بين الهجرة واللجوء

سهاد قنبر

New member
إنضم
01/06/2011
المشاركات
388
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الهجرة مفهوم إسلامي بامتياز؛ وأحكامه مبسوطة في كتب الفقه، وله موقعه الذي لا يستهان به في كتب المتقدمين.
والهجرة لغة من الهَجر وهو ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح هجر لأنه مما ينبغي أن يهجر، والهاجرة وقت يهجر فيه.
وقد ورد مصطلح الهجرة واشتقاقاته في كتاب الله واحداً وثلاثين مرة؛ سبع مرات منها بالمعنى اللغوي، والباقي بالمعنى الاصطلاحي[1].
وحملت الآيات التي ذكرت الهجرة و المهاجرين ترغيباً في الهجرة، وبيان لمنزلة المهاجرين وعظيم أجرهم.
واقترن فعل الهجرة في جلِّ الآيات بالجهاد في سبيله.
يقول تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)(البقرة، 218).
ويقول تعالى:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب)(آل عمران، 195).
ويقول تعالى:(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيما)(النساء،100).
فكل من خرج من بلاده بسبب الإيذاء والاضطهاد،أو نصرة لله فهو مهاجر.
ولأن الله شرع الهجرة فلا حجة لمن تركها، وبقي في أرض لا يستطيع إقامة شعائر الله فيها لشدة الاستضعاف والإيذاء، وأولئك توعدهم الله بنار جهنم يقول تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)(النساء، 97).
وفي الحديث النبوي لم تنزع صفة المهاجر عن الذي خرج لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فقد قال عنه الرسول: )فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولم يقل:( خروجه من بلده إلى ما خرج له) وفي ذلك إشارة إلى أن أعمال القلوب من شأن الله تعالى وحده.
وقد بقي مصطلح المهاجرين مستعملاً حتى وقت ليس بالبعيد، وقد احتضن بكل حنان جبل قاسيون المهاجرين المسلمين الذين فروا من جزيرة كريت هرباً من الاضطهاد اليوناني في مطلع القرن المنصرم، ولا زال حتى الآن اسم الحي في دمشق حي المهاجرين، وسمي حي الصالحية العريق بهذا الاسم لأن الصالحين من المهاجرين سكنوه، وبقي مصطلح المهاجرين متداولاً بين المسلمين ولا أدري متى تم استبداله باللاجئين.
ولعل هذا الاستبدال سببه الدخول في جحر ضب النظام العالمي الجديد فالهجرة خرجت من مصطلحها الشرعي وأصبحت طلباً للسكن في بلد ما لتحقيق امتيازات المواطنة(Immigration)، وأصبحت الهجرة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي هي اللجوء، واستبدلت مفردة المهاجرين باللاجئين(Refugees).
و الملجأ لغة هو المكان الذي يتحصن فيه، وأصله من لجأ وألجأته جعلته مضطراً إليه.
وقد جاء المصطلح 3 مرات في كتاب الله أولها في معرض الحديث عن المنافقين في سورة التوبة(لو يجدون ملجأ أو مغارات)، وثانيها في سورة التوبة في معرض الكلام عن الثلاثة الذين خلفوا بعد أن وصل بهم اليأس مبلغه فعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)(التوبة،118)، والموقع الثالث في الشورى في معرض الحديث عن يوم القيامة وأنه لا ملجأ إلا الله (مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير).
والمواضع الثلاثة تثبت بشكل مباشر أو غير مباشر أن اللجوء لا يكون إلا لله ويعضد هذا المعنى الكثير من الأحاديث.
ولعل هذا الوقوف على دلالات الهجرة واللجوء سببه هو هذا الألم الذي يعتصر قلبي عندما أسمع كلمة اللاجئين السوريين، ولعله غضباً وليس ألماً، ولعله شعور أعلى من الألم والغضب، ولهذا أتمنى أن نتوب ونعود إلى مصطلحات القرآن لما يلقيه المصطلح من ظلال على القائلين به فبين اللجوء والهجرة بون ساشع:
فالهجرة عزة واللجوء لغير الله ذل.
الهجرة غنى وسعة، واللجوء افتقار.
الهجرة اختيار القوي، واللجوء حاجة ضعيف.
الهجرة عبادة وعد الله عليها العباد الأجر العظيم، واللجوء تواكل.
الهجرة جيل تبلغ آماله عنان السماء، واللجوء جيل ينظر لنفسه نظرة دونية.
الهجرة تحمل معاني الكرّ على العدو، واللجوء يحمل معنى الفرار.
الهجرة نصر، واللجوء هزيمة.
الهجرة تلاقح ثقافات وأفكار، واللجوء إقصاء اجتماعي.
ولعلي أستطيع أن أحبر صفحات بين الهجرة واللجوء إلا أنني سأتوقف هنا وأقول إني أعلن أمام الله توبتي من مصطلح اللجوء واستبداله بمصطلح الهجرة، وأسطر اعتذاري من كل مسلم خرج من داره مهاجراً فأسميته لاجئاً، ولم أكلف نفسي عناء النظر في اللجوء وآثاره النفسية ودلالاته اللغوية، وأجدني خالفت بهذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام بأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فما تداعيت للمهاجرين في سبيل الله، ولا شعرت بهم إلا بعد أن ذاق السوريون من نفس الكأس.
وما كنت أظنه دعماً لهم، وتعاضداً معهم بدا لي الآن تفضلاً بفتات الأموال والأوقات، فأرجوكم أيها المهاجرون المسلمون في أصقاع الأرض سامحوني وما أظنكم تفعلون.


