الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فالمؤمن الحق ترتبط حياته بدينه ، فلا يقولن قولًا ، ولا يعملن عملًا ، إلا نظر هل هو موافق لشرع الله المطهر ، أم لا ؟ وإذا لم يعلم الحكم في القول أو الفعل فإنه يسأل ، فقاعدة السلامة : ( اسأل قبل أن تفعل ) ؛ وهذا دلالة على صدق الإيمان ، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في آي ذوات عدد ، منها قوله تعالى : ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [ [ الأحزاب : 36 ] ، وقوله U : ] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ [ النساء : 65 ]. ومما هو معلوم ضرورة من دين الإسلام أن الزواج علاقة شرعية يحكمها الكتاب والسنة ، ويتعلق بها بعض العادات التي ربما كانت موجودة قبل الإسلام فأََقَرَ منها ما يتفق وتعاليمه ، وأبطل منها ما لا يوافق ذلك . وزفة العروس مما يتعلق بالزواج ، وهو أمر معروف منذ القديم ، فالزفة هي إهداء العروس لزوجها ، وكانت من أعراف العرب قبل الإسلام ، ولم تكن تخرج - غالبا - عن أشعار عفيفة عند النساء ، وربما صحبها شيء من الموسيقى التي كانت معروفة عندهم كاليراع ( الزمارة ) والدف ، ثم تحمل المرأة على المزفة إلى بيت زوجها إن كان بعيدًا ، أو تمشي إليه مع بعض أهلها إن كان قريبًا . فلما جاء الإسلام أقر ما كان من أمر الأشعار العفيفة والدف . ثم بعد توالي الأزمان تسللت إلى أعراس المسلمين من المحدثات التي لم تكن تعرف عند سلفنا الصالحين ، ومع مرور الوقت زيدت محدثات أخر ، ومع ظهور بعض الآلات كالفيديو ، وإنشاء بعض الأماكن كصالات الأفراح ، زيدت محدثات أخر ؛ وأصبح لها من التكاليف المادية ما يثقل كاهل من يريد الزواج ، فضلا عما يمكن أن يكون فيها من المخالفات الشرعية الآثم فاعلها . وثقل مصروفات الزواج - بلا شك - من أسباب عزوف البعض عن الزواج وتأخير البعض لزواجه ، مما فيه من المفاسد الواقعة ، والشرور المتوقعة ، ما الله به عليم . ولقلة المنكرين انتشرت هذه المحدثات وأضيفإليها،حتىأصبحتممااستفحل أمره ، وصعب على بعض النفوس إنكاره ظنًا أنه من باب العادات التي أصلها الإباحة ؛ مما دفع بنا إلى كتابة رسالتنا هذه ( تحفة الإنس بزفة العرس ) ، لبيان ما كان عليه الأمر الأول ، وما انتهى إليه الأمر في زماننا ، ليأخذ المؤمن زاده الصحيح ، ويترك ما كان من المحدثات . وسأتناول فيها المباحث الآتية : - معنى الزفة والعرس . - خصوصية الزفة بالمرأة . - صفة زفة المرأة . - بعض ما يتعلق بالزفة . - خاتمة وفيها بيان لما يجب اجتنابه في حفلة الزفاف . هذا واللهَ الكريم أسال أن ينفع بهذه الرسالة ، وأن يجعلها في ميزان من كتبها وراجعها ونشرها ودل عليها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
زَفَفْتُ العَرُوسَ أَزُفُّها إذا أَهْدَيْتُها إلى زوجها ، من الزفيف وهو تقارب الخطو، لأنها صفة المشي في زفة العروس ؛ وزَفَّ العروسَ يَزُفُّها بالضم زَفًّا وزِفافًا : أهداها ؛ والنساء اللواتي يَزْففْنَها : الزوافُّ ؛ والمِزَفَّةُ : الْمِحَفَّةُ التي تُزَفُّ فيها العروس ؛ وهو مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِب النِّسَاء كَالْهَوْدَجِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُقَبَّب كَمَا يُقَبَّب الْهَوْدَج ؛ سميت بذلك لأَن الخَشب يَحُفُّ بالقاعد فيها ، أَي : يُحِيطُ به من جميع جوانبه ( [1] ) ؛ وفي التنزيل : ] فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [ [ الصافات : 94 ] ، أي : يمشون على تؤدة ومهل ، من زفاف العروس، وهو التمهل في المشية ( [2] ) . والعَرُوسُ اسم من إِعْراسِ الرجل بأَهله إِذا دخل بها ، وهو نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما ، يقال : رجل عروس ، ورجال عُرُسٌ بضمتين ، وأعراس ؛ وامرأة عَرُوسٌ ، ونساء عَرَائِسُ ؛ والعِرْسُ بالكسر امرأة الرجل ؛ والجمع أعْرَاسٌ ، وربما سمي الذكر والأنثى عِرْسَين ، لأَن كل واحد منهما عِرْسٌ لصاحبه ؛ والعُرْسُ بوزن القُفل : طعام الوليمة ، وهو الذي يعمل عند العُرْس يسمى عُرْسًا باسم سببه ، يذكر ويؤنث ، وجمعه أعْرَاسٌ و عُرُسَاتٌ بضم الراء ؛ وقد أعْرَسَ فلان ، أي : اتخذ عُرْسًا ، وأعرس بأهله : بنى بها ، وكذا إذا غشيها ( [3] ) . والعرس - عرفًا - هو الاحتفال بالزواج ، ويسمى ليلة الزفاف ، أو ليلة البناء ، أو ( الدخلة ) ، وقد يطلق البعض عليه اسم ( الفرح ) لما يتسم بالفرحة العامة والخاصة ، فالخاصة للعروسين ، والعامة لأهلهما ومعارفهما . ويختلف الاحتفال بالعرس باختلاف الشعوب ، كما يختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية ، وقد يخضع لعادات وأعراف سائدة بحسب الزمان والمكان .
[1] - وهناك نوع آخر ذكره القلقشندي في ( صبح الأعشى ) قال : المحفة بكسر الميم ، وهي محمل على أعلاه قبة ، وله أربعة سواعد : ساعدان أمامها وساعدان خلفها ، تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى ، تحمل على بغلين أو بعيرين ، يكون أحدهما في مقدمتها والآخر في مؤخرتها ؛ وإذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير ، لا يلحقه انزعاج ؛ وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض . وانظر لسان العرب باب الفاء فصل الزاي .
[2] - انظر ( البحر المحيط ) لأبي حيان ، وتفسير الألوسي عند الآية ( 94 ) من سورة الصافات .
[3] - انظر لسان العرب باب السين فصل العين ، ووالنهاية في غريب الحديث ، والمصباح المنير ( مادة ع ر س ) .
من التعريف يفهم أن العرب خصت المرأة بالزفة ، لأنهم يزينونها ويجملونها لإهدائها لزوجها ، فيوم الزفاف ، هو يوم إهداء المرأة لزوجها ، وما عرفت العرب زفاف الرجل إلى المرأة ، ولا زفتهما معًا ، ولكنه استحدث وزيد فيه من التكلف والبدع ما أصبح إنكاره واجبًا .
