تبرئة الإمام ابن الجزري من تهمة سرقة النظم

إنضم
11/03/2009
المشاركات
1,240
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الرياض- حضرموت
كان الإمام ابن الجزري ممن يجيدون قول الشعر وينظمه ارتجالاً، يشهد له بذلك منظوماته الوفيرة في علمي التجويد والقراءات.
إلا أنَّه قد تُكلِّم في ذلك عليه، ومن ذلك:
ما قاله البرهان: أخبرني الجلال بن خطيب دارياً: أنَّ ابن الجزري مدح أبا البقاء السبكي بقصيدة زعم أنها له بل وكتب خطه بذلك، ثم بينتُ للممدوح أنها في ديوان ابن قلاقس([1])، فاتهم أنه كان يسرق النظم.
وقدأجاب الإمام السخاوي عن هذه التهمة ودفعها عنه، فقال:
«وأما سرقة النظم فلم يكن بمدفوع عن النَّظم، فكم له من تصنيف نظماً، وكذا أوردتُ من نظمه في ترجمة أبي الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشحنة من الذيل على القضاة شيئاً من لغز ومطارحات ومن رجزه في أحمد بن يوسف بن محمد السيرجي«([2]) ا.هـ. ثم ساق الإمام السخاوي من نظم الإمام ابن الجزري، ثم قال: «وقد روى لنا عنه خلق منهم الزين رضوان والتقي بن فهد والأبي ومن لا يحصى كثرة« ثم ساق قول المقريزي في الثناء عليه: كان شكلاً حسناً فصيحاً بليغاً له نظم ونثر وخطب«([3]).
قلتُ: والمتتبع لرحلته إلى الديار اليمنية وما حصل فيها من المطارحات والسؤلات الشعرية أشياء حسنة ليجزم بسرعة البديهة الشعرية عند الإمام ابن الجزري، إضافة إلى ما ذكره الإمام السخاوي عنه من نظمه المنظومات العلمية في القراءات وغيرها، كالمقدمة والدرة والطيبة وغيرها، حيث قال: «كذلك نظم الهداية في تتمة العشرة وسماه الدرة وله ثمان عشرة سنة وربما حفظها أو بعضها بعض شيوخه، وإتحاف المهرة في تتمة العشرة وإعانة المهرة في الزيادة على العشرة نظم وطيبة النشر في القراءات العشر في ألف بيت والمقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه في التجويد«([4]).
ومن ذلك قول الإمام عن الإمام الشاطبي ومنظومته: «ومن وقف على قصيدتيه –يعني: اللامية والرَّائية- علم مقدار ما آتاه الله في ذلك، خصوصاً اللامية التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها، فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها«([5]). وقد نظم على منوالها منظومة الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية، وقد اصطلح فيها اصطلاحات الإمام الشاطبي في قصيدته، وهذا يدلُّ على قدرته على النَّظم، والله أعلم.

([1]) ينظر:الضوء اللامع: 9/259.
([2]) ينظر:الضوء اللامع: 9/259-260.
([3]) ينظر:الضوء اللامع: 9/260.
([4]) ينظر:الضوء اللامع: 9/257.
([5]) ينظر: غاية النهاية: 2/22.
 
شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي رحمه الله نسبة الي قرية سخا في مصر له باع طويل في الحديث و التاريخ وُلد بالقاهرة عام831 وبها نشأ وتوفي بالمدينة المنورة و شيخه هو أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني رحمه الله بلغت مصنفاته 200 كتاب لعل أشهرها: الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع, المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة, فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي, الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ .
 
إن هذه التهمة أقل من أن يجاب عنها ، لقد مات الجلال ، ولم يبق له ذكر ، وبقيت منظومات ابن الجزري لها الصدارة إلى زماننا ، وظل ابن الجزري _ كما هو _ في مكانته السامية ، فلم ينقص هذا الاتهام من قدره شيئا ، بل ولم يلتفت إليه ، ولم يتناوله أحد ، رحم الله الجميع .
 
مثل هذا ينبغي أن يطوى ولايروى ، إلا في مجالس علمية مغلقة .
أما أن تكتب كذا في ملتقى عام ... مِش مناسب !
أعلم أن النية حسنة ، والأمر علمي بحت لكن تناول أمثال هؤلاء الأئمة هكذا ما ينفع .
وأرجو تلطيف العنوان بالاقتصار على ( تبرئة ... الجزري ) وكفى .
لأننا كثيرا ما نسيئ إلى أنفسنا قبل أئمتنا بمثل هذه العناوين ، وليعذرني أبو إسحاق والقراء من بعده .
 
هذا ملتقى علمي لطلاب العلم، لا العوام، وينبغي أن تناقَش فيه أي مسألة علمية دون حرج، أما منهج السكوت وإخفاء الأمور فهو الذي أوصل القراءات المتواترة إلى أن تكون فتنة للعوام، لا تجوز القراءة بها في المساجد!
 
شكر الله لجميع الإخوة والمشايخ مداخلاتهم
وأقول: إنَّنا ولله الحمد نجلُّ علماء الإسلام وأئمتهم، ونستفيد من علمهم ونترحم عليهم
وهذا لا يدعونا إلى تقديسهم وعصمتهم
وإنَّ للإمام ابن الجزري رحمه الله مكانة عظيمة في قلبي دعتني لتتبع سيرته في كتب التراجم والقراءات المطبوع منها والمخطوط، وقد وقفتُ له على كلام ينبغي أن يكتب بماء الذهب، ولم أجد من ذكره من المعاصرين في ترجمته مع كثرة من ترجم له، ووقفتُ لكلام لبعض معاصريه يقدح في جوانب من شخصيته العلمية عدا علم القراءات فالكلُّ مسلِّم له، وهو من كلام الأقران الذي يطوى ولا يروى كما قرَّر ذلك أئمتنا رحمهم الله، إلا أنني وجدتُ من ينقل هذه النقول للحطِّ من مكانته.
ومن هنا قمتُ بجمع رسالة خاصة به عنونت لها "الأدبيات الجزرية في البلاد اليمنية" جمعتُ فيها المطارحات والألغاز الشعرية والرثاء والمدح الذي حصل معه في رحلته لليمن، ودعوتُ الباحثين لجمع ديوان شعري له غير منظوماته في التجويد والقراءات، وقدَّمتُ ذلك في تبرئته من تمهة سرقة الشعر، وهي إحدى التهم التي اتهم بها، ووضعتُ بعضاً منها بهذا الملتقى للمتخصصين في علوم التجويد والقراءات لأحظى بملاحظاتهم ونقدهم.
وليس هذا من العلم الذي ينبغي إخفاءه عن طلبة العلم في مثل هذه الملتقيات العلمية المتخصصة، وإنَّ سياسة إخفاء بعض العلوم والمسائل العلمية عن النَّاس أدَّت إلى أن يُنكر علينا إذا أردنا تصحيح سورة الفاتحة قالوا: أنَّ هذا يدعو إلى الفتنة، وإذا قرأنا لحفص بالإمالة في (مجراها) قال لنا بعض الطلبة: إنَّ هذا يؤدي إلى التشويش على النَّاس، فما بالكم بالأوجه الأخرى لحفص أو القراءات.
غفر الله لي ولكم ولسائر مشايخنا وجميع المسلمين
 
عودة
أعلى