كائنين وكائنات { من وراء حجاب } أي ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم قال ابن عاشور: و { من وراء حجاب } متعلق ب { فاسألوهن } فهو قيد في السائل والمسؤول المتعلق ضميراهما بالفعل الذي تعلق به المجرور . و { من } ابتدائية . والوراء : مكان الخلف وهو مكان نسبي باعتبار المتجه إلى جهة ، فوراء الحجاب بالنسبة للمتجهين إليه فالمسؤولة مستقبلة حجابها والسائل من وراء حجابها وبالعكس .
***********************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الثالثة قوله تعالى : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} (59/ 14)[/h]قال محمد الأمين الخضري: ومثل ذلك { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر } فـ(من) هذه هي التي كشفت عن جبنهم وضعف بأسهم فهم لا يقاتلون إلا إذا كانت الجدر بينهم وبين عدوهم حاجزا يمنع من الوصول إليهم ولا يخرجون إلى عدوهم وراءه هذه الجدر وهو ما يمكن أن يفهم بدون من".
قال الزمخشري : { أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم ، لقذف الله الرعب في قلوبهم ، وأن تأييد الله تعالى ونصرته معكم .
قال البقاعي: { أو من وراء جدر } أي محيط بهم سواء كان بقرية أو غيرها لشدة خوفهم
قال أبو حيان: أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم .
قال النيسابوري: { أو من وراء جدر } لا مبارزين مكشوفين في الأراضي المستوية
*******************************
[h=1]وكذلك يقال في الآية الرابعة وهي قوله تعالى في سورة الشورى { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} (42/51) [/h]قال الزمخشري:" وقوله : { من وراء حجاب } مَثَلٌ ، أي : كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه ، وهو من وراء حجاب ، فيسمع صوته ولا يرى شخصه ، وذلك كما كلم الله موسى ويكلم الملائكة. ومن وراء حجاب : ظرف واقع موقع الحال أيضاً ، كقوله تعالى : { وعلى جُنُوبِهِمْ } والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً ، أو مسمعاً من وراء حجاب ، أو مرسلاً ".
*****************************
[h=1]المعنى الثاني: لدخول (من): [/h][h=1]جاءت (من) في ثمانية آيات بمعنى واحد: [/h]الآية الأولى : { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}11(/71)
الآية الثانية : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (4/102)
الآية الثالثة : { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} (14/16)
الآية الرابعة: { يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}(14/17).
الآية الخامسة: { مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} (45/10).
الآية السادسة: { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} (23/100).
الآية السابعة: { وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}.
الآية الثامنة: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} .
فهذه الآيات الثمانية : يقال فيها ما أخذناه في (من فوق، من تحت) ونحوها فهي تفيد ثلاثة معان:
المعنى الأول: الابتداء وبيان مبدأ جهة الشيء أي الشيء مبتدئ من كذا.
المعنى الثاني: على القرب الشديد بلا فاصل.
المعنى الثالث: وفيها التأكيد .
أما الآية الأولى ، وهي قوله تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} (11/71) فهي تفيد كونها كون البشرى سريعة التحقق مباشرة كأن هذا يكون من وراء ذلك ليس هناك فاصل بعيد سيولد إسحاق وعن قريب يولد يعقوب وكل قرب بحسبه ، وهنا تقريب للزمن وتقليل مناسبة للبشرى وتفيد ثالثا توكيد البشرى .
قال الزمخشري كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب مولود أو موجود ، أي من بعده.
قال الطبرسي : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) يعني ومن بعد إسحاق يعقوب .
قال الطباطبائي و قوله : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب } إسحاق هو ابنها من إبراهيم ، ويعقوب هو ابن إسحاق ( عليه السلام ) فالمراد أن الملائكة بشروها بأنها ستلد إسحاق وإسحاق سيولد له يعقوب ولد بعد ولد .
****************
وأما الآية الثانية : في الضمير في { فليكونوا} قولان: الأول :للقائمين معك أي إذا فرغوا من السجود وأتموه فلينصرفوا للحراسة، والقول للثاني: الضمير يرجع للطائفة الأخرى أي إذا سجد الرجال الذين قاموا معك للصلاة فليكن الرجال الآخرون الذين ليسوا في الصلاة من ورائكم لحمايتكم .
