ابو العزايم عبد الحميد
New member
يقول تعالى " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص .
وقف المفسرون عند هذه الحلقة من سيرة النبي موسى عليه السلام طويلا واستخرجوا منها فوائد تشريعية وأخلاقية عديدة لا نريد أن نقف عندها الآن في هذه الإطلالة علي سيرته عليه السلام فمن أرادها فليرجع إليها في موضعها من كتب التفسير والسير وما يهمنا هو أن نتناول هذه الحلقة باعتبارها حلقة من حلقات الابتلاء في حياة سيدنا موسى عليه السلام تنتهي بإعداده للرسالة هكذا جاء عرضها في سياق القصة من سورة طه " وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)طه .
فالأنبياء جميعا قد مروا بمراحل ابتلاء في حياتهم وهم أكثر الناس بلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفي مرحلة الابتلاء التي يمرون بها يعبرون من خلالها الى مرحلة النصر والتمكين فيجعل الله لهم من أحوال الابتلاء كمالات عليا يكسبونها ومناقب كثيرة يأخذونها ثم هي تمثل لمن بعدهم نورا وهدي لمسيرة الحركات الإصلاحية التي تسير على نهجهم يقول ابن القيم في بدائع الفوائد " وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء " فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .
وقد رأينا أثناء حديثنا عن سيدنا إبراهيم عليه السلام كيف ابتلاه الله بكلمات فلما أتمها جعله الله للناس إماما واتاه العلم والحكمة وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
وإذ وقفناعند مرحلة الابتلاء في حياة سيدنا موسي عليه السلام والتي تمثلت في دخوله المدينة على حين غفلة من أهلها واشتباكه مع الرجل القبطي الذي كان يستضعف الإسرائيلي وخروجه من المدينة خائفا يترقب ووصوله واستقراره في ارض مدين مدة من الزمن نرى أن الموقفين أكثر ارتباطا وبينهما مقاربات عديدة ومشاكلة ومشابهة حتى يبدوا انه موقف واحد في صورتين مختلفتين ظهرت من خلالهما شخصية سيدنا موسي عليه وهانحن أولاء نعرض لك بعض هذه المقاربات المدهشة في الحالتين :-
1-عندما دخل المدينة وجد فيها "رجلين يقتتلان" وعندما ورد ماء مدين وجد " امرأتين تذودان"
2-الحالة واحدة في الصورتين فكلاهما حالة استضعاف أما الأولى فهي حالة رجل إسرائيلي يستضعفه رجل قبطي بلا رحمة والثانية موقف امرأتين في حالة استضعاف أيضا فهما لا يستطيعان الوصول للبئر حتى ينصرف الرعاء وأبوهما شيخ كبير
3-كانت استجابة موسي في كلا الحالتين واحدة ففي الأولى استجاب لاستغاثة الإسرائيلي وفي الثانية بادر هو بالسؤال عن حال المرأتين " ما خطبكما" وعندما علم حالهما سقي لهما دون انتظار انصراف الرعاء ففي كلاهما أغاث الملهوف ونصر الطرف الضعيف .
4- كما كان تصرف موسي عليه السلام واحدا وهو إغاثة الملهوف ونصرة الضعيف فقد كان درجة استجابته أيضا واحدة وهي سرعة هذه الاستجابة عبرت عنها الآيات بالفاء " فاستغاثه" فوكزه"" فقضي عليه "" قالتا لا نسقي " فسقي لهما "
5- لم يقصد موسي من وراء تصرفه والذي يمثل في عالم الانسانية قمة الرقي والنجدة والشهامة لم يقصد منه حظا من الدنيا بل على العكس نال من المتاعب ما نال فما إن قتل الرجل القبطي حتى أصابه غم بسبب شعوره أنه تسبب في قتل نفس دون أن يقصد قتلها كما أصبح في المدينة خائفا يترقب وفي الموقف الأخر سقي لهما وهو متعب مجهد في اشد الحاجة الى المساعدة تقول كتب التفسير "ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر, وخرج حافيا, فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه. " إلا أن القوم قد انصرفوا جميعا الرعاء والمرأتان ولم يبقي لموسي إلا الظل يأوي إليه.
6-جاء الفرج بعد الموقفين في صورة متقاربة فجاءه الفرج في الحالة الأولى عبر "رجل جاء من أقصي المدينة يسعي" ينصحه بالخروج من المدينة وفي المرة الثانية " جاءته إحداهما تمشي على استحياء" تقول له إن أبي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا ولاحظ جاء الرجل يسعي وجاءت المرأة تمشي ولنا عندها وقفات ونكات لطيفة
لقد اظهر القرآن في هذا الابتلاء شخصية موسى عليه السلام فهي الشخصية الخائفة المتضرعة المستغفرة لله سبحانه وتعالى ، المتطلع لنصرة الضعيف الذي يهز وجدانه صوت الاستغاثة الصادرة من الضعيف وهو بهذا الشكل يعد ليكون هو الشخص الذي سيكون تحرير المستضعفين في ارض على يديه وهلاك الطغاة علي يديه .
