تأمل شخصي في معنى "أن آتاه الله الملك" من خلال نافذة اللغة.

إنضم
13/01/2006
المشاركات
245
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ما أحسن أن يؤصل الطالب علمه في علم اللغة فهي مفتاح عظيم من مفاتيح التأمل وكشف اسرار القرآن الحكيم وإني لموقن أن المعتني باللغة من مشايخنا مشايخ التفسير في هذا الملتقى أدرى مني بهذا وأخبر.

للفظة "الملك" معنى آخر غير معنى حيازة الشيء وهو معنى الشد والضبط ، ومنه قول الشاعر :

ملكت بها يدي فأنهرت فتقها = = يرى قائمٌ من دونها ما وراءها.

وعندها تذكرت قول الله تعالى عن الذي حاج إبراهيم "أن آتاه الله الملك" فبالإضافة إلى معنى الحيازة المتبادر ، يضيف معنى الشد والضبط بعداً آخر وهو شعور هذا الملك بأنه قادر على التحكم والسيطرة فيما يجري حوله من الأشياء والظواهر ، ولذلك ادّعى أنه يستطيع أن يحيي ، ولذلك تفطن أبونا إبراهيم عليه السلام لهذا المعنى فجاءه بشيء خارج نطاق "الشد والضبط" البشري ، فطلب منه أن يأتي بالشمس من المغرب ، وهنا سقط في يده ، وبهت الذي كفر. من هنا يتبين أن المجيء بوصف "الملك" في الآية مقصود لما يضيفه من معنى بالتدبر ، وأحسب هذا المعنى أقرب لما ذكرت من مجرد كونه مالكاً لخزائن الملوك المعتادة ، فإن الشعور بالقدرة على التحكم الكامل والسيطرة التامة من عجب النفس البشرية واغترارها ، ومنه المعنى الذي في قوله تعالى "وظن أهلها أنهم قادرون عليها" ، الحاصل أن هذا تأمل انقدح في ذهني لما وقفت على هذا المعنى لكلمة الملك.
 
جزاكم الله خيرا ..

كلامٌ لطيف، وأضيف تدبّراً آخر في الآية إلى تدبركم :

فقوله تعالى : (أن آتاه الله الملك) تعليل لمحاجّة الملك إبراهيمَ في ربه، قال الحق تعالى : (ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ..)

والمشار إليه - والله أعلم - من جعل إيتاء الله المُلكَ لذلك المَلك سبباً في محاجة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم أنه لولا إيتاء الله له لما ذهب ولا أتى ..ولما كان ملكاً أصلاً !


إلا أن الله قد أعطاه المُلك وتمنّن عليه به من غير حولٍ منه ولا قوة، فما كان منه إلا أن عصى الله بما آتاه، وحاربه بما وهبه !! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .


ومثل هذا الموضع قوله تعالى في سورة براءة في الكلام عن إجرام المنافقين ونقمتهم على دين الله رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال :

(وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)


فما كان هؤلاء المنافقون إلا عالة فقراء، فلما أعطاهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأغناهم بما أعطاهم؛ جعلوا ذلك سبباً في نقمتهم وعداوتهم لمن تفضّل عليهم وأحسن إليهم ..


وكذلك حال اللئام دائماً ..

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ...وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا (أو كما قال الشاعر)
 
جزاك الله خيرا أخي
ولي سؤال: لماذا لا يكون من آتاه الله الملك هو سيدنا إبراهيم عليه السلام؟! ألا تلاحظ أنه هو من يحاج إبراهيم وليس إبراهيم الذي يحاجه؟! كما أن الجملة وردت متصلة بإبراهيم , فلماذا ننزعها من سياقها ونجعلها للأول؟!
 
لا أظن أحداً قط - حسَب علمي - قال بأنّ الضمير في قوله تعالى : (أن آتاه الله الملك) يعود على إبراهيم ..

وكيف يكون المعنى إذاً - أيها الحبيب - ؟

وهل أوتي إبراهيم ملكاً ؟؟ وملك ماذا أوتي ؟

وإذا كان إبراهيم الملك فكيف يدّعي الآخر أنه يحيي ويميت - زعم - كما أن الله يحيي ويميت ؟؟

لا يمكن بحال أن يكون الذي أوتي الملك في الآية إبراهيم عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام !
 
لا أظن أحداً قط - حسَب علمي - قال بأنّ الضمير في قوله تعالى : (أن آتاه الله الملك) يعود على إبراهيم ..

وكيف يكون المعنى إذاً - أيها الحبيب - ؟

وهل أوتي إبراهيم ملكاً ؟؟ وملك ماذا أوتي ؟

وإذا كان إبراهيم الملك فكيف يدّعي الآخر أنه يحيي ويميت - زعم - كما أن الله يحيي ويميت ؟؟

لا يمكن بحال أن يكون الذي أوتي الملك في الآية إبراهيم عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام !

جزاك الله خيرا ، واختيارك هو قول الجمهور كما نقل أبو حيان في البحر ، مما يؤذن بوجود خلاف ، وهو الحاصل ولكنه ضعيف بعيد لا يؤيده السياق ، وهو قول المهدوي وقول للمعتزلة ، قالوا الهاء تكنية عن إبراهيم وتعليلهم أن الله أخبر بأنه لا ينال عهده الظالمين ، وأن الملك نوع عهد ، قال أبو حيان: "ورُد قول المعتزلة بأن إبراهيم ما عرف بالملك ، وبقول الكافر أنا أحيي وأميت...". (البحر المحيط: 2 / 298-299)
 
أفدتنا جزاك الله خيراً ..

وآنستنا بتأمّلاتك الطيبة ..
 