صفة زفة المرأة
في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ e لِسِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ؛ قَالَتْ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ [ الْوَعَك أَلَم الْحُمَّى ] شَهْرًا ، فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً ( [1] ) ، فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي ، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا ، وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي ، فَأَخَذَتْ بِيَدِي فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ ، فَقُلْتُ : هَهْ ، هَهْ ([2])، حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي ؛ فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقُلْنَ : عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ ( [3] ) ؛ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ ، فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي ، فَلَمْ يَرُعْنِي ( [4] ) إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ e ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ ( [5] ) ؛ وقد بوب لهذا الحديث ابن حبان في ( صحيحه ) : باب ( ذكر وصف زفاف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها ) ؛ وفِي الحديث - كما قال النووي : اِسْتِحْبَاب تَنْظِيف الْعَرُوس وَتَزْيِينهَا لِزَوْجِهَا ، وَاسْتِحْبَاب اِجْتِمَاع النِّسَاء لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّن إِعْلَان النِّكَاح ، وَلِأَنَّهُنَّ يُؤَانِسْنَهَا وَيُؤَدِّبْنَهَا وَيُعَلِّمْنَهَا آدَابهَا حَال الزِّفَاف وَحَال لِقَائِهَا الزَّوْج ؛ وَفِيهِ جَوَاز الزِّفَاف وَالدُّخُول بِالْعَرُوسِ نَهَارًا ، وَهُوَ جَائِز لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيّ فِي الدُّخُول نَهَارًا ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابًا ( [6] ) . وَقَدْ رَوَىأَحْمَد - مِنْ وَجْه آخَر - هَذِهِ الْقِصَّة مُطَوَّلَة ؛وعنده : قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فِي السُّنْحِ ، قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ e فَدَخَلَ بَيْتَنَا ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ ، فَجَاءَتْنِي أُمِّي وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ تَرْجَحُ بِي ، فَأَنْزَلَتْنِي مِنْ الْأُرْجُوحَةِ وَلِي جُمَيْمَةٌ ، فَفَرَقَتْهَا ، وَمَسَحَتْ وَجْهِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَقُودُنِي حَتَّى وَقَفَتْ بِي عِنْدَ الْبَابِ ، وَإِنِّي لَأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ مِنْ نَفْسِي ، ثُمَّ دَخَلَتْ بِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ e جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ فِي بَيْتِنَا ، وَعِنْدَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَأَجْلَسَتْنِي فِي حِجْرِهِ ثُمَّ قَالَتْ : هَؤُلَاءِ أَهْلُكِ ، فَبَارَكَ اللَّهُ لَكِ فِيهِمْ ، وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكِ ؛ فَوَثَبَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَخَرَجُوا ؛ وَبَنَى بِي رَسُولُ اللَّهِ e فِي بَيْتِنَا ، مَا نُحِرَتْ عَلَيَّ جَزُورٌ ، وَلَا ذُبِحَتْ عَلَيَّ شَاةٌ ؛ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِجَفْنَةٍ كَانَ يُرْسِلُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e إِذَا دَارَ إِلَى نِسَائِهِ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ( [7] ) ؛ وروى أحمد والطبراني عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ : كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e وَمَعِي نِسْوَةٌ ؛ قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى ، إِلَّا قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ ؛ قَالَتْ : فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ ، فَاسْتَحْيَتْ الْجَارِيَةُ ، فَقُلْنَا : لَا تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللَّهِ e ، خُذِي مِنْهُ ، فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ ؛ ثُمَّ قَالَ : " نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ " فَقُلْنَا : لَا نَشْتَهِهِ ! فَقَالَ : " لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا " قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ قَالَتْ إِحْدَانَا لِشَيْءٍ تَشْتَهِيهِ لَا أَشْتَهِيهِ ، يُعَدُّ ذَلِكَ كَذِبًا ؟! قَالَ : " إِنَّ الْكَذِبَ يُكْتَبُ كَذِبًا حَتَّى تُكْتَبَ الْكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً " ( [8] ) . فهذه صفة إهداء ( زفاف ) عائشة - رضي الله عنها - إلى رسول الله e ؛ وفيها ما فيها من البساطة وعدم التكلف ، مما يدعو إلى الاقتداء به e . وهكذا نجد هذه البساطة وعدم التكلف في زيجات النبي e جميعًا ، فلم ينقل لنا خلاف ذلك في جميع زيجاته e ، بل وفي أعراس الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، ومما يدل على ذلك أن رسول الله e رأى عبد الرحمن بن عوف t وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ e : " مَهْيَمْ ؟ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَ : " مَا سُقْتَ إِلَيْهَا " - أي مهرًا - قَالَ : نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ؛ قَالَ : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ( [9] ) . فما أجمل أن يعيش المؤمن والمؤمنة فرحهما بالإيمان والاقتداء ، فتكون الحياة كلها بركة وسعادة .
[8] - أحمد : 6 / 438 ، والطبراني في الكبير : 24 / 155 ( 400 ) ، والبيهقي في ( الشعب ) رقم ( 4821 ) ؛ وقد نبه الذهبي وابن حجر وغيرهما على أن أسماء بنت عميس كانت مهاجرة آنذاك ، ورجح البعض أنها أسماء بنت يزيد ، وقد روى أحمد الحديث في مسند بنت يزيد ، فلعل الخطأ من بعض الرواة أو من النساخ ، والعلم عند الله تعالى .
[9] - متفق عليه من حديث أنس : البخاري ( 2049 ) ، ومسلم ( 1427 ) .
يتعلق بزفة العروس أمور لابد من بيانها ، وهي كالتالي :
1 - المنصة
المنصة اسم للسرير ( أو الكرسي ) التي ترفع عليه العروس لِتُرَى بَيْنَ النِّسَاءِ ، يقال : نَصَّ النِّسَاءُ الْعَرُوسَ نَصًّا ، رَفَعْنَهَا عَلَى الْمِنَصَّةِ ، وَهِيَ الْكُرْسِيُّ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ ؛ والماشطة تَنُصُّ العروس فتُقْعِدُها على المنصَّة ، وهي تنتصُّ عليها لتُرى من بين النساء ؛ مأخوذ من ( النَّصُّ ) ، وهو رفْعُك الشيء ، يقال : نَصَّ الحديث يَنُصُّه نصًّا إذا رفَعَه ، وكل ما أُظْهِرَ فقد نُصَّ ( [1] ) . فقد كان هذا معروفًا في أعراس العرب ، وكان بين النساء ، لم يكن في الشوارع ، ولا في دور مناسبات تجمع بين الرجال والنساء ، فإن ذلك محرم ، إذ من المعروف أن المرأة في عرسها تكون في أكمل زينتها ، وهذا مما يدعو إلى الفتنة عند النظر إليها من قبل الرجال ، ولم يكن ظهور المرأة في ليلة عرسها في اختلاط بين الرجال والنساء موجودًا حتى في الجاهلية - قبل الإسلام - فقد كان للعرب من الغيرة ما لا يجيز أن تظهر نساؤهم بهذه الزينة بين الرجال . كمالايجوزأنيدخلالعروسليأخذعروسهمنبينالنساء،فإنهذا - أيضًا- مما استحدث في هذا الزمان،وفيهمنالفتنةمافيه،إذللمرأةنظركماأنللرجل نظر ، ولذا أمر الله النساء كما أمر الرجال بغض البصر ؛ قال تعالى : ] وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [ [ النور : 31 ] ؛ وكثير من النساء يكن في الأعراس في كامل الزينة ، والعروس يوم عرسه يكون في كامل زينته - أيضًا – فالفتنة والحال هكذا أشد ؛ والإسلام حريص على إزالة كل ما يكون فيه فتنة حفاظًا على مجتمع المسلمين . وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، فتوى رقم ( 8854 ) : ما الحكم الشرعي في حفلات الزواج ، حينما يزف العروس إلى عروسه في محفل من النساء ، ويظهر فيه الرجل على ( منصة ) ويجلس إلى جوار عروسه كي يشاهده النساء ، ومن الطبيعي هو - أيضًا - يشاهد النساء الأجنبيات ، وهن بكامل زينتهن ، فهل يجوز مثل هذا العمل الذي يسمى ( منصة العروسين ) ؟ وإذا كان من العادة أن تذهب النساء للمشاركة في الدف والطبول الشرعي لإعلان الزفاف ، فكيف نتصرف نحن الرجال الذين نغار على نسائنا من تكشف الرجل المتزوج الأجنبي عنهن عندما يصعد إلى منصة الحفل ؟ إذ لا بد من دخوله للمنصة حسب التقاليد ، فكيف يفعل النساء الأجنبيات عنه في هذه اللحظة ؟ فأجابت : ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفلة الزواج ، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه ، وكلٌّ متجمل أتم تجميل ، وفي أتم زينة - لا يجوز ، بل هو منكر يجب إنكاره ، والقضاء عليه من ولي الأمر الخاص للزوجين ، وأولياء أمور النساء اللاتي حضرن حفل الزواج ، فكل يأخذ على يد من جعله الله تحت ولايته،ويجبإنكارهمنوليالأمرالعام، من حكام وعلماء وهيئات الأمر بالمعروف ، كلٌّ بحسب حاله من نفوذ أو إرشاد ، وكذلك استعمال الطبول وسائر المحرمات التي ترتكب في مثل هذا الحفل ؛ نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه رضاه ، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يلهم الجميع رشده . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ( [2] ) .
[1] - انظر لسان العرب باب الصاد فصل النون ، والعين ، وتهذيب اللغة ، وأساس البلاغة ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ، والمصباح المنير ( مادة ن ص ص ) .
[2]- انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : 19 / 120 .
