الهجرة مفهوم إسلامي بامتياز؛ وأحكامه مبسوطة في كتب الفقه، وله موقعه الذي لا يستهان به في كتب المتقدمين.
والهجرة لغة من الهَجر وهو ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح هجر لأنه مما ينبغي أن يهجر، والهاجرة وقت يهجر فيه.
وقد ورد مصطلح الهجرة واشتقاقاته في كتاب الله واحداً وثلاثين مرة؛ سبع مرات منها بالمعنى اللغوي، والباقي بالمعنى الاصطلاحي[1].
وحملت الآيات التي ذكرت الهجرة و المهاجرين ترغيباً في الهجرة، وبيان لمنزلة المهاجرين وعظيم أجرهم.
واقترن فعل الهجرة في جلِّ الآيات بالجهاد في سبيله.
يقول تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)(البقرة، 218).
ويقول تعالى:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب)(آل عمران، 195).
ويقول تعالى:(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيما)(النساء،100).
فكل من خرج من بلاده بسبب الإيذاء والاضطهاد،أو نصرة لله فهو مهاجر.
ولأن الله شرع الهجرة فلا حجة لمن تركها، وبقي في أرض لا يستطيع إقامة شعائر الله فيها لشدة الاستضعاف والإيذاء، وأولئك توعدهم الله بنار جهنم يقول تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)(النساء، 97).
وفي الحديث النبوي لم تنزع صفة المهاجر عن الذي خرج لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فقد قال عنه الرسول: )فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولم يقل:( خروجه من بلده إلى ما خرج له) وفي ذلك إشارة إلى أن أعمال القلوب من شأن الله تعالى وحده.
وقد بقي مصطلح المهاجرين مستعملاً حتى وقت ليس بالبعيد، وقد احتضن بكل حنان جبل قاسيون المهاجرين المسلمين الذين فروا من جزيرة كريت هرباً من الاضطهاد اليوناني في مطلع القرن المنصرم، ولا زال حتى الآن اسم الحي في دمشق حي المهاجرين، وسمي حي الصالحية العريق بهذا الاسم لأن الصالحين من المهاجرين سكنوه، وبقي مصطلح المهاجرين متداولاً بين المسلمين ولا أدري متى تم استبداله باللاجئين.
ولعل هذا الاستبدال سببه الدخول في جحر ضب النظام العالمي الجديد فالهجرة خرجت من مصطلحها الشرعي وأصبحت طلباً للسكن في بلد ما لتحقيق امتيازات المواطنة(Immigration)، وأصبحت الهجرة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي هي اللجوء، واستبدلت مفردة المهاجرين باللاجئين(Refugees).
و الملجأ لغة هو المكان الذي يتحصن فيه، وأصله من لجأ وألجأته جعلته مضطراً إليه.
وقد جاء المصطلح 3 مرات في كتاب الله أولها في معرض الحديث عن المنافقين في سورة التوبة(لو يجدون ملجأ أو مغارات)، وثانيها في سورة التوبة في معرض الكلام عن الثلاثة الذين خلفوا بعد أن وصل بهم اليأس مبلغه فعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)(التوبة،118)، والموقع الثالث في الشورى في معرض الحديث عن يوم القيامة وأنه لا ملجأ إلا الله (مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير).
والمواضع الثلاثة تثبت بشكل مباشر أو غير مباشر أن اللجوء لا يكون إلا لله ويعضد هذا المعنى الكثير من الأحاديث.
ولعل هذا الوقوف على دلالات الهجرة واللجوء سببه هو هذا الألم الذي يعتصر قلبي عندما أسمع كلمة اللاجئين السوريين، ولعله غضباً وليس ألماً، ولعله شعور أعلى من الألم والغضب، ولهذا أتمنى أن نتوب ونعود إلى مصطلحات القرآن لما يلقيه المصطلح من ظلال على القائلين به فبين اللجوء والهجرة بون ساشع:
فالهجرة عزة واللجوء لغير الله ذل.
الهجرة غنى وسعة، واللجوء افتقار.
الهجرة اختيار القوي، واللجوء حاجة ضعيف.
الهجرة عبادة وعد الله عليها العباد الأجر العظيم، واللجوء تواكل.
الهجرة جيل تبلغ آماله عنان السماء، واللجوء جيل ينظر لنفسه نظرة دونية.
الهجرة تحمل معاني الكرّ على العدو، واللجوء يحمل معنى الفرار.
الهجرة نصر، واللجوء هزيمة.
الهجرة تلاقح ثقافات وأفكار، واللجوء إقصاء اجتماعي.
ولعلي أستطيع أن أحبر صفحات بين الهجرة واللجوء إلا أنني سأتوقف هنا وأقول إني أعلن أمام الله توبتي من مصطلح اللجوء واستبداله بمصطلح الهجرة، وأسطر اعتذاري من كل مسلم خرج من داره مهاجراً فأسميته لاجئاً، ولم أكلف نفسي عناء النظر في اللجوء وآثاره النفسية ودلالاته اللغوية، وأجدني خالفت بهذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام بأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فما تداعيت للمهاجرين في سبيل الله، ولا شعرت بهم إلا بعد أن ذاق السوريون من نفس الكأس.
وما كنت أظنه دعماً لهم، وتعاضداً معهم بدا لي الآن تفضلاً بفتات الأموال والأوقات، فأرجوكم أيها المهاجرون المسلمون في أصقاع الأرض سامحوني وما أظنكم تفعلون.