بوركت أخي رأفت ولكن هناك من قال بهذا وعدم علمك به لا يعني عدم وجوده!
وقولك: لا يمكن بحال أن يكون الذي أوتي الملك في الآية إبراهيم عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام !
قول عجيب فما الذي يمنع عقلا أن يكون إبراهيم هو الذي أوتي الملك؟! وإذا كان هناك بعض الأنبياء كانوا ملوكا فما الذي يمنع أن يكون الخليل منهم؟!
إن الآية واضحة في أن الآخر هو الذي يجادل إبراهيم! وأسألك أنت: هل الملك يجادل من يرى أنه أقل منه؟! المنطقي أن يجادل الداعية الملك لا العكس!!
أما بخصوص كيف يدعي الآخر أنه يحيى ويميت فبنفس الشكل الذي أوردته الروايات في حق النمروذ! فهو سيحضر اثنين فيقتل أحدهما ويترك الآخر! (مع أن هذا الفعل من النمروذ أو غيره ليس إحياءً أو إماتة!)
وبخصوص سؤالك: هل أوتي إبراهيم ملكا؟ أقول لك: الآية تقول بذلك, فالأولى أن يعود الضمير على أقرب مذكور! ولا مانع عقلا يمنع ذلك إلاالروايات التي قالت أن ذلك حدث بين النمروذ وإبراهيم عليه الصلاة وله السلام!
 
جزاك الله خيرا يا شيخ رأفت و نفعنا بعلمكم.
وتصويب العبارة "أسقط" ، كما لا يخفى.


بل كان الصواب ما يؤيده قول ربنا عز وجل :

( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
 
قولك بارك الله فيك :

بوركت أخي رأفت ولكن هناك من قال بهذا وعدم علمك به لا يعني عدم وجوده!

أقول :
نعم، عدم علمي لا يعني عدم الوجود، ولذلك قلت : - حسب علمي- في بداية الكلام ..
إلا أنه لا يعدو أن يكون قولاً شاذّا، وهذا واضح .

قولك :

فما الذي يمنع عقلا أن يكون إبراهيم هو الذي أوتي الملك؟! وإذا كان هناك بعض الأنبياء كانوا ملوكا فما الذي يمنع أن يكون الخليل منهم؟!

أقول :
ليس هناك موانع عقلية، وقد كان بعض الأنبياء ملوكاً، وليس إبراهيم عليه السلام منهم .

قولك :

إن الآية واضحة في أن الآخر هو الذي يجادل إبراهيم! وأسألك أنت: هل الملك يجادل من يرى أنه أقل منه؟! المنطقي أن يجادل الداعية الملك لا العكس!!

أقول :
نعم تماماً، هذا هو الذي أقوله : إن الداعية - إبراهيم عليه السلام - هو من يجادل الملك .


قولك :

أما بخصوص كيف يدعي الآخر أنه يحيى ويميت فبنفس الشكل الذي أوردته الروايات في حق النمروذ! فهو سيحضر اثنين فيقتل أحدهما ويترك الآخر! (مع أن هذا الفعل من النمروذ أو غيره ليس إحياءً أو إماتة!)

أقول :
نعم، فالروايات الإسرائيلية تفيد بأن هذا الملك الذي حاجّ إبراهيم في ربه هو النمرود أو النمروذ - كما قال المفسرون - .
 
بل كان الصواب ما يؤيده قول ربنا عز وجل :

( وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )

جزاك الله خيرا. صحيح ، وما ذكرت هو من الصواب وليس الصواب الأوحد ، فقد وردت "أسقط" وهي لغة نقلها الفراء والزجاج ، وقراءة ابن أبي عبلة "ولما أسقط في أيديهم" ، وإنما عولت على الدارج على الألسنة فإنه بحذف الألف.
( انظر: الدرالمصون : 5 / 461 - 464 )
 
ربما يستدل من يرى أن الضمير يعود على إبراهيم وأنه هو الذي أوتي الملك بقوله تعالى :"فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما".

ولكن يجاب عن ذلك بجواب الطبري رحمه الله. قال أبو جعفر (...وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية وهي قوله : "وآتيناهم ملكا عظيما " القول الذي روي عن ابن عباس أنه قال : يعني ملك سليمان).
 
سياق الكلام ومعناه يمنع من عود الضمير على إبراهيم عليه السلام.
فالسياق يوضح أن الماحجة بالباطل كانت من الملك وسبب ذلك أنه اغتر بملكه ودعاه إلى الطغيان وتجاوز الحد وهذا دأب الإنسان حين يشعر بالقوة إلا من يعصمه الله بالإيمان، ومثله قول الله تعالى:
(أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15))سورة القلم
 
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة : 258 )

تحليل السياق:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ)
وهذا تعجيب من أمر هذا الذي حاج إبراهيم،ثم بين العلة وراء محاجتة بقوله:
(أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)
ثم قال:
(إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ)
وهذه الجملة توحي بأحد أمرين:
أحدهما: إما أن يكون المحاج سأل إبراهيم عن صفات الله فأجابه إبراهيم.
والثاني:أن يكون قد هدد هذا المحاج إبراهيم بالقتل فأجابه إبراهيم بأن الحياة والموت بيد الله، حينها أدعى المحاج هذه الصفة بقوله:
(أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ )
وهذه الدعوى لا تصدر من ساذج ، وإنما من مغرور ملبس.
ولهذا كان لزاما على إبراهيم أن يحقر هذا الغرور ويزيل التلبيس فقال:
(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)
وهذا الخطاب لا يوجه ممن يملك إلى السذج من الناس ، وإنما يوجه إلى من يغتر بقوته وملكه ، كما حكى الله عن فرعون قوله:
(ونَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54))
ولو كانت المحاجة من ساذج لما كان لقول إبراهيم الأثر الذي بينه الحق تبارك وتعالى:
(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).

هذا والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
عودة
أعلى