وهو ما تلبسه العروس في زفافها ، ولها أن تلبس ما يليق بهذه المناسبة بشروط: 1 - ألا تظهر به على الرجال ، لما فيه من الزينة المعروفة ؛ وقد قال الله تعالى : ] وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [ [ النور : 31 ] . 2 - ألا يكون ضيقًا واصفًا أو شفافًا مظهرًا لعورة ، أو كاشفًا لشيء من العورة التي يجب سترها حتى بين النساء ؛ فلا يجوز أن يكون الثوب ضيِّقًا جدًّا خاصَّة عند الخاصرة ، ولا يجوز أن يظهر منه ظهرُها أو بطنُها أو شيءٌ من ثَدْيها ولوْ أمامَ النساء فقط ، ومن باب أوْلى أمامَ محارِمها . 3 - ألا يشبه ثياب الكافرات ؛ وروى أحمد وأبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله e : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " ( [1] ) ، ولا يدخل في هذا ما تشابه من اللباس بين الناس جميعًا ؛ إنما الذي لا يجوز منه ما اشتهر به الكفار ؛ وليس هذا خاصًا بلباس المرأة فقط ، بل ينسحب - أيضًا -على لباس الرجال ؛ ففي صحيح مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ e عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " ( [2] ). 4 - ألا يشبه ثياب الرجال ؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ e الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ([3])؛ وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ : لَعَنَ النَّبِيُّ e الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ ( [4] ) ، وفي لفظ : " الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ " ( [5] ) ؛ يعني المتشبهات بالرجال في أزيائهن وأشكالهن ، كبعض نساء هذا الزمان ؛ و المخنثون من الرجال : هم المتشبهون بالنساء في لبسهم وحديثهم وغير ذلك ؛ فكلاهما ملعون . 5 - ألا يكون ثوب شهرة ؛ لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ " زاد ابن ماجه : " ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا " ( [6] ) ؛ والشُّهْرَةُ : ظهور الشيء في شُنْعَة حتى يَشْهَره الناس ؛ وقال الجوهري : الشُّهْرَة وُضُوح الأَمر ، وقد شَهَرَه يَشْهَرُه شَهْرًا وشُهْرَة فاشْتَهَرَ ؛ ورجل شَهِير ومشهور معروف المكان مذكور ، وسمي الشهر شهرًا لشهرته ، وذلك أن النّاس يشْهَرُونَ دُخوله وخُروجه ( [7] ) ؛ فثوب الشهرة هو الذي يلبسه الرجل أو المرأة افتخارًا وتيهًا ؛ وقوله e : " أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ " أي : يَشْمله بالذُّل ، كما يَشْمل الثَّوبُ البَدَن ، بأن يُصَغِّره في العيون ويُحَقِّره في القلوب ؛ لأنه لبس ثوب شهرة في الدنيا ليفتخر بها على غيره،فيلبسهاللهمثله،ثمتلهبفيهالنار، عقوبة له بنقيض فعله ، والعلم عند الله تعالى . 6 - ألا يطول ذيله عن ذراع ؛ فالسنة أن ترخي ثوبها شبرًا ، ولا تزيد على ذراع لأجل الستر وعدم إظهار القدمين ، وأما الزيادة على ذراع فمنكر للعروس وغيرها، فإطالة الذيل فوق ذلك محرمة شرعًا لما فيها من الخيلاء والإسراف وإضاعة المال بغير حق؛ فعن ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما : رَخَّصَ رَسُول ُاللَّهِ e لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الذَّيْلِ شِبْرًا ، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا ، فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا ([8])؛وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ لِفَاطِمَةَ أَوْ لِأُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنهما : " ذَيْلُكِ ذِرَاعٌ " ( [9] ) ؛ وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ فِي ذُيُولِ النِّسَاء : " شِبْرًا " فقَالَتْ عَائِشَةُ : إِذًا تَخْرُجَ سُوقُهُنَّ ! قَالَ : " فَذِرَاعٌ " ( [10] ) ، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ : " يُرْخِينَ شِبْرًا " فَقَالَتْ : إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ! قَالَ : " فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ "( [11] ) ؛ قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله : قوله : " مَنْ " يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص ، وقد فهمت ذلك أم سلمة .. فذكر الحديث ورواياته .. ثم قال : والحاصل أن للرجال حالين : حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق ، وحال جواز وهو إلى الكعبين ؛ وكذلك للنساء حالان : حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر ، وحال جواز بقدر ذراع ( [12] ) . وهذا يعني أنه لا يجوز للمرأة أن تطيل ذيلها فوق الذراع ؛ فقد قال e : " فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " . 7 - ألا يُسْرَف في صناعته وتطريزه ؛ لقول الله تعالى : ] وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [ [ الأعراف : 31 ] ؛ وروى أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا ، غَيْرَ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ " وفي رواية : " فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ " ( [13] ) ؛ والخيلاء والمخيلة : التكبر في لسان العرب ، والسرف والخيلاء محرمان ؛فيجب ألا يكون في تصنيعه أو إيجاره لليلة العرس إسراف ومبالغة ؛ فهو ثوب لليلة واحدة فلينظر له على قدر ذلك ، ولا يخالف المسلم والمسلمة شرع ربهما ظانين أن تلك الليلة - كما يقول العوام : ليلة العمر ، فإن ذلك مما يُلَبِّس به شياطين الإنس والجن على الناس ؛ وهل ليلة العمر – إن صحت التسمية – يصح أن يعصى فيها الله تعالى ؟
حكم لبس الأبيض للزفاف : إذا اشتمل ثوب العرس على هذه الشروط كان جائزًا بأي لون كان ؛ غير أن اللون الأبيض قد اشتهر في صناعة ثوب الزفاف ، ولا حرج في ذلك إن اتفقت فيه الشروط آنفة الذكر ؛ وفستان العرس الأبيض وإن كان من عادة الكفار في أعراسهم ، إلا أنهم لا يراعون فيه ما ذكرنا من الشروط ؛ وقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله : ما حكم لبس المرأة اللون الأبيض ليلة زفافها إذا عُلم أن هذا تشبه بالكفار ؟ فأجاب : المرأة يجوز لها أن تلبس الثوب الأبيض ، بشرط ألا يكون على تفصيل ثياب الرجل ، وأما كونه تشبهًا بالكفار فقد زال الآن هذا التشبه ، لكون كل المسلمين اعتادوا إذا أرادت النساء الزواج يلبسنه ، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ؛ فإذا زال التشبه وصار هذا شاملاً للمسلمين والكفار ، زال الحكم ، إلا أن يكون الشيء محرمًا لذاته لا للتشبه ، فهذا يحرم على كل .ا.هـ. فلا حرج على المرأة أن تلبس فستان الزفاف الأبيض بالشروط الآنفة الذكر ؛ ومن ذهب إلى عدم الجواز فحجته أن هذا الثوب إنما ابتدعه الكفار في أفراحهم ، وأمرنا أن نخالفهم ؛ فإذا انتفت العلة وهي التشبه انتفى ما تعلق بها من الحكم ؛ فإذا كان ثوب الزفاف بالشروط التي ذكرناها فللعروس أن تلبسه أيًّا كان لونه ، والعلم عند الله تعالى .
[1] - جزء من حديث رواه أحمد : 2 / 50 ، 92 ، وأبو داود ( 4031 ) ، والطبراني في مسند الشاميين ( 216 ) من حديث ابن عمر ، وإسناده حسن ، وله شاهد عن حذيفة عند الطبراني في الأوسط ( 8327 ) ، وفيه علي بن غراب وهو صدوق يدلس لكنه صرح بالتحديث من هشام بن حسان ، فصح الحديث والحمد لله ، وله شاهد آخر مرسل حسن عن طاووس عند ابن أبي شيبة ( 19437 ، 33010 ) ، والقضاعي في مسند الشهاب ( 390 ) ؛ وله شاهد آخر موقوف صحيح عن عمر عند عبد الرزاق ( 20986 ) .
