لنناقش هذا المعنى تفصيلا .............
قال تعالى في سورة الواقعة :{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) } وفي سورة القلم :في قصة أصحاب الجنة :{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)} وقال تعالى في سورة الذاريات :{ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) } وفي سورة المعارج :{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} قال في محاسن التأويل : وقوله تعالى : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } مقول قول مقدّر ، هو حال ، أي : قائلين ، أو يقولون : إنا لمغرمون ، أي : ملزمون غرامة ما أنفقن ، أو مهلكون لهلاك رزقنا . من الغرام بمعنى الهلاك . { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي : حرمنا رزقنا . قال في البحر المحيط : إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ: أَيْ يَقُولُونَ.وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنَّا وَالْأَعْمَشُ والجحدري وأبو بكر: أإنا بِهَمْزَتَيْنِ، لَمُغْرَمُونَ: أَيْ مُعَذَّبُونَ مِنَ الْغَرَامِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْعَذَابِ، قَالَ: إِنْ يُعَذِّبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ ... يُعْطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي أَوْ لَمُحَمَّلُونَ الْغُرْمَ فِي النَّفَقَةِ، إِذْ ذَهَبَ عَنَّا غَرِمَ الرَّجُلُ وَأَغْرَمْتُهُ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ: مَحْدُودُونَ، لَا حَظَّ لَنَا فِي الْخَيْرِ. قال أبوالسعود رحمه الله : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي لملزَمون غرامةَ ما أنفقنا أو مهلكونَ بهلاكِ رزقِنا من الغَرام وهو الهلاكُ وقُرِىءَ أَئِنَّا على الاستفهامِ والجملةُ على القراءتينِ مقدرة بقول هو في حيز النصبِ على الحاليةِ من فاعل تفكهون أي قائلين أو تقولون إنا لمغرمون { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } حُرمنا رزقَنا أو محارَفون محدودون لا حظَّ لنا ولا بختَ لا مجدودون .
قال العثيمين رحمه الله : {أفرءيتم ما تحرثون أءنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} أي: أخبروني أيها المكذبون بالبعث عن الذي تزرعونه بالحرث: هل أنتم الذين تخرجونه زرعاً بعد الحب أم نحن الزارعون؟ الجواب: بل أنت يا ربنا، أنت الذي تزرعه، أي تنبته حتى يكون زرعاً، كما قال - جل وعلا -: {إن الله فالق الحب والنوى} فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعاً، ولا هذه النواة حتى تكون نخلاً، إلا الله - عز وجل - {لو نشاء لجعلناه حطاماً} ولم يقل - عز وجل - لو نشاء لم نخرجه بل قال: {لجعلناه حطاماً} أي: بعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسى؛ لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليهم آفة، فكان حطاماً، أي: محطوماً لا فائدة منه، فهو أشد حسرة {فظلتم تفكهون } أي: تتفكهون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون {إنا لمغرمون } أي لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون فتقولون: {بل نحن محرومون} أي: حرمنا هذا الزرع، وصار حطاماً ففقدناه.
قال ابن كثير رحمه الله : وَقَوْلُهُ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} أَيْ: نَحْنُ أَنْبَتْنَاهُ بِلُطْفِنَا وَرَحْمَتِنَا، وَأَبْقَيْنَاهُ لَكُمْ رَحْمَةً بِكُمْ، وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا، أَيْ: لَأَيْبَسْنَاهُ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ وَاسْتِحْصَادِهِ، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} . ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أَيْ: لَوْ جَعَلْنَاهُ حُطَامًا لظَلْتُم تَفَكَّهُونَ فِي الْمَقَالَةِ، تُنَوِّعُونَ كَلَامَكُمْ، فَتَقُولُونَ تَارَةً: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أَيْ: لَمُلْقَون. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ: إِنَّا لَمُولَعٌ بِنَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعَذَّبُونَ. وَتَارَةً تَقُولُونَ: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} مُلْقَوْنَ لِلشَّرِّ، أَيْ: بَلْ نَحْنُ مُحَارَفون، قَالَهُ قَتَادَةُ، أَيْ: لَا يَثْبُتُ لَنَا مال، ولا ينتج لنا ربح. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أَيْ: مَجْدُودُونَ، يَعْنِي: لَا حَظَّ لَنَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} : تَعْجَبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تُفْجَعُونَ وَتَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ زَرْعِكُمْ. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ التَّعَجُّبُ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُصِيبُوا فِي مَالِهِمْ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تُلَاوِمُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} تَنْدَمُونَ. وَمَعْنَاهُ إِمَّا عَلَى مَا أَنْفَقْتُمْ، أَوْ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ : تَفَكَّهَ مِنَ الْأَضْدَادِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: تَفَكَّهْتُ بِمَعْنَى تَنَعَّمْتُ، وَتَفَكَّهْتُ بِمَعْنَى حَزِنْتُ.
بارك الله فيك
مصداق ذلك قوله تعالى
﴿ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير﴾ال عمران ١٨٠
وقوله تعالى
﴿ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾محمد