بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود

إنضم
09/04/2011
المشاركات
483
مستوى التفاعل
0
النقاط
16

بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود
والثورات العربية والعالمية
مقدمة

تعدُّ الهجرة النبوية الفاضلة نقطة تحوُّل كبيرة في عصر الرسالة النبوية، حيث انتقل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه الكرام من دار دعوته إلى دار دولته، ومن حالة الاستضعاف من الباطل إلى حالة الاستقواء بالحق، ومن الحال المغلق إلى الحال المفتوح،
ومن الصراع أحاديِّ الجانب بينه وبين المشركين إلى الصراع ثلاثي الجوانب بينه من جهة وبين المشركين والمنافقين واليهود.
وعلاقة الهجرة بالثورات الحديثة مثلاً نجد أنه في الهجرة الفاضلة أجبر الطغاة فيها محمداً

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه على الخروج من مكة التي يحبون، بينما الثورة أجبرَ رجالها الطاغية وبطانته السيئة على الهروب من ديارهم،
فصار حال هؤلاء الطغاة بين قتيل وأسير وهارب.

وفي هذه الدراسة التي بين يديك نتناول الحديث عن الهجرة ولكن بمنظور آخر غير الذي ألفه الناس عند الحديث عنها
..فنتحدث عن الهجرة من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول
:الهجرة النبوية الشريفة وإرهاصاتها.
المبحث الثاني
:بين الهجر والهجرة في العصر الحديث.
المبحث الثالث
: بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود.
المبحث الرابع
:الهجرة والثورات.

م€€
المبحث الأول
الهجرة النبوية الشريفة


مقدمات الهجرة
1
ـ الهجرة إلى الحبشة.. والخروج من الأزمة(وإذ اعتزلتموهم).

قبل الهجرة الأولى للحبشة، كانت سورة الكهف تعد الصحابة لهذا الأمر إنهم فتية، أشداء في أجسامهم
, أشداء في إيمانهم، أشداء في استنكار ما عليه قومهم. .

ولقد تبين لهم الطريقان طريق الإيمان وطريق الضلال
, واختلف المنهجان ، فلا سبيل إلى الالتقاء , ولا للمشاركة في الحياة، ولا بد من الفرار بالعقيدة،
إنهم ليسوا رسلا إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها , ويتلقوا ما يتلقاه الرسل ، إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر ,
ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها ، وهم لا يطيقون كذلك أن يداروا القوم ويراودهم ,
ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله .
ولما كان أمرهم قد كشف، فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى الله
, وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة، وقد أجمعوا أمرهم فهم يتناجون بينهم:
(وَإِذِظ±عْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَايَعْبُدُونَ إِلَّاظ±للَّهَ فَأْوُغ¥ظ“ اغںإِلَى ظ±لْكَهْفِ يَنشُرْلَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِغ¦وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ï´؟16ï´¾

وَتَرَى ظ±لشَّمْسَ إِذَاطَلَعَت تَّزَظ°وَرُعَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ظ±لْيَمِينِ وَإِذَاغَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ظ±لشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍغ¢ مِّنْهُغڑ ذَظ°لِكَ مِنْءَايَـظ°تِ ظ±للَّهِغ—
مَن يَهْدِظ±للَّهُ فَهُوَظ±لْمُهْتَدِغ– وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُغ¥وَلّيًامُّرْشِداً) الكهف: 16

وهنا ينكشف العجب في شأن القلوب المؤمنة، فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم
, ويهجرون ديارهم, ويفارقون أهلهم, ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة، هؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم ،
هؤلاء يستروجون رحمة الله ، ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة .(فَأْوُغ¥ظ“اغںإِلَى ظ±لْكَهْفِ يَنشُرْلَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِغ¦وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ï´؟16ï´¾)..

ولفظة
(يَنشُرْ)تلقي ظلال السعة والبحبوحة والإنفساح ، فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها , وتشملهم بالرفق واللين والرخاء .

إن الحدود الضيقة لتنزاح، وإن الجدران الصلدة لترق
, وإن الوحشة الموغلة لتشف , فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق .

حين اشتد العذاب بأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضاقت بهم السبل، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة "فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد وهي أرض صدق،
حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه
" فخرج فريق من المسلمين إلى أرض الحبشة؛ مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام.مثل ما فعل أصحاب الكهف..

فلقد أخذ المسلمون الأوائل العبرة منهم
..قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف:111.

وتفكير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحبشة ينطوي على معرفة واسعة للنبي الكريم بأحوال شبه الجزيرة العربية، واتجاهاتها السياسية،
فلم يكن هناك مكان أصلح للحماية والإيواء من الحبشة، فالقبائل العربية تربطها بقريش علاقات وثيقة، وروابط متينة
تمنعها من استقبال هؤلاء المسلمين إذا ما فكروا في الهجرة إليها، وبلاد اليمن غير مستقرة يتنازعها التنافس بين الفرس والروم، والصراع بين اليهودية والنصرانية،
ولم تكن أي مدينة من مدن الجزيرة العربية تصلح أن تكون مكانًا مناسبًا لإيوائهم، حتى يثرب نفسها التي استقبلت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك،
وأقام بها دولته لم تكن تصلح هي الأخرى في هذا الوقت لاستقبال المهاجرين، حيث كانت تمزقها الخلافات الداخلية، والصراعات بين قبائلها،
وكان جملة من هاجر إلى الحبشة ثلاثة وثمانين رجلاً.
2
ـ الهجرة الثانية للحبشة
غير أن هذه الهجرة لم تدم طويلاً، حيث رجع المسلمون من أرض هجرتهم إلى مكة بعد أن بلغهم أن قريشاً هادنت الإسلام وتركت أهله أحراراً،
إلا انهم بعد وصولهم إلى مكة وجدوا الأمر على خلاف ما ظنوه، فاضطروا إلى الهجرة مرة ثانية
.فما خبرم€€هذه الهجرة ؟ هذا ما سوف نعرفه في الأسطر التالية.
إن الإشاعة التي بلغت المؤمنين في أرض الهجرة تركت أثرها في قلوبهم ، فقرروا العودة إلى وطنهم، وكان سبب هذه الإشاعة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

خرج إلى الحرم وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم، ولم يكن المشركون قد سمعوا القرآن سماع منصت من قبل,
لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً (وَقَالَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواغںلَاتَسْمَعُواغںلِهَـظ°ذَاظ±لْقُرْءَانِ وَظ±لْغَوْاغںفِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت:26 .
م€€م€€فلما فاجأهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلاوة هذه السورة، وقرع آذنهم القرآن في روعة بيانه ، وجلالة معانيه، أعطوه سمعهم،

فلما قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى: (فَظ±سْجُدُواغںلِلَّهِ وَظ±عْبُدُواغں ) النجم: 62 فسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يتمالك المشركون أنفسهم فسجدوا .

وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدَّعت العناد والكِبْر الذي في نفوسهم، فخروا ساجدين، فبلغ هذا الخبر مهاجري الحبشة،
ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية، حيث بلغهم أن قريشاً أسلمت، فرجعوا إلى مكة آملين أن يعيشوا مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قومهم وأهليهم آمنين، فلما وصلوا قريباً من مكة عرفوا حقيقة الأمر، وأن ما وصلهم من الأخبار غير صحيح ،
بل إن قريشاً أشد وأنكى على المسلمين من ذي قبل، فرجع من رجع منهم ، ومن دخل مكة دخلها مستخفياً، أو في جوار رجل من المشركين،
ثم زاد المشركون في تعذيب هؤلاء العائدين وسائر المسلمين، ولم ير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى ،
فهي المنفذ الوحيد والمخرج بعد الله تعالى - من بلاء قريش - لما يتميز به ملِكُها النجاشي من عدل ورحمة وحسن ضيافة،
وقد وجده المسلمون كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لا يظلم عنده أحد) .

فقرر المسلمون الهجرة مرة ثانية، ولكن الهجرة في هذه المرة كانت أشق وأصعب من سابقتها، حيث تيقظت قريش لها، وقررت إحباطها ،
لكن المسلمين كانوا قد أحسنوا التخطيط والتدبير لها ويسَّر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن تدركهم قريش،
وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً ، وثماني عشرة امرأة

وكما كان في الهجرة الأولى خير للإسلام والمسلمين ففي هذه الهجرة كان الخير أكثر وأكثر، فازداد عددهم وانتشر خبرهم،
وكانت أرض الحبشة التي أمِنوا فيها على أنفسهم ودينهم منطلقاً للدعوة الإسلامية وملاذاً لكل مضطهد وطريد من المسلمين،
والله يؤيد دينه وعباده المؤمنين بما شاء من جنوده التي لا يعلمها إلا هو ، فله الحمد في الأولى والآخرة

3
ـ بيعة العقبة الثانية.
بعد اجتماع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوفد المدينة قالوا له : قد سمعنا مقالتك ، فتكلم يارسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت ،
وفي رواية خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت .

فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وآباءكم.

فقال ابن رواحة : فإذا فعلنا فما لنا ؟.

فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكم الجنة .

قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل .

لم تكن صفقة دنيوية إذن، وما كان فيها شيء من مساومة

وفي رواية أن العباس بن عبادة بن نضلة تكلم مع الأنصار وشد العقدة ، فقال
: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر ، والأسود من الناس ـ أي على من حاربه منهم ـ
ثم ذكر مثل ما تقدم عن أسعد بن زرارة. ثم توافقوا على ذلك وقالوا: يا رسول الله ما لنا بذلك إن نحن قضينا ؟.

هنا يظهر جوهر الرسالة
.

قال: رضوان الله والجنة.

قالوا: رضينا ابسط يدك.

