تأمّلات قرآنية ....... (1)

إنضم
03/06/2010
المشاركات
38
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الأردن
تأمّلات قرآنية ....... (1)

لماذا جاء التعبير بـ (أمر الله) وليس (عذاب الله ) ؟؟

قال تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل : 1)
كان الكفار في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعجلون العذاب قال تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ)( الحج : 47 ) فكانت هذه الآية تهديداً لهم .

وأمر الله هو عذاب الآخرة ، وهذا هو الراجح ؛ لأن الكفار كانوا يستعجلون عذاب الآخرة ، قال تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) ( الشورى : 18 )

و قيل أمر الله هو عذاب الدنيا ، وهذا ليس وارداً ، رغم أن الكفار كانوا يستعجلون العذاب في الدنيا قال تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) ) ( العنكبوت ) ؛ لأنه لو كان العذاب في الدنيا هو المقصود بأمر الله لوقع عذاب الله العام على الكفار وهذا لم يقع بنص قوله تعالى : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ )

السؤال هنا : لماذا جاء التعبير بـ (أمر الله) وليس (عذاب الله ) ؟؟

الجواب :
جاء التعبير بـ (أَمْرُ اللَّهِ) وليس " عذاب الله " ؛ لأن موضوع الآية وما بعدها هو إثبات التوحيد ، بأن الله هو سبحانه الخالق لا إله غيره ، فناسب ذلك بيان أن العذاب لا يكون إلا بأمر الله ؛ لأن الانفراد بالأمر يدل على الوحدانية ، فذِكْر أمر الله فيه تهديد للكفار ، وفيه أيضاً إثبات أن الله هو المتصرف في هذا الكون ؛ لأنه لا إله غيره ، إذن ؛ دل (أمر الله ) على امرين ، الاول : التوحيد ، والثاني : التهديد . أما (عذاب الله ) فإنما يدل على التهديد ، فالتعبير بـ (أمر الله) أبلغ - في هذا السياق - من التعبير بـ "عذاب الله "
 
قال تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل : 1)
وأمر الله هو عذاب الآخرة ، وهذا هو الراجح
هذا ليس راجحاً فحسب ، بل هو الأرجح والأقرب للصواب
وأهدى إليك أخى سامى البرهان القرآنى على ذلك باستخدام منهج التفسير البيانى والذى يسترشد بالمنهج الإحصائى ، وذلك كما يلى :
لقد ورد لفظ " الأمر " فى القرآن الكريم بمعان كثيرة ومتعددة
لكن بتطبيق قاعدة " الوجوه والنظائر " وأعتقد أنها معروفة لكم جيداً فسوف نجد أن سورة النحل هى أكثر سور القرآن الكريم حديثاً عن " الأمر " بمعنى " قيام الساعة " على وجه الخصوص ، حيث ورد فيها بهذا المعنى ثلاث مرات ، بحيث تؤكد كل واحدة منها المرتين الأخرتين :
الأولى : ما جاء بفاتحة السورة : أتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
الثانية : فى قوله تعالى بالآية 33 : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الثالثة : فى قوله تعالى بالآية 77 : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
والشىء اللافت للنظر حقاً ، أن تعبير ( أمر الساعة ) لم يأت فى القرآن الكريم كله سوى مرة واحدة فقط ، هى تلك السابق ذكرها ، أى أن سورة النحل قد تفردت بهذا التعبير من دون السور جميعاً
هذا برغم أن لفظ " أمر " ولفظ " الساعة " قد ورد كل منهما على حدة عشرات المرات فى القرآن الكريم ، لكن المفاجأة التى كشف عنها الإحصاء هى أن هذين اللفظين لم يجتمعا معاً إلا فى هذه المرة الوحيدة بسورة النحل ، بحيث يبدو الأمر وكأن تعبير " أمر الساعة " الذى جاء بالآية 77 منها إنما يؤكد معنى " أمر الله " الذى اُفتتحت السورة به ، فسبحان الله !!
أرجو أن تنال هذه المشاركة إعجابكم ، كما أهديها إلى الأخ الكريم إسماعيل دراز ، لأنى أعلم اهتمامه الخاص بسورة النحل ، وقد افتقدنا مشاركاته فى الفترة الأخيرة ونرجو أن يكون المانع خيرا
والسلام عليكم
 
و اقترح أن تضم هذه التأملات فى موضوع واحد ، بدلا من أن تُفرد لكل مشاركة موضوعاً مستقلاً
خاصةً وأن موضوع هذه التأملات - كما فهمت - يتعلق بسورة واحدة هى سورة النحل
 
بارك الله فيك وجزاك خيراً .
أحب أن أضيف شيئاً آخر : إن كلمة "أمر" تكون "مفرد أوامر" ، وهذا عندما نقول : أمر الله . وتكون "مفرد أمور" كقولنا : أمر الساعة .
وأما جمع هذه التأملات في كتاب واحد ، فهي مجموعة - ولله الحمد - في كتاب "التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني " للعبد الفقير . وفي بعض كتبي ، وانظر - إن أردت - (كتب ودراسات سامي القدومي) ، ولكن يا أخي العزيز ، كثير من الناس لايقرؤون ، وتفسير سورة النحل زاد عن (400) صفحة ، فرأيت أن أنشر هذه التأملات هنا وهناك حتى تعم الفائدة ، راجياً من الله التوفيف للجميع .
 
عودة
أعلى