وعلى القولين (من) تدل على أن عليهم أن يصيروا خلفكم مصافي العدوّ للحراسة في مقابلة العدو في مكان قريب يحفظ ويحمي بحيث لا ينفذ العدو ، لأن الحراسة تقتضي القرب من المحروسين وحياطتهم حامية لظهوركم ، مانعة نزول الأذى بكم ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأن من لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء.
****************
وأما كل من الآية الثالثة والرابعة والخامسة وهي قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16} (14/ 16).
{ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}(14/17).
[h=1]{ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} (45/10).[/h]
والوراء : اسم لما توارى عن العين .
سر التعبير بـ(وراء ) تشمل معنيين من كلمة (وراء) ومعان من الحرف من كلها مقصودة :
1)فيه تعقب شيء شيئاً وملازمة طلب شيء شيئاً فيستعار له ( الوراء ) ، كلّ ذلك تشبيه بالكائن خلف؛ لأنها كشيء يتبعهم من خلف لا يلبث أن يتصل بهم.
كقول لبيد : أليس ورائي إن تراختْ منيت لزُوم العصا تُحنى عليها الأصابع
وكأنَّ جهنَّم تلاحق وتتبع المذنبين والكفار ؛ ولا يفوتونها فهم سيقعون فيها!
ووجه ذلك أن جهنم تنتظر هذا الجبار العنيد ، وتترصد له ، وتتبعه لذا فقد استخدمت كلمة وراء حيث كان ، بحيث لا يستطيع الفرار منها ، أو الهرب عنها .. " ففيها معنى الطلب كما يطلب الغريم غريمه (لا مفر منه طالباً له).نحو {إن جهنم لبالمرصاد}.
2) تدل على انه واقع فيه لا محالة وهو لا يشعر ولا يظن أنه يصيبه لأنه لا يراه لأنه من ورائه
فهو واقع في عذاب جهنم وهو لا يشعر لأنه لا يراها؛ لأنها من ورائه ولا يتقيها لأنه في غفلة عنها، وعبر عن غفلته عنها بقوله : { من ورائه جهنم } أي لا بد أن يتبوأها، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم .
قال البقاعي: ثم أتبعه ما هو كالدليل على خيبته من أن سيره 5 إلى ما أمامه من العذاب ، فهو واقع فيه لا محالة وهو لا يشعر ، وعبر عن غفلته عنه بقوله : { من ورائه جهنم } أي لا بد أنه يتبوأها"
قال سيد قطب: ولفظ ( من ورائهم )مقصودة ظلاله فوق معناه . وظلاله . . أنهم لا يرونه لأنه من ورائهم ولا يتقونه لأنهم في غفلة عنه ؛ ولا يفوتهم فهم سيقعون فيه !.\
ابن عاشور : "جملة { من ورائهم } بيان لجملة { لهم عذاب مهين } . وفي قوله : { من ورائهم } تحقيق لحصول العذاب وكونه قريباً منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدوّ يتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه آمناً . ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة ، ومنه قوله تعالى : { وكان وراءهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ، وقول لبيد :
أليسَ ورائي إنْ تراخت منيتي *** لُزومُ العصا تُحنى عليها الأصابع
ومن فسر وراء بقُدّام ، فما رعَى حق الكلام" .
يقول علي هاني: "وذكر (من) يدل على شدة القرب ولصوق جهنم والعذاب ، وأنها لا محالة واقعة بهم ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء".
*****************
{مَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
الأصل أمامهم لكن استعار كلمة الوراء تشبيها بالكائن خلف شيء لا يراه، فالملك من ورائهم لا يتقونه لأنهم في غفلة عنه، فالاستعارة بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لأخذ سفينتهم ، فاستعمال {وراء} بدون (من) لأن المراد أولا بيان جهة الملك أنه في جهة الوراء ، وأنه لا مهرب منه حيث إحاطة جنوده بالأماكن كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم .
وثانيا : لأنه ليس المراد الملاحقة والتتبع كما في { من ورائهم جهنم} بل كون جنود الملك في جهة مرورهم في جهة الأمام المخفية عنهم كلما مرت سفينة أخذوها ، و لأنه لم يكن قريبا منهم قربا كبيرا بدليل أنهم لم يشعروا به فلذلك قال وراءهم ، وهذا من دقائق الفروق القرآنية ، ويؤيد هذا كلام العلماء: قال المفسرون أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده
قال السعدي أي : كان مرورهم على ذلك الملك الظالم ، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما.
