عمرو الشرقاوي
New member
تحرير قول شيخ الإسلام ؛ ابن تيمية في قوله تعالي (( أأمنتم من في السماء )) وما جري مجراها..................
قوله تعالى: { أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [الملك:16]
المتأمل في هذه الآية وأضرابها يجد أن العلماء وأهل الإثبات من المفسرين لهم في هذه الآية قولان ؛
الأول : أن (في) هنا بمعنى على واستدلوا بأن هذا من التناوب بين الحروف وقد جاء في اللغة كثيراً ، بل في القرآن الكريم ومنه قوله تعالى : { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ } [الأنعام:11] فليس المعنى أنهم يدخلون في جوف الأرض ، بل المراد السير عليها ، وكقوله تعالى في قصة موسى ـ عليه السلام ـ : { وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [طه:71] ، ومعلوم أنه لن يدخلهم في الجذوع ، وإنما يصلبهم عليها ، إلي غير ذلك ، (( وهذا القول مبني علي القول بتناوب حرف الجر )) .
الثاني : أن السماء يقصد بها العلو ، (( وليست السماء المبنية )) ، وقالوا هذا جاء في القرآن أيضا ، ومنه قوله تعالي : { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } فالمراد العلو لأن الماء ينزل من السحاب لا من السماء التي هي السقف المحفوظ .
راجع شرح الواسطية لابن عثيمين ((1/389)) ، وشرح القواعد المثلي ((286)) .
*** والمتأمل في كلام شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالي ـ يجد أنه لم يذكر في الآية (( من رأيه )) علي حد بحثي إلا القول الثاني { أن السماء بمعني العلو } راجع (( مجموع الفتاوي 3/53 ، 16/ 68 ـ 69، 106 )) وهذا والله أعلم يرجع إلي أن شيخ الإسلام لا يؤيد (( فكرة التناوب المطلق ـ هكذا ـ في اللغة )) كما ذكر ذلك في مقدمته فقال "" وَالْعَرَبُ تُضَمِّنُ الْفِعْلَ مَعْنَى الْفِعْلِ وَتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ كَمَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ : ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ﴾ أَيْ مَعَ نِعَاجِهِ و ﴿مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ﴾ أَيْ مَعَ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مِنْ التَّضْمِينِ فَسُؤَالُ النَّعْجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا وَضَمَّهَا إلَى نِعَاجِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ﴾ضُمِّنَ مَعْنَى يُزِيغُونَك وَيَصُدُّونَك وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ ضُمِّنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ ضُمِّنَ يُرْوَى بِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ""
[وقد عقد ابن هشام في كتابه (مغني اللبيب) الباب السادس في التحذير من أمور اشتهرت بين
المعربين والصواب خلافها ، وذكر منها ص 861 ، قولهم: " ينوب بعض حروف الجر عن
بعض " ، وقال : "هذا مما يتداولونه ويستدلون به ، وتصحيحه بإدخال (قد) على قولهم:
"ينوب... " ، وحينئذ يتعذر استدلالهم به ، إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه : لا
نسلم هذا مما وقت فيه النيابة ، ولو صح قولهم لجاز أن يقال : مررت في زيد ، ودخلت من
عمرو ، وكتبت إلى القلم ، على أن البصريين ومن تابعهم يرون في الأماكن التي ادعيت فيها
النيابة أن الحرف باق على معناه ، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف ، لأن
التجوز في الفعل أسهل منه في الحرف " اهـ
وذكر في الباب الثامن الذي عقده في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور
الجزئية ، ذكر ص897 " القاعدة الثالثة : قد يشربون لفظاً معنى لفظ فيعطونه حكمه ،
ويسمى ذلك تضمينا ً، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين " اهـ
وهذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين ، فالقول بجواز جعل بعض الحروف
تقوم مقام بعض ، هو قول أكثر الكوفيين ، بخلاف البصريين. انظر: الإنصاف في مسائل
الخلاف بين النحويين : البصريين والكوفيين (1/266) ، الجنى الداني ص 46 ، مغني
اللبيب ص150-151. ونصر قول البصريين ابن جني في الخصائص (2/306-310، 435) ،
ونسبه للمحققين المرادي في الجنى الداني ص 46 ، ونسب ابن القيم في بدائع الفوائد (2/21)
طريقة الكوفيين إلى ظاهرية النحاة ، ومذهب البصريين إلى فقهاء أهل العربية.]
انظر شرح مقدمة في أصول التفسير (( د.محمد بازمول ط .
دار الإمام أحمد ص . 104/113))
والله أعلم .....،