المراد به ما يحدث في الأعراس من الغناء بضوابطه الشرعية؛فعَنْعَائِشَةَ - رضياللهعنها - أَنَّهَازَفَّتْامْرَأَةًإِلَىرَجُلٍمِنْالْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ e : " يَا عَائِشَةُ ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ ! فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ " ( [1] ) ، وعند ابن ماجة والنسائيمن حديث ابن عباس t قال : أنكحتعائشةذاتقرابةلهامنالأنصار؛فجاءرسولاللهtفقال:" أهديتم الفتاة ؟"قالوانعم؛ قال : " أرسلتم معها من يغني ؟ " قالت : لا ؛ فقال رسول الله e : " إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ، فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ " ؛ ورواه أحمد والنسائي من حديث جابر بنحوه ( [2] ) ؛ وروى البيهقي في ( السنن الكبرى ) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ : كَانَ النِّسَاءُ إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ أَوِ الرَّجُلُ خَرَجَ جَوَارٍ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ يُغَنِّينَ وَيَلْعَبْنَ؛قَالَتْ: فَمَرُّوا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ e وَهُنَّ يُغَنِّينَ ، وَهُنَّ يَقُلْنَ :
وَإِنَّ النَّبِىَّ e قَامَ إِلَيْهِنَّ فَقَالَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ! لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ ؛ لاَ تَقُولُوا هَكَذَا ، وَقُولُوا : أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ " قال البيهقي : هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ ( [3] ) . وفي مسند الطيالسي ومستدرك الحاكم عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ ، قَالَ : شَهِدْتُ ثَابِتَ بْنَ وَدِيعَةَ وَقَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّ فِي عُرْسٍ ، فَإِذَا غِنَاءٌ ، فَقَالَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَقَالا : إِنَّهُ رُخِّصَ فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ ، وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ منْ غَيْرِ نِيَاحَةٍ ؟ ( [4] ) ؛ وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عِنْد أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم : " أَعْلِنُوا النِّكَاح " ( [5] ) ، فيُسن إعلان النكاح ، أي : إظهاره ، مأخوذ من العلانية التي هي ضد السر ، لما في ذلك من إظهار هذه الفضيلة وهي النكاح ، ولأن في إعلانه - أيضًا - فصل ما بين السفاح والنكاح ؛ لأن السفاح - وهو الزنا - إنما يفعله من يفعله سرًا ، وأما النكاح فيُسن إعلانه والجهر به ؛ وَروى أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن حَاطِب : " فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ : الدُّفُّ وَالصَّوْتُ " ( [6] ) . قالأبوعبيد - رحمهالله:الصوت: إعلان النكاح واضطراب الصوت به ، والذكر في الناس .ا.هـ. قال البيهقي - رحمه الله : وكذلك قال عمر ( [7] ) ؛ قَالَ العلماء : لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ ، فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، بَلْ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ ؛ فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوْ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ . قلت : من شعائر النكاح إعلانه ، ووسائل الإعلان قد تتبع العرف والزمن على ألا يصاحبها مخالفة شرعية من إسراف أو ضرر بالآخرين ، فمن ذلك مثلا : الأنوار التي تكون على بيت الزوج والزوجة ، على ألا يغالى في ذلك ؛ وأما أصوات السيارات التي يطلقها مشيعي العروس في هذه الأزمان ، فإن فيها إزعاج قد يدخله إضرار بآخرين من مرضى ومتعبين ، مما ينبغي أن ينتهي عنه الناس،إذمنقواعدهذاالدينالعظيم: ( لا ضرار ولا ضرار ) ، و ( الضرر يزال ) . ومن هذه الأحاديث استدل العلماء على أن إعلان النكاح وضرب الدف فيه مستحب ، واتفقوا على جواز اللهو في وليمة النكاح ما لم يكن محرمًا ، وخصت الوليمة بذلك ليظهر النكاح وينتشر فتثبت حقوقه وحرمته ؛ وأما استماع آلات الملاهي المطربة فيقول ابن رجب - رحمه الله : فمحرم مجمع على تحريمه ، ولا يعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى ( [8] ) . وقال الصنعاني في ( سبل السلام ) : دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى الْأَمْرِبِإِعْلَانِالنِّكَاحِ، وَالْإِعْلَانُ خِلَافُ الْإِسْرَارِ ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْغِرْبَالِ وَفَسَّرَهُ بِالدُّفِّ ، وَيَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ ضَرْبِ الدُّفِّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَانِ مِنْ عَدَمِهِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصْحَبَهُ مُحَرَّمٌ مِنْ التَّغَنِّي بِصَوْتٍ رَخِيمٍ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِشِعْرٍ فِيهِ مَدْحُ الْقُدُودِ وَالْخُدُودِ ، بَلْ يُنْظَرُ الْأُسْلُوبُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي كَانَ فِي عَصْرِهِ e فَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ ، وَأَمَّا مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَقْتَرِنُ بِمُحَرَّمَاتٍ كَثِيرَةٌ فَيَحْرُمُ لِذَلِكَ لَا لِنَفْسِهِ .انتهى مختصرًا . وقال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ ضَرْبُ الْأَدْفَافِ وَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ نَحْوَ : أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ وَنَحْوِهِ ، لَا بِالْأَغَانِي الْمُهَيِّجَةِ لِلشُّرُورِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى وَصْفِ الْجَمَالِ وَالْفُجُورِ وَمُعَاقَرَةِ الْخُمُورِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ فِي النِّكَاحِ كَمَا يَحْرُمُ في غَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةِ .ا.هـ . والدَّف بالفتح وبالضم ، وهو الدف العربي المدور بوجه واحد ، المسمى بالغربال ، ولا خروق فيه ولا سلاسل ولا صنج ؛ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ e ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ حِينَئِذٍ . والمقصود من ضرب الدف والغناء شيئان : الأول : إعلان النكاح وإظهاره , والثاني : إظهار الفرح والسرور , لأن النفس إذا فرحت تميل إلى أن تطرب بعض الشيء , فلهذا رخص في الدف والغناء المناسب ، ليس غناء المجون والغزل وما يثير الشهوة ؛ وأما ما عدا الدف من آلات اللهو كالطبل والمزمار وما أشبه ذلك فلا يجوز . وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن ضرب الدف خاص بالنساء ، وأجاز بعضهم أن يكون عند الرجال أيضًا ؛ قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله : وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : " وَاضْرِبُوا " عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيف ، وَالْأَحَادِيث الْقَوِيَّة فِيهَا الْإِذْن فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ ، فَلَا يَلْتَحِق بِهِنَّ الرِّجَال لِعُمُومِ النَّهْي عَنْ التَّشَبُّه بِهِنَّ .ا.هـ ( [9] ) . ولم يكن رجال السلف يعرفون الغناء ولا يعرفون الرقص في الأعراس ، وإنما كان ذلك للنساء ؛ فمن السنة أن يحصل الغناء عند النساء من غير أن يسمع الرجال ، ومن غير خلطة الرجال بالنساء ، فالنساء يغنين فيما بينهن ولا حرج ، ويغنين بكلمات لا تتنافى مع الحشمة والخلق ، أما الرجال فلا يعرفون الاجتماع في أعراسهم إلا على الوليمة ؛ فالمسلم إن فرح وأراد أن يظهر فرحه يطعم من يحب ، وهو ما يعرف بوليمة العرس .
مما يتعلق بليلة العرس الوليمة التي يعدها العروس ويدعو الناس إليها ؛ ومعنى تقديم الطعام في هذه الليلة الفرح والسرور بنعمة الله تعالى على العروسين بإتمام زواجهما . والْوَلِيمَةُ - إذا أطلقت - هي الطَّعَام الْمُتَّخَذ لِلْعُرْسِ ؛ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَلْمِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ ، وَهُوَ الْجَمْعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ ؛ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالْفِعْلُ مِنْهَا أَوْلَمَ ؛ قَالَ العلماء : الضِّيَافَات ثَمَانِيَة أَنْوَاع : الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ ؛وَالْخُرْس بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة ، وَيُقَال الْخُرْص - أَيْضًا - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة لِلْوِلَادَةِ ؛ وَالْإِعْذَار - بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالذَّال الْمُعْجَمَة - لِلْخِتَانِ ؛ وَالْوَكِيرَة لِلْبِنَاءِ ، وَالنَّقِيعَة لِقُدُومِ الْمُسَافِر، مَأْخُوذَة مِنْ النَّقْع وَهُوَ الْغُبَار ، ثُمَّ قِيلَ : إِنَّ الْمُسَافِر يَصْنَع الطَّعَام ، وَقِيلَ : يَصْنَعهُ غَيْره لَهُ ؛ وَالْعَقِيقَة يَوْم سَابِع الْوِلَادَة ، وَالْوَضِيمَة - بِفَتْحِ الْوَاو وَكَسْرالضَّاد الْمُعْجَمَة - الطَّعَام عِنْد الْمُصِيبَة، وَالْمَأْدُبَة - بِضَمِّ الدَّال وَفَتْحهَا - الطَّعَام الْمُتَّخَذ ضِيَافَة بِلَا سَبَب ؛ وَاَللَّه أَعْلَم ( [1] ) . صفة وليمة النبيe على زوجاته : روى البخاري : عَنْ أَنَسٍ t قَالَ : أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ e حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا .. الحديث ( [2] ) ، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ قَالَ : مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ e عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ أَوْلَمَ بِشَاةٍ ( [3] ) . وروى الترمذي عَنْ أَنَسِ t أَنَّ النَّبِيَّ e : أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ ( [4] ) ؛ وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : أَوْلَمَ النَّبِيُّ e عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ ؛ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُرْسَلاً ، ووصله أحمد عن صفية عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ : أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ e عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ ( [5] ) . وَفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال : قَامَ النَّبِيُّ e يَبْنِي بِصَفِيَّةَ ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ ؛ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالسَّمْنُ ؛ وفي رواية : ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ ( [6] ) ؛ قال ابن حجر في ( الفتح ) : وَلَا مُخَالَفَة بَيْنهمَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ أَجْزَاء الْحَيْس ، قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْحَيْس يُؤْخَذ التَّمْر فَيُنْزَع نَوَاهُ وَيُخْلَط بِالْأَقِطِ أَوْ الدَّقِيق أَوْ السَّوِيق .ا.هـ ( [7] ) . هكذا تزوج رسول الله e نساءه في أحفال لا كلفة فيها ولا مغارم ؛ فالعجب مما يصنعه المسلمون في أعراسهم اليوم ! فكم يتكلفون في إعداد ولائم حافلة لا يطعم منها جائع ولا محروم !! إن هذه الأحاديث لتدل على أن العروس لا يتكلف في صنع الوليمة ، وإنما يكون ذلك من سعته ، فإن كان ذا سعة أوسع ، وإن لم يكن فبما حضر عنده ، ولا يلزمه أن يتكلف ما ليس عنده ؛ فقد أولم النبي على بعض نسائه بمدين من شعير ، وعلى بعضهن بسويق وتمر ، وذبح شاة في وليمة ؛ ليبين للأمة أن الأمر حسب السعة والإمكان . فماذا يقول بعد هذا أولئك الذين يتفاخرون بالإسراف والبذخ المفرط في أعراسهم ؟! وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ t قَالَ : رَأَى النَّبِيُّ e عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ : " مَهْيَمْ ؟ " أَوْ " مَهْ ؟ " قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ([8])؛وقوله:" مَهْيَمْ؟" أي : ما أمرك وما شأنك ، وما هذا الذي أرى بك ( [9] ) .
