علي المالكي
New member
موقف السيوطي من الاحتجاج بالحديث في النحو:
من خلال تتبعي لمنهج السيوطي فيما احتج به من الحديث خرجتُ بالنتيجة الآتية:
صرّح السيوطي في «الاقتراح» بأن الحديثَ دليلٌ من أدلة النحو، وأصلٌ من أصول السماع، وأنه إنما يُستدَل منه بما ثبت أنه جاء على اللفظ المروي(1)، لكنه عندما فصَّلَ أكثرَ ضيَّقَ دائرةَ الأحاديثِ المحتجِّ بها كثيرًا؛ فقد ذكر أن أكثرَ الأحاديثِ مروي بالمعنى، وأن ما ثبت أنه مرويٌّ على اللفظ نادرٌ جدًّا، وأنه إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضًا(2)، ثمَّ صحَّحَ تعليلَ ابنِ الضائعِ وأبي حيان تَرْكَ المتقدمين الاستشهادَ بالحديث، بل أوردَ كلامَ الحسين الدِّينَوَري مستدلًا به على أن الحديثَ ليس من مصادرِ النحو، ولم يتعقب أحدًا منهم بشيء(3)، فوقع في كلامِه تضارُبٌ.
ثم قرر في «همع الهوامع» أنه لا يُستدل بالحديثِ على ما خالفَ القواعد النحوية، ويُدلِّل لهذا بكلام ابن الضائع وأبي حيان(4)، وكأنه يرى أن الأحاديث التي ثبت أنها مِن لفظِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جميعُها موافقةٌ للقواعد. وهو في الوقت نفسِه لم يمنع الاحتجاجَ بالحديث فيما وافق القواعد.
ثم قال في موضع آخر من «الهمع»: «وأما الحديث فلم يَثْبُت كونُه بلفظ الرسول -عليه الصلاة والسلام- (كما تَقَرر غيرَ مرة)»(5). فهو هنا يعمم ويطلق الكلام دون أن يستثني.
وفي موضعٍ آخر احتج بأحاديث معلِّقًا الاحتجاج بها على مجرد الصحة، دون التطرق إلى مسألةِ ثبوتِ اللفظِ أو عدمِ ثبوتِه(6).
وفي مواضع أُخَر احتج بأحاديث لا تصح، أو بألفاظٍ لبعضِ الأحاديثِ غيرِ محفوظةٍ أو فيها خلافٌ يَمنع من الاحتجاج بها(7).
وفي بعض المواضع احتج بالحديث بمفرده في تقرير قاعدة(8 ).
فالظاهر أن السيوطي في هذه المسألة لم يكن له مذهب ثابت، مما جَعَلَ الناسَ يختلفون في حقيقةِ مذهبِه في هذه المسألة(9). لكنه على كل حال لا يخرج عن دائرة المتوسطين؛ لأنه لم يمنع منعًا عامًّا مطلَقًا.
---------------------------
(1) ينظر: «الاقتراح» (15، 74، 89).
(2) ينظر: «الاقتراح» (89). وينظر الرد على هذا الزعم في «الاستشهاد بالحديث» (1/ 127).
(3) ينظر: «الاقتراح» (96).
(4) ينظر: «همع الهوامع» (2/ 42). ويُلاحَظُ هنا أنه عَزَا قولَه (إن الحديث لا يستدل به على ما خالف القواعد النحوية) – عزاه إلى كتابه: «أصول النحو»، ولا أُراهُ إلا «الاقتراح»، ولم أقف على هذا الكلام في النسخ المطبوعة من «الاقتراح»، فيحتمل أن السيوطي يعني أن هذا مفهومُ كلامِه فيه لا أنه نصَّ عليه نصًّا، ويُحتمل أيضًا أن يكون صرَّحَ به في إحدى إبرازاتِ «الاقتراح»، أو أنه توهَّمَ أنَّه صرَّحَ به فيه، لا سيما أنه كثيرُ التآليف.
(5) «همع الهوامع» (3/ 44).
(6) ينظر: «همع الهوامع» (6/ 47).
(7) وأمثلة هذا منثورة في رسالتي للماجستير مرتبة حسب أبوابها النحوية.
(8 ) وأمثلة هذا منثورة في رسالتي أيضا.
(9) ينظر: «تحرير الرواية» (96- 97)، و«الحديث النبوي في النحو العربي» (133- 134).
