ابو العزايم عبد الحميد
New member
المتأمل في القران المكي يري بوضوح انه قد استغرق واستوفي هذه الجولة من رسالة موسى عليه السلام وانك لتلمح الفرق بين تناول القران المكي والقران المدني في هذا الأمر ونركز هنا على أمرين في غاية الوضوح
الملاحظة الأولى : في حديث القرآن عن موسى عليه السلام في المرحلة المكية يكون الخطاب عادة موجها للنبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى "(9 ) طه, وسنستوفي ذلك عند الحديث عن هذه المرحلة وفي حديث القرآن عن موسى عليه السلام في المرحلة المدنية يكون الحديث موجها إلى بني إسرائيل مثل قوله تعالى في سورة البقرة وهي من أوائل القران المدني" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) البقرة , وسنستوفي ذلك عند الحديث عن هذه المرحلة
ثانيا :- فأينما يبدأ حديث القرآن عن موسى في المرحلة المكية فيبدأ من ساعة تكليفه بالذهاب إلى فرعون وأينما يبدأ حديث القران عن موسى في المرحلة المدنية فيبدأ بالحديث عن بني إسرائيل عند خروجهم من مصر ونجاتهم من فرعون فذانك ملاحظتان أحببنا أن نبدأ بهما الحديث عن المرحلة الأولى من رسالة سيدنا موسي عليه السلام
المرحلة الأولى من قصة موسى عليه السلام وهي ملحمة كبرى في مقاومة الطغيان ومواجهة الفرعون حتى سقوطه وهلاكه هو وقومه غرقا في اليم
و كما قدمنا يبدا الحديث عادة في القران عنها بخطاب موجه للنبي صلي الله عليه ففي سورة طه وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) وفي سورة الشعراء " وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
وفي سورة القصص " نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) وإذ لم ترد الإشارة مباشرة الى النبي فيكون القصص في سياق موجه ابتداء للنبي صلى الله عليه وسلم ففي سورة الأعراف مثلا يبدأ الحديث هكذا " ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) لكننا إذا تتبعنا بداية الحديث سنجد انه كان موجه الى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى " تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) " ثم شرع في الحديث عن موسي فهو موجه ابتداء الى النبي صلى الله عليه وسلم
وفي سورة النمل "إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)7) لكن ماسبقتها من آيات كانت موجه للنبي صلى اله عليه وسلم يقول تعالى " وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) النمل
لقد حفل القران الكريم طوال المرحلة المكية في ثلاثة عشر سنة بالحديث عن هذه الجولة من رسالة سيدنا موسي عليه السلام في مقاومة الطغيان كما جمع القران في أكثر من آية بين موقف فرعون وموقف مشركي مكة ولذلك جاء في أول ما نزل من القران في سورة المزمل وهي السورة الثالثة في ترتيب النزول قوله تعالى " إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) وفي سورة الدخان قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} وفي سورة القمر وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) إن القرآن الكريم يجمع في كثير من المواقف، بين مشركى قريش، وبين فرعون وآله، وذلك لما بين الفريقين من تشابه كبير في الكبر، والاستعلاء والعناد، مع الجهل الذي يدفع بهذه القوى الغاشمة الجامحة، إلى حيث يلقون مصارعهم على يديها.وإنه كما فتن قوم فرعون بأنفسهم، وبما زين لهم الجهل والغرور، فرأى فرعون في نفسه أنه إله، ورأى الملأ من حوله أنهم أشباه آلهة- كذلك فتن المشركون من قريش بأنفسهم، ورأوا أنهم أكبر من أن يتلقوا شيئا من إنسان، ولو كان هذا الإنسان مرسلا من رب العالمين. ا.ه من كتاب التفسير القرآني للقران.
لقد صاحبت قصة موسي عليه السلام رحلة الدعوة الإسلامية في مكة في مواجهة طغيان واستكبار مشركي مكة من أول ما نزل من القران الى آخر ما نزل من القران المكي لتؤكد أهمية استحضار هذه الملحمة الكبرى ودراستها في مواجهة أي طغيان واستكبار في أي عصر أو مصر
وسنتناول في الحلقة القادمة تفاصيل اللقاء القدسي الجليل بين موسي وربه على جبل الطور كما عرضه القرآن وأثره في الإعداد لهذه المرحلة من رسالة سيدنا موسي عليه السلام