بين متين العلم ومُلَح التفسير

أحمد كوري

New member
إنضم
13/06/2008
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

بين متين العلم ومُلَح التفسير

جدت في عصرنا مصادر جديدة للتفسير، منها الإعجاز العلمي والعددي، ولا يزال الباحثون في الدراسات القرآنية مختلفين في اعتماد هذه المصادر، فبعضهم يعتمدها – وهم الجمهور – وبعضهم يرفضها.
وجميع هذه الأنواع تعود في الحقيقة إلى دلالة الإشارة، ودلالة الإشارة عند الأصوليين هي: دلالة اللفظ على معنى لا تتوقف صحة الكلام عليه، ولم يقصده المتكلم، مثل قوله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"، فمنطوقها الصريح يدل على جواز جماع الصائمين لنسائهم في جميع أجزاء الليل، وتدل هذه الآية أيضا عن طريق الإشارة على صحة صوم من أصبح جنبا؛ لأن ذلك لازم على إباحة الجماع في جميع أجزاء الليل، ومنها آخر جزء منه، ويلزم على ذلك أن يصبح المجامع جنبا. ومن أمثلة دلالة الإشارة أيضا قوله تعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون"؛ فقد استدل بعض الفقهاء بهذه الآية على أن الولد لا يُمْلَك؛ لأن الله تعالى وصف الملائكة بأنهم عباده ردا على الكفار في زعمهم أنهم أبناؤه، تعالى الله عن ذلك، ويلزم من ذلك أن العبودية والولدية لا يجتمعان.
ومن أمثلة ذلك من الإعجاز العلمي قوله تعالى: "غلبت الروم في أدنى الأرض"؛ فالآية أصلا ليست مسوقة لتقرير حقيقة علمية، وإنما هي مسوقة للإخبار عن أمر مستقبلي هو انتصار الروم على الفرس وهذا ما يفهمه العرب الأميون منها إذا سمعوها، لكن العلم الحديث استكشف أيضا أنها تدل على حقيقة علمية.
وليس الخلاف في دلالة الإشارة جديدا؛ فقد اختلف القدماء في اعتبارها؛ وخصص الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات" بحثا مطولا لهذا الموضوع، ذكر فيه حجج من يقول بها وحجج من يمنعها، وأطال في ذلك، وإن كان في الأخير قد رجح جانب من يمنع اعتمادها في مجال استنباط الأحكام الشرعية (انظر "الموافقات" للشاطبي، ط. عبد الله دراز: 2/79 – 103).
لكن ألا يمكن لهؤلاء وهؤلاء أن يجتمعوا في هذه المسألة على كلمة سواء؟
ربما نجد حلا لهذا الخلاف عند الإمام ابن عطية؛ فهو يميز بين نوعين من مصادر التفسير، هما: متين العلم ومُلَح التفسير، كما يقول في تفسير البسملة، من تفسيره "المحرر الوجيز":
"والبسملة تسعة عشر حرفا؛ فقال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم: "عليها تسعة عشر" إنما ترتب عددهم على حروف "بسم الله الرحمن الرحيم" لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: "بسم الله الرحمن الرحيم" فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا. قال القاضي أبو محمد عبد الحق - رضي الله عنه -: وهذه من مُلَح التفسير وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظة "هي" في كلمات سورة "إنا أنزلناه"، ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: "ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه"؛ فإنها بضعة وثلاثون حرفا قالوا: "فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول".
فالإمام ابن عطية هنا ينزل كل واحد من النوعين منزلته بلا إفراط ولا تفريط؛ فهو لا ينكر مُلَح التفسير، لكنه أيضا لا يرفعها إلى درجة متين العلم.
فمتين العلم هو استنباط التفسير من القرآن العظيم عن طريق مصادر التفسير المعروفة التي حددها علماء التفسير، ومنها: القرآن والسنة والإجماع وعلوم اللغة، أما مُلَح التفسير فهي استنباط اللطائف والنكت من القرآن، عن طريق التفسير الإشاري، ومنه الإعجاز العلمي والعددي، ونحوها.
ولكل من النوعين مجاله؛ فمجال متين العلم هو الأحكام العقدية والفقهية. أما مُلَح التفسير فهي لا تستخدم في استنباط هذين النوعين، وإن صح الاعتماد عليها في مجالات أخرى، فحكمها حكم الرؤيا والفراسة والتوسم والأحاديث الضعيفة التي يصح الاستدلال بها في مجال المستحبات والترغيب والترهيب بشروط، عند جمهور العلماء.
ومن المجالات التي يصح أن نعتمد فيها على مُلَح التفسير:
1 - زيادة الإيمان وتقويته: فالمسلمون - والحمد لله - يقطعون بكل ما أخبر به الصادق المصدوق، ولكنهم يزدادون إيمانا مع إيمانهم إذا استكشف العلم الحديث إعجازا علميا جديدا في الكتاب والسنة: "ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون"، ونظير ذلك ما ورد في كتب أهل الكتاب من البشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن تصديقه، فإن المسلم إذا وقف على هذه الشهادة ازداد إيمانا مع إيمانه، كما قال تعالى: "قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله". ونظير ذلك من السنة اعتماده صلى الله عليه وسلم للقيافة، ففي حديث عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة - ورأى أقدامهما -: "إن بعض هذه الأقدام من بعض". [متفق عليه: رواه البخاري، برقم: 3362، ومسلم برقم: 3690]، وقد كان مجزز المدلجي هذا قائفا، والقائف – كما قال ابن حجر في شرح هذا الحديث -: "هو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر؛ سمي بذلك لأنه يقفو الأشياء، أي: يتبعها فكأنه مقلوب من القافي". وقال ابن حجر في شرح هذا الحديث أيضا: "قال أبو داوود: نقل أحمد بن صالح عن أهل النسب أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة؛ لأنه كان أسود شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن، فلما قال القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك لكونه كافا لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك"؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قاطعا بصحة نسب أسامة وكان المسلمون قاطعين بذلك؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع دليل القافة من مجزز المدلجي فرح به؛ لأنه تصديق لما كان عنده من القطعيات، وهو دليل آخر على كذب الكفار والمنافقين.
2 - تعيين المبهمات: ذكر ابن عطية في النص أعلاه استنباط بعض المفسرين أن ليلة القدر هي السابعة والعشرون من رمضان اعتمادا على الإعجاز العددي، فكلمة "هي" وقعت هي السابعة والعشرين من السورة؛ فدل ذلك عندهم على أن ليلة القدر هي السابعة والعشرون من رمضان. وهو استنباط مقبول؛ لأن ليلة القدر يصح الاعتماد في تحديدها على الأدلة الفرعية كالرؤيا ونحوها، قال صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر". [متفق عليه: رواه البخاري برقم: 1911، ومسلم برقم: 1165]، قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: "وفي هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية".
3 - الترجيح بين الخلافات الفقهية والتفسيرية، أو تقوية ما يدل عليه متين العلم: فمُلَح التفسير يصح الاعتماد عليها في تأكيد الأحكام لا في تأسيسها، فلا يُنشَأ بها حكم جديد ولكن يصح أن يقوى بها حكم موجود؛ لأن مُلَح التفسير كالرؤيا ونحوها، والرؤيا يصح اعتمادها في هذا المجال، مثل حديث ابن عباس المتفق عليه، عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: "تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس رضي الله عنهما فأمرني، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي: "حج مبرور وعمرة متقبلة"، فأخبرت ابن عباس فقال: "سنة النبي صلى الله عليه وسلم" فقال لي: "أقم عندي؛ فأجعل لك سهما من مالي" قال شعبة: "فقلت: "لم؟" فقال"للرؤيا التي رأيت". [متفق عليه، رواه البخاري برقم: 1492، ومسلم برقم: 1242]"، قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: "ويؤخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره، وفرح العالم بموافقته الحق، والاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي، وعرض الرؤيا على العالم، والتكبير عند المسرة، والعمل بالأدلة الظاهرة، والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل". وقال القسطلاني في إرشاد الساري في شرح هذا الحديث: "قال المهلب: "ففي هذا دليل على أن الرؤيا الصادقة شاهد على أمور اليقظة"، وفيه نظر؛ لأن الرؤيا الحسنة من غير الأنبياء ينتفع بها في التأكيد لا في التأسيس والتجديد، فلا يسوغ لأحد أن يسند فتياه إلى منام، ولا يتلقى من غير الأدلة الشرعية حكما من الأحكام". ومن الخلافات التفسيرية التي أصبح بإمكاننا اليوم أن نرجح جانبا منها بفضل الإعجاز العلمي، الخلاف في تفسير قوله تعالى: "فاليوم ننجيك ببدنك"؛ فقد اختلف المفسرون القدماء في تفسيرها فقيل: البدن: الجسد، وقيل: الدرع، لكن الإعجاز العلمي أثبت أن جسد فرعونِ موسى ما زال موجودا بذاته في عصرنا، فدل ذلك على أن المقصود بالبدن في هذه الآية هو الجسد.
ولا ينبغي أن ننسى أيضا أن القائلين باعتماد الإعجاز العلمي والعددي، قد وضعوا لهما ضوابط وشروطا ومعايير، تكفل لهما الدقة وتحاشِيَ الإفراط والتفريط، وهم يرفضون رفضا باتا ما لا يلتزم بهذه المعايير، أما المعارضون فينصب انتقادهم غالبا على ما لم يلتزم بهذه المعايير؛ وهنا يصل الخلاف إلى مرحلة يكاد يكون فيها لفظيا.
وأخيرا أفلا يمكن أن يكون الإمام ابن عطية بتمييزه بين متين العلم و مُلَح التفسير، وسيطا بين هؤلاء وهؤلاء؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