قال البقاعي: { وكان وراءهم } أي أمامهم ، ولعله عبر بلفظ ( وراء ) كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم و واروها ، وفسره الحرالي في بأنه وراءهم في غيبته عن علمهم وإن كان أمامهم في وجهتهم ، لأنه فسر الوراء بما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان ، قال : فربما اجتمع أن يكون الشيء ، وراء من حيث إنه لا يعلم ، ويكون أماماً في المكان " اهـ .
قال الطباطبائي : و قوله : { و كان وراءهم ملك } وراء بمعنى الخلف وهو الظرف المقابل للظرف الآخر الذي يواجهه الإنسان ويسمى قدام وأمام لكن ربما يطلق على الظرف الذي يغفل عنه الإنسان وفيه من يريده بسوء أو مكروه وإن كان قدامه.
قال الفخر الرازي : وتحقيقه أن كل ما غاب عنك فقد توارى عنك وأنت متوار عنه ، فكل ما غاب عنك فهو وراءك وأمام الشيء وقدامه إذا كان غائبا عنه متواريا عنه فلم يبعد إطلاق لفظ وراء عليه .
وبما تقدم يظهر الفرق الدقيق بين { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وبين { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} { وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)}[1].
*****************
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} (19/ 5)
{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)} (19/ 5)
و { الموالي } بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب ،
فيتعلق الظرف بما تضمنَّه المَوالي مِنْ معنى الفِعْلِ ، أي : الذين يَلُوْن الأمرَ بعديلكن استعمال ورائي تشعر لأني سأموت ولا أرى ما يفعلون : أي قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين ، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بوليّ يرزقه فهم الولاء يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل ، فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم. بعد موتي أي خِفتُ الذين يلون الأمرَ من ورائي خفت فعل الموالي من ورائي أو جور المولى
ولا يتعلق ب " خَفْتُ " لفسادِ المعنى الأقارب أن يسيئوا الخلافة
يقول علي هاني : من للابتداء فهم سيلون الأمر مباشرة من بعده ويفسدون فالابتداء يدل على ذلك ويدل على خوفه عليه السلام على أي إفساد من خلفه مباشرة فما بعد لأنهم إذا ولو بعده مباشرة فسيفسدون مباشرة .
وحملها البقاعي على التبعيض البقاعي { من ورائي } أي في بعض الزمان الذي [SUP]8[/SUP] بعد موتي أي خفت الموالي من بعد موتى أن يجوروا في أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي .
يقول علي هاني ما ذكره البقاعي في الحاصل يعود لما ذكرته لأن الحاصل استغراق خوفه من أول لحظة فما بعدها وإذا خاف أن يفسدوا ولو بعض وقت فقد خاف أي إفساد وهذا عموم
**********************
وأما الآية السادسة : وهي قوله تعالى : { لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (23/100) ، فهي كالآيات الثلاثة السابقة في معنى الوراء:
البرزخ: هو الحاجز والحائل القوي المخلل بين الشيئين الذين يكتنفانه ويحيطان به غير ظاهر ، ولذلك استعمل البرزخ فيما يكون غير مرئي كما في هذه الآية الكريم وفي { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53} { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20} والكلمة تدل على أن فيه حجزا قويا كأن أصله البراز وهو المكان المتسع والخاء للمبالغة والتخلل فكأنه منطقة واسعة حجزت بحيث لا يمكن الرجوع ، و ليس الملاحظ في آية {ومن ورائهم برزخ} الاتساع ولكن قوة الحجز، والبرزخ يدل أيضا على أن الشيء المتوسط لا من صريح هذا ولا من صريح فالبرزخ هنا ليس الدنيا الخالصة ولامن الآخرة الخالصة ولا هو خارج عنهما بل هو بين بين ، وهذا التعريف للبرزخ مستخلص من كلام العلماء المنقول في الهامش[2] .
فمعنى الآية: حاجز وحائل قوي يحجُز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا يلاحقهم ويتبعهم ويحيط بهم لا يستطيعون الفكاك منه ، مستمر لا يقدر أحد على رفعه ، يستمر هذا البرزخ الحاجز إلى يوم يبعثون من قبورهم ، وذلك يوم القيامة ، فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من الرجوع حاجزة عن الاجتماع ، ،وهذا إقناط كلي من الرجوع فلقد قضي الأمر ، وانقطعت الصلات ، وأغلقت الأبواب ، وأسدلت الأستار.
وذكر (من) يدل على شدة القرب ولصوق ، ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء".
قال ابن عاشور: والوراء هنا مستعار للشيء الذي يصيب المرء لا محالة ويناله وهو لا يظنه يصيبه . شبه ذلك بالذي يريد اللحاق بالسائر فهو لاحقه ، وهذا كقوله تعالى { والله من ورائهم محيط } [ البروج : 20 ] وقوله { ومن ورائهم جهنم } [ الجاثية : 10 ] وقوله { من ورائهم عذاب غليظ } [ إبراهيم : 17 ] . وتقدم قوله : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] .
وقال لبيد :
أليس ورائي أن تراخت منيتي *** لزوم العصا تُحنى عليها الأصابع
ومعنى { إلى يوم يبعثون } أنهم غير راجعين إلى الحياة إلى يوم البعث . فهي إقناط لهم لأنهم يعلمون أن يوم البعث الذي وُعدوه لا رجوع بعده إلى الدنيا فالذي قال لهم { إلى يوم يبعثون } هو الذي أعلمهم بما هو البعث .
قال الطباطبائي : المراد بكونه وراءهم كونه أمامهم محيطا بهم وسمي وراءهم بعناية أنه يطلبهم كما أن مستقبل الزمان أمام الإنسان ويقال : وراءك يوم كذا بعناية أن الزمان يطلب الإنسان ليمر عليه وهذا معنى قول بعضهم : إن في وراء معنى الإحاطة ، قال تعالى : { و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } : [ الكهف : 79 ] .
*****************
وأما الآية السابعة ، وهي قوله تعالى : { وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)}(85/ 20)
فذكر (من) يدل على شدة القرب والإحاطة كالمحاصر المحاط به من جوانبه ، قد سدت عليهم الجوانب ، وأنهم في قبضة القدرة لا يفلتون ولا يفوتونه ، كما لا يفوت فائت الشيء المحيط به ، وهذا المعنى مأخوذ من الابتداء منهم بلا فاصل ؛ لأنها لابتداء الغاية في أول أمكنة الوراء مع التأكيد، وكلمة وراء تفيد أيضا أنهم في غفلة عنه ، وهو لا يعلم.
قال البقاعي:{ من ورائهم } أي من كل جهة يوارونها أو تواريهم ، وذلك كل جهة { محيط * } فهو محيط- بهم من كل جهة بعلمه وقدرته ، فهو كناية عن أنهم في قبضته لا يفوتونه بوجه كما أنه لا يفوت من صار في القبضة بإحاطة العدو به من غير مانع ، فهو سبحانه قادر على أن يحل بهم ما أحل بأولئك ، ولعله خص الوراء لأن الإنسان يحمي ما وراءه ولأنه جهة الفرار من المصائب ".
[h=1]ثانيا : وراء من غير (من) وردت في اثني عشر موضعا: [/h]
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} (2/91)
[h=1]وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)(2/101)[/h]{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}(3/187).
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4/24).
{ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} (6/ 94)
وكذلك { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} (11/92)
وكذلك { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (23/ 7)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} (70/ 31)
{ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ} (57/ 13)
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) (76/ 27)
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} (74/ 10)
[h=1]تستعمل حيث لا يكون النظر إلى أن شيئا ناشئ أو مبتدئ من شيء آخر ، وإنما شيء وراء شيء ، فهي جهة واحدة وهي جهة الوراء مع عموم ، وكذلك إذا لم يكن المراد أنه يوجد حجاب يكون شخص في جهة منه والثاني في جهة أخرى .[/h]************************************************
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} (2/91)
استعمال وراء هنا ليدل على أنهم لا يرون أمام أعينهم إلا التوراة ويكفرون بما عدا ذلك كفرا مستمرا كائنا ما كان ، والمراد الأصلي بما كفروا به هو القرآن الكريم لأن السياق له وقيل: القرآن والإنجيل ، وحذف (من) هنا لأنه ليس المراد أنه يوجد حجاب وكل واحد في جهة وليس المراد أن شيئا ناشئ عن شيء بل المراد جهة الوراء ثم العموم فهم يكفرون بكل ما سواه ولا يرونه ولا يلاحظونه بل نظرهم في زعمهم للتوراة فقط فهي في نظرهم كالشيء العالي العظيم الذي لا يرى غيره ولا ينظر لغيره لأن الوراء ما لا يناله الحس ، فالمراد بما وراءه في الآية ما عداه وسواه وغيره كما يقال للرجل يتكلم بالحسن :ما وراء هذا الكلام شيء يراد به ، ، والمقصود بهذا الغير هنا خصوص القرآن بقرينة السياق لتقدم قوله : { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } ولتعقيبه بقوله : { وهو الحق مصدقاً } .
