محمد جابري
New member
بين دراسات المنبثقة عن السنن الإلهية والدراسات المستقبلية
"وتطورت الدراسات المستقبلية ولم ترق إلى التخصص " العلمي " إلا حديثا؛ حيث لم تنقل إلى إطار الجامعة والمدرسة إلا في فترة حديثة للغاية، و انتشرت على أنها مادة " علمية " انتشارا واسعا في الجامعات الأمريكية، والسوفييتية، وبعض جامعات دول أخرى".( الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية, لوليد عبد الحي. ص : 5 .)
وككل العلوم الغربية ؛ فهي تنطلق من دراسة مادية محضة، الشيء الذي يصمها بالعوار، ويجعلها علوما نظرية ترتطم على صخرة الواقع، وتنغمس في أوحاله ؛ محاولة إعطاء تفسير مادي لكل عوامل التغيير الاجتماعي، فهو ضرب من الخرص والتخمين لا غير. وحتى لا يكون الكلام رجما بالغيب ؛ فهذه شهادة شاهد من أهلها، سواء على المستوى النظري أو التطبيق.
v على المستوى النظري
أ- يقول الأخصائي الاقتصادي عادل أحمد حشيش :
" إن طرائق التخطيط وتنظيماته قد تهيأ لها تحسن سريع خلال السنوات الحديثة، وقد ارتفعت نظرية التخطيط وتطبيقاته إلى مستويات جديدة، وقد ساعدت المؤتمرات العلمية, والمناقشات الموسعة على تحقيق المزيد من التحسين في إدارة الاقتصاد في الجمع والربط بين الخطط الطويلة الأجل, والخطط الخماسية، والخطط الجارية. وفي تحليل الخطط الإقليمية والتأكيد على الحاجة إلى تنمية البرامج الدقيقة للمشكلات الرئيسية في المجالات العلمية، والتقنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدعوة أيضا إلى تركيز الحلول ضمن الإطار الموضوع لخطة كلية واحدة ". (التخطيط الاقتصادي , ص : 29)
ب- كما يقول أخصائي الدراسات المستقبلية : وليد عبد الحي :
" ولكي أعطي صورة متكاملة جمعت عددا وافرا من " التنبؤات " الاقتصادية والسياسية ذات الأثر على المستوى الدولي, وعرضتها على شكل نقاط متلاحقة, يمكن تلمس التضارب بينها بفعل انتمائها إلى دراسات مختلفة ؛ لكن أهميتها تبرز في التنبيه على جوانب عديدة، ومع الإقرار بجوانب ضعف في هذه الدراسات، ولا أقول ذلك جريا مع التقاليد، لكنني أثرت جانبا مهما في نطاق العلاقات الدولية، ويكفي أن نلقي نظرة على بعض المؤتمرات الدولية للدراسات المستقبلية لنرى كم نحن متخلفون في هذا الميدان".( الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية , ص : 7)
v على مستوى التطبيق
يقول كورباتشيف تحت عنوان : " ليس إعلانا رنانا بل برنامجا أعد بعناية " : نضجت تدريجيا صياغة مفاهيم إعادة البناء، فقبل اجتماع نيسان انكبت مجموعة من الشخصيات الحزبية والحكومية على التحليل المتكامل للأوضاع الاقتصادية. وهذا التحليل شكل فيما بعد أساسا لوثائق إعادة البناء. لقد أخذنا كثيرا من توصيات العلماء والاختصاصيين- هذه التوصيات الزاخرة بالطاقة وبأفضل ما أبدع الفكر الاشتراكي- ومن ثم أعددنا المقدمات الفكرية الأساسية للسياسة التي شرعنا في تطبيقها لاحقا ...
( ويمضي في نشوة وغرور إلى أن قال ) : واستطعنا في اجتماع نيسان أن نطرح برنامجا معدا بعناية إلى حد ما، وأن نضع استراتيجية للتطور اللاحق للبلاد, وتكتيكا للممارسة، وأصبحنا على يقين من عدم جدوى الإصلاحات التجميلية، ومحاولة الترقيع، وأن المطلوب هو إعادة تصنيع جدية تماما، لقد كان الانتظار مستحيلا تماما ؛ لأن كثيرا من الوقت قد أضعناه ".(بريسترويكا, ص : 23 )
وبعد فترة زمنية على كتابة هذا النص، وصياغة هذه الخطط، فالكل يدرك ما آلت إليه من هدم لهرم الاتحاد السوفييتي، وتشتيت وحدته، وتفكيك أجزائه.
