تأملات في المعوذتين

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
653
مستوى التفاعل
28
النقاط
28
تأملات في المعوذتين


1-

تتجلى في السورتين تلك السمة العامة في التنزيل وهي الجمع بين التشابه و التنوع...

(وقد أشرنا في مقال لنا لهذه الظاهرة تحت عنوان الجمع بين التجانس والتميز في وقت واحد: فالسور كلها متشابهة مع احتفاظ كل سورة بميزاتها الخاصة)

وفي السورتين "الفلق " و"الناس " حضور جلى لهذه السمة:

-تشترك السورتان في الاسم فهما المعوذتان:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ ‌بالْمُعَوِّذَتَيْنِ ‌في ‌دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ)؛ رواهُ الترمذيُّ وصححه النووي.

- تشتركان في الوظيفة والفضيلة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يذكرهما إلا مقترنتين:

(عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ قالَ: بَيْنَا أَنا أَسِيرُ معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بينَ الْجُحْفَةِ والأَبْوَاءِ، ‌إذْ ‌غَشِيَتْنا ‌رِيحٌ ‌وظُلْمَةٌ ‌شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ بِـ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويَقُولُ: «يا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا» قالَ: وسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنا بهِمَا في الصَّلاةِ)؛ رواه أبو داود وحسَّنه الألباني.

- تشتركان في الموقع من المصحف الشريف..فالسورتان متجاورتان في ختام المصحف..

-تشتركان في الدلالة العامة الالتجاء إلى الله والاستعاذة به من الشر والضر...

لكن لو نظرنا إلى التفصيل الدلالى لوجدنا في السورتين تباينا قريبا من التقابل....

فلنقارن بين الركنين الدلالين في السورتين ( وأعني بالركنين : المستعاذ به والمستعاذ منه)

المستعاذ به واحد هو رب العالمين...لكن في سورة الفلق وصف الرب بصفة واحدة فقط :"رب الفلق"

وفي سورة الناس جاء التعدد في الصفات : رب – ملك- إله

المستعاذ منه في "الفلق" متعدد ( أربعة شرور)

لكن المستعاذ منه في" الناس" واحد (الوسواس الخناس)

فحصل هذا التقابل العجيب:

يستعاذ بالصفة الواحدة والمستعاذ منه متعدد (سورة الفلق)

ويستعاذ بالصفات المتعددة والمستعاذ منه واحد (سورة الناس)

للكلام تتمة ان شاء الله...
 
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق : 1]

سنتأمل الآية ولكن ، قبل ذلك ، نقرر-على سبيل التقديم- قاعدة منهجية أساسية في تفسير كتاب الله وهي قاعدة ذات شقين:

- أولا : لا تفسرالكلمة في القرآن إلا بدلالاتها المعجمية في اللسان العربي ونضيف قيدا هاما هو" في زمن النزول"....لأن الدلالات المستحدثة بعد النزول ليست من عربية القرآن في شيء ( وإن تكلم بها الناس واشتهرت على ألسنتهم بعد زمن النزول... ) مثلا كلمة (ذرة) لا ينبغي إن تفسر بالمعنى الفزياوي ولا بالمعنى الفلسفي، فالعربي الذي أنزل عليه القرآن لا تخطر بباله هذه المعاني إنه يفهم منها صغار النمل أو الشيء القليل ...ولكن لا يفهم منها قابلية الانقسام أو عدمها ولا دوران الالكترون حول نواة ،وقد تحتفظ الكلمة العربية بمعناها الأصيل ولكن قد تتشرب مع الزمن وتغير الظرف الحضاري دلالات إيحائية محدثة وظلال معان جديدة فلا يجوز إقحامها في دلالة الكلمة في القرآن بل يجب الاحتفاظ بالجذر الدلالي الأصيل فقط...ككلمة " إرهاب" مثلا، فالعربي المعاصر تتشكل في ذهنه حزمة من التخيلات والإيحاءات عند سماعها لا تتشكل في ذهن العربي في الجاهلية وفي زمن نزول القرآن... فلو كنا بصدد تدبر قوله تعالى :" تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" [الأنفال : 60] فيتعين إقصاء الظلال الدلالية المعاصرة والإبقاء على الصورة الذهنية التي تخطر للعربي زمن النزول فتلك الصورة هي مقصد القرآن الذي نزل بلغتهم ... فما لا يفهمه العربي فليس بعربية وما ليس بعربية فليس بقرآن! ولتأكيد هذه القاعدة كرر القرآن "عربيته" في أكثر من عشر مرات مع أن عربية القرآن أمر بدهي لا يجادل فيها مؤمن ولا كافر..

- ثانيا : بعد الرجوع إلى المعجم العربي الأصيل يتدخل الحس البلاغي للمفسر ليقيم تلك الدلالات المعجمية وهي غالبا كثيرة فيصنفها وفق نظام تراتبي : يرجح بعضها، ويضعف بعضها ، ويقصي بعضها بحسب ما يقتضيه الحس البلاغي وما يرجحه السياق..ومن الخطأ أن يعتقد المفسر أن كل الدلالات المعجمية صالحة لتفسير كلمة قرآنية وإن أثبت تلك المعاني بالأشعار والأمثال!
 
عودة
أعلى