بين متين العلم ومُلَح التفسير

جدت في عصرنا مصادر جديدة للتفسير، منها الإعجاز العلمي والعددي، ولا يزال الباحثون في الدراسات القرآنية مختلفين في اعتماد هذه المصادر، فبعضهم يعتمدها – وهم الجمهور – وبعضهم يرفضها.
وجميع هذه الأنواع تعود في الحقيقة إلى دلالة الإشارة، ودلالة الإشارة عند الأصوليين هي: دلالة اللفظ على معنى لا تتوقف صحة الكلام عليه، ولم يقصده المتكلم،

المشكلة أخي الكريم : أن أهل الإعجاز بفروعه - وهي كثيرة - لا يلتزمون بهذا التعريف ؛ بل يقولون إن الإشارات القرآنية إلى المعاني "العلمية" و"العددية" مقصودة باللفظ القرآني ؛ ويبالغ كثير منهم فيقول إنها هي أهم مقاصده شأنهم في ذلك شأن الحروفيين القدماء من الصوفيين وغيرهم .
والملاحظ على الإعجاز يمكن تلخيصه في نقاط :
1 - أنه استحداث لمعان جديدة لا يدل عليها اللفظ القرآني بحسب لغة العرب الذين أنزل فيهم القرآن .
2 - أن هذه المعاني لم يقل بها أحد من السلف الصالح على الأقل بتفاصيلها الموجودة اليوم حتى لا يجادل أحد بكروية الأرض عند ابن تيمية رحمه الله تعالى ونحو ذلك .
3 - أن اعتماد الإعجاز في الأساس على نظريات علمية يسميها بعضهم "حقائق" علمية ، دون أي برهان علمي ؛ مع أن النصارى الذين وضعوها رجع المحققون منهم عن أكثرها.
وقد نوقش هذا الموضوع مرات عديدة في هذا الملتقى ؛ فلمن يريد أن يراجع ما قيل فيه الرجوع إلى روابطه .
وجزاك الله خيرا على الفائدة.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على المشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم، وفقكم الله.
وقول فضيلتكم:
"المشكلة أخي الكريم: أن أهل الإعجاز بفروعه - وهي كثيرة - لا يلتزمون بهذا التعريف"
يدل على أن التوفيق بين الطرفين غير مستحيل؛ وأن السبب الأساس للخلاف هو عدم احترام بعض الأطراف للأسس المنهجية، فلو التزم بها الجميع لضاقت شقة الخلاف، ولأمكن أن تنجح وساطة ابن عطية بين الحزبين.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على المشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم، وفقكم الله.
وقول فضيلتكم:
"المشكلة أخي الكريم: أن أهل الإعجاز بفروعه - وهي كثيرة - لا يلتزمون بهذا التعريف"
يدل على أن التوفيق بين الطرفين غير مستحيل؛ وأن السبب الأساس للخلاف هو عدم احترام بعض الأطراف للأسس المنهجية، فلو التزم بها الجميع لضاقت شقة الخلاف، ولأمكن أن تنجح وساطة ابن عطية بين الحزبين.
جزاك الله خيرا .
أخي الكريم : لقد حاورت كثيرا من أهل الإعجاز وخاصة العلمي - فالعددي لا أسميه إعجازا أصلا - وما استنتجته من تلك الحوارات هو :
1 - أنه لا توجد ضوابط دقيقة لما يسمى بالإعجاز العلمي .
2 - أن بعضهم حاول وضع ضوابط علمية ؛ لكنها فسدت بسببين :
أ - أنهم لم يلتزموا بها ، في قراءتهم "العلمية" للقرآن الكريم.
ب - أن تلك الضوابط في حد ذاتها لم تكن كافية للحذر من الوقوع في المحذور من القول في القرآن الكريم بمحض الرأي الذي لا يستند إلى لغة أو كتاب أو سنة ..
والذي أميل إليه أنه ينبغي أن تكون لجنة من أهل العلم وتدرس وضع ضوابط دقيقة مبنية على أصول التفسير ومنضبطة بضوابطه .
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
 
