تاملات من حياة نبي الله داوود في القران (2)

إنضم
04/03/2006
المشاركات
179
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
جمهورية مصر العر
يقول تعالى "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) الأنبياء
المشهور في قصة الحرث الذي نفشت فيه الغنم رواية ابن عباس وقتادة أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع: إنّ هذا انفلتت غنمه ليلًا، فوقعت في حرثي، فأفسدته، فلم تبق منه شيئًا، فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرّا على سليمان عليه السلام فقال: كيف قضى بينكما، فأخبراه. فقال سليمان وهو ابن إحدى عشر سنة: لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا، وروي أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي، ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوّة إلا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، قال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرّها ونسلها وصوفها، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود: القضاء ما قضيت. ومعظم الروايات الواردة في الآية تحوم حول هذا المعنى
وكما تعودنا عند تناول سيرة الأنبياء ان نمعن النظر في النص القرآني ولا نعول كثيرا على الروايات الواردة في القصة أن لم يكن فيها نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أنبياء بني إسرائيل فالروايات الإسرائيلية سواء الواردة في كتبهم أو المنقولة عن السلف لا تخلو من تأثرها من نظرة بني إسرائيل السلبية لأنبيائهم فغالب الروايات الإسرائيلية تأتي محملة بلمز وغمز للأنبياء وانتقاص من قدرهم لا يقبلها النص القرآني وترفضها عقيدة المسلم نحو الأنبياء باعتبارهم المصطفون الأخيار
و من هنا فان الروايات الواردة في قصة الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم لا تخلو من ذلك فتراها تلمح بان داوود حكم حكما فيها وقد حكم سليمان حكما آخر أكثر صوابا منه وتذكر هذه الروايات أن سليمان عندما قابل صاحب الغنم سأله عن قضاء داود فقال حكم بالغنم لصاحب الزرع فقال لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا وهنا طلبه داوود ليسأله عن قضائه المقترح فاخبره فقال له القضاء ما قضيت والمعنى هنا ان قضاء سليمان كان بمثابة نقض لقضاء داود واستئناف عليه وفيه حط وانتقاص من قضاء داوود كما ان الرواية تقول أن سليمان كان خارج مجلس أبيه يتعقب أحكامه بما يعني انه أعطي لنفسه حق مراجعة أحكام أبيه وهذا أيضا انتقاص من قيمة سليمان وتوقيره لأبيه أما التأمل في النص القرآني فانه نخرج بنتائج مختلفة تتناسب مع عقيدتنا عن الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ولنتأمل النص القرآني .
أولا:- ليس في نص الآية ولا مفهومها أن داود حكم حكما وسليمان حكم حكما آخر ينقضه بل الآية نص في أن داوود وسليمان كانا يحكمان معا في الحرث ومعنى هذا أن القضية عندما عرضها المتخاصمون عرضوها على الاثنين من البداية ليحكما فيها " إذ يحكمان في الحرث " فلم تعرض القضية على داوود منفردا وعندما مروا على سليمان نقضه وعلى هذا فلم يكن حكم سليمان نقضا لحكم أبيه أو استئنافا عليه بل نظر داوود وسليمان القضية معا .ا
ثانيا : ان القضية صدر فيها حكم واحد وليس حكمين كدلالة النص "وكنا لحكمهم" ولم يقل وكنا لحكميهما بل هو حكم واحد ويمكن أن نتصور أن النبيين الكريمين قد اشتركا في نظر هذه القضية معا وكان لكل منهم رايه فيها وان فهم سليمان للقضية هو الذي ترجح عند داوود للحكم فيها يقول الطاهر بن عاشور " فمعنى قوله تعالى " ففهمناها سليمان "أنه ألهمه وجها آخر في القضاء هو أرجح لما تقتضيه صيغة التفهيم من شدة حصول الفعل أكثر من صيغة الإفهام ، فدل على أن فهم سليمان في القضية كان أعمق . وذلك أنه أرفق بهما فكانت المسألة مما يتجاذبه دليلان فيصار إلى الترجيح ، والمرجحات لا تنحصر ، وقد لا تبدو للمجتهد ، والله تعالى أراد أن يظهر علم سليمان عند أبيه ليزداد سروره به ، وليتعزى على من فقده من أبنائه قبل ميلاد سليمان .ا.ه
ثالثا :- و في ضوء السياق العام للسورة التي وردت فيها هذه القضية نفهم ان رأي سليمان كان مصدره الله " ففهمناها سليمان " كان منة من الله على سليمان كما أن سليمان نفسه وما أوتيه من فهم كان منة من الله على داوود يسره ذلك فمما لاشك فيه أن من أعظم النعم أن يري الإنسان في حياته نجابة ولده وتميزه ورجاحة عقله وهذا ما حدث لداوود فلقد أراه الله نجابة ولده وحكمته في حضرته فقر ت عينه بذلك وإذ راجعنا سورة الأنبياء سنجد ان الحديث عن الأنبياء كان حديث الإكرام والعطاء الجزيل من الله إليهم وراجع السياق من أول السورة يقول تعالى "ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فأنجيناهم وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) وتحدثت السورة عن موسي وهارون "وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) وتحدثت عن إبراهيم "وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) وتحدثت عن لوط " وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وتحدثت عن أيوب وإسماعيل وإدريس وذا الكفل "بقوله تعالى " وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وذكرت الآيات نعمة الله على يونس" فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وانعم الله على زكريا " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وفي ضوء هذا السياق جاء الحديث عن داوود وسليمان "وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) حديث الإكرام والعطاء على هذين النبيين الكريمين ونري هذا أيضا في حديث القران في غير هذه السورة ففي سورة النمل يقول الله تعالى" وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) النمل وفي سورة ص يقول الله تعالى وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص .
رابعا :- يعقب القران على القصة بقوله تعالى " وكلا آتينا حكما "وكأنه استدراك على ما فهمه الناس من الروايات الإسرائيلية من انتقاص من قدر داود أو سليمان عليهما السلام
لم يتعرض القران عن تفصيلات القضية فلقد كان الغرض الرئيسي هو عرض العطاء الإلهي العميم لهذين النبيين الكريمين لكن تناول المفسرون قصة هذه القضية وما فيها من فوائد يحسن ان نتعرض لها في الحلقة القادمة ان شاء الله
 
السلام عليكم وبعد
اعتقد ان التوجه الذى اشار اليه الاخ الكريم ابو العزايم ، توجه رشيد فى رد اى شبه او اقوال ضعيفه تنتقص من انبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم ، ونؤكد على وجوب الاعتقاد فى عصمت الانبياء مع كونهم بشر ، لكن مؤيدين بالوحى والتسديد والالهام من عند الله تبارك وتعالى ، ودليل ذلك واضح فى حق سليمان عليه السلام وظاهر النص يدل عليه " ففهمناها سليمان " فجزى الله الاخ خير الجزاء على هذا الطرح القيم .
 
عودة
أعلى