حكم وليمة العرس : قال ابن عبد البر - رحمه الله - في ( التمهيد ) في حديث أنس : في هذا الحديث دليل على أن الوليمة من السنة لقوله e : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ؛ وقد اختلف أهل العلم في وجوبها ؛ فذهب فقهاء الأمصار إلى أنها سنة مسنونة وليست بواجبة ؛ لقوله : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ؛ ولو كانت واجبة لكانت مقدرة معلوم مبلغها كسائر ما أوجب الله ورسوله من الطعام في الكفارات وغيرها ؛ قالوا : فلما لم يكن مقدرًا خرج من حد الوجوب إلى حد الندب ، وأشبه الطعام لحادث السرور كطعام الختان والقدوم من السفر وما صنع شكرًا لله U ( [10] ) . وهذا الذي ذكره - رحمه الله - عن فقهاءالأمصار، هوقول الحنفية والحنابلة ، والمشهور عند المالكية والشافعية ؛ وذهب داود الظاهري إلى وجوبها ، وهو قول عند المالكية ووجه عند الشافعية ؛ قال القرطبي - رحمه الله - في ( المفهم ) قوله e : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ، ظاهره الوجوب ؛ وبه تمسَّك داود في وجوب الوليمة ، وهو أحد قولي الشافعي ومالك ؛ ومشهور مذهب مالك والجمهور : أنها مندوب إليها .ا.هـ . وقد رَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث بُرَيْدَةَ قَالَ : لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ ، قَالَ رَسُول e : " إَنَّهُ لَا بُدّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَة " ( [11] ) ؛ وقال ابن تيمية - رحمه الله : أما وليمة العرس فسنة مأمور بها باتفاق العلماء ، حتى إن منهم من أوجبها ؛ فإنها تتضمن إعلان النكاح وإظهاره ، وذلك يتضمن الفرق بينه وبين السفاح واتخاذ الأخدان ؛ ولهذا كانت الإجابة إليها واجبة عند العلماء عند شروط ذلك وانتفاء موانعه ( [12] ) . والراجح أنها سنة متأكدة لأن النبي e فعلها ، وأمر بها ؛ وأقل ما يدل عليه الأمر : الندب ؛ ويصرف الوجوب إلى الندب لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَتَقَدَّرَتْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ ؛ وَلَكَانَ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ الْإِعْسَارِ ، كَمَا يَعْدِلُ الْمُكَفِّرُ فِي إِعْسَارِهِ إِلَى الصِّيَامِ ، فَدَلَّ عَدَمُ تَقْدِيرِهَا وَبَدَلِهَا عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِهَا ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ مَأْخُوذًا بِفِعْلِهَا حَيًّا ، وَمَأْخُوذَةً مِنْ تَرِكَتِهِ مَيِّتًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( [13] ) . قال أبو الوليد الباجي في ( المنتقى شرح الموطأ ) في قوله e : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " : وَأَمَرَهُ e بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى النَّدْبِ إلَيْهَا ، لِمَا فِيهَا مِنْ إشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِظْهَارِهِ ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ السِّفَاحِ ؛ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : أَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ فِي الْوَلِيمَةِ ، وَكَثْرَةَ الشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ ، لِيَشْتَهِرَ وَتَثْبُتَ مَعْرِفَتُهُ ؛ فَهَذَا فِي الْوَلِيمَةِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَرْمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمُكَارَمَةِ الْإِخْوَانِ ، وَمُوَاسَاةِ أَهْلِ الْحَاجَةِ .ا.هـ .
وقت الوليمة : اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وَقْتهَا هَلْ هُوَعِنْدالْعَقْدأَوْعَقِبه،أَوْعِنْدالدُّخُولأَوْعَقِبه، أَوْ مُوَسَّع مِنْ اِبْتِدَاء الْعَقْد إِلَى اِنْتِهَاء الدُّخُول؟ عَلَى أَقْوَال ؛ والأمر في ذلك واسع ، فحسبما تيسر كان ؛ ومما سبق من أحاديث يفهم ذلك ؛ ورجح ابن حجر أنها عِنْد الدُّخُول أَوْ بَعْده ( [14] ) ؛ وقال المرداوي في ( الإنصاف ) : تُسْتَحَبُّ الْوَلِيمَةُ بِالْعَقْدِ ؛ قَالَهُ ابن الْجَوْزِيِّ ، وَاقْتَصَرَ عليه في ( الْفُرُوعِ ) ، وَقَدَّمَهُ في ( تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ) ؛ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ : تُسْتَحَبُّ بِالدُّخُولِ .ا.هـ . قُلْت : الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : وَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ من عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ ، لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ في هذا ، وَكَمَالِ السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، لَكِنْ قد جَرَتْ الْعَادَةُ فِعْلَ ذلك قبل الدُّخُولِ بِيَسِيرٍ ( [15] ) . قلت : لم يكن في زمانهم وقت طويل بين العقد والدخول ؛ وأما اليوم فقد اعتاد الناس عمل وليمة العرس عندالدخول ؛ ولا حرج في ذلك ، والعلم عند الله تعالى . قال أبو الوليد الباجي في ( المنتقى شرح الموطأ ) : إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالَّذِي أُبِيحَ مِنْ الْوَلِيمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا سُمْعَةٍ ، وَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ ، وَقَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ ، وَرُوِيَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَضْلٌ ، وَالثَّالِثُ سَعَةٌ ، وَأَجَابَ الْحَسَنُ رَجُلًا دَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، ثُمَّ دَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يُجِبْهُ ؛ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُهُ ، وَقَدْ أَوْلَمَ سِيرِينَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَدَعَا فِي بَعْضِهَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ؛ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فَمَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيُولِمْ مِنْ يَوْمِ ابْتِنَائِهِ إِلَى مِثْلِهِ ؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِشْهَارَ لِنِكَاحِهِ ، وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى النَّاسِ ، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ.ا.هـ.وقال ابن قدامة في ( المغني ) : وإذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز؛ فقد روى الخلال بإسناده عن أبي أنه أعرس ودعا الأنصار ثمانية أيام؛ وإذا دعي في اليوم الأول وجبت الإجابة ، وفي اليوم الثاني تستحب الإجابة ، وفي اليوم الثالث لا تستحب ؛ قال أحمد : الأول يجب ، والثاني إن أحب ، والثالث فلا .ا.هـ . وهكذا مذهب الشافعي ؛ ودعي سعيد إلى وليمة مرتين فأجاب، فدعي الثالثة فحصب الرسول؛ رواه أبو داود( [16] ) و الخلال ( [17] ) ؛ قال النووي - رحمه الله : قَالَ الْقَاضِي :وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي تَكْرَارهَا أَكْثَر مِنْ يَوْمَيْنِ فَكَرِهَتْهُ طَائِفَة ، وَلَمْ تَكْرَههُ طَائِفَة ؛ قَالَ : وَاسْتَحَبَّ أَصْحَاب مَالِك لِلْمُوسِرِ كَوْنهَا أُسْبُوعًا ( [18] ) .