[h=1]***********************[/h][h=1]{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(2/101).[/h]{ نبذ } أي رمى رمي استخفاف قال الزمخشري : { كتاب الله } يعني التوراة ، لأنهم بكفرهم برسول الله المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها ":.
(وراء ظهورهم) ، مثل لتركهم وإعراضهم عنه رأسا ، ، مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه لأن ما يجعل ظهرياً لا يرى ولا يلتفت إليه ولا يعتد به لأنه قد زال النظر إليه جملة ، والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة
واستعمال الوراء دون من وراء لأنه ليس المراد أن الرمي كان من جهة الوراء بل الرمي كان في جهة الوراء وأيضا تدل على قوة عدم الاعتداد والرمي في جهة الوراء ويزيد هذا المعنى أنه لم يقل وراءهم قال ابن عاشور : وإضافة الوراء إلى الظهر لتأكيد بُعد المتروك بحيث لا يلقاه بعد ذلك فجعل للظهر وراء وإن كان هو هنا بمعنى الوراء . قال ابن عرفة : المراد بذكر الظهر تأكيد لمعنى وراء كقولهم من وراءِ وراء .
وكذلك يقال في { وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} (3/187).
وكذلك { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} (6/ 94) لكن هذا الترك ليس عن اختيارهم قال الزمخشري : { وَرَاء ظُهُورِكُمْ } لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيراً ولا قدّمتموه لأنفسكم قال الفخر الرازي : فبقيت الأموال التي اكتسبها وأفنى عمره في تحصيلها وراء ظهره والشيء الذي يبقى وراء ظهر الإنسان لا يمكنه أن ينتفع به
وكذلك { وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)} (11/92)
فالاتخاذ أخذ الشيء لأمر يستمر في المستأنف كاتخاذ البيت واتخاذ المركوب ، والظهري : جعل الشيء وراء الظهر ، قال الزمخشري ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به ، والظهريّ : منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب قال البقاعي : أي أعرضتم عنه إعراض من جعل الشيء وراءه ؛ وحقق معنى الوراء بقوله : { ظهرياً } أي جعلتموه كالشيء الغائب عنكم المنسي عندكم الذي لا يعبأ به ، ولم تراقبوه فيّ لنسبتي إليه بالرسالة والعبودية .
[h=1]***********************[/h]
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4/24)
استعمال الوراء لأن المراد بيان عظمة هذه المحرمات بحيث أنه يجب عدم تعديها بالزواج بواحدة منها وأن ما خلفها هو المباح فالتركيز على الوراء وليس المراد أن الإحلال م ناشئ أو مبتدئ من الوراء ، قال البقاعي : وبين عظمة هذا التحريم بأداة البعد فقال : { ما وراء ذلكم } أي الذي ذكر لكم من المحرمات العظيمة . قال ابن عاشور : والمعنى : أحلّ لكم ما عَدا أولئكم المحرّمات
وكذلك { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (23/ 7)
{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} (70/ 31)
**********************
{ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ} (57/ 13)
لأن هذا قيل على سبيل التهكم والمراد إما الرجوع للموقف أو للدنيا وعلى كلا القولين المراد الرجوع رجوعا بعيدا والمراد الإقناط والاستهزاء بهم كما فعلوا بالمؤمنين وهذا يناسبه نزع (من)، وأيضا لأنه لا يوجد حجاب نحو { ينادونك من وراء الحجرات } بل فراغ، وليس المراد ابتداء الرجوع من الوراء.
