ابو العزايم عبد الحميد
New member
تكلمنا في الحلقة السابقة عن مغزى قصة البقرة باعتبارها منفصلة عن قصة القتيل فلقد كان واضحا من القصة ان المقصود هو ذبح بقرة أي بقرة لكي تصفوا نفوس بني اسرائيل للتوحيد وتتعود على الوضع الطبيعي من ان هذا النوع من الحيوانات ليست لها صفة قداسة هذه النظرة التي ورثوها عن المصريين فالحيوانات ومنها البقر خلقت لا ليطوف الناس حولها او يعظموها ولكن " لينتفعوا بها ويأكلوا منها " وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) النحل .وواضح من القصة انهم لم يتعاملوا بسهولة مع الأوامر الإلهية وقد تعمد موسي عليه السلام أن ينسب الأمر الى الله " ان الله يأمركم " ومع هذا فقد خاضوا جدالا وعنادا انتهي الى تنفيذ الأمر بمشقة والآن دعونا نتأمل في مناسبة القصة للسورة بأكملها وقد سميت السورة باسم هذه القصة .
أولا : معلوم أن سورة البقرة من أطول سور القران وهي أيضا من أكثر سور القران مليئة بالأحكام الشرعية التي تخص السلوك البشري وفي كتاب الجامع لأحكام القران للإمام أبي بكر بن العربي أن سورة البقرة وحدها تضمنت تسعين حكما شرعيا وهي بهذا أعلى سورة في ناحية الأحكام تليها سورة النساء التي تضمنت واحد وستين حكما
وفي مناسبة ورود هذه الأحكام كان من الجكمة ذكر الآداب المطلوبة عند تلقي هذه الأحكام ومنها :-
أولا:- ضرورة الامتثال والتنفيذ فالأحكام نزلت للتطبيق وليست للمناظرة او المتعة العقلية فالله قد شرع هذه الاحكام لا لعبا ولا لهوا وهزوا ولكن ليطبقها الناس في حياتهم ثانيا:- الوضوح والبيان في الأحكام صفة لازمة وازالة الغموض مقصد شرعي فقد نزلت الاحكام واضحة بينة وطالما نزلت الاحكام للتطبيق فلابد ان تكون خالية من اللبس والغموض وتكون واضحة في ذهن المكلف والله قد انزل آياته بينات ومبينات ولذلك كثر تعقيب القران بعد آيات الأحكام بقوله " كذلك يبين الله لكم الآيات " تلك آيات الله يبينها للناس " ثالثا :- وطالما أن الوضوح مقصد أساسي في الحكم فقد شرع السؤال من المكلف لإزالة أي غموض يعلق في نفسه يجعل تطبيقه للحكم مشوها رابعا :- وطالما شرع السؤال عما خفي فينبغي ألا ينحرف المكلف بالسؤال عن طلب إزالة الغموض الى طلب الإفلات من التطبيق والهروب من الحكم خامسا :- وعند السؤال ايضا ينبغي ان يترتب على نتيجة السؤال عمل يقوم به المكلف ومن ثم كره السؤال فيما لا يعني وفيما لا يترتب عليه عمل فكان من القواعد الأصولية التي اتفق عليها العلماء ان كل مسالة لاينبني عليها عمل فالخوض فيها منهي عنه شرعا يقول الإمام ألشاطبي في المقدمة الخامسة من كتابه الموافقات "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً، و الدليل على ذلك: استقراء الشريعة فإنّا رأينا الشارع يعرض عمّا لا يفيد عملاً مكلفا به، ففي القرآن الكريم "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، ومن هنا نهى _صلى الله عليه وسلم_ عن قيل وقال وكثرة السؤال أ.ه من كتاب الموافقات للشاطبي
سادسا :- كثرة الأسئلة مكروهه وقد تعقد الأمر وتصعب التطبيق ولذلك كره الرسول كثرة السؤال وفي آية الحج أورد الترمذي في سننه عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : " يا أيها الناس كتب عليكم الحج " فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : " لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها ، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع " .
ونظرا لان سورة البقرة من اكبر سور القران بالأحكام الشرعية فقد أوردت قصة البقرة التي تجسد انحراف بني إسرائيل في تعاملهم مع الاحكام والاوامر الالهية فالامر بذبح البقرة كان للامتثال ولم يكن هزوا كما زعموا بل قال لهم موسي عليه السلام اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين عندما قالوا أتتخذنا هزوا وقال لهم افعلوا ما تؤمرون فالأمر ليس لعبا ولا لهوا بل هو واجب التطبيق وعندما سألوا سؤالا لا ينبني عليه عمل في قولهم ما لونها اذ ما فائدة السؤال عن اللون ؟ في موضوع بقرة مطلوب ذبحها ؟ وعند طلبهم في السؤال الثالث عن بقرة بعينها لان البقر تشابه عليهم شدد الله عليهم في صفاتها حتى أصبحت مرهقة ومن ثم فقد جاء بالسورة تحذير المؤمنين ان يسلكوا هذا المسلك المنحرف في تلقيهم للأحكام الشرعية "أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) البقرة لقد كانت قصة البقرة نموذجا للسلوك المنحرف في تلقي الأحكام الشرعية وكان مناسبا أن يرد في أطول سورة مليئة بالأحكام ومناسبة ان تسمى السورة باسمها وتختم هذه السورة بالأدب اللائق بالمؤمنين عند تلقيهم الأحكام الشرعية دون تردد او جدال او التفاف على الأحكام وهو قول الرسول والمؤمنون " سمعنا واطعنا " وعند الشعور بثقل التكليف ومشقته لانتحايل عليه للهروب منه بل الدعاء والتضرع الى الله ان يخففه عنهم ولا يحملهم ما لايطيقون " آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة وقد ورد في فضل خواتيم سورة البقرة آثار صحيحة .
