ابو العزايم عبد الحميد
New member
نحاول في هذه الحلقة الوقوف على أسرار " ففهمناها سليمان " ولم خص الله سليمان بهذا الفهم في هذه القضية دون داود؟ مع أن كلا منهما آتاه الله حكما وعلما.
لقد انتهينا في الحلقة السابقة الى أن داوود وسليمان عليهما السلام وهما يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم قد ظهرت عندها فطنة سليمان وفهمه للقضاء " ففهمناها سليمان " وكان ذلك بحضور داوود عليه السلام لتقر عينه وتسر نفسه بنجابة ولده فلاشك أن هذه المنحة الربانية لسليمان كانت منحة أيضا على داودد برؤية ولده بهذه النجابة لكن ما السر في " ففهمناها سليمان " ؟ ولم اختص بها سليمان دون داوود؟ عليهم جميعا السلام
اعتقد والله اعلم أن مفتاح هذا السر يكمن في الآيات التي تحدثت عن سليمان في القران ففي الآيات التي تلي القصة من سورة الأنبياء يقول تعالى " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) الأنبياء وفي سورة النمل " وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وفي سورة ص " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
ان سليمان إذا سيرث أباه في الملك وفي النبوة لكن ملك سليمان لن يكون مثل ملك أبيه سيكون أوسع وأرحب ومتنوع سيكون ملكا لم يؤته احد من العالمين وستضم مملكته ليس فقط طوائف البشر بل ستشمل الجن والإنس والطير وسيسخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب وسيسخر له الشياطين التي من طبيعتها التمرد والشغب سيسخرها الله له في البناء والتعمير " والشياطين كل بناء وغواص " ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير.
وهذه المملكة بهذه السعة وهذا التنوع ستحتاج نظام قضائي مكافئا لها يضمن لها استقرارها واعمارها ,لقد تنبه الشهيد سيد قطب لطبيعة فهم سليمان لهذا النوع من القضاء الذي قضي به في قصة الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم فيقول رحمه الله " وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما. وكان الله حاضرا حكمهما، فألهم سليمان حكما أحكم، وفهمه ذلك الوجه وهو أصوب.
لقد اتجه داود في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب. ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير. وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة. وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء.
ان مملكة سليمان بهذه السعة ستحتاج الي العدل ولكن ليس العدل المجرد فحسب بل العدل البناء الايجابي الذي يحفز على التعمير والتطور ويحفظ في ذات الوقت أمن وسلامة الرعية فمتى تحققت العدالة وجد الأمن والاستقرار والسكينة ومتى ساد الاستقرار تمكنت الرعية من الإنتاج والفكر والإبداع والبناء والتنمية وتلك ثمرة العدالة الايجابية في المجتمعات
لقد وجد في مملكة سليمان من الطيور من يأتيه من سبا بنبأ يقين, ووجد في رعيته من البشر الذين أوتوا العلم من يأتيه بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه ووجد في مملكته من الجن من يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ووجد في مملكته الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب فشكلت له أعظم جهاز مواصلات في العالم أتاح له التنقل بين أفراد الرعية في مدد وجيزة ليبسط عليها حكمه وسلطانه الى آخر ما أسهب فيه القران من الحديث عن هذه المملكة الفريدة هذه المملكة كانت يحرسها نظام للقضاء ناتج عن " ففهمناها سليمان "
لقد كان القران يعرض على المسلمين نبأ داوود وسليمان عليهما السلام في المرحلة المكية ليربيهم قبل تكوين الدولة الى أهمية نظام القضاء و اهمية إقامة العدل في الحفاظ على استقرار المجتمعات وحمايتها من التدهور والفساد فالعدل اساس الملك .
ونحن عندما نتأمل الأسباب الّتي دمّرت الحضارات في التّاريخ، أو الَّتي أسقطت الدّول والحكّام، من خلال بعض الأوضاع الحادَّة والقاسية، سنجد في مقدمتها فساد القضاء وغياب العدل وانتشار الظلم والمحاباة وصدق النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال "إنَّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق الضَّعيف أقاموا عليه الحدّ"، ثم يقول صلى الله عليه وسلم "والله، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"،
لقد انتهينا في الحلقة السابقة الى أن داوود وسليمان عليهما السلام وهما يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم قد ظهرت عندها فطنة سليمان وفهمه للقضاء " ففهمناها سليمان " وكان ذلك بحضور داوود عليه السلام لتقر عينه وتسر نفسه بنجابة ولده فلاشك أن هذه المنحة الربانية لسليمان كانت منحة أيضا على داودد برؤية ولده بهذه النجابة لكن ما السر في " ففهمناها سليمان " ؟ ولم اختص بها سليمان دون داوود؟ عليهم جميعا السلام
اعتقد والله اعلم أن مفتاح هذا السر يكمن في الآيات التي تحدثت عن سليمان في القران ففي الآيات التي تلي القصة من سورة الأنبياء يقول تعالى " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) الأنبياء وفي سورة النمل " وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وفي سورة ص " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
ان سليمان إذا سيرث أباه في الملك وفي النبوة لكن ملك سليمان لن يكون مثل ملك أبيه سيكون أوسع وأرحب ومتنوع سيكون ملكا لم يؤته احد من العالمين وستضم مملكته ليس فقط طوائف البشر بل ستشمل الجن والإنس والطير وسيسخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب وسيسخر له الشياطين التي من طبيعتها التمرد والشغب سيسخرها الله له في البناء والتعمير " والشياطين كل بناء وغواص " ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير.
وهذه المملكة بهذه السعة وهذا التنوع ستحتاج نظام قضائي مكافئا لها يضمن لها استقرارها واعمارها ,لقد تنبه الشهيد سيد قطب لطبيعة فهم سليمان لهذا النوع من القضاء الذي قضي به في قصة الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم فيقول رحمه الله " وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما. وكان الله حاضرا حكمهما، فألهم سليمان حكما أحكم، وفهمه ذلك الوجه وهو أصوب.
لقد اتجه داود في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب. ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير. وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة. وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء.
ان مملكة سليمان بهذه السعة ستحتاج الي العدل ولكن ليس العدل المجرد فحسب بل العدل البناء الايجابي الذي يحفز على التعمير والتطور ويحفظ في ذات الوقت أمن وسلامة الرعية فمتى تحققت العدالة وجد الأمن والاستقرار والسكينة ومتى ساد الاستقرار تمكنت الرعية من الإنتاج والفكر والإبداع والبناء والتنمية وتلك ثمرة العدالة الايجابية في المجتمعات
لقد وجد في مملكة سليمان من الطيور من يأتيه من سبا بنبأ يقين, ووجد في رعيته من البشر الذين أوتوا العلم من يأتيه بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه ووجد في مملكته من الجن من يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ووجد في مملكته الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب فشكلت له أعظم جهاز مواصلات في العالم أتاح له التنقل بين أفراد الرعية في مدد وجيزة ليبسط عليها حكمه وسلطانه الى آخر ما أسهب فيه القران من الحديث عن هذه المملكة الفريدة هذه المملكة كانت يحرسها نظام للقضاء ناتج عن " ففهمناها سليمان "
لقد كان القران يعرض على المسلمين نبأ داوود وسليمان عليهما السلام في المرحلة المكية ليربيهم قبل تكوين الدولة الى أهمية نظام القضاء و اهمية إقامة العدل في الحفاظ على استقرار المجتمعات وحمايتها من التدهور والفساد فالعدل اساس الملك .
ونحن عندما نتأمل الأسباب الّتي دمّرت الحضارات في التّاريخ، أو الَّتي أسقطت الدّول والحكّام، من خلال بعض الأوضاع الحادَّة والقاسية، سنجد في مقدمتها فساد القضاء وغياب العدل وانتشار الظلم والمحاباة وصدق النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال "إنَّما أهلك الّذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق الضَّعيف أقاموا عليه الحدّ"، ثم يقول صلى الله عليه وسلم "والله، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"،