.
[align=justify]يا من له من اسمه نصيب ، الأخ الأديب عمار الخطيب : شكر الله لك ظنك الحسن ، وإطرائك الجميل ، ونفعنا جميعا بالعلم ، ورزقنا معه الإخلاص ، ومع الإخلاص القبول .
إن الإنسان ليسعد عندما يلمس استحسان الآخرين لما كتب ، ويسر مع ذلك بالذكر الجميل ، لأن ماقدم ماهو إلا ثمرات فكره وبنات قلمه ، لكن يكدر هذا الأمر أن الله تعالى لا يقبل إلا ماكان خالصا لوجهه الكريم ، فياحسرة على عمل يقرب إلى الله وعامله يصرفه لغير الله ، وقد خاب من آثر الفاني على الباقي .
إن أحدنا ليكتب ماقد يستوجب بمثله الجنة ، وينال به رضى الله ، وإن المرء ليقف حيرة مع هذا الأمر ، فالإخلاص عزيز ، ومن يدعيه مجانب للصدق ، فتجدنا نحب أشياء فنأتيها دون استحضار للنية ، وهذا من دقيق مسائل العلم التي أشبع القول فيها شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة مفردة ، وهل يثاب عليها المرء أم لا ...؟
فعدم استحضار النية لا يستوجب ترك مثل هذه الأمور الجميلة المحمودة ، ولو لزم تتبع المرء لنيته في باب العلم خاصة ، لما وجدنا عالما إلا فيما قل ، ولما وجدنا كتابا ينتفع به إلا فيما ندر ، ورحم الله الغزالي القائل : ( لولا الرياء لذهب تسعة أعشار العلم ) وكم تعجبني جرأته ودقيق فهمه في مثل هذه العبارة الصارخة ، وهو وإن كان خانه التعبير في هذا الباب ، وأوضحه أيما إيضاح شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة الآنفة الذكر ، إلا أن لقوله وجه صحيح وإن كان يعوزه التفسير .
ولو قال قائل إن من أكبر معوقات الدعوة والعلم ، إلزام الناشئ في ذلك بالإخلاص لكان قولا سديدا ، فتجد المبتدئ في طلب العلم متى وجد من يشدد عليه بملاحظة الإخلاص ، وينبهه بأنه لا فائدة من طلبه للعلم إن لم يكن مخلصا ، خارت قواه إن لم ينصرف كليا عن طلب العلم ، وحار في هدايته بعد أن كور عمامتها ، وكم كان يتعبنا مثل تلكم الكلمات المثبطات ، ولربما قعدت بأحدنا عن تعلم الفاتحة ، فلابد من قرن هذا التنبيه بتنبيه له آخر ، وهو أن عدم استحضاره للنية لا يجب أن يقعد به عن طلب العلم ، وأن مجرد طلبه للعلم نية ...، ولعل مدارسته لكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والنظر في سير القوم يهديه سواء السبيل في هذا الباب .
هذا إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله ، لما سأله أبو داود فقال له : هل كان طلبك للعلم لوجه الله ، فأجابه جواب صادق موفق وقال : أما لله فعزيز ولكن حبب إلي شئ فطلبته .
ولعمري إنها لإجابة تمثل منهجا ، فإنه لعسير شاق ، يحتاج إلى جهاد ومجاهدة للنفس ، فحظوظها حاضرة في أكثر الأعمال ، وصرف النظر عنها كليا يكاد يصل إلى حد النزال ، وأظنه سفيان القائل : ما جاهدت نفسي على شئ مجاهدتها على الإخلاص .
ومن كرم الله تعالى أن من جاهد فيه هداه إليه ، كما قال سبحانه في كتابه ، وفرق بين أن يكون المرء مجاهدا لنفسه آطرا لها على الإخلاص ، وبين من يبتغي بعمله من أصله غير الله .
فسنكتب ما استطعنا ـ إن شاء الله ـ ولن ندعي الإخلاص ، بل سندعو الله أن يوفقنا له وأن يصرف قلوبنا عن ملاحظة الناس ، فكم من كتاب كتب للناس فكان عاقبته الإفلاس ، وكم من كتاب كان لله فأبقاه للناس .
ومثل هذه المسائل ليس بالجديد طرقها و كشف لثامها ، بل تكاد تكون ديباجة أغلب الكتب ، وإن كان من الجيد لو أن باحثا حاول معالجتها على واقع الدعوة اليوم ونفسيات طلاب العلم والله المستعان .
فلقد ذهبت حلاوة العلم في كثير من القلوب ، وكاد ينعدم أثره من أفواه الكثير من أهله وحملته ، وليس المشجب في ذلك عدم الإخلاص فحسب ، بل لصرفه لأ غراض الدنيا وقلوب الناس عياذا بالله من ذلك ، حتى كادت لا تعرف الدنيا إلا عند أهل العلم ومن كان يوسم بالصلاح ولاحول ولا قوة إلا بالله .
[poem=font="Simplified Arabic,5,green,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يذمون لنا الدنيا وهم يرضعونها=أفاويق حتى ما يدر لها ثعل[/poem]
يقول : متحسرا على ثلة تذم الدنيا دائما ، وهم من يرضعها ويهارش ويخارش عليها ، حتى اللبن الذي لا يكون بين حلبتين ، فإنهم أول من يسابق إليه ويحاول رضاعه دون الآخرين .
ومعاذ الله أن نذم الدنيا عند من هي عنده لأنها عنده ، إنما الذم كل الذم موجه لمن يذمها ثم هو يضرب لها الأخماس بالأسداس ، ويسعى لحارها قبل قارها منازعا فيها الناس .
نعوذ بالله ثم نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من أن نكون ممن يأتي عليهم قوله سبحانه : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ألذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) .
أشكرك مرة أخرى على ماعقبت به ، كما أشكر ذرة ضوء وهذه الذائقة في الاختيار، ومن حقكما علي الدعاء بظهر الغيب ، فحياكما الله في غربة الحرف.[/align]
.
ليلة الخميس 5/3/1429