فبسط يده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعوه.

وأول من بايعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البراء بن معرور ، وقيل اسعد بن زرارة ، وقيل أبو الهيثم بن التيهان ، ثم بايعه السبعون كلهم ،
وبايعه المرأتان المذكورتان من غير مصافحة ، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يصافح النساء ، إنما كان يأخذ عليهن ، فإذا أحرزن قال اذهبن فقد بايعتكن .

فلما قدم الأنصار المدينة أظهروا الإسلام إظهارا كليا وتجاهروا به.

وأمرصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة. م€€
ثم نزلت سورة القصص لتعد الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إعداداً خاصاً : (وَجَاظ“ءَرَجُلٌ مِّنْ أَقْصَاظ±لْمَدِينَةِ يَسْعَىظ° قَالَ يَـظ°مُوسَىظ°ظ“ إِنَّ ظ±لْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَظ±خْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ ظ±لنَّـظ°صِحِينَ ï´؟20ï´¾
فَخَرَجَ مِنْهَاخَاظ“ئِفاًيَتَرَقَّبُغ– قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ظ±لْقَوْمِ ظ±لظَّـظ°لِمِينَ ï´؟21ï´¾وَلَمَّاتَوَجَّهَ تِلْقَاظ“ءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىظ° رَبِّىظ“ أَن يَهْدِيَنِى سَوَاظ“ءَظ±لسَّبِيلِ)القصص: 20 ـ 22

وهكذا كان الإذن بالهجرة له صلى الله عليه وسلم وجاءت الإشارة إليه في سورة يوسف المكية
: (ظ±قْتُلُواغںيُوسُفَ أَوِظ±طْرَحُوهُ أَرْضًغايَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواغںمِنغ¢ بَعْدِهِغ¦قَوْمًاصَـظ°لِحِينَ ï´؟9ï´¾
قَالَ قَاظ“ئِلٌ مِّنْهُمْ لَاتَقْتُلُواغںيُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَـظ°بَتِ ظ±لْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ظ±لسَّيَّارَةِإِن كُنتُمْ فَـظ°عِلِينَ ï´؟10ï´¾)يوسف : 9 ـ 10

أليس هذا مشابها لقوله تعالى في الأنفال
(
وَإِذْيَمْكُرُبِكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواغںلِيُثْبِتُوكَ أَوْيَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَغڑ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُظ±للَّهُغ– وَظ±للَّهُ خَيْرُظ±لْمَـظ°كِرِينَ ) الأنفال:30
 


المبحث الثاني
بين الهجر والهجرة في العصر الحديث



إذا تتبعنا الآيات والأحاديث التي تتصل بموضوع الهجرة نجد ثلاثة أنواع من الهجرة:
النوع الأول
:
حيث تكون الهجرة من دار يحس فيها المسلم بالخطر على دينه وبأنه إن استمر فيها مقيما فإنه يتعرض لفتنة غالبة على العقيدة ،

وأنه سوف يتعرض لإيذاء شديد ومحنة قاسية جراء التمسك بواجبات دينه وفرائضه ، في هذه الحالة حيث تكون الهجرة من هذه الدار إلى دار أخرى
تتحقق فيها السلامة والفائدة للدين
يدعو القرآن إلى الهجرة كما يدعو إليها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي مثل هذه الحال

(إِنَّ ظ±لَّذِينَ تَوَفَّظ°هُمُ ظ±لْمَلَـظ°ظ“ئِكَةُ ظَالِمِىظ“ أَنفُسِهِمْ قَالُواغںفِيمَ كُنتُمْ غ– قَالُواغںكُنَّامُسْتَضْعَفِينَ فِى ظ±لْأَرْضِ غڑ قَالُوظ“اغںأَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ظ±للَّهِ وَظ°سِعَةًغ
فَتُهَاجِرُواغںفِيهَا غڑ فَأُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ مَأْوَظ°هُمْ جَهَنَّمُ غ– وَسَاظ“ءَتْ مَصِيرًا ï´؟97ï´¾ إِلَّاظ±لْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ظ±لرِّجَالِ وَظ±لنِّسَاظ“ءِ وَظ±لْوِلْدَظ°نِ لَايَسْتَطِيعُونَ حِيلَةًغ وَلَايَهْتَدُونَ سَبِيلًغا ï´؟98ï´¾
فَأُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ عَسَى ظ±للَّهُ أَن يَعْفُوَعَنْهُمْ غڑ وَكَانَ ظ±للَّهُ عَفُوًّاغَفُورًغا ï´؟99ï´¾ غ وَمَن يُهَاجِرْفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ يَجِدْ فِى ظ±لْأَرْضِ مُرَظ°غَماًكَثِيرًغاوَسَعَةًغ غڑ
وَمَن يَخْرُجْ مِنغ¢ بَيْتِهِغ¦مُهَاجِرًا إِلَى ظ±للَّهِ وَرَسُولِهِغ¦ثُمَّ يُدْرِكْهُ ظ±لْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُغ¥عَلَى ظ±للَّهِ غ— وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُورًغا رَّحِيمًغا ï´؟100ï´¾)النساء: ظ©ظ¦ - ظ،ظ ظ
فهذه الآيات تدل على وجوب الهجرة على من يخاف على عقيدته ودينه في أرض الكفر ، وتعد بالعفو عمن لا يستطيع حيلة تمكنه من الهجرة ،

ولا سبيل يهتدي إليه ، وهي مع ذلك تعد الشجعان الذين يقدمون على الهجرة – بما تنطوي عليه من مشقة وأهوال – بالتيسير والتوفيق .

ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات : ( هذا تحريض على الهجرة وترغيب في مفارقة المشركين ، إذ يجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه .. ،
والظاهر أن المراغَم المنع الذي يتخلص به ويراغِم به الأعداء ) والسعة المشار إليها في الآية يراد بها سعة من الضلالة إلى الهدى ،
ومن الضعف إلى القوة ، ومن القلة إلى الغنى ، وإذن فلا يصح في هذه الهجرة أن تكون هروبا ، ولكن لابد من رجحان المراغمة ضد العدو ، ورجحان المناصرة مع الإخوة
ومن هنا يقول الإمام العيني في شرحه على صحيح البخاري : ( أما الهجرة من المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبة اتفاقا ) .


وفي هذه الحالة أيضا جاءت الأحاديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فيما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمر يقول:
«لتكونَنّ هجرةٌ بعد هجرة، إِلى مُهَاجَرَ أَبيكم إِبراهيم صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى في الارضينَ إِلاّ شِرارُ أَهلها، وتَلْقِطْهُم أَرضُوهم،

وتَقْذَرُهم رُوح الرحمن ـ عز وجل ـ وتَحشرهم النارُ مع القردة والخنازير، تَقِيل حيثُ يقيلون، وتَبيت حيثُ يبيتون، وما سقط منهم فَلَها».

وجاء في سنن أبي داود باب في الهجرة هل انقطعت ، بسنده عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبِي عَوْفٍ عن أبي هِنْدٍ عن مُعَاوِيَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لاَ تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتّى تَنْقَطِعَ التّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التّوْبَةُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وفي سنن النسائي بسنده عَنْ عَبْدِ الله السّعْدِيّ قَالَ وَفَدْنَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ أَصْحَابِي فَقَضَى حَاجَتَهُمْ ثُمّ كُنْتُ آخِرَهُمْ دُخُولاً

فَقَالَ حَاجَتُكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَتَى تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ؟ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفّارُ.).
وفي هذا يقول العلماء : ( أما الهجرة عن المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبة اتفاقا ) كما ذكر العيني في شرحه للحديث في صحيح البخاري .

ومن هنا كان الإذن بالهجرة إلى الحبشة عندما اشتد العذاب على المسلمين بمكة ، قبل الهجرة إلى المدينة
.
قال ابن إسحاق : فلما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب

وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم : إذا خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم .

فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ارض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الإسلام.
قال ابن إسحاق : وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة فكانوا بها ، منهم من خرج بأهله معه ، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه
وكان فيمن هاجر من أعلام المسلمين الأولين مثل عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وجعفر بن أبي طالب ،

وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود وغيرهم .
ونحن نشك في أن هذا ينطبق على أية جماعة من المسلمين في العصر الحاضر ممن نعرف أن ليس لهم وضع كالذي كانت عليه مجموعة الهجرة إلى الحبشة

في عصر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكننا نبقيه صالحا للأخذ به من ناحية المبدأ بالشروط السابقة.