عندما عرض القرآن هذين الموقفين في سورة طه عرضهما في موقف الابتلاء من ناحية" وفتناك فتونا " ومن ناحية أخري عرضهما على انه ترتيب القدرة الإلهية لإعداد موسي لهذا الأمر العظيم فقال تعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)" وقال تعالى " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)طه
وقف المفسرون عند هذه الحلقة من سيرة النبي موسى عليه السلام طويلا واستخرجوا منها فوائد تشريعية وأخلاقية عديدة لا نريد أن نقف عندها الآن في هذه الإطلالة علي سيرته عليه السلام فمن أرادها فليرجع إليها في موضعها من كتب التفسير والسير وما يهمنا هو أن نتناول هذه الحلقة باعتبارها حلقة من حلقات الابتلاء في حياة سيدنا موسى عليه السلام تنتهي بإعداده للرسالة هكذا جاء عرضها في سياق القصة من سورة طه " وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)طه .
فالأنبياء جميعا قد مروا بمراحل ابتلاء في حياتهم وهم أكثر الناس بلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفي مرحلة الابتلاء التي يمرون بها يعبرون من خلالها الى مرحلة النصر والتمكين فيجعل الله لهم من أحوال الابتلاء كمالات عليا يكسبونها ومناقب كثيرة يأخذونها ثم هي تمثل لمن بعدهم نورا وهدي لمسيرة الحركات الإصلاحية التي تسير على نهجهم يقول ابن القيم في بدائع الفوائد " وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء " فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .
وقد رأينا أثناء حديثنا عن سيدنا إبراهيم عليه السلام كيف ابتلاه الله بكلمات فلما أتمها جعله الله للناس إماما واتاه العلم والحكمة وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
وإذ وقفناعند مرحلة الابتلاء في حياة سيدنا موسي عليه السلام والتي تمثلت في دخوله المدينة على حين غفلة من أهلها واشتباكه مع الرجل القبطي الذي كان يستضعف الإسرائيلي وخروجه من المدينة خائفا يترقب ووصوله واستقراره في ارض مدين مدة من الزمن نرى أن الموقفين أكثر ارتباطا وبينهما مقاربات عديدة ومشاكلة ومشابهة حتى يبدوا انه موقف واحد في صورتين مختلفتين ظهرت من خلالهما شخصية سيدنا موسي عليه وهانحن أولاء نعرض لك بعض هذه المقاربات المدهشة في الحالتين :-
1-عندما دخل المدينة وجد فيها "رجلين يقتتلان" وعندما ورد ماء مدين وجد " امرأتين تذودان"
2-الحالة واحدة في الصورتين فكلاهما حالة استضعاف أما الأولى فهي حالة رجل إسرائيلي يستضعفه رجل قبطي بلا رحمة والثانية موقف امرأتين في حالة استضعاف أيضا فهما لا يستطيعان الوصول للبئر حتى ينصرف الرعاء وأبوهما شيخ كبير
3-كانت استجابة موسي في كلا الحالتين واحدة ففي الأولى استجاب لاستغاثة الإسرائيلي وفي الثانية بادر هو بالسؤال عن حال المرأتين " ما خطبكما" وعندما علم حالهما سقي لهما دون انتظار انصراف الرعاء ففي كلاهما أغاث الملهوف ونصر الطرف الضعيف .
4- كما كان تصرف موسي عليه السلام واحدا وهو إغاثة الملهوف ونصرة الضعيف فقد كان درجة استجابته أيضا واحدة وهي سرعة هذه الاستجابة عبرت عنها الآيات بالفاء " فاستغاثه" فوكزه"" فقضي عليه "" قالتا لا نسقي " فسقي لهما "
5- لم يقصد موسي من وراء تصرفه والذي يمثل في عالم الانسانية قمة الرقي والنجدة والشهامة لم يقصد منه حظا من الدنيا بل على العكس نال من المتاعب ما نال فما إن قتل الرجل القبطي حتى أصابه غم بسبب شعوره أنه تسبب في قتل نفس دون أن يقصد قتلها كما أصبح في المدينة خائفا يترقب وفي الموقف الأخر سقي لهما وهو متعب مجهد في اشد الحاجة الى المساعدة تقول كتب التفسير "ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر, وخرج حافيا, فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه. " إلا أن القوم قد انصرفوا جميعا الرعاء والمرأتان ولم يبقي لموسي إلا الظل يأوي إليه.
6-جاء الفرج بعد الموقفين في صورة متقاربة فجاءه الفرج في الحالة الأولى عبر "رجل جاء من أقصي المدينة يسعي" ينصحه بالخروج من المدينة وفي المرة الثانية " جاءته إحداهما تمشي على استحياء" تقول له إن أبي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا ولاحظ جاء الرجل يسعي وجاءت المرأة تمشي ولنا عندها وقفات ونكات لطيفة
لقد اظهر القرآن في هذا الابتلاء شخصية موسى عليه السلام فهي الشخصية الخائفة المتضرعة المستغفرة لله سبحانه وتعالى ، المتطلع لنصرة الضعيف الذي يهز وجدانه صوت الاستغاثة الصادرة من الضعيف وهو بهذا الشكل يعد ليكون هو الشخص الذي سيكون تحرير المستضعفين في ارض على يديه وهلاك الطغاة علي يديه .
عندما عرض القرآن هذين الموقفين في سورة طه عرضهما في موقف الابتلاء من ناحية" وفتناك فتونا " ومن ناحية أخري عرضهما على انه ترتيب القدرة الإلهية لإعداد موسي لهذا الأمر العظيم فقال تعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)" وقال تعالى " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)طه