قال البقاعي : { قيل } أي لهم جواباً لسؤالهم قول رد وتوبيخ وتهكم وتنديم : { ارجعوا وراءكم } أي في جميع جهات الوراء التي هي أبعد الجهات عن الخير كما كنتم في الدنيا لا تزالون مرتدين على أعقابكم عما يستحق أن يقبل عليه ويسعى إليه اطفيش - الهميان : طرد لهم وتهكم بهم وتخييب واقناط أي ارجعوا الى الموقف حيث اعطينا النور فالتمسوا النور فيه فمنه يقتبس سيد قطب - ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) . . ويبدو أنه صوت للتهكم ، والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام : ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور ! الطباطبائي: والأظهر على هذا أن يكون المراد بالوراء الدنيا ، ومحصل المعنى : ارجعوا إلى الدنيا التي تركتموها وراء ظهوركم وعملتم فيها ما عملتم على النفاق ، والتمسوا من تلك الأعمال نورا فإنما النور نور الأعمال أو الإيمان ولا إيمان لكم ولا عمل .
[h=1]***********************[/h]
{ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) (76/ 27)
حذف (من) للدلالة على إحاطة أهواله بهم من كل الجهات كما أخذنا في { رفعنا فوقهم الطور} {من ورائه جهنم} البقاعي : { وراءهم } أي أمامهم أي [SUP]5[/SUP] قدامهم على وجه الإحاطة بهم وهم عنه معرضون كما يعرض الإنسان عما وراءه ، أو خلفهم لأنه يكون بعدهم لا بد أن يدركهم { يوماً } أي منها . ولما كان ما أعيا الإنسان وشق عليه ثقيلاً .
[h=1] قال سيد قطب: ويذرون اليوم الثقيل الذي ينتظرهم هناك بالسلاسل والأغلال والسعير ، بعد الحساب العسير ! الطباطبائي: و كون اليوم وراءهم تقرره أمامهم لأن وراء تفيد معنى الإحاطة ، أو جعلهم إياه خلفهم ووراء ظهورهم بناء على إفادة { يذرون } معنى الإعراض . ***********************[/h]
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)} (74/ 10)
قبل الكلام على توجيه حذف (من) في الآية الكريمة نأخذ الإعرابات في لفظة وراء ، وهي ثلاثة
ففي (وراء) ثلاثة إعرابات:
الإعراب الأول: ظرف متعلق بـ(أوتي) أي الإيتاء مكانه في وراء الظهر خلف ظهره، قال حقي البروسوي: "ظرف لأوتي مستعمل في المكان" اهـ ، تُجْعَلُ يُسْرَاهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَيَأْخُذُ بِهَا كِتَابَهُ.
حقي البروسي وأحمد الخراط .
الإعراب الثاني: أنه َظَرْفُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ كِتابَهُ. قاله ابن عاشور أي يؤتى كتابه حال كونه من وراء ظهره .
الإعراب الثالث : أنه منصوب بنزع الخافض أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره كما أعربه جماعة ، وَيُنَاوَلُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره .
درويش ،ودعاس ، الطباطبائي .
الإعراب الأول أصح لأن الآية الكريمة تركز على أن مكان الإيتاء هو وراء الظهر ،أي في خلفه : بأن تغل يمينه إلى عنقه ، وتكون شماله إلى وراء ظهره[3] ، ويوضع كتابه فيها لأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم فيؤتاه في الموضع الذي نبذ فيه كتاب الله في حياته ، وهذه أيضا علامة الشقاوة ، وهذا احتباك : ذكر اليمين أولاً يدل على الشمال ثانياً ، وذكر الوراء ثانياً-يدل على الأمام أولاً ، فالمرجح الإعراب الأول لأن المراد أن الإيتاء يتحصل في المكان الذي هو وراء الظهر المقابل للأمام ، فالسياق يركز على هذا فكأنه قال أوتي كتابه بيمنه أمامه والآخر أوتي كتابه بشماله وراء ظهره فمكان إيتاء الكتاب هو وراء الظهر .
، وقريب من الإعراب الأول الإعراب الثاني .