أولا : معلوم أن سورة البقرة من أطول سور القران وهي أيضا من أكثر سور القران مليئة بالأحكام الشرعية التي تخص السلوك البشري وفي كتاب الجامع لأحكام القران للإمام أبي بكر بن العربي أن سورة البقرة وحدها تضمنت تسعين حكما شرعيا وهي بهذا أعلى سورة في ناحية الأحكام تليها سورة النساء التي تضمنت واحد وستين حكما
وفي مناسبة ورود هذه الأحكام كان من الجكمة ذكر الآداب المطلوبة عند تلقي هذه الأحكام ومنها :-
أولا:- ضرورة الامتثال والتنفيذ فالأحكام نزلت للتطبيق وليست للمناظرة او المتعة العقلية فالله قد شرع هذه الاحكام لا لعبا ولا لهوا وهزوا ولكن ليطبقها الناس في حياتهم ثانيا:- الوضوح والبيان في الأحكام صفة لازمة وازالة الغموض مقصد شرعي فقد نزلت الاحكام واضحة بينة وطالما نزلت الاحكام للتطبيق فلابد ان تكون خالية من اللبس والغموض وتكون واضحة في ذهن المكلف والله قد انزل آياته بينات ومبينات ولذلك كثر تعقيب القران بعد آيات الأحكام بقوله " كذلك يبين الله لكم الآيات " تلك آيات الله يبينها للناس " ثالثا :- وطالما أن الوضوح مقصد أساسي في الحكم فقد شرع السؤال من المكلف لإزالة أي غموض يعلق في نفسه يجعل تطبيقه للحكم مشوها رابعا :- وطالما شرع السؤال عما خفي فينبغي ألا ينحرف المكلف بالسؤال عن طلب إزالة الغموض الى طلب الإفلات من التطبيق والهروب من الحكم خامسا :- وعند السؤال ايضا ينبغي ان يترتب على نتيجة السؤال عمل يقوم به المكلف ومن ثم كره السؤال فيما لا يعني وفيما لا يترتب عليه عمل فكان من القواعد الأصولية التي اتفق عليها العلماء ان كل مسالة لاينبني عليها عمل فالخوض فيها منهي عنه شرعا يقول الإمام ألشاطبي في المقدمة الخامسة من كتابه الموافقات "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً، و الدليل على ذلك: استقراء الشريعة فإنّا رأينا الشارع يعرض عمّا لا يفيد عملاً مكلفا به، ففي القرآن الكريم "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، ومن هنا نهى _صلى الله عليه وسلم_ عن قيل وقال وكثرة السؤال أ.ه من كتاب الموافقات للشاطبي
سادسا :- كثرة الأسئلة مكروهه وقد تعقد الأمر وتصعب التطبيق ولذلك كره الرسول كثرة السؤال وفي آية الحج أورد الترمذي في سننه عن ابن عباس قال : خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : " يا أيها الناس كتب عليكم الحج " فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : " لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها ، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع " .
ونظرا لان سورة البقرة من اكبر سور القران بالأحكام الشرعية فقد أوردت قصة البقرة التي تجسد انحراف بني إسرائيل في تعاملهم مع الاحكام والاوامر الالهية فالامر بذبح البقرة كان للامتثال ولم يكن هزوا كما زعموا بل قال لهم موسي عليه السلام اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين عندما قالوا أتتخذنا هزوا وقال لهم افعلوا ما تؤمرون فالأمر ليس لعبا ولا لهوا بل هو واجب التطبيق وعندما سألوا سؤالا لا ينبني عليه عمل في قولهم ما لونها اذ ما فائدة السؤال عن اللون ؟ في موضوع بقرة مطلوب ذبحها ؟ وعند طلبهم في السؤال الثالث عن بقرة بعينها لان البقر تشابه عليهم شدد الله عليهم في صفاتها حتى أصبحت مرهقة ومن ثم فقد جاء بالسورة تحذير المؤمنين ان يسلكوا هذا المسلك المنحرف في تلقيهم للأحكام الشرعية "أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) البقرة لقد كانت قصة البقرة نموذجا للسلوك المنحرف في تلقي الأحكام الشرعية وكان مناسبا أن يرد في أطول سورة مليئة بالأحكام ومناسبة ان تسمى السورة باسمها وتختم هذه السورة بالأدب اللائق بالمؤمنين عند تلقيهم الأحكام الشرعية دون تردد او جدال او التفاف على الأحكام وهو قول الرسول والمؤمنون " سمعنا واطعنا " وعند الشعور بثقل التكليف ومشقته لانتحايل عليه للهروب منه بل الدعاء والتضرع الى الله ان يخففه عنهم ولا يحملهم ما لايطيقون " آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة وقد ورد في فضل خواتيم سورة البقرة آثار صحيحة .