أما النوع الثاني من الهجرة
:
فإنما تكون كذلك من دار يتحقق فيها الخطر على الدين ، لكنها لا تكون إلى دار يتحقق فيها السلامة فحسب ، كما في النوع الأول ،

ولكنها تكون فوق ذلك مقدمة إلى نصر على أعداء الدين .
إنه أشبه ما تكون بحركة في ميدان القتال، يرجع فيها الجيش خطوة أو يتحيز إلى فئة لينطلق بعد ذلك في طريق النصر، وهكذا كانت هجرة

الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من مكة إلى المدينة.
لم تكن هجرة للسلامة، ولكنها هجرة للقتال والجهاد والكفاح؛ كانت بدء مرحلة جدية من الجهاد في سبيل الله
.
ومن هنا كان تعرض الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصار عند قدومهم إلى مكة يطلبون الحلف مع قريش ، فدعاهم إلى الإسلام ،

أبطل بذلك حلفا محتملا للأعداء ، وأنشأ حلفا محققا لصالح الدعوة الإسلامية ، فكانت بيعة العقبة الأولى مع اثني عشر رجلا من الأنصار ،
وأرسل معهم إلى المدينة من يعلمهم القرآن والشرائع ، وهنالك انتشر الإسلام فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلمون رجالا ونساء ،
ثم كانت بيعة العقبة الثانية وكان المبايعون فيها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين ،
بايعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأنفسهم وأن يرحل وأصحابه إليهم ، وكل ذلك تمهيدا للهجرة ،
بين الغرض منها ، لم يكن الخروج لمجرد السلامة ، ولكنه التحفز لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية .
ومن هنا أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة فخرجوا إليها أرسالا ، وانتظر الرسول بمكة محتجزا

معه أبا بكر وعليا رضي الله عنهما ، حتى أذن بالخروج فكانت الهجرة بأحداثها ونتائجها .
وكانت بدءا لقتال تتابعت غزواته ضد المشركين الذين أخرجوهم من ديارهم، وكانت بزوغا لشمس الإسلام بعد أن ظهر فجره في مكة
.
وكانت ظهورا للمجتمع الإسلامي بعد أن تكون أفراده في مرحلة الدعوة المكية .
وكانت حجر الأساس في ظهور الدولة الإسلامية التي حملت الدعوة، ونشرت الإسلام في أرجاء العالم من بعد
فهذا النوع من الهجرة ليس فرارا، وليس إيثارا للسلامة، وليس إيثارا للراحة، وإنما هو انتقال من مشقة إلى مشقة، ومن جهاد إلى جهاد،

وهو واجب حيثما توافرت دواعيه، وتحققت أسبابه، وترقبت نتائجه في النصر.
إنها ليست هربا من الجهاد ولكنها إعداد له
.

وجدير بنا نحن المسلمين اليوم أن نستحضر التاريخ الذي هو جوهر ذاتنا ومبنى شخصيتنا
وجدير بنا أيضا ونحن نستحضره أن نلتفت إلى ما فيه من عناصر العمل الإيجابي وتحمل المسئولية ، والمسئولية القيادية ، وإخلاص التوجه إلى الله تعالى

لا أن نكتفي بسرد ما فيه من نفحات الإعجاز وخوارق العادات
، فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أقرب الناس إلى الله لم يدخر جهدا في التدبير للهجرة ، وقد بدأ هذا التدبير مبكرا بعرض نفسه على القبائل من العرب :
أن يحموه وينصروه ، أخفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسالته ثلاث سنين ثم أعلن بها في الرابعة ودعا إلى الإسلام عشرة سنين ،
يوافي الموسم كل عام ، يتبع حجيج الجاهلية في منازلهم ، بمنى ، والموقف ، يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة ، ويسأل عن منازلهم ،
ويأتي أسواق المواسم : عكاظ ، ومجنة ، وذو المجاز ، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه .

وفي السيرة الهاشمية أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقف في منازل القبائل من العرب ، بمنى ، فيقول : يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم
أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني ، حتى أبين عن الله عز وجل ما بعثني به .

وكان خلفه أبو لهب ، كان إذا فرغ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله يقول : يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات واالعزى من أعناقكم ،
إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه .

وذكر ابن إسحاق أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض نفسه من بين ما عرض على بني عامر بن صعصعة ، فقال له رجل منهم :
أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟.

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الأمر لله يضعه حيث شاء .

فقال له العامري : أنقاتل العرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ؟ لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه . وكانت نقطة فاصلة.

إنها الرسالة الصاخة أسماع العلمانية منذ أربعة عشر قرنا


فلما رجع بنو عامر إلى منازلهم وكان فيهم شيخ أدركه السن فلما قدموا عليه سألهم عما كان في موسمهم قالوا : جاءنا فتى من قريش أحد بني عبد المطلب ،
يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا ؟ فوضع الشيخ يده على رأسه ثم قال :
يا بني عامر هل لها من تلاف ؟ - أي تدارك – هل لها من مطلب ؟ والذي نفسي بيده ما يقولها كاذبا أحد من بني إسماعيل قط ، وإنها لحق ، وإن رأيكم غاب عنكم .
وذكر الواقدي أنه كان ممن عرض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه عليهم : بني عبس ، وبني سليم ، وغسان ، وبني محارب ، وفزارة ، وبني نضر ،

ومرة وعذرة والحضارمة ، فكانوا يردون عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبح الرد ، ويقولون : أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك
ولم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه من بني حنيفة ، أهل اليمامة قوم مسيلمة الكذاب .
ويروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي جماعة من شيبان بن ثعلبة ، وكان معه أبو بكر وعلي رضي الله عنهما ،

وان أبا بكر سألهم ممن القوم : قالوا من بني شيبان بن ثعلبة ، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :
بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر ـ أي سادات في قومهم ـ وفيهم مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، ومثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك .
وكان مفروق بن عمرو أقرب مجلسا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال له : إنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة .

فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف المنعة فيكم ؟.

قال مفروق : علينا الجهد – الطاقة – ولكل قوم جد – أي حظ وسعادة ، أي علينا أن نجتهد – وليس علينا أن يكون لنا الظفر لأنه من عند الله يؤتيه من يشاء .

فقال أبو بكر رضي الله عنه : فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟.

فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى ، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح ، لعلك أخو قريش ؟.

فقال أبو بكر رضي الله عنه : أو قد بلغكم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها ؟ - أي قريش – هو ذا .
فقال مفروق : بلغنا أنه يذكر ذلك ، فإلام تدعو يا أخا قريش ؟.


فتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله ، وإلى أن تؤووني وتنصروني ،
فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله ، وكذبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد .

فقال : مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ،
ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون .
قال مفروق : ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم عرفناه . ثم قال : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟
فتلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ، والبغي لعلكم تذكرون .

فقال مفروق : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك .

وكان مفروق أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال: هذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا .

فقال هانئ : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش ، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر لزلة في الرأي
وقلة نظر في العاقبة ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ، ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر ،
وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة ، فقال : هذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا .

فقال المثنى : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش ، والجواب جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر ،
وإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب دون ما يلي أنهار كسرى فعلنا ، فإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا
وأن لا نؤوي محدثا ، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما تكرهه الملوك . وما دروا أن وقت النظر لا يطول ، وأن رضا ملك الملوك أولى من رضا الملوك .

هاهو النموذج العربي القديم في التبعية لملوك الدول الكبرى وأباطرتهم
.

ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم : ما أسأتم في الرد ، إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من أحاط به من جميع جوانبه ،
إن لم تلبثوا إلا قليلا ، حتى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ، ويعرسكم نساءهم : تسبحون الله وتقدسون ؟ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَـظ°ظ“أَيُّهَاظ±لنَّبِىُّ إِنَّاظ“أَرْسَلْنَـظ°كَ شَـظ°هِداًوَمُبَشِّرًاوَنَذِيرًا ï´؟45ï´¾ وَدَاعِيًاإِلَى ظ±للَّهِ بِإِذْنِهِغ¦وَسِرَاجاًمُّنِيراًï´؟46ï´¾ وَبَشِّرِظ±لْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ظ±للَّهِ فَضْلاًكَبِيرًا ï´؟47ï´¾
وَلَاتُطِعِ ظ±لْكَـظ°فِرِينَ وَظ±لْمُنَـظ°فِقِينَ وَدَعْ أَذَظ°هُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ظ±للَّهِ غڑ وَكَفَىظ° بِظ±للَّهِ وَكِيلاً)الأحزاب: ظ¤ظ¥ – ظ¤ظ¨.
ثم نهض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ولما قدمت بكر بن وائل مكة للحج قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر : ائتهم ، فأتاهم ، فعرض عليهم ، فقال لهم : كيف العدد فيكم ؟

قالوا : كثير مثل الثرى .
قال : فكيف المنعة ؟ قالوا : لا منعة ، جاورنا فارس ، فنحن لا نمنع منهم ولا نجير عليهم ، قال : فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم :

أن تسبحوا الله ثلاثا وثلاثين ، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين ، وتكبروه ثلاثا وثلاثين ؟ قالوا : ومن أنت ؟.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أنا رسول الله .

ثم مر بهم أبو لهب فقالوا له : هل تعرف هذا الرجل ؟ قال : نعم ، فاخبروه بما دعاهم إليه وأنه زعم أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهم :
لا ترفعوا بقوله رأسا فإنه مجنون يهذي من أم رأسه .
فقالوا
: لقد رأينا ذلك حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر .

مرة أخرى : إنها التبعية المفضلة عند العرب قديما لمن يكون البوش القديم أو حديثا لمن يكون البوش الجديد.

وما دروا أن محمدا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جاء ليحررهم من عبادة العباد إلى عبادة الله . وأن الله أذن لدولة العبودية في الأرض أن تزول، وما بقي إلا أن يمدوا أيديهم ليبايعوا رسوله،
وقد بايعوه قديما وما بقي إلا أن يجددوا البيعة !!..

ولم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرض نفسه على القبائل في كل موسم ويقول : لا أكره أحدا على شيء ، من رضي الذي أدعو إليه فذاك ،
ومن كره لم أكرهه ، إنما أريد منعي من القتل ، حتى أبلغ رسالات ربي . فلم يقبله أحد من تلك القبائل ويقولون :
قوم الرجل أعلم به ، ترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه !!
وما دروا أن الفساد إنما هو في ساحة قومه من المشركين، وان الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء ليصلح ما أفسدوه
.

وعن ابن إسحاق : لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنجاز موعده له خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الموسم حيث تمت بيعة العقبة
ومن ثم كانت بيعة العقبة الأولى ، ثم كانت بيعة العقبة الثانية .

كانت تخطيطا وتدبيرا محكما لا يعفى فيه المسلمون من الجد، والتخطيط اتكالا على نصر يتقاطر عليهم من السماء
.


