تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ـ الجزء الثالث ( أحوال السمع)

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ذكرت في الجزئين السابقين شيئاً من التأملات التي تتعلق بالوجه ، ثم ثنيت بما يتعلق بالبصر .
وقد سأل بعض الأفاضل : ما السبب الذي جعلك تسلك هذا الترتيب في عرض أحوال الجوارح ؟
فأجبته : أنني راعيت كثرة ورود الآيات المتعلقة بكل جارحة .
وإلى مقصود هذه الحلقة : وهو تأملات في الآيات المتعلقة بحاسة السامع في ذلك اليوم المهول .
أولاً : قال تعالى : ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ... الآيات ) (عبس:33-34) .
والصاخة اسم من أسماء يوم القيامة ، وهذا الاسم ـ كما هو ظاهر ـ له تعلق بحاسة السمع ؛ لأن معنى هذا الاسم مأخوذ من قولهم : صاخ فلان لصوت فلان إذا استمع له ، قال ابن جرير : "ولعل الصوت هو الصاخ ،فإن يكن ذلك كذلك ، فينبغي أن يكون قِيلَ ذلك لنفخة الصور" .
وعلى هذا ، فيكون هذا الصخ للآذان بسبب الصيحة التي ذكرها ربنا جل وعلا في سورة ق بقوله : ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ).
وبناءً على ما سبق ، فإن أول أحوال هذه الحاسة هو تلقيها لهذا الصوت العظيم الذي يصم الآذان ؛ لتقوم لرب العالمين ، ليتم الجزاء والحساب .
ثانياً : ثم يأتي على هذه الأسماع لحظات رهيبة ، أتدري ماهي ومتى تكون ؟ .
إنها حينما تأتي راغمة إلى أرض المحشر ، بعد سماع الصوت الذي ناداها (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) ، أي : لا عوج لهم عنه ولا انحراف ولكنهم يأتون سراعاً إليه ينحشرون .. فتقف وهي تنتظر أهوال ذلك اليوم .. وفي هذه الحال من الانتظار ، تغشى الموقف سكينة وصمت عظيم ، عبر عنه القرآن بقوله ـ : ( وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (طـه:108) ... أي : سكنت أصوات الخلائق للرحمن ،وأضاف الخشوع للأصوات على سبيل التجوز ، ولعله استعير الخشوع لانخفاض الصوت ،وإسراره ...
( فلا تسمع إلا همساً ) والمراد به : وطء الأقدام إلى المحشر على قول جماعة من السلف ،وعلى قول آخرين : كلام الإنسان بالصوت الخفي ،وقد جمع بين هذين التفسيرين سعيد بن جبير رحمه الله .
ثالثاً : حينما يشاهد الكفار الأمر عياناً ،وأن الأمر حق ، ولا مفر من الموقف ، ستتفتح أسماعهم وأبصارهم لكل ما يلقى إليهم ، ولكن ... بعد فوات الأوان !!.
وهذا ما دل عليه قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (مريم:38) ، قال ابن جرير ـ رحمه الله ـ :
"يقول تعالى ذكره مخبراً عن حال الكافرين به ، الجاعلين له أنداداً ، والزاعمين أن له ولداً يوم ورودهم عليه في الآخرة ، لئن كانوا في الدنيا عميا عن إبصار الحق ، والنظرِ إلى حجج الله التي تدل على وحدانيته ، صماً عن سماع آي كتابه ، وما دعتهم إليه رسل الله فيها من الإقرار بتوحيده ، وما بعث به أنبياءه ، فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم في الآخرة ! وأبصرهم يومئذ حين لا ينفعهم الإبصار والسماع " انتهى .
رابعاً : مرحلة شهادة السمع على العبد بما سمع ، وهذا ما دل عليه قوله تعالى : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) .
وكأن هذا ـ والله أعلم ـ سابق لمرحلة تنكيس رؤوس المجرمين ـ الآتي ذكرها ـ خوفاً من العقاب ، واعترافاً بالذنب ،وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا لعمل الصالحات ، فإنهم حينما تتم عليهم الشهادة ، يغشاهم من الذل والهوان ما لا يعلمه إلا الله تعالى .. عندها تبدأ التوسلات ، وتظهر أنواع التأسفات ،ولكن .. لا فائدة ، فالمهلة قد انقضت ، وهذه هي الحال التي ستتحدث عنها المرحلة الخامسة الآتي ذكرها .
خامساً : مرحلة تنكيس الرؤوس ، والإعلان الصريح بأنهم على استعداد تام لسماع كل أمرٍ وتنفيذه : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحا إِنَّا مُوقِنُونَ ) .
وهذه الحال تحتاج إلى مزيد نظر ، إذ قد ينازع منازع في إدخالها في أحوال الجوارح ، والذي ظهر لي بعد تأمل أنها داخلة في هذا الموضوع ؛ لأن أصحاب هذه الحاسة (حاسة السمع ) أبدوا استعدادهم لتقبل ما يلقى إليهم والإصغاء إليه ، فهو عائد إلى آذانهم وقلوبهم معاً .
سادساً : وهي مرحلة النهاية ، حينما ينتهي أهل الجنة إلى نعيمهم في دارهم ـ نسأل الله من فضله ـ وأهلُ النار إلى مصيرهم ومآلهم ـ نعوذ بالله من حالهم ـ فسيسمع أهل الدارين ما يليق بحال كلٍ منهم .. ويالله ! ما أعظم الفرق ؟!
أما أهل الجنة ، فيسمعون أول ما يسمعون عند دخولهم للجنة سيسمعون ترحيب الملائكة ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ... ثم لا تسل بعد ذلك عن أنواع التلذذ بخطاب الرب ،وهذا ما فصلته السنة المطهرة ،جعلنا الله وإياكم ـ ووالدينا ـ من أهلها .
أما أهل النار ، فإن الحديث عن أنواع العذاب التي تغشاهم وهم يسمعون ما يكرهون ، فأمر يفوق الوصف ،وذكره في القرآن أكثر من ذكر ما يقع لأهل الجنة.
وحسبي هنا أن أشير إلى أنواع من استصراخهم ،والجواب الذي يجابون به :
1 ـ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) ، فيأتي الجواب : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:37) .
2 ـ ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) فيأتيهم أعظم التبكيت والتقريع ـ والعياذ بالله ـ : ( قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) ( المؤمنون:107- 108) .
3 ـ ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) هنا يذكر بعض المفسرين أن مالكا لا يجيبهم مباشرة ، بل يدعهم ألف عام بعد ذلك ، ثم يجيبهم فيقول لهم : إنكم ماكثون .. فما أعظم الحسرة عليهم !
ولك أن تتصور ـ أخي ـ انتظارك لخبر يترتب عليه أمرٌ كبير !
ما هي مشاعرك ؟!
ما هي أحاسيسك ؟!
ثم ما حال هذه المشاعر وتلك الأحاسيس عندما يأتي الأمر ـ وبعد طول انتظار ـ على عكس ما كنت تنتظره تماماً ؟!
الأمر عظيم ... فإذا كان هذا في أحوال الدنيا ، فما ظنك بحال هؤلاء ؟! نعوذ بالله من الشقاء .
هذا ا تيسر تأمله وتدبره في هذه الحاسة ( حاسة السمع ) فإن يكون صواباً فالحمد لله هو أهل الفضل ،وإن يكن خطأ فإني أستغفر الله منه ،والحمد لله رب العالمين .
 
عن تعاقب الليل والنهار

عن تعاقب الليل والنهار

جزاك الله خير ورد في القران الكريم في ايات كثيره ذكر الليل والنهار وتعاقبهما ويولج الليل في النهار والنهار في الليل وقال تعالى لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا اين اجد اجابه للتفكر فيها احسن الله اليك
 
عودة
أعلى