تاملات من حياة نبي الله داود في القران

إنضم
04/03/2006
المشاركات
179
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
العمر
58
الإقامة
جمهورية مصر العر
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) سورة ص
ما قيل في تفسير هذا الموقف من حياة سيدنا داوود عليه السلام في الآية يمثل النموذج السيئ للتفسير بالإسرائيليات فقد تلقفنا الروايات عن بني إسرائيل بما تعكسه من صورة سلبية عن الأنبياء عموما دون ان ننتبه الى أهمية تكريم الأنبياء وقيمتهم في حياتنا وكان يكفينا قول الله تعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) الأحزاب .
إن تفسير النعجة بامرأة رآها داوود تغتسل فوجدها امرأة من أجمل النساء خلقا ، فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها ، فقيل : هي تيشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا ، وزوجها في غزاة بالبلقاء فأحب أن يقتل أوريا ويتزوج امرأته ، فكان ذنبه هذا القدر . فقبل منافاة تفسير النعجة بالمرأة للغة التي جاء بها القران فان هذا الرأي وقاحة وسوء أدب ليس مع سيدنا داوود فحسب ولكن بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيضا اذ القصة مسوقة لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم كسلوك لنبي كريم قبله لتثبيت فؤاده والصبر على قومه .فهل يعقل ان يقول القران لمحمد صلي الله عليه وسلم اصبر على ما يقوله الكفار بحقك واذكر داود اذ رأي امرأة حسناء فأعجب بها فاحب ان يقتل زوجها ويتزوجا !!!!!!
ما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يظن بنبي كريم من الأنبياء هذا الظن فالأنبياء عندنا هو المصطفون الأخيار كما ذكرت هذه السورة الكريمة أما الوجه الآخر الشائع أيضا وهو ان داود قد أخطا في انه استمع الى حجة احد الخصمين وحكم له دون سماع حجة الآخر فهي أيضا غير مقبولة في معنى الآية وحتى لا أقول برأي فاني انقل كلام الحافظ ابن كثير عن الروايات التي قيلت في الآية إذ يرفضها جملة يقول " قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب إتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ; لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد - وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة . فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله - عز وجل - فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا .ا.ه تفسير ابن كثير
واذ كان هذا كلام صاحب أشهر تفسير بالمأثور فان تناول هذا الموقف من حياة سيدنا داود ينبغي أن يكون بعيدا عن ثمة روايات لم يصح منها شيء ولم يرد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم منها شيء .
ومن ثم فإننا نقف عند هذه الآيات عدة وقفات في ضوء التعبير القرآني وفي ضوء سياقها من السورة الكريمة
الوقفة الأولى :- ينبغي أن نلاحظ أن هذه القصة وردت في سياق مدح القرآن لسيّدنا داوود عله الصّلاة والسّلام وتعدادا لمناقبه فتبدأ القصة بذكر فضائل هذا النبي الكريم فتصفه " عبدنا " : وهذا اللفظ لا يستعمل إلا في مقام التكريم و" ذا الأيد " .... أي القوة في الحق و " انّه أواب "...أي كثير الرجوع إلى الله كما ذكرت الآيات من مناقبه أيضا أن الجبال مسّخرة له والطير محشورة له مجتمعة بين يديه يسبحن بالعشيي والإشراق وفوق هذا وهذا فقد اوتي ملكا عظيما وصفه القران { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } ومعنى شددنا ملكه أي كان ملكا خالصا ليس فيه منازعة ولا متمردين عليه وفصل الخطاب أي القضاء في الخصومات أحكام حاسمة صائبة وهذه الصفة تنفي حكاية خطأه في القضاء بان حكم لأحد الخصمين دون سماع حجة الأخر
ثم تنتهي الآيات بذكر مقامه عند الله في الآخرة... "وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ "
الوقفة الثانية:- ليس في ألفاظ الاية لا في دلالة العبارة ولا دلالة المفهوم ما يدل على أن القصة رمزية رتبها الله تعالى بارسال ملكين في صورة خصمين لعتاب داوود عليه السّلام على فعل يخالف الشريعة أو معصية ارتكبها أما استنباط الخطأ من عبارة" فاستغفر ربه " " ولا تتبع الهوى" فليس فيه دلالة على انحراف ما أو ارتكابه معصية فاستغفار النبي لا يعني سبق وقوعه في الذنب " ا إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وقوله تعالى" إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) " ونهي النبي عن إتباع ألهوي لا يعني سبق إتباع الهوى منه يقول تعالي ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) الجاثية . وآيات كثيرة من هذا القبيل
الوقفة الثالثة:- محاولة لفهم الآية حسب موضعها من السياق.
نحاول أن نقف عند ألفاظ الآية ودلالة موضعها من سياق السورة بعيدا عن أي روايات طالما أسقطناها من حسابنا .
تبدا القصة بهذا اللفظ "إذ تسوّروا المحراب": والتسور يعني تسلق السور المحيط بالمحراب وهذا يعني عدم دخولهم من الباب مما يعني معه عدم إمكانية أن يدخلوا من الباب. مما اضطرهم أن يتسوروا وهذا راجع إما الى أنهم في عجلة من أمرهم لم يصبروا حتى يجلس داوود في المجلس العام الذي يدخل عليه فيه الناس او انه لم تكن هناك إمكانية أساسا لدخولهم عليه إلا بهذه الطريقة .
ففزع منهم وهذا طبيعي لأنه لم يكن مستعدا لدخول احد عليه فهو في المحراب أي للصلاة والتسبيح وقد سارع القوم في إذهاب الفزع عنه حتى يستطيع الإنصات إليهم فقالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض
فواضح أنهم جماعة وليسوا شخصين إذ الأفعال كلها جاءت بصيغة الجمع "تسوروا" " اذ دخلوا " "ففزع منهم " "قالوا لاتخف " "بغي بعضنا على بعض " ويمكن ان نفهم ان النزاع بين شخصين لكن كان لكل شخص منهما أنصاره جاءوا معه لمناصرته وهذا واضح من عرض الشكاية ثم عرض احد الخصمين شكايته " إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " وواضح من موضوع القضية أن الشكوى لم تكن من رغبة الغني ذي التسع وتسعين نعجة في الاستيلاء على نعجة الفقير ذي النعجة الواحدة كما فهم البعض فقوله "اكفلنيها " لا تعني الاستيلاء عليها فالكفالة لا تعني الاستيلاء بل تعني الرعاية وقد وردت في القران بهذا المعنى " وكفلها زكريا " وبهذا يمكن ان نتصور موضوع القضية أن الفقير يقول أن أخي هذا عنده تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فطلب مني ان أضم نعجتي الى نعاجه ليقوم على رعايتها مع نعاجه فهذا أوفر في الغذاء والصحة والرعاية وواضح ان الفقير ذا النعجة الواحدة قد وافق على ذلك فلما ضمها الى نعاجه حدث الاختلاف بعد ذلك بسبب الشراكة الغير متكافئة وتداخل الحقوق واختلاطها فشريك له نعجة واحدة وشريك له تسع وتسعون نعجة فكيف يقتسمان هذه الشراكة مما سبب التنازع وقد انضم الى كل طرف جماعة من الناس جاءوا معه ليناصروه فسبب انقساما في هذا المجتمع بسبب هذه الشراكة الباطلة ولنتأمل رد داوود فلم يحكم على الطرف الثاني ولم يوجه خطابا اليه بل ظل موجها حديثه الى الطرف الأول الذي بدأ عرض قضيته وقال له لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ولم يقل للطرف الاخر لقد ظلمت أخيك بسؤالك نعجته الى نعاجك بما يعني ان الحديث من داوود عليه السلام قد ظل متوجها للطرف المتحدث فالظلم كان هو الشراكة الغير متكافئة الذي تختلط فيه الحقوق ويصعب اقتسامها مما تدعو الى التنازع والشقاق بين افراد المجتمع حتى لو بدأ الموضوع بحسن نية من باب الاخوة " ان هذا اخي " وقد علل داوود عليه السلام هذا القرارفي حثييات حكمه بان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إذ الأمر يحتاج الى دقة شديدة في معرفة حقوق كل شريك وهذا لا يدركه إلا القليل من الناس وهنا تنبّه داوود أن الرعية يحدث بينها مظالم وقد انشغل عنهم بالعبادة فلا يجد المظلوم من يدافع عنه .. ويحتاج الى رعاية أكثر ممن ولاهم الله عليه حتى لا تختلط الحقوق وتكثر الخصومات فكل راعي مسئول عن رعيته وان الملك والحكم الذي اوتيه هو من باب الفتنة والبلاء وعليه ان يستعين بالله في رعايته والقيام عليه وهو درس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في اهمية المسئولية الملقاه على عاتقه والانتباه الى أهمية رعاية قومه والصبر عليهم حتى لا يضلوا أو يزلوا فهو مسئول عنهم كما كان داود مسئولا عن قومه .
فظن داوود أنمّا فتناه بما وهبنا له من الملك عليه أن يقوم برعايته
فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك ثم توجه إليه بالنصيحة له ولمن كان في مثل موقفه فقال تعالى "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) سورة ص .
والله اعلم
 
اخي عبد الرحمن المعلوي شكرا لمرورك اولا :وقد قرأت مقالك وكما رايت في مقالي لااميل الى ان داوود عليه السلام قد اخطا في القضاء فالقول بانه استمع الى احد الخصمين دون الاخر وتسرع في الحكم الى اخر ماجاء في الرويات مقحم على الايات اقحاما ويتناقص مع الصورة القرانية للانبياء ومنهم داوود عليه السلام ثم كيف يعدد الله مناقبه ومنه اتيناه الحكمة وفصل الخطاب اي حسن القضاء ثم يعرص لصورة من اقضيته فشل فيها هل هذا معقول نحتاج الى التحرر من الروايات التاريخة التي لم يصح منها شيء ونفهم الايات في ضوء سياقها من السورة ثانيا :- لماذا لانفهم الفتنة التي قال عنها القران وظن داوود انما فتناه لماذا لانفهم الفتنة بانها فتنة الملك الم يقل سليمان عليه السلام نفس المعنى عندما رأي عرش بلقيس بين يديه قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ" وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يستغفر عند الفتح " اذا جاء نصر الله والفتح فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا " لماذا نفهم انما فتناه بقصة الخصمين ؟!!والله اعلم
 
عودة
أعلى