وأما الإعراب الثالث فلا يصح لأنه ليس المراد أن ابتداء الإيتاء يكون من وراء الظهر كما هو نص الإعراب الثالث، لأمرين : الأمر الأول : لأنه ليس التركيز على مكان ابتداء الإيتاء بل التركيز على المكان الذي يتحصل فيه الإيتاء ويستقر ، والأمر الثاني : لأنه لو قيل من وراء الظهر سواء لفظا أو تقديرا ، لكان تعبيرا موهما ، لأنه يحتمل أن يكون مكان الإيتاء من خلف الظهر ولكن الإيتاء يحصل من الأمام بأن يكون المؤتي في الخلف ويناوله الكتاب أمامه فهذا يصدق عليه أنه آتاه من وراء ظهره ، وليس مرادا ، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
[1] فإن قيل : لم لا تحملون الوراء على حقيقتها فالملك كان وراءهم حقيقة ، نقول: جمهور العلماء لم يحملوها على هذا ، بل قالوا ولو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه ، ولكن كان بين أيديهم قال اطفيش: والصحيح عندهم القول الثاني أي قدامهم ملك في ذهابهم وأما الأول فمشكل لأنهُ إن كان أمامهم في ذهابهم فما فائدة الإخبار بأنه خلفهم في رجوعهم وأيضاً فيأخذها حين الذهاب لا يتربص للرجوع وإن كانوا يرجعون في طريق غير الأول فيكون خلقهم فلا يكون خلفهم إلا بعد أن كان قدامهم فيأخذها إذا كانوا مستقبلية فما فائدة الإخبار بأنهُ خلفهم ؟ اللهم إلا أن يقال : يأخذها بعد الإدبار لا يأخذ في عادته عند الإقبال.
[2] قال ابن فارس: الحائل بين الشيئين كأن بينهما رازا أي متسعا من الأرض ثم صار كل حائل برزخا قال محمد وسيم البكري في البكريات : الخاء يدل على التلاشي ــ ـ فهو غير ظاهر ، قال التحقيق: هذه الكلمة من مادة برز وحرف الخاء في آخرها زائد يدل على المبالغة ـ ـ ثم قال " وهذا البرزخ شبيه جدا بالبراز: فإن من تبرز وخرج إلى براز قرنه في الحرب فقد انقطع عن جميع متعلقات ولا يرى إلا قدرة نفسه في مقابل طرفه وقرنه ولا ينفعه ما كان له من عنوان أو مال أو قريب أو حميم المعجم الاشتقاقي:" مادة برز تدل على خلوص شيء أو ظهوره ظهورا قويا أي نفاذه من بين ما يكتنفه بجَهد وقوة كما يقال للفرس الذي يسبق الإبل قد برز عليها أي خلص من ونفذ من بين ما يكتنفه ، والخاء تعبر عن شيء من التخلل ، فيتحصل أن معنى برزخ : معبر باطني جوفي من خلال حاجز بين أشياء وواضح أن الموت وفترة القبر توصل إلى يوم البعث " ، . البقاعي عند تفسير مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ} : وقال ابن برجان : البرزخ ما ليس هو بصريح هذا ولا بصريح هذا ، فكذلك السهل والجبل بينهما برزخ يسمى الخيف ، كذلك الليل والنهار بينهما برزخ يسمى غبشاً ، كذلك بين الدنيا والآخرة برزخ ليس من هذا ولا من هذا ولا هو خارج عنهما ، وكذلك الربيعان هما [SUP]5[/SUP] برزخان بين الشتاء والصيف بمنزلة غبش أول النهار وغبش آخره ، جعل بين [SUP]6[/SUP] كل صنفين من الموجودات برزخاً ليس من هذا ولا من هذا وهو منهما كالجماد والنبات والحيوان [SUP]7[/SUP] .
[3] قال الرازي: وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ يُؤْتَى كِتَابُهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ لِأَنَّهُ إِذَا حَاوَلَ أَخْذَهُ بِيَمِينِهِ كَالْمُؤْمِنِينَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَأُوتِيَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ بِشِمَالِهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ} وَلَمْ يَذْكُرِ الظَّهْرَ وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْتَى بِشِمَالِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْكَلْبِيِّ [ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لِأَنَّ يَمِينَهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ، وَتَكُونُ يَدُهُ الْيُسْرَى خَلْفَهُ ]وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُعْطَى بِشِمَالِهِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ وراء ظهره.: