تأملات قرآنية في سورة الكهف (2)

إنضم
17/12/2003
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[color=CC0000][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات قرآنية في سورة الكهف
الحلقة الثانية

بقلم
أبي عبد الله فتحي بن عبد الله الموصلي[/align][/color]

[color=3333FF]التوحيد وأثره في الولاية الشرعية[/color]
الحلقة الأولى على ملف ورد - اضغط هنا -

الحلقة الثانية على ملف ورد - اضغط هنا -

[align=center][color=0000CC]المقصودُ من قومتِهم توحيدُ الإلهية[/color][/align]
يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله تعالى – في "تفسيره" (5/15): " فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، ولهذا قالوا: ((لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً)) ... فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك بيان أنه الحقّ، وما سواه الباطل ".

فوافقوا ذلك منهج الرسل وسيلة ومقصداً، فطريقتهم في الاستدلال هي من جنس استدلال الرسل، ومقصودهم هو أيضاً من جنس مقصود الرسل في الدعوة إلى الله – تعالى –.

وتأكيداً لهذا المقصود نفوا دعاء غير الله نفياً مؤبداً لأنهم علموا أن أخص شيء في توحيد الإلهية هو إفراد الله – تعالى – بالدعاء قولاً وقصداً وعملاً ...

فهم آثروا المعنى الخاص للعبادة على معناها العام، فالدعاء أخص العبادة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " الدعاء هو العبادة " رواه أحمد في "المسند".

وهم في هذا المقام نزلوا منزلة الإحسان لمّا تذوقوا حلاوة المناجاة لربّ العالمين، وذوقهم هذا ما هو إلا ثمرة التعبد بالأسماء والصفات وأثرها في الخلق والأمر؛ فهم استحضروا اسم الله (الرقيب) لما في هذا الاسم من المعاني المقتضية للعلم والعمل.

[align=center][color=0033CC]الإحسان في توحيد الله[/color][/align]
إن إيثار الدعاء على المعنى الجامع للعبادة من موجبه ذوق حلاوة المناجاة باستحضار معنى القرب والمعيّة كما قال تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)).

وإحسانهم هذا أثمر لهم استقامة على طريقة الهداية، فما كان منهم إلا أن التفتوا إلى قومهم دعوة ونصحاً لهم.
((لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)).

أي: قولاً مائلاً عن الحقّ إلى الباطل، فهو من: شطّ الشيء؛ إذا طفح ومال، وهذا القول منهم هو من كمال إخلاصهم – لله تعالى –، وتجريدهم التوحيد من العلائق والشوائب والحجب.

فهم قدحوا في حظوظ أنفسهم ابتداء، وردّوا كل قول مضاد للتوحيد حتى لو كان قولاً صادراً منهم، ذلكم أنّ الإحسان في توحيد الله تعالى قولاً وعملاً لا يكون إلا بأمور ثلاثة:

الأول: استحضر العبد أسماء الله – تعالى – علماً وعملاً، وفقه معناها وأثرها في العالمين العُلوي والسفلي، وهذا من باب تحقيق توحيد الإلهية بطريقة التعبد بالأسماء والصفات، ويا له من باب عالي المطالب رفيع المقاصد.

الثاني: صيانة الظاهر والباطن من الاعتراض على الحكم الشرعي الديني أو القدري الكوني (1).

الثالث: القدح في حظوظ النفس وعلائقها.

فهؤلاء الفتية لما قالوا: ((لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً)) فهم استحضروا موجبات الدعاء من الأسماء والصفات أولاً.

وقدحوا في حظ أنفسهم، وجرّدوا ظاهرهم وباطنهم من الاعتراض على حكم الله الكوني والشرعي ثانياً، فتأمّل.

((هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)).

لما فقهوا عقيدتهم وذكروا ما منّ الله بهِ عليهم من الإيمان والهدى والتقوى التفتوا إلى ما كان عليه قومهم، وبدأوا بواقعهم يصفونه وصفاً دلّ على فقههم بأحوال هذا الواقع لا كدعاة اليوم الذين جعلوا الدعوة إلى توحيد الله آخر الأمر، هذا إن كان ثمّة دعوة إليه بنتيجة الأمر!!

فأول أمر أدركه هؤلاء الفتية في واقع قومهم هو ما عليه قومهم من الشرك وفساد العقيدة، وهذا بحدّ ذاته أمر يستدعي الاهتمام واستفراغ الجهد في إبطاله وإزالته.

والآية صدّرت قولهم بـ ((هَؤُلاء)) لما فيه من معنى التمييز والتحقير لقومهم بما هم عليه من الشرك بالله وفساد المعتقد.

وجاء في تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (15/274):

" والإشارة إلى قومهم بـ ((هَؤُلاء)) لقصد تمييزهم بما سيخبر به عنهم، وفي الإشارة تعريف بالتعجب من حالهم وتفضيح صنعهم، وهو من لوازم قصد التمييز " أ.هـ

وهذا التمييز لقومهم كان من فقههم للواقع فقهاً مستنداً على ضرورة اعتماد التوحيد أساساً في التقييم؛ فقدّموا أولاً الشرك وأنه الخطر الأول في واقع عصرهم آنذاك وما يترتب عليه من موجبات الهلاك ومقتضيات الدمار.

وهؤلاء الفتية قد أوتوا قوة علمية في جدل خصومهم ويقيناً يعضده؛ لذا قالوا: ((لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)).

((لَّوْلا)): حرف تحضيض؛ أي: حث المقابل على الإتيان بالسلطان المبين والدليل الظاهر مع علمهم بعجز قومهم عن الإتيان به، وهذا راجع إلى اليقين وقوة الأدلة المتحصّلة عندهم من جهة الإيمان مع ضعف ما عند خصومهم من الأدلة.

والآية: "دليل على فساد التقليد، وتأكيد بأن إقامة الحجة على إلهية غير الله وتأثيره ووجوده محال" (2).

((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)).

أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب بادعاء أنّ له شريكاً كما افتراه عليه قوم أصحاب الكهف (3).

وكان صدورِ الحكم منهم على قومهم وقع بعد إقامة الحجة عليهم، ومطالبتهم وحثّهم على الإتيان بالبرهان إن كانوا صادقين.

وإصدار الحكم على عسكر الشرك بعد إقامة الحجة، وبعد أن استيأسوا منهم هو العدل الذي دلت عليه مقاصد الدين.

حينذاك أعلن عسكر الشرك المخذول عداءه، وشنّ حربه على أهل التوحيد، فلا سبيل ساعتئذٍ إلا الالتجاء إلى الله – تعالى – والفرار إليه: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ))، ولهذا لم يكن لهم من سبيل إلا الاعتزال.

((وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)).

حتى كُرمت هذه الفئة بنصر الله، وهو نجاة الطائفة المؤمنة وانتصارها ((إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))؛ فكان دفاع الله – تعالى – عنها على أرض الواقع بإجراء سنن الدفع لصالحها، وتسيير السنن الكونية لنفعها.

و((إِذِ)) في الآية: للتعليل؛ كما رجح ذلك الشنقيطي في "أضواء البيان"؛ أي: ولأجل اعتزالكم قومكم؛ فأووا إلى الكهف، وهذا يدل على أن اعتزالهم الكفار هو من أسباب لطف الله ورحمته بهم، وبموجب ذلك يكون التجاؤهم إلى الكهف ليس هرباً من الخلق بل نصر وتكرمة لهم، وهو من جنس الإنابة والفرار إلى الله؛ كما قال – تعالى – في التجاء النّبي صلى الله عليه وسلم وصحابه إلى الغار بأنه نصر: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)) الآية.

تنبيه:

ذكر أهل التفسير في الاستثناء الوارد في الآية: ((إِلا اللَّهَ)) وجهين:

الأول: أنه منقطع.

والثاني: متصل.

ورجح القرطبي الأول، والأظهر في الترجيح هو الثاني؛ كما رجّح ذلك الشنقيطي، وحمله على ذلك أظهر لأمرين:

الأول: الوارد في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((وما يعبدون من دون الله))، قال قتادة: هذا تفسيرها، ولا يخفى على أهل العلم ما لمرويّات التفسير من أثر في ترجيح معنى الآية.

الثاني: أنّ الترجيح المذكور ينسجم مع مقاصد القرآن الضرورية من جهة أنّ المشركين كانوا يقرّون بالخالق، ولكن أشركوا في توحيد العبادة، وعليه يكون معنى الآية: وإذا اعتزلتموهم وما يشركون في عبادة الله تعالى؛ أي: كانوا يعبدون الله والأصنام.