من خلال تتبعي لمنهج السيوطي فيما احتج به من الحديث خرجتُ بالنتيجة الآتية:
صرّح السيوطي في «الاقتراح» بأن الحديثَ دليلٌ من أدلة النحو، وأصلٌ من أصول السماع، وأنه إنما يُستدَل منه بما ثبت أنه جاء على اللفظ المروي(1)، لكنه عندما فصَّلَ أكثرَ ضيَّقَ دائرةَ الأحاديثِ المحتجِّ بها كثيرًا؛ فقد ذكر أن أكثرَ الأحاديثِ مروي بالمعنى، وأن ما ثبت أنه مرويٌّ على اللفظ نادرٌ جدًّا، وأنه إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضًا(2)، ثمَّ صحَّحَ تعليلَ ابنِ الضائعِ وأبي حيان تَرْكَ المتقدمين الاستشهادَ بالحديث، بل أوردَ كلامَ الحسين الدِّينَوَري مستدلًا به على أن الحديثَ ليس من مصادرِ النحو، ولم يتعقب أحدًا منهم بشيء(3)، فوقع في كلامِه تضارُبٌ.
ثم قرر في «همع الهوامع» أنه لا يُستدل بالحديثِ على ما خالفَ القواعد النحوية، ويُدلِّل لهذا بكلام ابن الضائع وأبي حيان(4)، وكأنه يرى أن الأحاديث التي ثبت أنها مِن لفظِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جميعُها موافقةٌ للقواعد. وهو في الوقت نفسِه لم يمنع الاحتجاجَ بالحديث فيما وافق القواعد.
ثم قال في موضع آخر من «الهمع»: «وأما الحديث فلم يَثْبُت كونُه بلفظ الرسول -عليه الصلاة والسلام- (كما تَقَرر غيرَ مرة)»(5). فهو هنا يعمم ويطلق الكلام دون أن يستثني.
وفي موضعٍ آخر احتج بأحاديث معلِّقًا الاحتجاج بها على مجرد الصحة، دون التطرق إلى مسألةِ ثبوتِ اللفظِ أو عدمِ ثبوتِه(6).
وفي مواضع أُخَر احتج بأحاديث لا تصح، أو بألفاظٍ لبعضِ الأحاديثِ غيرِ محفوظةٍ أو فيها خلافٌ يَمنع من الاحتجاج بها(7).
وفي بعض المواضع احتج بالحديث بمفرده في تقرير قاعدة(8 ).
فالظاهر أن السيوطي في هذه المسألة لم يكن له مذهب ثابت، مما جَعَلَ الناسَ يختلفون في حقيقةِ مذهبِه في هذه المسألة(9). لكنه على كل حال لا يخرج عن دائرة المتوسطين؛ لأنه لم يمنع منعًا عامًّا مطلَقًا.
---------------------------
(1) ينظر: «الاقتراح» (15، 74، 89).
(2) ينظر: «الاقتراح» (89). وينظر الرد على هذا الزعم في «الاستشهاد بالحديث» (1/ 127).
(3) ينظر: «الاقتراح» (96).
(4) ينظر: «همع الهوامع» (2/ 42). ويُلاحَظُ هنا أنه عَزَا قولَه (إن الحديث لا يستدل به على ما خالف القواعد النحوية) – عزاه إلى كتابه: «أصول النحو»، ولا أُراهُ إلا «الاقتراح»، ولم أقف على هذا الكلام في النسخ المطبوعة من «الاقتراح»، فيحتمل أن السيوطي يعني أن هذا مفهومُ كلامِه فيه لا أنه نصَّ عليه نصًّا، ويُحتمل أيضًا أن يكون صرَّحَ به في إحدى إبرازاتِ «الاقتراح»، أو أنه توهَّمَ أنَّه صرَّحَ به فيه، لا سيما أنه كثيرُ التآليف.
(5) «همع الهوامع» (3/ 44).
(6) ينظر: «همع الهوامع» (6/ 47).
(7) وأمثلة هذا منثورة في رسالتي للماجستير مرتبة حسب أبوابها النحوية.
(8 ) وأمثلة هذا منثورة في رسالتي أيضا.
(9) ينظر: «تحرير الرواية» (96- 97)، و«الحديث النبوي في النحو العربي» (133- 134).