تعالوا إلى بيعة العقبة ، ففي سيرة مغلطاي ومستدرك الحاكم أن بيعة العقبة كانت في شهر رجب حيث استمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فبينما هو عند العقبة التي ترمي فيها الجمرة فيقال جمرة العقبة إذ لقي بها رهطا من الخزرج ،
وكانوا ستة نفر وقيل ثمانية : فقال من أ نتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج.

فقال : أمن موالي يهود – يعني من حلفاء يهود المدينة قريظة والنضير – قالوا نعم .
قال : أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا : بلى ، فجلسوا معه ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ،

ورأوا أمارات الصدق عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لائحة ، فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله أنه للنبي الذي يوعدكم به يهود ،
[ وهكذا سخر الله اليهود للتمهيد لظهور محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فلا تسبقنكم إليه ، ذلك أن يهود كانوا إذا وقع بينهم وبينهم شيء من الشر قالوا لهم :
سيبعث نبي قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتلة عاد [ نفس ما يردده اليهود اليوم من ظهور المسيح في هرمجدون لقتال المسلمين ] .
فلما دعاهم الرسول إلى الإسلام أجابوه وصدقوه وأسلموا .
وقالوا له : إنا تركنا قومنا - يعنون الأوس والخزرج – بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وتطاولت بينهما الحروب ،

فمكثوا على المحاربة والمقاتلة أكثر من مائة سنة ، أي مائة وعشرين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك .
ثم انصرف أولئك الرهط من الخزرج راجعين إلى بلادهم .
وفي رواية أنهم لما آمنوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقوه قالوا : إنا نشير عليك أن تمكث على رسلك أي على حالك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا ،

فنذكر لهم شأنك وندعوهم إلى الله عز وجل ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعل الله يصلح ذات بينهم ، ونواعدك الموسم من العام المقبل ،
فرضي بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقع لهؤلاء الستة أو الثمانية مبايعة ، ويسمى هذا ابتداء الإسلام للأنصار .
 


فلما كان العام المقبل قدم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلا ، عشرة من الخزرج واثنان من الأوس ، وقيل كانوا أحد عشر رجلا ،
منهم خمسة من الستة أو الثمانية الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم عند العقبة أولا في العام الماضي . فاجتمع بهم صلى الله عليه وسلم عند العقبة أيضا ،
فبايعهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وفي هذه البيعة : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمن حضر من الأنصار :
أبايعكم على أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على ذلك ، وعلى أن يرحل إليهم هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ،
وعلى السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول الحق حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .
ثم قال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ومن وفى فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا عوقب به في الدنيا ، فهو – أي العقاب – طهرة له ،

وإن سترتم عليه فأمركم إلى الله ، وإن شاء عذب وإن شاء غفر .
فلما انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم عبد الله ابن أم مكتوم ، ومصعب بن عمير ، رضي الله عنهما : يعلمان القرآن من أسلم منهم ،

ويعلمان الإسلام من أراد أن يسلم ، ويفقهانه في الدين ، ويدعوان من لم يسلم منهم إلى الإسلام . وهذه المبايعة يقال لها بيعة العقبة الأولى ، لوجود هذه المبايعة عندها .
وأسلم من رجالات المدينة : سعد بن معاذ ، وابن عمه أسيد بن حضير رضي الله عنهما .
وفي كلام ابن الجوزي : أن أول دار أسلمت من دور الأنصار دار بني عبد الأشهل .

ثم ذهب مصعب إلى دار أسعد بن زرارة ، رضي الله تعالى عنه ، فأقام عنده يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون ،
إلا ما كان من سكان عوالي المدينة ، أي قراها من جهة نجد .
قال كعب : ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة : أي إلى أن يوافوه في الشعب الأيمن ، وأمرهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ألا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا ، وذلك ليلة النفر الأول .

قال : فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين ،
وكان من جملة المشركين أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام ، وهو سيد من ساداتنا فكلمناه وقلنا له : يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا ،
وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه للإسلام فأسلم ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشهد معنا العقبة .

فمكثنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هدءة ،
يتسلل الرجل والرجلان تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان، قال :
فلا زلنا ننتظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جاءنا ، وفي رواية أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبقهم وانتظرهم ،
فلما تأخروا ذهب ثم جاء بعد مجيئهم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب ليس معه غيره وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ،
وكان معه أيضا أبو بكر وعلي إلا أن العباس أوقف عليا على فم الشعب ، عينا له ، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا ، فلم يكن معه عندهم إلا العباس والله اعلم .

فلما جلسوا كان العباس أول من تكلم فقال : يا معشر الخزرج – قال ذلك لأن العرب كانت تطلق الخزرج على ما يشمل الأوس ،
وكانت تغلب الخزرج على الأوس ويقولون " الخزرجيين" .
قال : إن محمدا منا حيث علمتم ، وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا ، فهو في عز من قومه ، ومنعة من بلده ،

وقد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه وما نعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك ،
وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن تدعونه .. فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده .

فقال البراء بن معرور : إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما تنطق به لقلناه ، ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل أنفسنا دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وفي رواية أن العباس قال : قد أبى محمد الناس كلهم غيركم ، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم
عن قوس واحدة فأروا رأيكم وائتمروا بينكم ولا تفرقوا إلا عن اجتماع ، فإن أحسن الحديث أصدقه .

ولا يصح أن يفهم من قول العباس ( قد أبى محمد الناس كلهم غيركم ) أن الناس غير الأنصار وافقوه على مناصرته فأباهم ، ولا أن المراد بالناس
قبيلة شيبان بن ثعلبة الذين قالوا له ننصرك بما يلي مياه العرب دون ما يلي مياه كسرى فأبى ، لكن المراد بالناس الذين أباهم : أهله وعشيرته ،
لأنه إنما أراد نصرة كاملة في الدين والدنيا والله أعلم .
وعندما تكلم العباس بما ذكر قالوا له : قد سمعنا مقالتك ، فتكلم يارسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت ، وفي رواية خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت .

فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وآباءكم .

فقال ابن رواحة : فإذا فعلنا فما لنا ؟.

فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكم الجنة .

قالوا : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل .

لم تكن صفقة دنيوية إذن . وما كان فيها شيء من مساومة .

وفي رواية : فتكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلا القرآن ودعا إلى الله عز وجل ورغب في الإسلام ثم قال :
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم .

وفي رواية أنهم قالوا له : يا رسول الله نبايعك . قال : تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وأن تقولوا في الله ، لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم ، وأزواجكم ، وآباءكم ، ولكم الجنة .
فأخذ البراء بن معرور بيده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع به أزرنا – أي نساءنا – وأنفسنا -
وكانت العرب
تكني بالإزار عن المرأة والنفس – فنحن والله أهل الحرب ، وأهل الحلقة – أي السلاح – ورثناها كابرا عن كابر .

وبينا البراء يكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو الهيثم بن التيهان – بتشديد المثناة وتخفيفها – نقبله على مصيبة المال وقتل الأشراف .

فقال العباس : اخفوا جرسكم – أي صوتكم – فإن علينا عيونا.
ثم قال أبو الهيثم : يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال – يعني اليهود – حبالا – أي عهودا – وإنا قاطعوها ،

فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟.

فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم – والهدم إهدار دم القتيل - ، دمي دمكم فدمي ودمكم واحد،
هدمي وهدمكم واحد – أي وإذا أهدرتم الدم أهدرته – وذمتي وذمتكم واحد ، ورحلتي مع رحلتكم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
وعند ذلك قال لهم العباس : عليكم بما ذكرتم ذمة الله مع ذمتكم وعهد الله مع عهدكم ، في هذا الشهر الحرام ، والبلد الحرام ،

يد الله فوق أيديكم ، لتجدًّن في نصرته ولتشدن من أزره .

قالوا جميعا : نعم .

قال العباس : اللهم إنك سامع شاهد ، وإن ابن أخي قد استرعاهم ذمته ، واستحفظهم نفسه ، اللهم كن لابن أخي شهيدا .
ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أخرجوا إليَّ منكم اثنيى عشر نقيبا ، فلا يحدث أحد في نفسه أن يؤخذ غيره ، فإنما يختار لي جبريل.
فلما تخيرهم وهم سعد بن عبادة ، وأسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وسعد بن خثيمة ،والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، والبراء بن معرور ،
وأبو الهيثم بن التيهان ، وأسيد بن حضير ، وعبد الله بن عمرو بن حرام ، وعبادة بن الصامت، ورافع بن مالك : كل واحد على قبيلة ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين .

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأولئك النقباء : انتم كفلاء على غيركم ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ن وأنا كفيل على قومي : يعني المهاجرين .
وفي رواية أن الذي تولى الكلام من الأنصار وشد العقدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أسعد بن زرارة ، وهو من أصغرهم ،

فإنه اخذ بيد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال : رويدا يا أهل يثرب ، إنا لن نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وإن إخراجه اليوم مفارقة لجميع العرب ، وقتل خياركم ، وأن تعطكم السيوف ، فإما انتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ، ومفارقة العرب كافة ،
فخذوه وأجركم على الله تعالى ، وإما تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر لكم عند الله تعالى .

فقالوا : يا سعد أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر – أي نترك هذه البيعة – ولا نستقيلها ، أي لا نطلب الإقالة منها .
وفي رواية أن العباس بن عبادة بن نضلة تكلم مع الأنصار وشد العقدة ، فقال : يا معشر االخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟

إنكم تبايعونه على حرب الأحمر ، والأسود من الناس –أي على من حاربه منهم – ثم ذكر مثل ما تقدم عن أسعد بن زرارة
ثم توافقوا على ذلك .
وقالوا
: يا رسول الله ما لنا بذلك إن نحن قضينا ؟
هنا يظهر جوهر الرسالة
قال
:
رضوان الله والجنة
قالوا
:
رضينا ابسط يدك
فبسط يده صلى الله عليه وسلم فبايعوه
.

وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ، وقيل اسعد بن زرارة ، وقيل أبو الهيثم بن التيهان ، ثم بايعه السبعون كلهم ،
وبايعه المرأتان المذكورتان من غير مصافحة ، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يصافح النساء ، إنما كان يأخذ عليهن ، فإذا أحرزن قال اذهبن فقد بايعتكن .
ويروى أن أبا الهيثم قال : أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام .

وقال أسعد بن زرارة : أبايع الله عز وجل يا رسول الله ، فأبايعك على أن أتم عهدي بوفائي وأصدق قولي بفعلي في نصرك .

وقال النعمان بن حارثة : أبايع الله عز وجل يا رسول الله ، وأبايعك على الإقدام في أمر الله عز وجل ، لا أرأف فيه القريب ولا البعيد .,

وقال عبادة بن الصامت : أبايعك يا رسول الله على أن لا تأخذني في الله لومة لائم .

وقال سعد بن الربيع : أبايع الله وأبايعك يا رسول الله على أن لا أعصى لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا .
وهذه البيعة هي ما يقال لها بيعة العقبة الثانية
.

فلما قدم الأنصار المدينة أظهروا الإسلام إظهارا كليا وتجاهروا به .
وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة .
وكان ذلك تمهيدا للهجرة الغرض منها : لم يكن لمجرد السلامة ، لكنه التحفز لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية وانتقالا من مشقة إلى مشقة .

وبدءا لجهاد تتابعت غزواته .
وكانت بزوغا لشمس الإسلام بعد أن ظهر فجره بمكة .
وكانت ظهورا للمجتمع الإسلامي بعد أن تكون أفراده في مرحلة الدعوة المكية
وكانت حجر الأساس في ظهور الدعوة الإسلامية التي حملت الدعوة ونشرت الإسلام في الجزيرة العربية كلها ، ثم في أرجاء العالم من بعد ،

ليتحقق للإسلام عالميته التي لا بد أن تصطدم بأية دعوة للعالمية أو العولمة ، تنطلق من غير داره : دار الهجرة في المدينة .
إنه في هذا النوع من الهجرة- والذي قبله - جاء الحكم باستمرارها ما استمر الجهاد أو استمرت فرصة الحياة المشروطة بقبول التوبة ،

وذلك فيما رواه الإمام أحمد بمسنده بسنده عن أبي هند البجلي قال:
«كنا عند معاوية وهو على سريره، وقد غمض عينيه، فتذاكرنا الهجرة ، والقائل منا يقول: قد انقطعت، والقائل منا يقول: لم تنقطع،

فاستنبه معاوية فقال: ما كنتم فيه؟ فأخبرناه، وكان قليل الرد على النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: تذاكرنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».وجاء مثله في سنن أبي داود والدارمي وغيرهما.

وفي هذا النوع من الهجرة جاءت الآيات الكثيرة التي ترفع من قدر المهاجرين. (ظ±لَّذِينَءَامَنُواغںوَهَاجَرُواغںوَجَـظ°هَدُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ بِأَمْوَظ°لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَظ±للَّهِ غڑ
وَأُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ هُمُ ظ±لْفَاظ“ئِزُونَ)التوبة: ظ¢ظ

(إِنَّ ظ±لَّذِينَءَامَنُواغںوَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواغںوَجَـظ°هَدُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ أُوغںلَـظ°ظ“ئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ظ±للَّهِ غڑ وَظ±للَّهُ غَفُورٌغرَّحِيمٌغ) البقرة: ظ¢ظ،ظ¨

(فَظ±سْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَاظ“أُضِيعُ عَمَلَ عَـظ°مِلٍغ¢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍأَوْأُنثَىظ° غ– بَعْضُكُم مِّنغ¢ بَعْضٍغ¢ غ– فَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواغںوَأُخْرِجُواغںمِن دِيَـظ°رِهِمْ وَأُوذُواغںفِى سَبِيلِى
وَقَـظ°تَلُواغںوَقُتِلُواغںلَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـظ”َاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـظ°تٍغ¢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَاظ±لْأَنْهَـظ°رُثَوَابًامِّنْ عِندِظ±للَّهِ غ— وَظ±للَّهُ عِندَهُغ¥حُسْنُ ظ±لثَّوَابِ) آل عمران: ظ،ظ©ظ¥
( وَمَن يُهَاجِرْفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ يَجِدْفِى ظ±لْأَرْضِ مُرَظ°غَمًغاكَثِيرًغاوَسَعَةًغ غڑ وَمَن يَخْرُجْ مِنغ¢ بَيْتِهِغ¦مُهَاجِرًاإِلَى ظ±للَّهِ وَرَسُولِهِغ¦
ثُمَّ يُدْرِكْهُ ظ±لْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُغ¥عَلَى ظ±للَّهِ غ— وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُورًغارَّحِيمًا) النساء: ظ،ظ ظ
وفي هذا النوع من الهجرة جاءت الإشارة إلى شرط قبولها عند الله في الحديث الصحيح ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، من كانت هجرته

إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ). متفق عليه .

أما النوع الثالث من الهجرة
فتكون من دار يمكن لإنسان أن يحتفظ فيها بعقيدته ودينه وشعائره إلى دار أخرى تفضلها في ذلك كله ، تكون من دار يحدث للإنسان فيها شيء من الأذى ،
يناله من المنافقين أو من أعداء الدين ، لكنه أذى محتمل ، إلى دار أخرى .. يستريح فيها من ذلك كله ، ويستمتع فيها بقوة المجتمع الإسلامي وغلبة الدولة الإسلامية .

مثل هذه الهجرة لا فائدة منها للدين ، إنما هي تستهدف الراحة والدعة ، وفيها راحة من تبعات الدعوة والجهاد في بيئة تفيد فيها الدعوة ويفيد فيها الجهاد .
مثل هذه الهجرة هي ما كان يستأذن فيه بعض المسلمين بعد فتح مكة ، كانوا يطلبون الهجرة من موطنهم إلى المدينة ، فلم يأذن لهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

وإنما طلب إليهم الاستمرار في أماكنهم مستمسكين بدينهم ، عاملين على نشره وتوكيده فيمن حولهم ، مستعدين للقتال عندما يدعون إليه .
في هذا النوع من الهجرة جاء قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وفي صحيح البخاري بسنده عن عن مُجاشِعِ بن مسعودٍ قال: «جاءَ مُجاشعٌ بأخيهِ مُجالِدِ بنِ مسعودٍ إلى النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:

هذا مُجالدٌ يُبايعُكَ على الهجرِة. فقال: لا هِجرةَ بعدَ فتح مكةَ، ولكنْ أبايعهُ على الإسلام».

و قول عائشة رضي الله عنها فيما جاء بصحيح البخاري بسنده عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: " زُرتُ عائشةَ مع عبيدِ ين عمير الليثيّ، فسألناها عن الهجرةِ فقالت:
لا هجرةَ اليوم ، كان المؤمنونَ يَفِرّ أحدُهم بدينهِ إِلى اللّه تعالى وإلى رسولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخافةَ أن يُفتنَ عليه، فأما اليومَ فقد أظهرَ اللّه الإِسلام،
واليومَ يَعبُدُ ربّهُ حيث شاء، ولكن جهادٌ ونيّة».وقول ابن عمر فيما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن مجاهد مثله : «قلتُ لابن عمرَ، فقال:
لا هجرةَ اليوم ـ أَو بعدَ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ».
وما جاء فيما رواه البخاري في صحيحه بسنده عنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: «قال النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ افتَتَحَ مكةَ: لا هِجرةَ،

ولكِنْ جِهادٌ ونيّة، وإِذا استُنفِرتُم فانفِروا، فإنّ هذا بلدٌ حَرّمَ اللهُ يومَ خَلَقَ السماواتِ والأرضَ، وهو حَرامٌ بحُرمةِ اللهِ إلى يومِ القيامَةِ،
وإِنهُ لم يَحِلّ القِتالُ فيهِ لأحدٍ قبلي، ولم يَحِلّ لي إلاّ ساعةً من نهارٍ، فهوَ حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يومِ القِيامةِ، لا يُعضَدُ شَوكِه، ولا يُنَفّرُ صَيدُهُ،
ولا يَلتقِطُ لُقَطتَهُ إلاّ مَن عَرّفَها، ولا يُختلى خَلاها. قال العبّاسُ: يا رسولَ اللهِ إلاّ الإِذخِرَ، فإِنه لِقَينِهم ولِبُيوتهم. قال: قال: إلاّ الإِذخِرَ».
ومن هنا جاء رده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من سأله متخوفا من ضياع الثواب على من لم يهاجر كما جاء في سنن النسائي بسنده عن عَنْ صَفْوَانَ بْنِ اُمَيّةَ قَالَ:

( قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنّهُمْ يَقُولُونَ إنّ الْجَنّةَ لا يَدْخُلُهَا إلاّ مَنْ هَاجَرَ قَالَ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكّةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيّةٌ فَإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا.)
وقد روي مثله في سنن أبي داود والبيهقي والترمذي الذي قال فيه : حديث حسن صحيح .
وللعلماء أقوال في تضعيف بعض روايات هذا الحديث، ففي كتاب الجهاد لأحمد بن عمرو ابن أبي عاصم الضحاك ( ت 287 ﻫ) روى الحديث بسنده عن ابن عباس

ثم قال : إسناده ضعيف والحديث صحيح .
وقال عبد الرحمن الرازي (ت 327 ﻫ) : سألت أبي عن حديث رواه الوليد عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فقال أبي : هذا وهم – أي في السند – وإنما هو الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي تفسير ابن كثير قال : ( وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : لما نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح

" قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ختمها فقال الناس : حيز وأنا وأصحابي حيز ، وقال – أي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " يقول ابن كثير : وهذا الحديث الذي أنكره مروان على أبي سعيد الخدري ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس ،
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.)
وقال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم " لا هجرة بعد الفتح " ( قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة ،

وفي تأويل هذا الحديث قولان :

الأول : لا هجرة بعد الفتح لأنها صارت دار إسلام ، وإنما تكون من دار الحرب.

