تاريخ جديد ورحمة مرسلة

ابن الشجري

New member
إنضم
18/12/2003
المشاركات
101
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=justify]هذا مقال كان لكتابته داع سابق لم أنشره في حينه ، ظنا أن التعامل مع الحدث كان يستوجب أمرا آخر فوق الكتابة ، ولما مضى على كتابته زمن ليس باليسر ، رأيت نشر متخير منه يسير ، إذ لم تعدم القضية سفيها هنا وهناك ، وكان الداعي الأساس لنشره في هذا الملتقى من استوجب علي بره ، واستحق شكره ، واستنزل بحر لفظه قليل ما لدي ، إذ كان كثير ما عنده لم يثنه عن قليل ما عندي ، فوجبت له الطاعة ولزمت المبادرة ، وحرم التسويف وكرهت المماطلة ، ولو كنت واجدا لحلت عقوبتي ، لكن فاقتي أبين في مماطلتي ، فلعل في كريم خلقه ما يغفر لي زلتي .[/align]
 
مرحباً بالأخ الحبيب ، والأديب الأريب ، وما دفعنا للإلحاح إلا الحبُّ يا أبا عبدالرحمن ، وقديماً شكى المحبون الهجر والصدود فلستُ فيهم بأوحد، وسأؤجل التعليق على هذه المقالة الأدبية البديعة حتى وقت لاحق يصفو فيه الخاطر، وتهدأ فيه العيون ، وإنما أحببت أن لا يسبقني إلى الترحيب بك وشكرك أحد . والسلام .
 
[align=justify]سلمك الله أبا عبدالله ، وجزاك عن أخيك خيرا ، فلأنت دائما سباق ، جواب آفاق ، فلك الشكر من أخيك أضعافا مضاعفة ، وما أجمل العتاب بين الإخوة والمحبين على قلة اللقاء ، فهو أمارة صدق ، وبشارة ود ، فمتى رأيت صاحبك في نفسه شئ عليك لطول غياب ، فاعلم بأنك قد حللت من قلبه بمكان لا تصل إليه الذئاب ، فاحتمل في سبيل هذا كل ما قد يصك به أذنيك من عبارات العتاب ، وتحمل في سبيل هذا كل قسوة أو سباب ، وإن كان حاشاك يا صاحبي من أي عبارة قاسية ، أو لفظة نابية ، فلم نسمع إلا أطيب حديث وأزكاه ، فأمرك في هذا عجيب ، تذكرني معه بالشئ الغريب ، تعطي وتعتذر ، وتداوي فما تذر.
فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا

هذا المقال في الذب عن الرحمة المرسلة ، محمد صلى الله عليه وسلم ، إن المسلم اليوم ليعيش أزمة عالمية وسؤ هضم فكري ، وضعفا وخورا وجهلا مطبقا ، أوذي في كل شئ ، وحورب في كل الميادين ، قتل في قراره ، وانتهكت بيضة داره ، وسفه في جواره ، يعطى السم فيشربه باليمين ، ويسب ويشتم فيهتف بآمين ، إنها لأزمة حقيقية وغمة كفرية .

حضارية مادية غربية ، تكاد تخرج الإنسان من إنسانيته ، وتقلب الموازين حتى في معنى حريته ، حتى زعمت أن من الحرية سب الأنبياء ، والسخرية بالمرسلين والأتقياء .

ولعل الله أراد بها مكرا لمكرها ، فهل يعقل أن يكون صنيعها هذا من مراتب الحرية ، أو معان الإنسانية ، وإن في هذا لما يكشف زيف حضارة الآلة والمصنع ، وسفه ما تعيشه من بعد إنساني وحضاري ، فنحن على يقين أن الله حافظ نبيه ، وأنه سبحانه سيستأصل شافة المستهزئين ، ويجعل الدائرة على المكذبين ، حتى تعرف مكانة الأنبياء وقدر المرسلين .