[1]بحسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.
 
جزاكِ الله خيرا أستاذتنا الفاضلة، فعلا حقيقة كانت غائبة عن كثير منا، نسأل الله العفو و المغفرة
 
لغة ( المصطلحات) تفرضها الثقافة القوية على الثقافة الضعيفة.
والثقافة القوية ـ غالبًا ما ـ تكون تبعًا للقوة العسكرية.
أليس في شرعنا ومصطلحات فقهائنا لفظ غير (الإرهاب)؟!
لكنه مصطلح فُرضَ علينا بالقوة العسكرية والثقافية.
موضوعك يطرح تساؤلاً كبيرًا: متى نعود لتراثنا ونبي عليه؟!
متى نستزرع في أرضنا ولا نستنبت من غير أرضنا؟!
 
لغة ( المصطلحات) تفرضها الثقافة القوية على الثقافة الضعيفة.
والثقافة القوية ـ غالبًا ما ـ تكون تبعًا للقوة العسكرية.
أليس في شرعنا ومصطلحات فقهائنا لفظ غير (الإرهاب)؟!
لكنه مصطلح فُرضَ علينا بالقوة العسكرية والثقافية.
موضوعك يطرح تساؤلاً كبيرًا: متى نعود لتراثنا ونبي عليه؟!
متى نستزرع في أرضنا ولا نستنبت من غير أرضنا؟!
الدكتور الفاضل جزاك الله خيراً على مرورك، من أهل العلم الشرعي تبدأ رحلة العودة لمصطلحات القرآن، وعليهم المعتمد.
 
سلمت يمينك ورضي الله عنك وأرضاك لشعورك المرهف هذا... وبالفعل اللجوء بطلب أو دون طلب ذلة لأنه يوحي بأن صاحبه يطلب ما ليس له، بينما الهجرة عزة لأن صاحبها يسعى بجهده في أرض الله الواسعة.
 
ولعل هذا الاستبدال سببه الدخول في جحر ضب النظام العالمي الجديد فالهجرة خرجت من مصطلحها الشرعي وأصبحت طلباً للسكن في بلد ما لتحقيق امتيازات المواطنة(Immigration)، وأصبحت الهجرة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي هي اللجوء، واستبدلت مفردة المهاجرين باللاجئين(Refugees).
شكرا أختي الأستاذة سهاد،،
لا أظن أن مفهوم الهجرة خرج من مصطلحه الشرعي أي خرج من أصله الهجر إلى ضده وهو الوصل أي طلب الوصل بإقامة جديدة. أضف إلى ذلك أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تترجم في الانجليزي بـ Immigration of the prophet إلا من ترجمها بشكل خاطئ أو من يترجمها في سياق حديث ينطلق جغرافيا من المدينة ومعنويا من الجماعة، ولهذا نجد أغلب الترجمات تسير وفق خط السيرة: the migration of the prophet/ هذا إذا كان الأصل في الشيء وجوده أي ثبوته فإن الأصل في migration هو القطع، وإضافة im إضافة تفيد الخروج من الأصل إنما لإنتاج وظيفة تعكس إتجاه الفعل فإن كانت صفة أو قيمة أنتجت ضدها مثلما يحدث في إضافة in و un على سبيل المثال أو في إضافة im إلى moral فتصبح immoral لأنها قيمة لا فعل.

ولا ننسى من ناحية منطقية أن حركة ما في الفعل غير ممكنة بدون ضد هذه الحركة: لا قطع بلا وصل ولا وصل بلا قطع غير أن أول ما يشكل الصورة الذهنية لـ migration هو القطع، أما معنويا ومن الناحية الدينيّة فحركة الهجرة النبوية تحولت إلى قيمة ثابتة أما حركة الفعل نفسه فتاريخية إذ يجوز أن تتكرر إذا تكررت نفس الشروط التي هيأت لهذا الفعل التاريخي كما يجوز أن تتغيّر طبقا لتغير الشروط والظروف.