مقدار الوليمة : مما ذكرنا في صفة وليمة النبي e يتبين أنه لا حد لأقلها ، وكذا لا حد لأكثرها من غير إسراف ؛ قال أبو الوليد الباجي في ( المنتقى شرح الموطأ ) : وَقَوْلُهُ e : " وَلَوْ بِشَاةٍ " وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي التَّقْلِيلَ ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ لِأَقَلِّ الْوَلِيمَةِ ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهَا ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسْبِ الْوُجُودِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ أَقَلَّ مَا رَآهُ e فِي حَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ وَقَدْ رَوَى ثَابِتٌ ذِكْرَ تَزْوِيجِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ : مَا رَأَيْت النَّبِيَّ e أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا ؛ أَوْلَمَ بِشَاةٍ .ا.هـ . وتقدم أنه e أولم على بعض نسائه بمدين من شعير ، وعلى بعضهن بسويق وتمر ؛ ولم يرو عنه e أنه ترك الوليمة على أحد من نسائه ؛ وهذا يدل على تأكيد الندب إليها بحسب ما يتيسر ؛واستدلالنووي - رحمهالله - منقولهe:" أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"عَلَى أَنَّ الشَّاة أَقَلّ مَا تُجْزِئ عَنْ الْمُوسِر ( [19] ) ؛ قال الحافظ في ( الفتح ) : وَلَوْلَا ثُبُوت أَنَّهُ e أَوْلَمَ عَلَى بَعْض نِسَائِهِ بِأَقَلّ مِنْ الشَّاة ، لَكَانَ يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاة أَقَلّ مَا تُجْزِئ فِي الْوَلِيمَة، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَابُدَّ مِنْ تَقْيِيده بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا ؛ قال : وَيُسْتَفَاد مِنْ السِّيَاق طَلَب تَكْثِير الْوَلِيمَة لِمَنْ يَقْدِر ، قَالَ عِيَاض : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا ، وَأَمَّا أَقَلّهَا فَكَذَلِكَ ، وَمَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأ ، وَالْمُسْتَحَبّ أَنَّهَا عَلَى قَدْر حَال الزَّوْج ، وَقَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِر الشَّاة فَمَا فَوْقهَا ( [20] ) ؛ قال النووي - رحمه الله : وَنَقَلَ الْقَاضِي الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا حَدّ لِقَدْرِهَا الْمُجْزِئ ، بَلْ بِأَيِّ شَيْء أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَام حَصَلَتْ الْوَلِيمَة ؛ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم بَعْد هَذَا فِي وَلِيمَة عُرْس صَفِيَّة أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِ لَحْم ؛ وَفِي وَلِيمَة زَيْنَب أَشْبَعَنَا خُبْزًا وَلَحْمًا ؛ وَكُلّ هَذَا جَائِز تَحْصُل بِهِ الْوَلِيمَة ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُون عَلَى قَدْر حَال الزَّوْج ؛ قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي تَكْرَارهَا أَكْثَر مِنْ يَوْمَيْنِ فَكَرِهَتْهُ طَائِفَة ، وَلَمْ تَكْرَههُ طَائِفَة ؛ قَالَ : وَاسْتَحَبَّ أَصْحَاب مَالِك لِلْمُوسِرِ كَوْنهَا أُسْبُوعًا ( [21] ) ؛ قلت : بوَّب البخاري ( بَابَ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ ، وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ ، وَلَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ e يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ ) ؛ وقد تكلم العلماء في تكرار الوليمة لمن لم يدع في اليوم الأول ، على ألا يكون ذلك من الرياء والسمعة ؛ وأخرج أبو يعلى عن أنس قال : تزوج النبي e صفية ، وجعل عتقها صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام ( [22] ) . قال الحافظ في ( الفتح ) : قوله : ( وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ ) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت : لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام ، فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما ؛ فكان أبي صائمًا فلما طعموا دعا أبي وأثنى . وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة ، وقال فيه : ثمانية أيام ، وإليه أشار المصنف بقوله : ( ونحوه ) لأن القصة واحدة ؛ وهذا وإن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد ؛ وقد نبه على ذلك ابن المنير . قوله : ( وَلَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ e يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ ) أي : لم يجعل للوليمة وقتًا معينًا يختص به الإيجاب أو الاستحباب ؛ وأخذ ذلك من الإطلاق .ا.هـ.ثم نقل عن النووي : إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة ، وفي الثاني لا تجب قطعًا ، ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول ؛ ونقل عن الحنابلة الوجوب في اليوم الأول ، وأما الثاني فقالوا سنة ؛ وأما الكراهة في اليوم الثالث فأطلقه بعضهم ؛ وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول ، وكذا صوره الروياني ... ثم قال : وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية ، قال عياض : استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعًا ، قال : وقال بعضهم : محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ، ولم يكرر عليهم .ا.هـ . وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني ، وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة ، كان الرابع وما بعده كذلك ؛ فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك ، وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب . والله أعلم ( [23] ) .
[1]- انظر صحاح الجوهري : 6 / 332 ( دار العلم للملايين ) ، والمخصص لابن سيده : 1 / 414 ( التراث العربي ) ، ولسان العرب باب الميم فصل اللام ؛ والمصباح المنير ، ومختار الصحاح ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ( مادة و ل م ) ، وشرح النووي على مسلم : 9 / 216 : 218 .
[11] - أحمد : 5 / 359 ، وابن سعد في الطبقات : 8 / 21 ، والنسائي في الكبرى ( 10088 ) ، والطبراني في الكبير : 2 / 20 ( 1153 ) ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) : 4 / 75 : رواه أحمد ، وفي إسناده عبد الكريم بن سليط ولم يجرحه أحد ، وهو مستور ؛ وبقية رجاله رجال الصحيح ؛ وقال ابن حجر في ( فتح الباري ) : 9 / 230 : وَسَنَده لَا بَأْس بِهِ .ا.هـ وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2419 ) .
[22] - رواه أبو يعلى ( 3834 ) ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 4 / 78 ) : هو في الصحيح باختصار الأيام ؛ رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ، خلا عيسى بن أبي عيسى ماهان ، وهو ثقة ، وفيه كلام لا يضر ؛ وحسن إسناده الحافظ في فتح الباري : 9 / 242 .
[23] - انظر فتح الباري : 9 / 242 ، 243 ، باختصار .
ذكر العلماء شروطًا لوجوب إجابة الدعوة نجملها فيما يلي : 1 - أن يكون الداعي مكلفًا حرًّا رشيدًا ؛ لأن التكليف شرط الوجوب ، والحرية لأن العبد لا ملك له ؛ والرشد لأنها أهلية التصرف في المال . 2 - أن لا يخص الأغنياء دون الفقراء ؛ لحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ ( [1] ) ؛ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( [2] ) . 3 - أن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه؛لقولهe : " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا ، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا ". 4 - وأن يكون الداعي مسلمًا على الأصح ؛ لأنه لا يجب إجابة غيرالمسلم، وإن جازت . 5 - وأن يختص باليوم الأول على المشهور ؛ لأنه يوم الوجوب ، والثاني مندوب ، وقد تقدم بيان ذلك . 6 - أن لا يُسبق ، فمن سَبَقَ تعينت الإجابة له دون الثاني ، وإن جاءا معًا قدم الأقرب رحمًا على الأقرب جوارًا على الأصح ، فإن استويا أقرع . 7 - أن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر وغيره ؛ فلا يجوز حضور مكان فيه منكر إلا للنهي عنه ؛ فيسقط الوجوب إن كان ثَمَّ منكر وهو لا يستطيع تغييره ؛ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ لَهْوٌ مَحْظُورٌ ، أو شراب محرم ، أو اختلاط بين الرجال والنساء ، أَبْطَلَ وُجُوبَ إتْيَانِهَا ؛ فَمَنْ جَاءَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ ذَلِكَ فِيهَا فَلْيَرْجِعْ . 8 - أن لا يكون له عذر ؛ وضبطه الماوردي - رحمه الله - بما يرخص به في ترك الجماعة ؛ ( [3] ) . وقال البغوي – رحمه الله : من كان له عذر ، أو كان الطريق بعيدًا تلحقه المشقة ، فلا بأس أن يتخلف ، روي عن عطاء قال : دعي ابن عباس إلى طعام وهو يعالج أمر السقاية ، فقال للقوم : أجيبوا أخاكم ، واقرؤوا عليه السلام ، وأخبروه أني مشغول ( [4] ) .
مَسْأَلَةٌ : وَإِذَا لَزِمَهُ إتْيَانُ الدَّعْوَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ أَمْ لَا ؟ قال البغوي _ رحمه الله في ( شرح السنة ) : هذا التشديد في الإجابة والحضور ، أما الأكلفغيرواجب، بل يستحب إن لم يكن صائمًا ( [5] ) ؛ وتقدم قوله e : " فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ ،وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ " وقوله e : " إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " .
النثار بضم النون وكسرها : ما تناثر من الشيء ؛ تقول : نثر الشيء ينثره نثرًا إذا طرحه ، ومنه النثار الذي يكون في العُرس ؛ وهو ما ينثر على الحضور في الأعراس من لوز ونحوه ، وقد ينثر بعض الأموال أو الثياب أيضًا ؛ قال البيهقي في ( السنن الصغرى ) : وَأَمَّا النِّثَارُ فِي الْفَرَحِ ، فَقَدْ كَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ أَخَذَهُ ؛ لأَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ إِلاَّ بِغَلَبَةٍ : إِمَّا بِفَضْلِ قُوَّةٍ ، وَإِمَّا بِفَضْلِ قِلَّةِ حَيَاءٍ ، وَالْمَالِكُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَصْدَهُ ؛ وَكَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ يَكْرَهُهُ ، وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ ؛ وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِمَّا رُوِيَ فِي النِّثَارِ فِي الْعُرْسِ ، عَنِ النَّبِيِّ e .ا.هـ . وقال صاحب ( زاد المستقنع ) : وَكُرِهَ النِّثَارُ ، وَالْتِقَاطُهُ ، وَمَنْ أَخَذَهُ أَوْ وَقَعَ فِي حَجْرِهِ فَلَهُ .ا.هـ . قال العثيمين – رحمه الله – في (الشرح الممتع ) : والكراهة عند الفقهاء مرتبة بين المباح والمحرم ، يثاب تاركها امتثالاً ، ولا يعاقب فاعلها ؛ والنثار هو أن يُنثر في الوليمة طعام أو فلوس أو ثياب ، فهذا مكروه ؛ فإن كان المنثور طعامًا فمكروه لسببين : الأول : إن فيه امتهانًا للنعمة ؛ الثاني : أن في التقاطه دناءة وخلافًا للمروءة ، لا سيما إذا كان من الشرفاء والوجهاء ؛ أما عامة الناس فلا يكره منهم الالتقاط . وإذا كان ( المنثور ) مالاً كان إفسادًا له وإضاعة ، ولو قيل بالتحريم في مسألة الدراهم ، [ أي : الأوراق النقدية ] لكان له وجه ؛ لأنه عرضة لإتلاف المال وإضاعته ، وقد نهى النبي e عن إضاعة المال . وقال بعض أهل العلم : إنه لا يكره النثار ، واحتجوا بما جاء في الحديث في الأضحية أن الرسول e ضحى عنده رجل فقال : " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ " ( [1] ) ؛ وعندي أن في هذا الاستدلال نظرًا ؛ لأن هذا الرجل ما نثر ، وإنما قدمها تقديمًا ، ورخص للناس بالأكل ، كما لو قدَّم طعامًا ، وقال للناس : تفضلوا ؛ فهذا ليس بنثار ، ففرق بينهما ، وهذا لا بأس به ، وجرت به العادة . قوله : ( والتقاطه ) أي : يكره أخذ المنثور لما فيه من الدناءة ، قوله : ( ومن أخذه ، أو وقع في حجره فله ) أي: من أخذ النثار ، أو وقع في حجره فهو له . انتهى المراد منه ( [2] ) ؛ وقال الشوكاني - رحمه الله – بعد أن أورد أحاديث النهي عن النهبى : والحاصل إن أحاديث النهي عن النهبى ثابتة عن النبي e من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره ، وهي تقتضي تحريم كل انتهاب ، ومن جملة ذلك انتهاب النثار ، ولم يأت ما يصلح لتخصيصه ( [3] ) . والحاصل أنه لم يصح عن النبي e في ذلك شيء ، والأولى تركه ، لما فيه من إضاعة المال ، وامتهان النعمة ، ومخالفة المروءة .