فكانت هذه مشاركة القلم ، ولابد من مشاركات أخر ، فياليتها كانت قومة واحدة ، أو صيحة خامدة ، وإن النصرة تبدى من أنفسنا أولا ، حتى تنتهي عند تلك الشرذمة البغيضة ، فهل صنا وحي الرسالة حقا ، وهل نحن أهل أن نصون مقام المرسلين ، وأن ننشر رسالة الرحمة ، حتى يدرك الكون كله رحمة الرسالة ، ويعيش في كنفها ويستظل بظلها . [/align]
 
أخي الأديب الأستاذ الكريم / ابن الشجري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
فهل تدري ما صنعتَ بي يرحمك الله؟!
إني والله ما صحوتُ من غفوتي إلا حين شممتُ عِطْرَ بيانك يفوح في الرياض ، فانتشلتُ روحي الهائمة المدنفة مِنْ غياهب وحدتها ، وأطلقتُها ترفرف في بساتينك المخضرة تشرب صِرْفًا حلالا وعَسَلاً مصفّى... تُراقِصُ أغصانها الخَضِرَةِ ، وتُقبِّل أزهارها النَّضِرَة...
فمرحبا بطلّتك البهيّة ، يا ناثر الدرر السنيّة...لا حرمنا الله بركاتك ، وجعل ما كتبتَ في ميزان حسناتك.

اعلم أخي الأديب أني لو كنتُ أحمل قلما كقلمك لما وضعتُه ساعة ، فأحسن كما أحسن الله إليك...ولا تطل الغياب! فإن فعلتَ فلا مفر حينئذ من العتاب!

والسلام عليكم.
 
[align=center]أخي الكريم: ابن الشجري - بوركت قلما وفهما وعلما -
ما أعمها من رحمة ! ثم ما أعذبها من كتابة !
و نحن في شوق لباقي أخواتها.[/align]

إن للطفولة رائحة تجدونها في أعناق أبنائكم وبناتكم ، ولها صورة لا يمكن أن ترسمها ريشة أو تعبر عنها كلمة ، ولها دفء يغمر القلب فيحرك كل رحمة ومحبة ورقة وإنسانية ، ولها ماء لو سقي به يابس العشب لاخضر عوده ، أو تنفسته وردة منسية في فلاة لتشربت ماء الحياة .
فكيف بحال هذه الأم التي تنتحب ، وهي تشم رائحة ابنتها في كل زاوية من زوايا البيت ، كيف بقلبها وهي لم تعد تشاهد من ابنتها إلا آثارها التي تنظر إليها من دمية وثياب ،

إن البهائم والطير لتدرك من معان الرحمة مالم يدركه أعدا الله ورسله ،ءمن استهواهم الشيطان ، وختم على سمعهم وأبصارهم ، إن البقرة الحلوب لتدرك من عبادة الله ما أعرض عنه أربابها في كثير من أقطار الدنيا .
فليسأل بني الأصفر بقرته الحلوب ، ألم ينه صلى الله عليه وسلم عن ركوب ظهرها وضربها ، سل نعجتك وشاتك الراتعة ألم يأمرنا بأن نصلح لها الطريق ونمهده حتى تسير في يسر وسهوله ، سل هرتك الطوافة ألم يكن نبي الرحمة يرخي لها السقاء حتى تشرب وترتوي ، سل كلبك الوفي ألم يخبرنا نبي الرحمة بأنه كان يوما سببا لمن أحسن إليه في دخول الجنة ، سل النملة في قريتها ألم ينهنا عن حرقها وتعذيبها والإساءة إليها ، سل الطير في وكناته ألم يستجر حين أخذت صغاره بالرحمة المهداة ، سل البهائم كلها ألم ينه عن التفريق بين والدة وولدها ، سلها ألم يأمرنا بالرحمة بها والإحسان إليها حتى عند ذبحها.
ستجيبك لو كان لها بيان ، بأنك أيه الإنسان ، لا تساوي في ميزان الحقيقة الإنسانية ونيم الذباب عند تنكرك لهذه الرحمة ، ستجيبك بأن هذه الرحمة لم ترسل للون أو جنس أو عرق ، بل للبشرية كافة ، بل لكل مخلوق يلامسه الأثير ، فكيف بالإنسان الذي يسير.
 
.
[align=justify]يا من له من اسمه نصيب ، الأخ الأديب عمار الخطيب : شكر الله لك ظنك الحسن ، وإطرائك الجميل ، ونفعنا جميعا بالعلم ، ورزقنا معه الإخلاص ، ومع الإخلاص القبول .