[align=center][color=0000CC]رعاية الله تعالى للفارين إليه[/color][/align]
ثم كانت الرعاية لهم: ((يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)):

وهذه الرعاية هي ثمرة اعتزالهم للشرك وأهله، فكل من يعتزل المشركين ويتبرّأُ من شركهم ويفرّ إلى الله فرار الموحّدين يجعل له:

1- هبة دينيه ودنيوية من رحمة الله – تعالى –.

2- الهداية إلى سبل الرشاد والخير والعافية.

3- ثناء حسن يعلو على كل ثناء.

وفي ذلك يقول الله – تعالى –: ((فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً)).

فاجتمعت لهؤلاء الفتية هذه الثمار تكرمة الله – تعالى – لهم على توحيدهم وجهادهم وعزلتهم، وفي هذا المعنى يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (5/16) : "فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من رحمته بهم، ويسّر لهم كل سبب حتى المحلّ الذي ناموا فيه، كان على غاية ما يمكن من الصيانة" أ.هـ

نعم؛ اجتمعت لهم خصال محمودة وعطايا ممدوحة: صيانة المحل، ورعاية الحال، وحفظ الاعتقاد.

[align=center][color=0000CC]فائدة[/color][/align]
لقد كرّم الله – تعالى – أصحاب الكهف بما هيَّأ لهم من الأسباب الكونية والشرعية في حفظهم وتثبيتهم وتمكينهم حتى إنّ كثيراًَ من السنن الكونية آنذاك سُيّرت وليس هذا الخرق مقصوداً لذاته؛ أي: لمجرّد التأثير الكوني في خرق العادة، بل تعدّاه إلى مقاصد دينية أخرى؛ فالخرق للأحوال الكونيّة والسنن القدرية إنّما يأتي تابعاً للمقصود الديني الشرعي؛ فالخرق في الكونيّات لا ينفع إذا لم يكن حادثاً للدين تابعاً له.

فالذي حصل للفتية في كهفهم من الآيات الدالة على عظمة الله – تعالى – سواء السماوية منها أو الأرضية؛ إنما لتكميل عبوديّتهم، وتثبيت قوائم دعوتهم، وترسيخ حقائق إيمانهم، وليكونوا آية لغيرهم، وذكرى للناظر في أحوالهم ... فكرّموا بمقتضى ذلك بالخرقين الديني والكوني، والثاني تابع للأول، وهذا ظاهر في كثير من الآيات من تأمل (4).

((فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)).

وقولـه تعالى: ((ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً)).

وقوله: ((وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ)).

وقولـه – تعالى –: ((وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا)).

[align=center][color=0000FF]أهم ما دلّت عليه الآيات من المعاني والمقاصد[/color][/align]
1- قصة أهل الكهف أحسن قصص أولياء الله الذين كانوا في زمن الفترة.

2- تحقيق التوحيد قولاً وعملاً ودعوة وحالاً واستدلالاً شرطٌ في الولاية الشرعية.

3- تلقّي القصص من الوحي من موجبه تحصيل اليقين المثمر للعمل والانقياد.

4- هؤلاء الفتية لما آثروا أصل الإيمان شكر الله – تعالى إيمانهم؛ فزادهم من الهدى المتضمّن للعلم النافع والعمل الصالح.

5- ذكر الربوبية مع الإيمان هو من باب قرن الإلهية بالربوبية كما هو الغالب في السياقات القرآنية.

6- كان إيثار الهدى في الآية من باب تكميل القوة العملية وتهذيبها، والاعتناء بالتزكية.

7- كل من يجاهد في ذات الله توحيداً وإيماناً لا بدّ وأن يُهدى إلى سبل الهداية وشرائع الإيمان.

8- طريقة تحصيل الإيمان بمقتضى العلوم الفطرية المسلّمة من المعارض، فضلاً عن الاستجابة إلى الوحي، هي أكمل طريقة.

9- هؤلاء الفتية الممدوحة صفتهم قد اجتمعت فيهم خصال تفرّقت في غيرهم؛ فنالا بمقتضى ذلك وصف الإمامة في الدين.

10- كانت لهؤلاء الفتية أعمال قلبية أثمرت ذوق حلاوة الإيمان، من أخصّها محبّة الله تعالى، وإيثارها على غيرها.

11- لما وجدوا حلاوة الإيمان أثمر وجدانُهم تعريفاً ودعوةً إلى التوحيد، وقياماً في ذات الله – تعالى –.