[1] - أخرجه أحمد : 4 / 350 ، وأبو داود ( 1765 ) عن عبد الله بن قرط t ، وصححه الألباني في الإرواء ( 1958) .
ومما يتعلق بموضوعنا الدعاء للمتزوج ، فيستحب الدعاء له بما ورد ، ففي حديث أنس في قصة عبد الرحمن بن عوف : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ " ؛ وعن أبي هريرة t قال : كان رسول الله e إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال : " بَارَكَ اللهُ لَكَ ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ " ( [1] ) ؛ ورفأه ، أي : هنأه ودعا له ، وأصل الرفاء الالتئام والاجتماع ، مِنْ رَفَأْت الثَّوْب وَرَفَوْته رَفْوًا وَرِفَاء ؛ وَهُوَ دُعَاء لِلزَّوْجِ بِالِالْتِئَامِ وَالِائْتِلَاف ؛ وفيه استحباب الدعاء لمن يتزوج .
[1] - أحمد : 2 / 381 ، 451 ، وأبو داود ( 2130 ) ، والترمذي ( 1091 ) ، وقال : حسن صحيح ، والنسائي في اليوم والليلة ( 260 ) ، وابن ماجة ( 1905 ) .
وإتمامًا للفائدة أسوق لك - أيها القارئ الكريم – بعض الفتاوى لعلمائنا عن الزفة وما يتعلق بها ؛ فقد ورد للشيخ عبد الله بن جبرين سؤال نصه : تعودن النساء القيام بزف العروس من مدخل قاعة الأفراح إلى ما يسمى بالكوشة ؛ وهي منصة مرتفعة مزينة بالورود تجلس عليها العروس أمام الحضور ، وفي أثناء الزفة يضربن بالدف وينشدن بعض الأناشيد المشتملة على ذكر الله أو الصلاة على النبي e أو الدعاء للعروسين وتهنئتهما ، وغير ذلك من الألفاظ العفيفة ؛ فما حكم الزفة ؟ وما حكم اتخاذ الكوشة والجلوس عليها ؟ وما حكم هذه الأناشيد ؟ وما حكم رقص النساء على أناشيد كهذه ؟ أفتونا مأجورين . فأجاب – رحمه الله : هذه الزفة من محدثات الأمور [ أي : من مدخل قاعة الأفراح إلى ما يسمى بالكوشة ] ، وكل محدثة بدعة ؛ فالأصل في النساء عمومًا وفي العروس خصوصًا الاستحياء والاحتشام ، والتزين للزوج خاصة ، والتستر عن غيره ، فبروزها أمام الحضور ، وجلوسها على الكوشة المرتفعة المزينة بالورود دليل رعونتها وعدم خفارتها ، وإنما على أهلها سترها وحجبها حتى تدخل على زوجها وهي مصونة محفوظة عن الأنظار ؛ حتى لا تكون محل احتقار وازدراء وتصغير لشأنها . فأما الضرب بالدف الذي ليس فيه صنوج ، وليس له صوت رفيع - فإنه جائز ؛ لقول النبي e : " أَعْلِنُوا النِّكَاح واضْرِبُوا عَلَيهِ بِالدُّف " ، ويكون علامة على الفرح والسرور والابتهاج . ولا بأس أيضًا بالنشيد المشتمل على التحية ، والهناء والترحيب ، والمديح الصادق ، وعلى ذكر الله ، والصلاة على النبي e ، وعلى الدعاء للعروسين ، وعلى التهنئة والتبريك ، والكلمات الحسنة ، بدون تغنج أو تلحين يثير الكوامن ، ويكون ذلك النشيد بين النساء ، ولا يطول زمانه بعد الزفاف ؛ ويباح رقص النساء بينهن على مثل تلك الأناشيد ، بدون مبالغة أو سهر طويل ، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .ا.هـ ( [1] ) . وسئلت اللجنة الدائمة سؤالا نصه : تعلمون أن الأعراس هذه الأيام بها نوع من عدم الحكمة والمغالاة في الأكل ، فهل يجوز أن أذهب إليها مع علم مسبق أنه سوف يكون هناك إسراف ؟ وهل يجوز أن أسمح لزوجتي أن تذهب إلى العرس ؛ علما أن العريس وبعض أهله الرجال وقت الزفة - على حد قولهم - يدخلون عند النساء ؛ فما الحكم أثابكم الله وجزاكم خيرا ؟ فأجابت : إذا كانت أحوال العرس كما ذكرت من المغالاة في الوليمة ، ومن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء عند ما يسمى بـ ( الزفة ) ، فلا تذهب إلى هذا العرس ، ولا تسمح لزوجتك بالذهاب إليه ، إلا إذا كان لديك من القوة والوجاهة ما تستطيع أن تغير به المنكر ، وترشد من حضر إلى الحق والصواب ، فيجوز لك الحضور ، بل يجب عليك ، إقامةً للحق والقضاء على المنكر ، وكذلك الحال بالنسبة لزوجتك ، والله الهادي إلى سواء السبيل ( [2] ) . وفي فتاوى الشيخ ابن باز - رحمه الله : ومن الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء ، يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات ، وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال , ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير ، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات , وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة , فالواجب منع ذلك والقضاء عليه ، حسما لأسباب الفتنة ، وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر ، وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء ، وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم ، وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها ، التماسًا لرضا الله سبحانه وتعالى ، وتجنبا لأسباب سخطه وعقابه ( [3] ) . ا.هـ . وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في فتاوى ( نور على الدرب) السؤال الآتي : ما حكم ما يسمى بالتشريع للفتاة أثناء الحفل بين النساء ، نرجو منكم إجابة جزاكم الله خيرا ؟ فأجاب - رحمه الله : تشريع المرأة ليلة الزواج إذا كان على الوجه الذي لا يتضمن محظورًا فلا بأس به ، مثل أن يؤتى بالمرأة المتزوجة وعليها ثيابٌ لا تخالف الشرع ، وتجلس على منصة حتى يراها النساء ، وليس في النساء خليطٌ من الرجال ، وليس مع المرأة زوجها ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأن الأصل في غير العبادات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه ، أما لو كانت المرأة هذه تأتي إلى النساء ومعها زوجها ، أو يكون في محفل النساء رجال ، فإن ذلك لا يجوز ؛ لأن هذا يتضمن محظورًا شرعيًا ، ثم إنه من المؤسف أنه في بعض الأحيان أو من عادات بعض الناس أن يحضر الزوج مع الزوجة في هذه المحفل ، وربما يُقَبِّلها أمام النساء ، وربما يلقمها الحلوى وما أشبه ذلك ، ولا شك أن هذا سخافةٌ عقلاً ومحظورٌ شرعًا : أما السخافة العقلية فلأنه كيف يليق بالإنسان عند أول ملاقاة زوجته أن يلاقيها أمام نساء يقبلها أو يلقمها الحلوى أو ما أشبه ذلك ، وهل هذا إلا سببٌ مثيرٌ لشهوة النساء ، لا شك في هذا . وأما شرعًا فلأن الغالب أن النساء المحتفلات يكن كاشفات الوجوه ، بارزات أمام هذا الرجل ، وفي ليلة العرس ونشوة العرس ، يكن متجملات متطيبات ، فيحصل بهن الفتنة ، وربما يكون في ذلك ضرر على الزوجة نفسها ، فإن الزوج ربما يرى في هؤلاء المحتفلات من هي أجمل من زوجته وأبهى من زوجته ، فيتعلق قلبه بما رأى ، ويقل قدر زوجته عنده ، وحينئذٍ تكون نكبة عليه وعلى الزوجة وعلى أهلها . فالحذر الحذر من هذه العادة السيئة ، ويكفي إذا أرادوا أن تبرز المرأة وحدها أمام النساء كما جرت به العادة من قديم الزمان في بعض الجهات ( [4] ) . وسئل في ( اللقاء الشهري ) : فضيلة الشيخ! من المعلوم أنه في الإجازة تكثر مناسبات الزواج والولائم ونحوها ، فهل يجوز للإنسان أن يحضر وليمة أو زواجًا فيه منكر كالضرب بالطبول أو الأغاني ونحوها ؟ فأجاب : هذا السؤال وجيه ؛ لأن الناس غالبًا يتزوجون في هذه الإجازة ، وولائم العرس أصلها مشروع ، فينبغي للمتزوج أن يصنع وليمة ؛ لأن النبي e قال لعبد الرحمن بن عوف : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ولكن الوليمة تكون بقدر ؛ بمعنى : على قدر معين ، بحيث لا تصل إلى الأشر والبطر والتوسع بالمأكولات ، وكذلك التوسع في الأماكن ، فإنه بلغنا أن بعض الناس يستأجر فندقًا كاملاً الليلة هذه بمائة ألف أو نحوها ، فهذا بطر ، وهذا مما يسبب قلة الزواج ، لأن الزوج ليس على استعداد أن يبذل هذه المبالغ ؟! ومتى يحصل هذه المبالغ ، ولو اقتصر الناس على وليمة يسيرة يحضرها أقارب الزوج وأقارب الزوجة والجيران الأقربون لكان هذا هو الخير كما هي العادة فيما سبق ؛ أما إذا كانت الوليمة تشتمل على محرم فنقول : إن كان الإنسان له رأي وله قيمة ، وبحضوره يستطيع أن يوقف المحرم ، فالحضور عليه واجب ، يجب أن يحضر ؛ لأنه يكسب بحضوره فائدتين : الفائدة الأولى : إجابة الدعوة ؛ الفائدة الثانية : إزالة المنكر . وأما إذا كان لا يستطيع فإنه لا يحضر ، لأنه إذا حضر وشاركهم ، أو جلس ولكنه لم يقم ولم يفارق صار مثلهم في الإثم والعياذ بالله ! ومن المنكر : ما بلغنا عن بعض النساء أنها تأتي وعليها العباءة في الشارع ، لكن إذا دخلت ألقت العباءة وصارت كأنها عارية والعياذ بالله ! فهذا منكر ؛ ومن المنكر : أن بعض النساء يحضرن بآلات التصوير ويصورن المشهد ، وربما اختفى بعض السفهاء من الرجال وفعلوا ذلك ؛ هذا - أيضًا - من المنكرات العظيمة ؛ ومن المنكر : أن يأتي الزوج في محفل النساء ويكون قد أعد له ماسة ، وإن شئت فقل : منصة ، ويجلس هو والزوجة أمام النساء، حتى قيل : إن بعض السفهاء يقبل زوجته أمام النساء !! نعوذ بالله ! ألا يثير الشهوة هذا ؟! بلى والله ، مهما كانت المرأة في التقوى وتشاهد شابًا وشابة يقبل أحدهما الآخر إلا وستثور شهوتها ، وربما يأتي بتفاحة أو بحلوى ويلقمها الزوجة أمام النساء ، كل هذا من الفتن ، وهذا حرام بلا شك ، وأقبح من ذلك أن بعض الناس يأتي بفيديو ويصور هذا المشهد ، كل هذه حدثت أخيرًا ، وسببها ما قاله الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
الفراغ ليس عنده شغل ما يشتغل ويكد على عياله وعلى نفسه ، والشباب الصغر ؛ أما الكبير فإنه عاقل ولا يدع الأوقات تذهب سدى ؛ والجدة هي : الغنى ، فإن الغنى مفسدة إلا من هداه الله Y . الخلاصة : أن حضور الولائم من السنة ، لكن إذا كان فيها محرم ، فإن قدرت على تغييره فاحضر وغيِّر ، وإلا فلا تحضر ( [5] ) . وسئل - رحمه الله - في ( لقاءات الباب المفتوح ) : بعض الأولياء يتوسع في وليمة النكاح الذي يشمل أكبر عدد من الأقارب ، وإذا طلب منه أن يختصر في الدعوة ، قال : قد يعتب البعض علينا في عدم دعوته ؛ فيتوسع ويذهب إلى صالات الأفراح وكذا ، فكيف يوجه مثل هؤلاء ؟
فأجاب : والله لا شك أن التوسع في ولائم العرس يدخل في باب الإسراف أحيانًا ، فالأولى أن يقتصر على وليمة ليست بتلك الكثرة ، ولهذا تجد الناس في ولائم العرس يستأجرون قصور الأفراح بثمانية آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال وربما أكثر ، وهذا يرهق الزوج والزوجة وهو ضياع للمال ، فلو أن الناس اقتصروا على وليمة واحدة ؛ أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف : " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ؛ إذا اقتصروا على شاة أو شاتين وجمعوا الجيران والأقارب في البيت كالعادة الأولى لكان هذا أحسن وأبرك ، وقد جاء في الحديث : " أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة " ( [6] ) .
[1] - انظر فتاوى ابن جبرين ؛ رقم الفتوى : (2755) .
[6]- لقاءات الباب المفتوح : 159 / 17 ؛ والحديث رواه أحمد : 6 / 82 ، 145 ، والطيالسي ( 1427 ) والنسائي في الكبرى ( 9274 ) ، والحاكم ( 2732 ) وصححه على شرط مسلم ، كلهم عن عائشة رضي الله عنها ؛ وله شاهد عند الطبراني في الكبير ( 11100 ، 11101 ) ، وابن حبان ( 4034 ) عن ابن عباس ، وإسناده جيد إن شاء الله .
بعد أن أوقفتك - أيها القارئ الكريم - على ما يتعلق بالزفة ، فماذا عليك أن تفعل ؟ من الواجب علينا جميعًا في أفراحنا أن نحيي سنة نبينا e في إعلان النكاح , وأن نجعلها ليالي طيبة بالمحافظة على أمر الله تعالى والوقوف عند حدوده , وأن نصون نقاءها من كل كدر يعكّر صفوها من الغناء الماجن ، والتقاليد الغربية العمياء ، والسهر المضيع للصلوات ، ودخول الرجال على النساء ، ونحو ذلك مما يحيلها ليلة كدر وإن ضحك أصحابها . وإليك تلخيص لبعض ما يجب اجتنابه من المحرمات للرجال والنساء في حفلة الزفاف : 1- اختلاط الرجال بالنساء وما يحدث فيه من السلام ، والمصافحة ، والرقص بين الرجال والنساء ، لأن كل ذلك محرم ، وخطره عظيم . 2 - اجتناب التصوير وبخاصة بين النساء . 3- التجاوز في تقديم المشروبات المحرمة كالخمر وما يشابهه . 4- دخول العِرس على النساء لأخذ عروسه من وسطهن . 5- لبس النساء فيما بينهن العاري والضيق والقصير ، فهو محرم ، فكيف بلبس ذلك أمام الرجال . 6- التكلف والإسراف ومظاهر الترف والفسق في حفلة الزفاف ، حيث أن ذلك يمحق البركة . 7- لبس كل من الزوج والزوجة ما يسمى بالدبلة ، تشبهًا فيه بالكفار ، اعتقادًا أن ذلك يزيد من حب الزوج لزوجته ، وحب الزوجة لزوجها . 8 – خروج العروسين في زفة بالسيارات ، تزعج بأصواتها النائمين وتؤذي المستيقظين ، وتضر المرضى ، وتعطل سير مرور السيارات ، غير عابئين بمصالح الناس ، ولا ناظرين إلى راحتهم . وأخيرًا : ينبغي أن يعلم العروسان أنه بقدر ما يحصل في حفلة الزفاف من اتباع تعاليم الإسلام فيه بقدر ما يحصل فيه من البركة والألفة وقلة المشكلات في الحياة الزوجية ، فإذا كانت الحياة الزوجية قامت في أولها على المنكرات ومخالفة أمر الله Y ، فلا ينتظر التوفيق فيها بعد ذلك ، وكثير هي حفلات الزواج التي حصل فيها من مخالفة أمر الله Y،ولم تستمر ؛ والعلة في ذلك أن التوفيق من الله تعالى ، ولا يطلب ما عند الله تعالى بمعصيته . فليتقِ الله العروسان في هذه الحفلة ، وليجعلوها بعيدة عن المحظورات الشرعية يبارك الله لهما فيها ، وفي حياتهما بعدها ؛ والله المسئول أن يوفق المسلمين ويردهم إلى دينهم ردًّا جميلا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما .