تاريخ القرآن-قراءة في المصطلح

إنضم
03/02/2005
المشاركات
100
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأحساء
تاريخ القرآن
قراءة في المصطلح

ظهر في العصر الحديث مصطلح تاريخ القرآن, وهو مصطلح جديد يجمع قضايا نزول القرآن وجمعه, وتكمن موضوعاته في الآتي:
(الوحي), (المكي والمدني), (النزول وأسبابه), (الأحرف السبعة), (القراءات), (جمع المصحف), (رسم المصحف).
وقد ساهم عدد من المستشرقين(1), وأهل السنة والجماعة(2), والاثنى عشرية(3) في الكتابة حول هذه الموضوعات وتسمية عناوين كتبهم بـهذا المصطلح أعني (تاريخ القرآن).
ومن المعلوم أنَّ مصطلح التاريخ بكونه مفرداً "يُطلق على جملة الأحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما, ويَصدق على الفرد والمجتمع, كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية"(4).
وبناء على هذا التعريف فإنَّ الماضي البشري يدخل دخولاً أولياً ضمن مصطلح التاريخ, وما يستلزم الحديث عنه من الأحوال والأحداث التي يمر بها هو أو جماعته, أو بلادهم التي يعيشون فيها, وهذا واضح من خلال المؤلفات التاريخية التي تركها لنا العلماء والمؤرخون وجعلوا تسميتها على نوعين:
الأول: فيما يخص الإنسان أياً كان نوعه وتخصصه ورتبته, كتاريخ الأُمم والملوك, وتاريخ الوزراء, والقضاة, والحكماء, والأطباء, والنحاة..ونحو ذلك.
الآخر: فيما يخص المكان الذي يُقيم فيه هذا الإنسان, كتاريخ مَكَّة, ودِمَشْق, وبَغْدَاد, ودَارْيَّا, وغَرْنَاطَة, وسَمَرْقَنْد, وبَيْهَق, ونَيْسَابُور..ونحو ذلك.
أمَّا إطلاق التاريخ على العلم وما يستلزم الحديث عنه من نشأته وتطوره وأبرز موضوعاته ونحو ذلك, فإني لم أجده حاضراً إلاَّ في تواليف العصر الحديث (5), كتاريخ القرآن, وتاريخ التشريع, وتاريخ النحو, وتاريخ الأدب العربي, وتاريخ البلاغة..ونحو ذلك.
والذي يبدو لي أنَّ هذا الإطلاق هو ناتج عن تأثيرات المدرسة الاستشراقية على العلماء والباحثين العرب, وذلك بناءً على فلسفة العلم عند الغرب التي تقوم على: التاريخ والمصطلح والمنهج, فقبل أن يخوض المستشرقون في الحديث عن ماهية أي علم فإنهم يبحثون عن جذوره وتاريخ بداياته, كمدخل إلى هذا العلم.
ولذلك فإني لم أجد من العرب من تناول تعريفاً لمصطلح "تاريخ القرآن", وهذا ما يُؤكد اقتحامه على البلاد العربية.
ومن خلال تأملي في موضوعات الكتب التي حملت هذا العنوان فإني أستطيع أن أُعرِّفه بالآتي: تتبع الأحداث المرتبطة بتوثيق النص القرآني, من حيث النزول والجمع والتدوين ونحو ذلك.
ويرى عَدْنَان زَرْزور(6) أنَّ مصطلح "تاريخ القرآن" ينبغي تعديله إلى "تاريخ توثيق النص القرآني", وذلك "زيادةً في الدقة والاحتراز أمام بعض الفهوم والتفسيرات التي نبتت في هذا العصر كما هو معلوم"(7).
ويقصد بالفهوم والتفسيرات حتى لا يختلط هذا المصطلح بمصطلح (تاريخية القرآن) الذي يعني "ارتباطه بواقعه ومداره الزماني والمكاني الذي نزل فيه, والنص –في هذا المنظور- لا يعدو أن يكون نتاجاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت في تشكيله, مما يجعله عارضاً في تأثيره, محصوراً في بيئة نشأته غير منفكٍ عن دواعي تشكّله"(8).
ولا أرى أنَّ هناك مشكلة في إطلاق هذا المصطلح أعني تاريخ القرآن على بعض القضايا المتعلقة بتاريخ توثيقه, فهو مصطلح قد تم التعارف عليه, كما لا أظن أن تكون هناك ملابسات تدعو إلى أن يختلط بغيره من المصطلحات!!
الهوامش:
(1) أمثال: نولدكه (ت:1349هـ).
(2) أمثال: موسى جار الله (ت:1369هـ), ومحمد طاهر الكُردي (ت:1400هـ), وعبد الله شحاته (ت:1423هـ), وإبراهيم الأبياري (ت:1414هـ), وعبد الصبور شاهين (ت:1431هـ), ومحمد سالم محيسن وغيرهم.
(3) أمثال: أبي عبد الله الزَّنْجَاني (ت:1360هـ), ومحمد هَادِي مَعْرِفة (ت:1427هـ), ومحمد حسين الصَغير, ومير محمدي زرندي, ومحمد علي الأشقر وغيرهم.
(4) المعجم الوسيط (ص:13), مادة (أرخ).
(5) ذكر ابن النَّديم في الفهرست (ص:214) كتاباً بعنوان: تاريخ القرآن لتأييد كتب السلطان, لأبي العباس جعفر بن أحمد المروزي (ت:274هـ تقريباً), ويعتبر أول من ألّف في المسالك والممالك, وكون هذا الكتاب لم يصل إلينا –حسب علمي- فمن الصعب جداً أن نقدم حكماً عليه, إلا أنَّ في نفسي شك من صحة هذه التسمية ولعل هناك نوعاً من التصحيف!! والله أعلم
(6) عَدْنَان زَرْزور: ولد في دمشق سنة (1358هـ), تولى التدريس في بعض الجامعات العربية, له العديد من المؤلفات منها: (علوم القرآن وإعجازه وتاريخ توثيقه), (متشابه القرآن-دراسة موضوعية), (الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن) وغيرها.
(7) علوم القرآن وإعجازه وتاريخ توثيقه (ص:6).
(8) النص القرآني من تهافت القراءة إلى أفق التدبر, لقطب الريسوني (ص:209).
 
سبحان الله قبل أيام تحدثت مع أحد الأساتذة عن تحفظي على مصطلح (تاريخ القرآن)واقترحت أن لا يستعمل إلا مضافاً مثل تاريخ نزول القرآن، تاريخ توثيق القرآن، والحمد لله أن كان هذا الموضوع لأجد من يشاركني الرأي في الموضوع، والقضية ليست من باب مخافة أن يختلط مع مصطلحات أخرى وإنما من باب أن المصطلح وإن كان اشتهر وتعارف المتخصصون عليه إلا أنه لا يليق بكتاب الله لاسيما أن الكثير من المتخصصين جعلوا لفظ (القرآن) للدلالة على الشفاهي ، ولفظ (المصحف) للدلالة على المكتوب فما المانع أن نقول تاريخ المصحف وندخل فيه مباحث الوحي والنزول وغيرها على اعتبار أنها موضوعات ذات علاقة بالمصحف؟
 
جزى الله الأستاذ عبدالعزيز والأستاذة سهاد خيرا على هذا التنبيه الذي لعله ينتقل إلى التحذير من اقتفاء أثر المستشرقين في طرائق الدراسة والبحث في العلوم الدينية أواللاهوتية كما يسمونها، فهم اقتفوا روح المدرسة الغربية التي تأسست - بعد النهضة الصناعية - على أمور منها : الإيمان بالماديات دون الغيبيات ، النظرة الناقدة لكل مرتكز ديني ، توجيه مناهج الدراسة للأديان بما يخدم دولهم الصناعية الكبرى في سيطرتها السياسية والإقتصادية والعسكرية على مواطن تلك الأديان ، معرفة خصائص مجتمعات هذه الأديان للتمكن من سياستها برؤية علمية ، ..
ولذلك أسسوا للدراسات الإستشراقية مناهج وطرائق **موجهة ** تؤدي إلى خدمات ونتائج تباع وتستهلك عند الساسة وصناع القرار في دولهم .
ولم يكن من منهجهم البحث عن الحق وتمييزه من الباطل أو الدعوة إلى الدين الحق ، ولا الطعن في تلك الأديان أوالدعوة إلى تركها - كما قد يتصور بعض المسلمين - لا أقصد مؤسساتهم الدينية لأن الحديث هنا عن مؤسساتهم العلمانية ( العلمية ) - .
فكان المنهج التحليلي النقدي ، فلكل فكرة ( دعوة اجتماعية ) منشيء ، وأتباع ، وأثر في المجتمع الذي تكونت فيه الفكرة أو انتقلت إليه ، وتاريخ تكونت عبره هذه الفكرة !
وهو منهج لم يخرج في خطوطه العريضة عن مناهجهم في الدراسات الإنسانية ولا حتى الدراسات العلمية المادية ( الطبيعية ) .
وأرى أنه من الاتباع حذو القذة بالقذة الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم اتباعهم في هذا المنهج الدراسي لدين الإسلام وعلومه !
فالمسلمون يدرسون هذه العلوم بطرائق ومناهج ** موجهة ** لبناء الإيمان والتصديق في النفوس ولتطبيق أمر الله ونهيه كما شرع ، وكل منهج لا يصب في هذا ولا يؤدي إلى هذه النتيجة فهو - عند المسلمين - فضل إن لم يكن عبثا .
والعجب كل العجب أن أكثر المسلمين أهملوا اتباع مناهج دول النهضة الصناعية وطرائقها في الدراسات العلمية المادية ( الطبيعية ) التي بها قادوا العالم وحكموه ، وعض بعضهم بالنواجذ على مناهج وطرائق دراستهم لعلوم دين الإسلام !
 
عودة
أعلى