12- قد يفرغ القلب من أمور توجب انتقاص الإيمان بحسبها كالإنابة والخشية والتصدّع واليقين؛ حينئذٍ يربط على القلب برباط التوفيق حتى لا يخذل.

13- صاحب الهمّة العالية اتصلت همته بالله – تعالى – طلباً وقصداً، واتصلت بخلقه دعوة ونصحاً، فوحّدت مطلوبها بالإخلاص، وطلبها بالصدق، وطريقها بالمتابعة.

14- أول ما يجب من مطالب الرسل الضرورية مطلب التعريف بالله – تعالى – رباً ومعبوداً وبأسمائه وصفاته، وعلى هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة الأخرى.

15- كان استدلال الفتية استدلالاً فطرياً تاماً من جنس استدلال الرسل؛ فهم استدلّوا بالله – تعالى – على خلقه، لا بخلقه عليه.

16- كان المقصود من قومتهم هو توحيد الإلهية؛ فوافقوا منهج الرسل وسيلة ومقصداً واستدلالاً.

17- من ثمرة عملهم بالتوحيد أنهم علموا أن أخصّ شيء في توحيد العبادة هو إفراد الله – تعالى – بالدعاء قولاً وقصداً وعملاً.

18- على قدر التعبد بالأسماء والصفات، والعلم بأثرها في الخلق والأمر يتذوق العبد حلاوة المناجاة لربّ العالمين، وينزل في منازل المحسنين.

19- إذا لم يقدح العبد في حظ نفسهِ ويجرد ظاهره وباطنه من الاعتراض؛ كان موجب ذلك انتقاص الإيمان بحسبه.
20- لما بدأ الفتية بواقعهم يصفونه، ويشخصون خطورة الشرك في قومهم دلّ ذلك على فقههم بأحوال هذا الواقع لا كدعاة اليوم الذين جعلوا الدعوة إلى توحيد الله تعالى آخر الأمر.

21- هؤلاء الفتية قد أوتوا قوة علمية في جدل خصومهم ويقيناً يعضده؛ فأعجزوا قومهم عن الإتيان بالسلطان البيّن، والدليل الظاهر.

22- من العدل الواجب الذي دلت عليه مقاصد الرسل هو تأخير إصدار الحكم على أهل الشرك حتى تقام الحجة الرسالية عليهم، وبعد الاستيئاس من إجابتهم لمنادي الإيمان.

23- إذا أعلن عسكر الشرك المخذول عداءه وحربه على أهل التوحيد، فلا سبيل حينئذ إلا الالتجاء إلى الله – تعالى –، والفرار إليه، والأخذ بأسباب الثبات والنصر.

24- كان من دفع الله – تعالى – عن أصحاب الفئة المؤمنة على أرض الواقع أن أجرى قانوني الدفع والمدافعة لصالحهم وعطّل السنن الكونية لنفعهم.

25- التجاء الفتية إلى الكهف لم يكن هرباً من الخلق بل التجاء نصر وتمكين، وهو من باب الإنابة إلى الله – تعالى –، والفرار إليه.

26- اجتمعت لهؤلاء الفتية خصال محمودة وعطايا ممدوحة، فصان الله – تعالى محلّهم، ورعى حالهم، وحفظ اعتقادهم.

27- ما حصل للفتية في كهفهم من العجائب والتأثير في السنن الكونية العلوية والسفلية إنّما هو لتكميل المقصود الديني، والخوارق تابعة للدين حادثة له (5).

-----------
الحواشي:

1) انظر موضوع الإعراض في "مدراج السالكين" (2/69-70).

2) "محاسن التأويل" للقاسمي (11/13).

3) " أضواء البيان " للشنقيطي (4/32).

4) في الآية دليلٌ على أن من مقاصد الخرق والتأثير الكوني حصول فائدة مطلوبة من العباد، وهي: العلم بالكلمات الشرعية، والعمل بمقتضاها، فالله – تعالى – بعثهم، ليتساءلوا، وليبثحوا، ويتعلّموا حقائق الأشياء.

5) انظر كلام شيخ الإسلام في الخوارق (11/319 وما بعدها) "مجموع الفتاوى".
[/SIZE]
 
شكر الله لك هذا الجهد المتميز ونأمل المواصلة , إذ إن ما تقوم به قل من يطرقه في هذا الملتقى على الرغم من أهميته , ولعل ذلك يكون فتحاً لهذا الباب فنرى من مواعظ القرآن ودروسه ما يسطر في صفحات هذا الملتقى .
 
عودة
أعلى