انقض البنيان، وأحال مُخَطِّطَه على هامش الحياة السياسية ؛ بعدما تربع على قصر الكريملين سنوات قصارا، وما كان " كورباتشيف " ليوافق على الخطة برمتها لو أدرك أبعادها ومآلاتها .
1- اسـتـنـتـاجات
أ- من حيث المنطلقات :
الدراسات المستقبلية علم بناه الماديون انطلاقا من علم الشهادة، وأغفلوا عين عالم الغيب، وأهمية جوانبه وفعاليته، وحان الوقت ليقفز المسلمون إلى السطح لكشف زيف الدعاوى، والتأويلات الخاطئة، وحمأة الخرص، وليتحملوا مسؤولية قيادة العالم بجدارة واستحقاق ؛ لإظهار حجة الله في الأنفس والآفاق على خلقه، ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة, وصدق الله العظيم :
]وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ َ[الأنفال 59
ويقول ذ. عبد السلام ياسين: " ألا إن وعد الله حق، وأعظم أسباب النمو الاقتصادي والفلاح والنصر اللجأ إلى الله سبحانه .
ليخسأ كل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا. وقر العلمانية التي فرغ أهلها من فاعلية, إلا فاعلية الأرقام، وجحود كل جدوى, إلا جدوى التنظيم البشري. وقر الثوريين الذين لا حديث لهم إلا عن النضال، وتعبئة الجماهير، ووضع الخطة الاقتصادية.
ومع وقر أولئك وهؤلاء يد ذليلة ممدودة إلى الحليف الجاهلي، فمالنا إن اتخذنا أسباب الحساب والتنظيم، وأسباب تجنيد الأمة ورسم المنهاج، لا نمد يد الضراعة لنصيرنا ومولانا ليسدد ويوفق ؟! الأسباب شريعته، وقدره من ورائها :
قال تعالى :
]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأعراف :96
ها هو ذا مفتاح التوفيق الإلهي الذي لا تحسبه العدادات الإلكترونية, ولا يحصيه المخطط.
فيكون علم الاقتصاد الإسلامي ومداره، ومحوره : علم التقوى والإيمان الكفيلين بفتح بركات الأرض والسماء ". (في الاقتصاد , ص : 131- 132.)
فهل لاح في أفق سمائك ناصعا بيّنا وجوب العناية بالتخطيط والبرمجة على ضوء سنن الله القرآنية والكونية : أي باحتساب متطلبات عالمي الغيب والشهادة و علومها.
ب- من حيث استخلاص القانون العام للسنن الكونية وإدراجه في استشراف المستقبل
إن الحوادث التاريخية إذا نظرنا إليها من وجهة النظر التاريخية ؛ سنجد أنها حوادث فردية، وفريدة، لا تتكرر على شكل مماثل، ومن ثم فهي تعتبر بالفعل وقائع فريدة، غير قابلة للتكرار، ولكننا إذا نظرنا إلى هذه الوقائع المتناهية في امتدادها التاريخي، وفي سياقها التطوري، وفي الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وفي النتائج التي انتهت إليها، وحاولنا أن نجردها من فرديتها، وننظر إليها في كليتها، سنجد أن مضمون هذه الوقائع – وليس شكلها – قابل للتكرار والاطراد، ويكشف عن علاقة سببية مطردة بين ظاهرة وأخرى...وهذا الترابط هو الذي يتيح لنا استخلاص القانون العام الذي تخضع له هذه الوقائع التاريخية، فكلما توفرت أسباب معينة في ظروف معينة إلا وارتبطت بها نتائج معينة ". ( منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية لمحمد محمد أمزيان, ص: 188.)
ويتبنى المسلم القواعد الكلية لسنن الله, ويضعها نصب عينيه عند كل تخطيط ودراسة مستقبلية لوضع تصميم سليم وقويم. (انظر كتاب " تجديد دراسة الحديث النبوي على نور السنن الإلهية " للكاتب ص :74 وما بعدها)
وسنن الله الكونية خاضعة لسنن الله القرآنية لا تنفك عنها بتاتا, ولا تحيد عنها محيدا. ويزيد ترابط الحدث التاريخي المسلم إيمانا وتسليما كلما قارنه بنتائج السنن القرآنية، بينما يزداد المؤمن يقينا و ثباتا كلما أدرك مقدمة مؤشرات استنتج نتائجها، وفهم مراد الله منها؛ فكانت له عونا على الثبات على المبدأ، ووسيلة لاستجلاء مقتضى العبودية لله عز وجل.