[1]بحسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.
والهجرة لغة من الهَجر وهو ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح هجر لأنه مما ينبغي أن يهجر، والهاجرة وقت يهجر فيه.
وقد ورد مصطلح الهجرة واشتقاقاته في كتاب الله واحداً وثلاثين مرة؛ سبع مرات منها بالمعنى اللغوي، والباقي بالمعنى الاصطلاحي[1].
وحملت الآيات التي ذكرت الهجرة و المهاجرين ترغيباً في الهجرة، وبيان لمنزلة المهاجرين وعظيم أجرهم.
واقترن فعل الهجرة في جلِّ الآيات بالجهاد في سبيله.
يقول تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)(البقرة، 218).
ويقول تعالى:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب)(آل عمران، 195).
ويقول تعالى:(ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيما)(النساء،100).
فكل من خرج من بلاده بسبب الإيذاء والاضطهاد،أو نصرة لله فهو مهاجر.
ولأن الله شرع الهجرة فلا حجة لمن تركها، وبقي في أرض لا يستطيع إقامة شعائر الله فيها لشدة الاستضعاف والإيذاء، وأولئك توعدهم الله بنار جهنم يقول تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا)(النساء، 97).
وفي الحديث النبوي لم تنزع صفة المهاجر عن الذي خرج لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فقد قال عنه الرسول: )فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولم يقل:( خروجه من بلده إلى ما خرج له) وفي ذلك إشارة إلى أن أعمال القلوب من شأن الله تعالى وحده.
وقد بقي مصطلح المهاجرين مستعملاً حتى وقت ليس بالبعيد، وقد احتضن بكل حنان جبل قاسيون المهاجرين المسلمين الذين فروا من جزيرة كريت هرباً من الاضطهاد اليوناني في مطلع القرن المنصرم، ولا زال حتى الآن اسم الحي في دمشق حي المهاجرين، وسمي حي الصالحية العريق بهذا الاسم لأن الصالحين من المهاجرين سكنوه، وبقي مصطلح المهاجرين متداولاً بين المسلمين ولا أدري متى تم استبداله باللاجئين.
ولعل هذا الاستبدال سببه الدخول في جحر ضب النظام العالمي الجديد فالهجرة خرجت من مصطلحها الشرعي وأصبحت طلباً للسكن في بلد ما لتحقيق امتيازات المواطنة(Immigration)، وأصبحت الهجرة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي هي اللجوء، واستبدلت مفردة المهاجرين باللاجئين(Refugees).
و الملجأ لغة هو المكان الذي يتحصن فيه، وأصله من لجأ وألجأته جعلته مضطراً إليه.
وقد جاء المصطلح 3 مرات في كتاب الله أولها في معرض الحديث عن المنافقين في سورة التوبة(لو يجدون ملجأ أو مغارات)، وثانيها في سورة التوبة في معرض الكلام عن الثلاثة الذين خلفوا بعد أن وصل بهم اليأس مبلغه فعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم)(التوبة،118)، والموقع الثالث في الشورى في معرض الحديث عن يوم القيامة وأنه لا ملجأ إلا الله (مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير).
والمواضع الثلاثة تثبت بشكل مباشر أو غير مباشر أن اللجوء لا يكون إلا لله ويعضد هذا المعنى الكثير من الأحاديث.
ولعل هذا الوقوف على دلالات الهجرة واللجوء سببه هو هذا الألم الذي يعتصر قلبي عندما أسمع كلمة اللاجئين السوريين، ولعله غضباً وليس ألماً، ولعله شعور أعلى من الألم والغضب، ولهذا أتمنى أن نتوب ونعود إلى مصطلحات القرآن لما يلقيه المصطلح من ظلال على القائلين به فبين اللجوء والهجرة بون ساشع:
فالهجرة عزة واللجوء لغير الله ذل.
الهجرة غنى وسعة، واللجوء افتقار.
الهجرة اختيار القوي، واللجوء حاجة ضعيف.
الهجرة عبادة وعد الله عليها العباد الأجر العظيم، واللجوء تواكل.
الهجرة جيل تبلغ آماله عنان السماء، واللجوء جيل ينظر لنفسه نظرة دونية.
الهجرة تحمل معاني الكرّ على العدو، واللجوء يحمل معنى الفرار.
الهجرة نصر، واللجوء هزيمة.
الهجرة تلاقح ثقافات وأفكار، واللجوء إقصاء اجتماعي.
ولعلي أستطيع أن أحبر صفحات بين الهجرة واللجوء إلا أنني سأتوقف هنا وأقول إني أعلن أمام الله توبتي من مصطلح اللجوء واستبداله بمصطلح الهجرة، وأسطر اعتذاري من كل مسلم خرج من داره مهاجراً فأسميته لاجئاً، ولم أكلف نفسي عناء النظر في اللجوء وآثاره النفسية ودلالاته اللغوية، وأجدني خالفت بهذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام بأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فما تداعيت للمهاجرين في سبيل الله، ولا شعرت بهم إلا بعد أن ذاق السوريون من نفس الكأس.
وما كنت أظنه دعماً لهم، وتعاضداً معهم بدا لي الآن تفضلاً بفتات الأموال والأوقات، فأرجوكم أيها المهاجرون المسلمون في أصقاع الأرض سامحوني وما أظنكم تفعلون.
[1]بحسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.