أظن أنه لا تحويل ولا تحريف بل السياق يحدد هل تتكلم عن فعل أم عن قيمة ونفس السياق عند الحديث عن الفعل يحدد آتتكلم في فعل تاريخي أم واقعي كما يحدد هذا السياق أيضا عند الحديث عن فعل تاريخي آموصول هو أم مقطوع. إلا إذا كانت رسالتك التي تريدين إيصالها هي أن الهجرة كلمة انصهرت في المفهوم ومن ثم لا حديث عن هذه الكلمة إلا بهذا المفهوم، وهذه مسألة غير واردة من الجانب العملي وليس هناك ما يوجبها من الجانب الديني إذ أن القرآن وهو نواة الدين نزل بلسان العرب. أنا دائما أفضل عدم ترجمة الهجرة بسبب حملها لقيمة دينية وهذا ما يسير عليه كثير من المسلمين الناطقين بغير العربية: The Hijrah of the Prophet .... La Hijrah du Prophète .. de Hijrah van de Profeet
 
شكرا أختي الأستاذة سهاد،،
لا أظن أن مفهوم الهجرة خرج من مصطلحه الشرعي أي خرج من أصله الهجر إلى ضده وهو الوصل أي طلب الوصل بإقامة جديدة. أضف إلى ذلك أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تترجم في الانجليزي بـ Immigration of the prophet إلا من ترجمها بشكل خاطئ أو من يترجمها في سياق حديث ينطلق جغرافيا من المدينة ومعنويا من الجماعة، ولهذا نجد أغلب الترجمات تسير وفق خط السيرة: the migration of the prophet/ هذا إذا كان الأصل في الشيء وجوده أي ثبوته فإن الأصل في migration هو القطع، وإضافة im إضافة تفيد الخروج من الأصل إنما لإنتاج وظيفة تعكس إتجاه الفعل فإن كانت صفة أو قيمة أنتجت ضدها مثلما يحدث في إضافة in و un على سبيل المثال أو في إضافة im إلى moral فتصبح immoral لأنها قيمة لا فعل.

ولا ننسى من ناحية منطقية أن حركة ما في الفعل غير ممكنة بدون ضد هذه الحركة: لا قطع بلا وصل ولا وصل بلا قطع غير أن أول ما يشكل الصورة الذهنية لـ migration هو القطع، أما معنويا ومن الناحية الدينيّة فحركة الهجرة النبوية تحولت إلى قيمة ثابتة أما حركة الفعل نفسه فتاريخية إذ يجوز أن تتكرر إذا تكررت نفس الشروط التي هيأت لهذا الفعل التاريخي كما يجوز أن تتغيّر طبقا لتغير الشروط والظروف.

أظن أنه لا تحويل ولا تحريف بل السياق يحدد هل تتكلم عن فعل أم عن قيمة ونفس السياق عند الحديث عن الفعل يحدد آتتكلم في فعل تاريخي أم واقعي كما يحدد هذا السياق أيضا عند الحديث عن فعل تاريخي آموصول هو أم مقطوع. إلا إذا كانت رسالتك التي تريدين إيصالها هي أن الهجرة كلمة انصهرت في المفهوم ومن ثم لا حديث عن هذه الكلمة إلا بهذا المفهوم، وهذه مسألة غير واردة من الجانب العملي وليس هناك ما يوجبها من الجانب الديني إذ أن القرآن وهو نواة الدين نزل بلسان العرب. أنا دائما أفضل عدم ترجمة الهجرة بسبب حملها لقيمة دينية وهذا ما يسير عليه كثير من المسلمين الناطقين بغير العربية: The Hijrah of the Prophet .... La Hijrah du Prophète .. de Hijrah van de Profeet
شكر الله لك أخي ما أفدتنا به من معلومات، لكن الموضوع يتحدث عن استبدال المسلمين مصطلح الهجرة في استعمالهم بمصطلح اللجوء مع أنهم كانوا حتى وقت قريب يستخدموا مصطلح (الهجرة والمهاجرين)، والموضوع دعوة للرجوع إلى هذا المصطلح وترك مصطلح اللجوء، وفي محاولة للوقوف على السبب في دخول مصطلح اللجوء على المسلمين وافترضت أن السبب هو الترجمة من الانجليزية إلى العربية وليس العكس.
على أية حال الموضوع الأصلي هو عن حرمة استبدال المصطلح الشرعي بغيره بعد أن أخرجه الشارع عن أصل الوضع، فلا يستبدل مصطلح الزكاة بغيره، ولا الصلاة بغيره، ولا الهجرة بغيره.
وأنا معك في عدم ترجمة المصطلحات الشرعية إلى اللغة الانجليزية، وشرح مفهومها لغير الناطقين وصفياً وإجرائياً.
 
شكرا على الشرح أختي سهاد،،
لا أدري في أي مجال جغرافي يستخدم اللجوء مقابلا للهجرة. في أوروبا لا يستخدمون اللجوء إلا في سياق قانوني وهذا المصطلح دائما في التوظيف يصاحبه فعل الطلب فلا تجد لاجئ لكن طالب اللجوء، وأما اللاجئين هكذا فيستخدمون النازحين، والمهاجرين تطلق على السكان الأصليين الذين يغادرون أوربا إلى مكان آخر، أما طالب اللجوء فشخص مؤقت من الناحية القانونية: يعني إما يحصل على ترخيص الإقامة فيكون مقيم (مؤقتا) أو وافد أو أجنبي أو مستوطن (مجنس)، وإما لا فيغادر البلد أو يعتبر وافد غير شرعي.
 
عودة
أعلى