والثاني : معناه لا هجرة بعد الفتح أي نفي أن يكون فضلها بعد الفتح كفضلها ما قبل الفتح كما(وَمَالَكُمْ أَلَّاتُنْفِقُوافِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ غڑ لَايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ غڑ أُولَظ°ئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوامِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا غڑ
وَكُلًّا وَعَدَاللَّهُ الْحُسْنَىظ° غڑ وَاللَّهُ بِمَاتَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد: ظ،ظ
وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : (وَدُّواغںلَوْتَكْفُرُونَ كَمَاكَفَرُواغںفَتَكُونُونَ سَوَاظ“ءًغ غ– فَلَا تَتَّخِذُواغںمِنْهُمْ أَوْلِيَاظ“ءَحَتَّىظ° يُهَاجِرُواغںفِى سَبِيلِ ظ±للَّهِ غڑ

فَإِن تَوَلَّوْاغںفَخُذُوهُمْ وَظ±قْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ غ– وَلَاتَتَّخِذُواغںمِنْهُمْ وَلِيًّغا وَلَانَصِيرًا)النساء: ظ¨ظ©
قال القرطبي
: ( والهجرة أنواع :
منها الهجرة إلى المدينة لنصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكانت هذه واجبة أول الإسلام حتى قال : لا هجرة بعد الفتح "


وهجرة المنافقين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغزوات.
وهجرة من أسلم من دار الحرب فإنها واجبة [ أقول بشروطه التي ذكرناها في النوع الأول والثاني مما قدمناه ].


وهجرة المسلم ما حرم الله عليه كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه " وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن
وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديبا لهم ، فلا يكلمون ولا يخالطون حتى يتوبوا كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع كعب وصاحبيه )
والخلاصة أن الحكم يختلف باختلاف المقصود من الهجرة وظروفها
:

إذا كانت تستهدف الفرار بالدين من دار يتحقق فيها الخطر عليه فهي واجبة، وهكذا كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة


وإذا كانت تستهدف الإعداد لحال جديد من الجهاد في سبيل الله والتمهيد لنصر حاسم على الأعداء فهي واجبة، وهكذا كانت هجرة المسلمين إلى المدينة
.

وإذا كانت تستهدف الراحة والتخلص من مشقة الجوار مع المنافقين أو من هم أقل درجة في الإسلام فتلك هي الهجرة التي منعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذه الهجرة غير المشروعة إسلاميا هي التي تكون في مثل ظروف المسلمين بعد فتح مكة حيث قد توفر لهم شيء من القوة والمنعة :

تحميهم وتدافع عنهم ، هي تلك الهجرة التي تكون من أجل التخلص من أذى محتمل إلى دار أخرى يستمتع فيها المسلم بالدعة ، والراحة ،
أو يتخلص فيها من متاعب الدعوة وتبعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يفلت فيها من مشقات الجهاد في بيئة تفيد فيها الدعوة ويفيد فيه الجهاد .
م€€
ونحن اليوم ندفع ثمن
" الهجر " عندما تركنا سنن الهجرة:

يتساءلون: لماذا ننهزم في معاركنا جميعا: عسكرية، واقتصادية، وتربوية، و.. على جميع المستويات، هزائم في أدنى المستويات ؟.
والجواب
: لأننا ندفع فاتورة الحساب، ولابد أن تدفع بعد أن تأجلت. ولأن فاتورة الحساب هذه هي من وارد ما أقمنا عليه البناء من قبل .

أهملنا السنة – أو هجرناها – سواء في القيام بواجب الهجرة عند ما تقتضي مراغمة للمشركين ونصرا للمهاجرين المسلمين كما كان الحال
في هجرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو النوع الثاني الذي قدمناه ، أو في عدم القيام بها إذ يقتضي ذلك تشبثا بالأرض واستعدادا ليوم الكريهة " جهاد ونية "

نحن اليوم ندفع ثمن هجرنا لسنة الرسول
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان علينا أن نهاجر معه أو إليه : إلى سنته فنعمل بها .

كان علينا أن نهاجر إلى سنته ولكننا هجرناها
.

هجرنا سنته في سنن الحرب والجهاد ،
فخسرنا فتح فرنسا : نعم خسرنا فتح فرنسا على يد عبد الرحمن الغافقي ، خسرناها بمخالفة استمرارنا على الجهاد ، خسرنا فتح فرنسا
بمخالفة شبيهة بمخالفة بعض المسلمين في غزوة أحد ، وخسرنا فرنسا بمخالفة سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاهتمام بأمر المسلمين ،
بمعرفة أحوال المسلمين ، بمعرفة تاريخ الإسلام ، وليسأل القارئ عمن يعرف شيئا عن هذه القضية.

وخسرنا الأندلس ، وخسرنا الهند ، وخسرنا شرق أوربا ، وخسرنا فلسطين ، وخسرنا المسجد الأقصى ، وها نحن نخسر العراق ، ثم نخسر أمن الشرق الأوسط ،
ثم نخسر أمن المسجد الحرام .

وهجرناها في سنة الوحدة
هجرنا سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاهتمام بأمر المسلمين – وهو أقل درجات الوحدة – فأسقطنا المسلمين المضطهدين من حسابنا خوفا من تهمة الإرهاب.
وهجرنا سنته صلى الله عليه وسلم عند ما هاجرنا حيث لا تجوز الهجرة
، حيث منعها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في الأندلس مثلا ( النوع الثالث )، وقد يتساءل البعض: وكيف كانوا لا يهاجرون وقد انصب عليهم العذاب.

نقول :
يستعدون لهذا اليوم قبل أن يقع فربما - أو أغلب الظن - أنه كان لا يقع ، " جهاد ونية " ، "جهاد ونية " نستعد له لا بالاستمتاع بالدنيا وعيش النعومة ،

والأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها .
إنه ليس من طبيعة الأشياء بالنسبة للمسلم أن يأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها، لأن أرضه التي يقف عليها إنما فتحت له بالجهاد والنية ،
فإذا تخلى عن الجهاد والنية وشرع يأخذ من الدنيا بأقصى ما يأخذه منها أهلها كان لا بد من أن ينفصل عن فيزيائيته الخاصة،
وكان من ثم لابد من أن تتزلزل أرضه تحت قدميه
.

إن أفقر الفقراء فينا اليوم يأخذون بدين هذه الحياة الدنيا فيتقاتلون بعضهم مع بعض ، ويتقاتلون بالانضمام إلى صفوف أعدائهم الذين يعملون
على إبادة المسلمين ، يتقاتلون هكذا للأخذ من هذه الدنيا بأقصى ما يأخذه أهلها منها ، بينما كان أغنى الأغنياء في جيل الصحابة والسلف الصالح
يأخذون بدين الآخرة فيأخذون من الدنيا بتواضع ، يأخذون ما يوصلهم لثواب الآخرة . وهذه هي المفارقة .

أنظروا إلى بعض الأقليات في بعض البلاد الإسلامية : لقد أصبحت سرا ترسانات أسلحة ..هكذا الرجال ،
واليوم نبكي كما تبكي النساء ملكا لم نحافظ عليه كما يحافظ الرجال .

إن المسلمين
في قضية الهجرة إنما يقيمون على أرضهم بتأشيرة إقامة إلهية باسم الإسلام،
فإذا فقدوا هذه التأشيرة أو تنازلوا عنها لم يكن لهم أرض ولا وطن ولا هجرة.

 

 
المبحث الثالث
بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود



نقارن هنا بين هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة قديماً وبين هجرة اليهود من بلاد كثيرة إلى الأراضي الفلسطينية الطاهرة حديثاً، وتتركز المقارنة هنا
في أمر يلتقي فيه المسلمون واليهود، وأمور يفترقون عندها
.
فأما الذي يلتقون فيه فهو أن الدافع للهجرة كان عقدياً دينياً، فالمسلمون هاجروا من أجل إقامة دين جديد في بلد آمن.
وهاجر اليهود من أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا مقررين أن يتركوا أرضهم ولغتهم ويحترموا اللغة العبرية من أجل إقامة مملكة الله
أو دولة إسرائيل فكلتا الهجرتين باسم الدين والعقيدة
.
أما الأمور التي يختلفون فيها فهي:

1 ـ أن هجرة المسلمين كانت بوحي من الله سبحانه وتعالى، وكانت الأسباب من صنعهم وبرغبتهم وتطلعهم إلى ثواب الله.

أي أنها كانت تخطيطا وتدبيرا محكما لا يعفى فيه المسلمون من الجد، والتخطيط اتكالا على نصر يتقاطر عليهم من السماء
.

أما هجرة اليهود فقد دبرها لهم غيرهم ومهد لها الانتداب البريطاني على فلسطين
·
2 ـ أن وصف المسلمين الذين تركوا مكة إلى المدينة يمكن أن نطلق عليهم بتعبيرنا العصري أنهم (مغامرون) لأنه لم يكن لهم على ظهر الأرض من نصير،

فقد كانت الدنيا كلها ضدهم: مشركون ونصارى ويهود أما المشركون فلأن القرآن عاب الأصنام وحقر الأوثان وهدم تقاليد الجاهلية
وأما المسيحية فإن الإسلام كان في مكة ينكر بحرارة أن يكون لله ولد، وذلك في سورة الكهف ومريم وغيرهما من السور المكية
وأما اليهود ـ وهم عدو ثالث ـ فإن القرآن لم يترك من أمرهم شيئاً، فقد فضح عقائدهم وعرى صفاتهم الخبيثة المتعددة
فلم يكن بد لهؤلاء جميعاً ـ وقد عالنهم القرآن بصفاتهم وخباياهم ـ أن يغتاظوا ويغضبوا ويزداد كرههم للإسلام وحقدهم للمسلمين،
ومن هنا لم يكن للمسلمين في الهجرة يد تحميهم إلا يد الله، ولا كنف يأوون إليه إلا كنف الله· من ناحية أخرى كانت الجماعة المسلمة
في ذلك الوقت ضعيفة من حيث العدد والعدة، وكان أعداؤهم يملكون عناصر القوة وأسباب الاضطهاد ورغم ذلك فقد نجحوا
في بناء مدينة تأتي دونها في الوصف المدينة الفاضلة التي تعشقها الفلاسفة وتخيلوا فيها الكمال وأثبتوا أن الإيمان الناضج يحيل البشر إلى
خلائق تباهي الملائكة سناء ونضارة· بينما كانت حال اليهود مباينة لذلك من كل جانب فلقد تعهدت إنجلترا - الدولة الأولى
في العالم يومئذ - ما بين عامي 1971 - 1984 أن تكيف الظروف في فلسطين لا ستقبالهم وكان الحاكم الإنجليزي في فلسطين يذل العرب
ويعطش أرضهم حتى لا ينبت فيها زرع فيبيعها الفلسطينيون بأبخس ثمن أو بأغلاه، ولم تتعهد إنجلترا وحدها بذلك إنما تولى إصر ذلك معها أميركا وروسيا وفرنسا،
كذلك ملوك العرب بخيانتهم وخذلانهم·

يقول بنيامين نتنياهوـ رئيس وزراء إسرائيل عام
1996م ـ في كتابه(مكان تحت الشمس) الذي ترجمه للعربية محمد عوده الدويري وراجعته كلثوم السعدي، ونشرته دار الجيل، عمان، الطبعة الثالثة، 1997م، ص 363:
تحت عنوان [استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين هو الذي يحقق حلم مؤسسي الحركة الصهيونية].
(إن تاريخ الصهيونية هو تاريخ هجرة اليهود إلى"أرض إسرائيل" وهذا هو العنصر الذي سيحسم مستقبل الدولة السكاني؛ لذا فإن المفتاح لمستقبل الدولة

والحل لكافة مشاكلها السكانية يكمنان في استمرار هجرة اليهود إلى إسرائيل حتى تصبح مأوى للجماهير اليهودية التي شاهدها مؤسسو الحركة الصهيونية
في أحلامهم، ولذا فإن النضال من أجل الهجرة اليهودية هو نضال من أجل استمرار بقاء إسرائيل).
3 ـ أن المسلمين الذين هاجروا كانوا دعاة توحيد لله وإصلاح للأرض كانوا يعلمون الدنيا أن الله رب العالمين لا شريك له وأن الناس يجب

أن يسلموا وجوههم إليه ويحيوا على الأرض وفق المنهج الذي ارتضاه الله لهم، فترفعت عن المآرب هممهم، وأخلصوا لله طواياهم،
وذهلوا عن متاع الدنيا، واستهوتهم مثل عليا لا مثيل لها في الأولين والآخرين· بينما كانت صلة اليهود بالله مغشوشة، والدوافع التي جاءت بهم،
وإن كانت دينية إلا أن ما فيها من باطل أضعاف ما فيها من حق، وما يكتنفها من ظلم ليستمعه شائبة عدل· من أجل هذا كله
كان البون شاسعاً والفرق واسعاً بين هجرة المسلمين وهجرة اليهود·
4 ـ أن وصف المسلمين الذين تركوا مكة إلى المدينة أطلق عليهم [ المهاجرون] وهو وصف أطلقه رب العزة عليهم،

جاءت الآيات الكثيرة التي ترفع من قدرهم، ومنها:قوله تعالى: (ٱلَّذِينَءَامَنُوا۟وَهَاجَرُوا۟وَجَـٰهَدُوا۟فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَٱللَّهِۚ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ)20 التوبة.
و قوله تعالى
:(إِنَّ ٱلَّذِينَءَامَنُوا۟وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟وَجَـٰهَدُوا۟فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭرَّحِيمٌۭ) 218 البقرة.

و قوله تعالى(فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآأُضِيعُ عَمَلَ عَـٰمِلٍۢ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍأَوْأُنثَىٰۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟وَأُخْرِجُوا۟مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُوا۟فِى سَبِيلِى
وَقَـٰتَلُوا۟وَقُتِلُوا۟لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُثَوَاباً مِّنْ عِندِٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عِندَهُۥحُسْنُ ٱلثَّوَابِ) 195آل عمران.
و قوله تعالى في النحل
/ 41 - 42 : (وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِمَاظُلِمُوا۟لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى ٱلدُّنْيَاحَسَنَةًۭۖوَلَأَجْرُ ٱلْءَاخِرَةِأَكْبَرُۚ لَوْكَانُوا۟يَعْلَمُونَ ﴿41﴾
ٱلَّذِينَ صَبَرُوا۟وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿42﴾)
وقوله تعالى
: (وَمَن يُهَاجِرْفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلْأَرْضِ مُرَٰغَمًۭاكَثِيرًۭاوَسَعَةًۭۚ وَمَن يَخْرُجْ مِنۢ بَيْتِهِۦمُهَاجِرًاإِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ
ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُۥعَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا)100 النساء.
وهذا اللقب أطلق عليهم لأنه لم يكن لهم على ظهر الأرض من نصير،أما اليهود المهاجرين فلقد أطلق عليهم المهجرين وهو لقب أطلقه عليهم غيرهم والبون شاسع بين اللقبين
.

ففي السنوات الأخيرة بات العامل الديموغرافي مهيمنا في تحديد شبكة العلاقات بين اليهود والعرب في ارض إسرائيل كلها
"فلسطين التاريخية"، أما في داخل دولة إسرائيل 2001 فيشكل اليهود 73% من السكان.

من المتوقع أن تصل نسبة السكان اليهود داخل إسرائيل في سنة
2020 رغم الازدياد المستمر إلى 68% تشمل هذه المعطيات عرب القدس- والعمال الأجانب وأيضا مجموعات غير يهودية إضافية تقطن إسرائيل.
تصل نسبة السكان اليهود اليوم في ارض فلسطين الغربية كلها
( الساحل الفلسطيني) إلى 51% لكن من المتوقع أن تصل بعد عشرين سنة إلى 42% وهذا، دون اخذ إعادة اللاجئين بالحسبان.


جدول
12: تركيبة السكان في ارض إسرائيل " فلسطين التاريخية" "بالآلاف" سنة 2000وتوقعات لسنة 2020
290903217.jpg

 
المصدر
: إسرائيل: ديموغرافيا 2000-2020"مخاطر واحتمالات"
بقلم
:ارنون سوفير، ترجمة وتقديم : محمد حمزة غنايم.إبريل 2001، تصدر هذه السلسلة عن مدار"المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية"
انخفضت معدلات الهجرة إلى إسرائيل حيث بلغت
30-40 ألف سنويا وربما اقل من ذلك بعدما كانت تصل إلى 100 ألف مهاجر سنويا في السنوات السابقة.
وهناك انخفاض في معدلات الزيادة الطبيعية للسكان اليهود في إسرائيل بسبب انخفاض معدل المواليد
1.6% في المقابل تزايد معدل الوفيات خصوصا بين المسنين مع الأخذ بعين الاعتبار أن الهرم السكاني الإسرائيلي وصل إلى مرحلة الشيخوخة،
أي أن عدد كبار السن اكبر من عدد صغار السن ، حيث بلغت نسبة عدد السكان اقل من 17 سنة، 32% سنة 1997.
إن نسبة زيادة السكان اليهود منذ عام
1948 وحتى عام 1998 تصل إلى 28% في حين تزايد عدد السكان الفلسطينيين داخل إسرائيل بسبعة أضعاف أي 700% وكذلك سكان الضفة وقطاع غزة.
المصدر
: تقرير بعنوان: حرب ديموغرافية اشد ضراوة وراء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ،الهيئة العامة للاستعلامات –[url]www.sis.gov.ps[/URL].

إن المسلمين
في قضية الهجرة إنما يقيمون على أرضهم بتأشيرة إقامة إلهية باسم الإسلام، فإذا فقدوا هذه التأشيرة أو تنازلوا عنها لم يكن لهم أرض ولا وطن ولا هجرة.

أما اليهود فيقيمون على أرض فلسطين بتأشيرة إقامة من بلفور والبون واسع بين التأشيرتين
 



المبحث الرابع
الهجرة والثورات
م€€
تعدُّ الهجرة النبوية الفاضلة نقطة تحوُّل كبيرة في عصر الرسالة النبوية، حيث انتقل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه الكرام من دار دعوته إلى دار دولته، ومن حالة الاستضعاف من الباطل إلى حالة الاستقواء بالحق،
ومن الحال المغلق إلى الحال المفتوح، ومن الصراع أحاديِّ الجانب بينه وبين المشركين إلى الصراع ثلاثي الجوانب بينه من جهة وبين المشركين والمنافقين واليهود.
ويمكن القول أن هنالك نوع تشابُهٍ بين الهجرة النبوية الفاضلة وبين الثورات الشعبية العربية الراهنة على ما بين الأمرين من فروق سنوردها بعد بيان وجوه التشابه،

والغاية من هذا الكلام رفعُ قيمة الجهود التي بُذلت في الثورات الشعبية الراهنة من جهة، والتنبيه لهذه الثورات والنصيحة لها حتى لا تبتعد عن
الغايات الطاهرة الجليلة التي قامت من أجلها في الأصل، ومن صور التشابه بين الهجرة النبوية وبين الثورات العربية الشعبية ما يلي:
1. أن كلا الأمرين كان بقصد التحرُّر من الطغيان، والبحث عن الحرية لبني الإنسان، فقد كانت الهجرة بحثاً عن مكان يُصغي أهله للدعوة بعيداً

عن بطش طواغيت قريش، وكذا الثورات أرادت من خلالها الشعوب الثائرة أن توجد فئة حاكمة صادقة قادرة على الإصغاء لآلامها
وآمالها دون بطش ولا تنكيل من الأنظمة الساقطة.
2. أن كلا الأمرين كان مفاجأة للطغيان ما جعل هذا الطغيان يُسقَطُ في يده ولا يحسن صياغة الخطة المثلى لحماية مكتسباته وفساده،

فالهجرة كانت مفاجئةً لطواغيت مكة المكرمة، كما أن الثورات كانت مفاجئة لطواغيت بلادنا، قال تعالى:
(مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ الله فَأتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: 2).
3. أن كلا الأمرين رُوعيَ فيه الجانب الأمني والأخذ بالأسباب المستطاعة؛ فهذه الهجرة الفاضلة وما فيها من إخفاء للأثر وتكتُّم وسرية

وتوزيع للأدوار وتفريق للمهاجرين، وكذا الحال بالنسبة للثورات فقومٌ يعملون لها بالسرِّ، وقومٌ يعملون بالخفاء، حتى أنه لا يجزم أحد
حتى هذه اللحظة من هو المحرك الأساسي لهذه الثورات، وإن كان فيه شراكة بين كثير من الفئات، وهذا الغموض هو الذي جعل البعض
يقول بنظرية المؤامرة المعروفة، وإن كانت هذه النظرية مردودة باعتبارات كثيرة، لعل منها: أن المؤامرة لا تحمل إلا نسبة ضئيلة من المغامرة،
والذي نراه في الثورات أن أصحاب المؤامرة (الأعداء الخارجيون) لم يحسبوا جيداً عواقب مغامرتهم، فنرجو من الله تعالى
أن ينقلب السحر على الساحر، قال تعالى: (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) فاطر: 10.
ومن هذا المنطلق يقول بعض الأغبياء متسائلين: ألا تُعدُّ الهجرة النبوية مؤامرة بين الفرس أو الروم بالتنسيق مع نبيِّ الإسلام لحشد الحشود للقضاء على حُكام مكة؟!..

هذا في حساب الذين استولتْ عليهم عقلية المؤامرة السخيفة...
4. أن كلا الأمرين يُعدُّ تضحية بما تحمل كلمة التضحية من معاني؛ فهي تضحية بالمال وتضحية بالوطن لأجل الوطن، وتضحية بالنفس والروح،

وقد تم من خلالها التفريق بين المرء وأهله، وكانت عقيدة الولاء والبراء من أكبر العقائد التي برزت على الساحة سواءً زمن الهجرة الفاضلة
أو زمن الثورات الراهنة، ويكفي في تصوير تضحية المهاجرين ما رسمه القرآن من بيانٍ لمكر قريش بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى:
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال: 30، وهو ذات المكر الذي مارسه الطغاة على الثائرين.
5. أن كلا الأمرين مرَّ بلحظات مفصلية حاسمة حرِجة، فالشعب يعتصم في ساحات مكشوفة كما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوصاحبه

يعتصمان ثلاثة أيام في الغار في جوٍّ مكفهرٍّ شديد صعب؛ جعل أبا بكر يخاف على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحتى نزل قول الله تعالى مطمئناً:
(إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 40).
هذه بعض وجوه التشابه بين الهجرة النبوية الفاضلة، وبين الثورات العربية الشعبية الراهنة
.
وأما أوجُه الاختلاف، والتي أريد من خلالها أن أؤكد على ضرورة أن تتجاوز الثورات ضعفها والخلل القائم بها ليلتحق النموذج العصري

بالحالة الفاضلة السابقة حتى نجني النتائج الكريمة نفسها، فطالما أن هنالك نقاط التقاء؛ فإن إمكانية الوصول إلى نتيجة إقامة المدينة الفاضلة
من جديد واردةٌ وحاضرة، ولكن شرط ذلك أن تسعى الثورات لأن تتجاوز نقاط الخلاف بينها وبين الهجرة الفاضلة،
ومن نقاط الاختلاف بين الأمرين ما يلي:
1. أن هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهي هجرة النبي الأكرم، ومعلوم شرف الهجرة وشرف المهاجر فيها، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(لا هجرة بعد الفتح) رواه البخاري، فهي لا يشبهها شيء مهما قلنا من وجوه الشبه بين الثورة والهجرة، ولكن لا ننسى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذكر لنا بديلاً نسبياً عن الهجرة فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ولكن جهاد ونية) رواه البخاري، فالثورة جهاد على الطغيان، وفيها نية هجر الاستبداد
والاستعباد إلا لرب العباد، هذا لمن حصلت عنده هذه النية من جماهير الثائرين.
2. أن في الثورات القائمة شيء من اختلاط الرايات، فالكلّ يحمل احتقاناً وحقداً على الأنظمة الطاغية الباغية وهذا من الأمور المشتركة بين الثائرين نعم،

ولكن لكلٍّ وجهة هو موليها، بينما الهجرة الفاضلة كانت رايتها واحدة، والكل وجهته مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن شذَّ فإن
في توجيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَله رادعٌ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛
فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دُنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها؛ فهجرتُهُ إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري.
3. أن هجرة المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأثمرت أموراً متقدمة جداً، وكذا نطلب من الله تعالى أن تجني الثورات الشعبية كل خير،

فمن ثمار الهجرة التي نرجو أن تحلَّ بالثورات:
- جاءت الهجرة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهل تصنع الثورات مؤاخاةً بين الشعوب وذاتها، وبين الشعوب وأنظمتها الجديدة،

وبين الشعوب وجيوشها الحرة القادمة؛ على أساسٍ من الثقة والاحترام والحب المتبادل بين الأطراف كلها؟.
- جاءت الهجرة بالوثيقة الضابطة لشؤون المدينة الداخلية والخارجية، فهل تُنتج الثورات دستوراً جديداً ضابطاً للشؤون كلها،

وينبع من معين كتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟..
- جاءت الهجرة بوضع حدٍّ لليهود، وتحصينٍ كاملٍ للجبهة الخارجية، فهل تصنع الثورات نتاجاً متقدماً يحمي البلاد والعباد من مكر يهود،

ويؤسس لخطوات قادمة نحو التحرير بعد الإصلاح والتغيير؟..
لقد بذل الصحابة جهوداً مضاعفة في الهجرة، كما أن الشعوب المهاجرة لآثام الذل والهوان بذلت كثيراً من الدماء والأشلاء،

لا سيما في ليبيا وسورية واليمن ومصر وتونس، ولن يُضيِّع الله تعالى دماء المجاهدين والمهاجرين في سبيله أبداً، قال تعالى:
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي
وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ الله وَالله عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران: 195.
ومن باب بيان عظيم الدور الذي قام به الثائرون على الطغاة يمكننا أن نقول: بأن الهجرة الفاضلة أجبر الطغاة فيها محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وأصحابه على الخروج من مكة التي يحبون، بينما الثورة أجبرَ رجالها الطاغية وبطانته السيئة على الهروب من ديارهم، فصار حال هؤلاء الطغاة بين قتيل وأسير وهارب.
ولقد تطاول المجرمون والطغاة كثيراً فكان ربُّ العزة لهم بالمرصاد، لأجل ذلك تكمل الآيات نفسها فتقول: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ،

مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) آل عمران: 197..
والدَّور الأكبر على هذه الشعوب الثائرة أن تُكمل المطلوب منها، وأن تُخلِّص نفسها لتَحصُل على الثمار اليانعة التي تحب وترضى.



والهجرة ليست تخلصاً من فتنة بل لإقامة مجتمع آمن..نعم إنها ليست تخلصاً من فتنة أو فراراً من أذى، وإلا لم يكن هنالك مبرر للمكث
ثلاثة عشر عاماً في هذا الجو الملبد بسحب الكفر والاضطهاد..إن الذي يبرر هذه المدة هو تمهيد المؤمنين بقيادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإقامة
مجتمع جديد في بلد آمن ذهب إليه مصعب بن عمير ليستتبع الناس ويستقطبهم للإسلام، ذلك أن إقامة الدين في مجتمع مكة أضحى دونه خرط
القتاد لما اتصف به من عناد وجبروت فلم يك يصلح لهذا الفكر، والدعوة مازالت وليدة غضة طرية والمسلمون قلة مستضعفة،
فلم يكن هنالك بد من التهيئة للدين في مكان آمن، عندئذ يقوى المسلمون وتشب الدعوة· ولا شك أن نجاح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء
تموج بالكفر والجهالة هو أخطر كسب حصل عليه منذ بدأت الدعوة وأصبح فرضاً على كل مسلم قادر أن يسهم في بناء هذا الوطن الجديد
وأن يبذل جهده في تحصينه ورفع شأنه وأصبح ترك المدينة - بعد الهجرة إليها - نكوصاً عن تكاليف الحق وعن نصرة الله ورسوله،
فالحياة بها دين لأن قيام الدين يعتمد على إعزازها·وهذا الدرس هو الذي يجب أن يعيه الثوار الجدد في كل مكان.





 
عودة
أعلى