بحث شائق رائق استاذنا الفاضل د. أحمد خاصة مع طعمه الأصولي في دلالة الإشارة ..
و لكن يا سيدي الكريم :
إن سميتها ملحاً فإن تلك الملح اليوم لهي أهم من كثير من متين التفسير بكثير ,
ففائدتها مزدوجة في تقوية إيمان المؤمنين , و في دعوة غير المسلمين إلى القضية المركزية للقرآن : التوحيد !
ثم إنها عند اصحابها مصداق قول سيدنا رسول الله صل1 :
" لا تنقضي عجائبه " !!
فهي في هذا المجال أمتن من متين التفسير
وظيفةً و دلالةً و تصديقاً !
حتى الصحابة رضي الله عنهم - من بعد ما رأوا الآيات - كان صل1 يدعوهم احياناً ليشهدوا من جديد معجزة أخرى !
و " لو تدومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات " !

و حبذا لو ترجع أستاذنا العزيز إلى الحدث العجيب الذي جعل رئيس فريق بحث ياباني يسلم بسرعة و هو يبحث في التين و الزيتون !؟!

و بارك الله فيكم .
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم، وفقكم الله.
وأنا أوافق فضيلتكم تماما على ما قلتموه عن مكانة الإعجاز العلمي والعددي ودورهما في تقوية الإيمان وهداية الكفار؛ قال تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، وقال تعالى: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها"، وفي المثال الذي ذكرتموه عبرة لمن يعتبر.
 
لقد استطاع السلف الصالح أن يقوموا بالدعوة إلى الله تعالى ودخل الناس في الدين أفواجا دون أي تخبط أو قول في القرآن الكريم بمجرد الرأي المحض.
ولو قمنا بإحصائية لوجدنا أنه لا مقارنة بين الذين هداهم الله تعالى بجهود السلف الصالح والذين أقنعهم "الإعجازيون" لا كما ولا كيفا من حيث قوة الإيمان والتفاني في خدمة الدين ....
والواقع هو أهم ما يصدق أو يكذب الدعاوى ..
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم، وفقكم الله ونفع بعلمكم.
وأنا أوافق فضيلتكم تماما على ما قلتموه من وجوب اتباعنا للسلف في طرق الدعوة، وعلى أن طريقة السلف هي أنجح الطرق وأفضلها. لكني أرى أن السلف لم يلتزموا طريقة واحدة في الدعوة ولم يقتصروا على "متين العلم"، بل كانوا يستعملون كل الأدلة التي تثبت الحجة عند الخصم، وقد ألف السلف رضي الله عنهم كتبا تعرض لنا طرقهم في الدعوة إلى الإسلام، وسموا هذه الكتب: "دلائل النبوة" ومنها "دلائل النبوة" للإمام البيهقي، والبيهقي ما ألف هذا الكتاب إلا لزيادة إيمان المسلمين وإقناع الكفار، كما يقول في مقدمته: " أما بعد: فإني لما فرغت - بعون الله وحسن توفيقه - من تخريج الأخبار الواردة في الأسماء والصفات والرؤية والإيمان والقدر وعذاب القبر وأشراط الساعة والبعث والنشور والميزان والحساب والصراط والحوض والشفاعة والجنة والنار وغير ذلك من ما يتعلق بالأصول، وتمييزها؛ ليكون عونا لمن تكلم فيها واستشهد بما بلغه منها فلم يعرف حالها وما يقبل وما يرد منها، أردت - والمشيئة لله تعالى - أن أجمع بعض ما بلغنا من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته ليكون عونا لهم على إثبات رسالته".
فما هي الدلائل التي استخدم البيهقي في هذا الكتاب؟ إذا تصفحنا هذا الكتاب نجد البيهقي يروي فيه الرؤى والهواتف وأخبار الكهان والجن والأحبار والرهبان، ونحو ذلك، وهو قد أورد هذه المرويات مستدلا بها لزيادة إيمان المسلم وإقناع الكافر؛ فبعض الصحابة أسلم اعتمادا على رؤيا، وبعضهم أسلم اعتمادا على خبر كاهن أو جني، وبعضهم أسلم اعتمادا على هاتف، وبعضهم أسلم اعتمادا على بشارة وردت في الكتب القديمة، وهكذا. وقد نص القرآن على اعتبار شهادة أهل الكتاب إذا كانت موافقة لما في القرآن، مع أن كتبهم محرفة، والإعجاز العلمي والعددي - مهما قيل فيهما - لا يمكن أن يكونا أضعف حجية من الرؤى والهواتف وأخبار الكهان والجن وأهل الكتاب. فالأصل المستدل عليه ثابت بالقطعيات، وهذه الأدلة إنما تقويه فقط، وقد ورد اعتبار هذا النوع من الأدلة عن السلف إجمالا، ولا غرو إذا تجددت أنواع جديدة منه بتقدم الزمن. ولو فرضنا أن مسلما أسلم في عصرنا اعتمادا على الإعجاز العلمي مثلا، لما جاز لمعارضي الإعجاز العلمي أن يطعنوا في إسلامه، ويقولوا إن إيمانه باطل؛ لأنه اعتمد على دليل غير معتبر. وهذا دليل على اعتبار هذه الأنواع من الإعجاز عند الجميع، إذا التزمت بشروطها.
وما أحسن قول فضيلتكم: "والذي أميل إليه أنه ينبغي أن تكون لجنة من أهل العلم وتدرس وضع ضوابط دقيقة مبنيةعلى أصول التفسير ومنضبطة بضوابطه".
والله أعلم.
 
ولو قمنا بإحصائية لوجدنا أنه لا مقارنة بين الذين هداهم الله تعالى بجهود السلف الصالح والذين أقنعهم "الإعجازيون" لا كما ولا كيفا من حيث قوة الإيمان والتفاني في خدمة الدين ....
والواقع هو أهم ما يصدق أو يكذب الدعاوى ..
هذه عبارة صائبة بل بليغة في ذاتها أخي العزيز أ. إبراهيم , و ستجد مصداقها بإذن الله هنا في هذا الرابط حينما يكتمل التصور العام لموضوعه .. و قد أرجعني سنوات إلى حيث كنت أكتب مقدمات في أوجه إعجاز الدين ... و أخرجتها منذ أيام لوضعها موضوعاً أرجو به فتح مشروع جديد هنا أوسع من موضوع الرابط نفسه الآتي ذكره . ( و ستجد المصداق نفسه في الرابط الآخر الذي أنوي وضعه .. فأنا أصدّقك مرتين
icon7.gif
)

على أنني لا أوافقكم على توظيف هذه الحقيقة في غير محلها , أي أن نبني عليها موقفاً من هذا النوع من الإعجاز , ما طلبه أصحابه و لا سعوا إليه , و هو يحجرّ الواسع في منافسة لا محل لها من بحث المتباحثين ! بدل توظيف النافع جنباً إلى جنب , فالمقولة كما قلت دقيقة صائبة و لكن توظيفها خاطيء في سياق محل البحث ! و إن كان جميلاً مستبصراً في سياق توظيفها للأولويات و ترشيد هذا النوع من الدعوة !؟
و بارك الله فيكم .
الرابط :
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=19228
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=19228
 
عودة
أعلى