إن الإنسان ليسعد عندما يلمس استحسان الآخرين لما كتب ، ويسر مع ذلك بالذكر الجميل ، لأن ماقدم ماهو إلا ثمرات فكره وبنات قلمه ، لكن يكدر هذا الأمر أن الله تعالى لا يقبل إلا ماكان خالصا لوجهه الكريم ، فياحسرة على عمل يقرب إلى الله وعامله يصرفه لغير الله ، وقد خاب من آثر الفاني على الباقي .

إن أحدنا ليكتب ماقد يستوجب بمثله الجنة ، وينال به رضى الله ، وإن المرء ليقف حيرة مع هذا الأمر ، فالإخلاص عزيز ، ومن يدعيه مجانب للصدق ، فتجدنا نحب أشياء فنأتيها دون استحضار للنية ، وهذا من دقيق مسائل العلم التي أشبع القول فيها شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة مفردة ، وهل يثاب عليها المرء أم لا ...؟

فعدم استحضار النية لا يستوجب ترك مثل هذه الأمور الجميلة المحمودة ، ولو لزم تتبع المرء لنيته في باب العلم خاصة ، لما وجدنا عالما إلا فيما قل ، ولما وجدنا كتابا ينتفع به إلا فيما ندر ، ورحم الله الغزالي القائل : ( لولا الرياء لذهب تسعة أعشار العلم ) وكم تعجبني جرأته ودقيق فهمه في مثل هذه العبارة الصارخة ، وهو وإن كان خانه التعبير في هذا الباب ، وأوضحه أيما إيضاح شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة الآنفة الذكر ، إلا أن لقوله وجه صحيح وإن كان يعوزه التفسير .

ولو قال قائل إن من أكبر معوقات الدعوة والعلم ، إلزام الناشئ في ذلك بالإخلاص لكان قولا سديدا ، فتجد المبتدئ في طلب العلم متى وجد من يشدد عليه بملاحظة الإخلاص ، وينبهه بأنه لا فائدة من طلبه للعلم إن لم يكن مخلصا ، خارت قواه إن لم ينصرف كليا عن طلب العلم ، وحار في هدايته بعد أن كور عمامتها ، وكم كان يتعبنا مثل تلكم الكلمات المثبطات ، ولربما قعدت بأحدنا عن تعلم الفاتحة ، فلابد من قرن هذا التنبيه بتنبيه له آخر ، وهو أن عدم استحضاره للنية لا يجب أن يقعد به عن طلب العلم ، وأن مجرد طلبه للعلم نية ...، ولعل مدارسته لكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والنظر في سير القوم يهديه سواء السبيل في هذا الباب .

هذا إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله ، لما سأله أبو داود فقال له : هل كان طلبك للعلم لوجه الله ، فأجابه جواب صادق موفق وقال : أما لله فعزيز ولكن حبب إلي شئ فطلبته .

ولعمري إنها لإجابة تمثل منهجا ، فإنه لعسير شاق ، يحتاج إلى جهاد ومجاهدة للنفس ، فحظوظها حاضرة في أكثر الأعمال ، وصرف النظر عنها كليا يكاد يصل إلى حد النزال ، وأظنه سفيان القائل : ما جاهدت نفسي على شئ مجاهدتها على الإخلاص .

ومن كرم الله تعالى أن من جاهد فيه هداه إليه ، كما قال سبحانه في كتابه ، وفرق بين أن يكون المرء مجاهدا لنفسه آطرا لها على الإخلاص ، وبين من يبتغي بعمله من أصله غير الله .

فسنكتب ما استطعنا ـ إن شاء الله ـ ولن ندعي الإخلاص ، بل سندعو الله أن يوفقنا له وأن يصرف قلوبنا عن ملاحظة الناس ، فكم من كتاب كتب للناس فكان عاقبته الإفلاس ، وكم من كتاب كان لله فأبقاه للناس .

ومثل هذه المسائل ليس بالجديد طرقها و كشف لثامها ، بل تكاد تكون ديباجة أغلب الكتب ، وإن كان من الجيد لو أن باحثا حاول معالجتها على واقع الدعوة اليوم ونفسيات طلاب العلم والله المستعان .

فلقد ذهبت حلاوة العلم في كثير من القلوب ، وكاد ينعدم أثره من أفواه الكثير من أهله وحملته ، وليس المشجب في ذلك عدم الإخلاص فحسب ، بل لصرفه لأ غراض الدنيا وقلوب الناس عياذا بالله من ذلك ، حتى كادت لا تعرف الدنيا إلا عند أهل العلم ومن كان يوسم بالصلاح ولاحول ولا قوة إلا بالله .

[poem=font="Simplified Arabic,5,green,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يذمون لنا الدنيا وهم يرضعونها=أفاويق حتى ما يدر لها ثعل[/poem]

يقول : متحسرا على ثلة تذم الدنيا دائما ، وهم من يرضعها ويهارش ويخارش عليها ، حتى اللبن الذي لا يكون بين حلبتين ، فإنهم أول من يسابق إليه ويحاول رضاعه دون الآخرين .

ومعاذ الله أن نذم الدنيا عند من هي عنده لأنها عنده ، إنما الذم كل الذم موجه لمن يذمها ثم هو يضرب لها الأخماس بالأسداس ، ويسعى لحارها قبل قارها منازعا فيها الناس .

نعوذ بالله ثم نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من أن نكون ممن يأتي عليهم قوله سبحانه : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ألذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) .


أشكرك مرة أخرى على ماعقبت به ، كما أشكر ذرة ضوء وهذه الذائقة في الاختيار، ومن حقكما علي الدعاء بظهر الغيب ، فحياكما الله في غربة الحرف.[/align]
.
ليلة الخميس 5/3/1429
 
أخي الأديب / ابن الشجري
السلام عليكم ورحمة الله وبعد ،
فإنك قد أحسنتَ إلينا كثيرا بهذه الفوائد المباركة في زَمَنٍ كثر فيه المتكلمون بغير علم!
وأكرمتنا أكرمك الله بطاعته بنصائحك الغالية في زَمَنٍ قَلََّ فيه الناصِحُونَ المخْلِصُونَ!
وإنّا لنَأنَسُ بضوء كتاباتك في وقتٍ لا ينفذ فيه النور...أدَامَ اللهُ إِشْرَاقَكَ البَهِيّ ، وزادك الكريمُ كرما وفضلا وعِلْما.
ومِنْ حقّك علينا أن نشكرك فما عهدناك إلا نديّ الكفّ ، ويرحم الله القائل:
تَعَوَّد بسط الكفّ حتى لو أنه ** ثناها لقبضٍ لم تُجبه أنامله
وأسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، ولا يضرنا بعد ذلك حمد الناس وثناؤهم...فتلك عاجل بشرى المؤمن كما في الحديث الصحيح.

اعلم أخي الأديب أنني أجد مُتَنَفَّسًا لي في كتاباتك مهما تكفأت عليّ النوائب وربضت على صدري الأرزاء ، وكنتُ قد عوَّدتُ نفسي منذ الصغر على النهل مِنْ معين الأدباء والشعراء ، فكنتُ أعيش مع أدبنا العربي الصافي أجمل الأوقات وأسعد اللحظات ، وما زادني الإقبال عليه إلا حبا فيه...
ثم مضت السنون ودرات الأيام ، فضعفت مع الأيام ذاكرتي ، وأصابت العجمة لساني!
وحطّمت مطارق الغربة أقلامي!
وإني والله قد هلعتُ من الغربة ، واشتدَّ الشوق إلى الأهل والخلان ، واللهَ أسأل أن يجمع شمل المبعَدِين ، وأن ينصر المظلومين.

لقد أثرتَ اليوم في نفسي الذكريات إلى الماضي وأهله! فأين مرابع الصبا؟ سقى الله
أيامها ، أين وبيني وبينها آلافٌ من البيد!

أخي الأديب...كيف لا أفرح بمثلك وإني لأجدُ عَبَقَ الرافعي وأريج الطنطاوي في
كتاباتك ، وإني من المحبين لهما المديمي النظر في أدبهما ، أسأل الله تعالى أن يغفر لهما ويرحمهما ، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يُطيل عمرك ، ويمتعنا بأدبك.

فحياك الله في غربة الحرف وفي حرف الغربة.
والسلام عليكم.
 
عودة
أعلى