محمد محمود إبراهيم عطية
Member
بين التوفيق والخذلان
يصل الواصلون بتوفيق الله تعالى ، وينقطع من انقطع بخذلان الله تعالى له ؛ قال الله تعالى : { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } [ التوبة : 46 ] .
والخذلانُ - كما يقول ابن القيم - أَنْ يخلِّي الله تَعَالَى بين العبد وبين نفسه ويكله إليها ، والتوفيقُ ضدُّه أَنْ لاَ يدعَه ونفسَهُ وَلاَ يكله إِلَيْهَا ؛ بل يصنع لَهُ ، ويلطف بِهِ ، ويعينهُ ، ويدفع عَنْهُ ، ويكلؤه ، كلاءةَ الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه ؛ فمن خُلي بينه وبين نفسه فَقَدْ هلك كلَّ الهلاك .
فالعبد مطروح بين الله وبين عدوِّه إبليس ، فإن تولاه الله لَمْ يظفر بِهِ عدُّوه ، وإن خذله وأعرض عَنْهُ افترسه الشيطان ، كَمَا يفترسُ الذئبُ الشاةَ .
فإن قِيلَ : فَمَا ذنب الشاة إِذَا خَلَّى الراعي بين الذئب وبينها ، وهل يمكنها أَنْ تقوى عَلَى الذئب وتنجو منه ؟ والجواب : إنَّ الله تَعَالَى لَمْ يجعل لهذا الذئب اللعين عَلَى هَذِهِ الشاة سلطانًا مَعَ ضعفها ، فَإِذَا أعطت بيدها ، وسالمت الذئب ، ودعاها فلبَّتْ دعوتَه ، وأجابت أمرَه ، ولم تتخلّفْ ؛ بل أقبلتْ نحوه سريعةً مطيعة ، وفارقت حِمى الراعي الَّذِي لَيْسَ للذئاب عَلَيهِ سبيل ، ودخلتْ فِي محل الذئاب - الَّذِي مَن دخلَه كَانَ صيدًا لهم - فهل الذنبُ كلّ الذنب إِلاَّ عَلَى الشاة ؟! فكيف والراعي يحذِّرُها ويخوِّفها وينذرها ، وَقَدْ أراها مصارعَ الشاة التي انفردت عن الراعي ودخلت وادي الذئاب ؟!
وَقَدْ حذَّر الله سُبْحَانَهُ ابن آدم مِن ذئبه مرةً بَعْدَ مرة ، وَهُوَ يأبى إِلاَّ أَنْ يستجيب لَهُ إِذَا دعاه ، ويبيت معه ويصبح : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم : 22 ][SUP] ( [1] ) [/SUP].
وقال في موضع آخر : فَقَدْ أجمع العارفون بالله عَلَى أَنْ الخِذلانِ أَنْ يَكِلَكَ الله إِلَى نفسك ، ويُخلي بينَك وبينَها ؛ والتوفيق أَنْ لاَ يكِلَك الله إِلَى نفسك ؛ ومن وكله الله إِلَى نفسه انقطعت عَنْهُ أسبابُ الخيرِ ، واتَّصَلَتْ بِهِ أسبابُ الشرِّ ؛ فأيُّ فلاحٍ ، وأيُّ رخاءٍ ، وأيُّ عَيْشٍ ، لِمَنِ انْقَطعتْ عَنْهُ أسبابُ الخيرِ ، وقُطِعَ مَا بينه وبين وليِّه ومولاهُ ، الَّذِي لاَ غنى لَهُ عَنْهُ طرفةَ عينٍ ، وَلاَ بُدَّ لَهُ منه ، وَلاَ عوضَ لَهُ عَنْهُ ؛ واتَّصلت بِهِ أسبابُ الشرِّ ، ووصلَ مَا بينه وبين أعدى عدوٍّ لَهُ ، فتولاه عدوُّهُ ، وتخلَّى عَنْهُ وليُّه ؟ فَلاَ تعلمُ نفسٌ مَا فِي هَذَا الانقطاعِ والاتِّصالِ مِنْ أنواعِ الآلاَمِ وأنواعِ العذابِ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
[1] - انظر ( شفاء العليل ) ص 100 ، 101 .
[2] - الداء والدّواء ، ص 130 .
يصل الواصلون بتوفيق الله تعالى ، وينقطع من انقطع بخذلان الله تعالى له ؛ قال الله تعالى : { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } [ التوبة : 46 ] .
والخذلانُ - كما يقول ابن القيم - أَنْ يخلِّي الله تَعَالَى بين العبد وبين نفسه ويكله إليها ، والتوفيقُ ضدُّه أَنْ لاَ يدعَه ونفسَهُ وَلاَ يكله إِلَيْهَا ؛ بل يصنع لَهُ ، ويلطف بِهِ ، ويعينهُ ، ويدفع عَنْهُ ، ويكلؤه ، كلاءةَ الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه ؛ فمن خُلي بينه وبين نفسه فَقَدْ هلك كلَّ الهلاك .
فالعبد مطروح بين الله وبين عدوِّه إبليس ، فإن تولاه الله لَمْ يظفر بِهِ عدُّوه ، وإن خذله وأعرض عَنْهُ افترسه الشيطان ، كَمَا يفترسُ الذئبُ الشاةَ .
فإن قِيلَ : فَمَا ذنب الشاة إِذَا خَلَّى الراعي بين الذئب وبينها ، وهل يمكنها أَنْ تقوى عَلَى الذئب وتنجو منه ؟ والجواب : إنَّ الله تَعَالَى لَمْ يجعل لهذا الذئب اللعين عَلَى هَذِهِ الشاة سلطانًا مَعَ ضعفها ، فَإِذَا أعطت بيدها ، وسالمت الذئب ، ودعاها فلبَّتْ دعوتَه ، وأجابت أمرَه ، ولم تتخلّفْ ؛ بل أقبلتْ نحوه سريعةً مطيعة ، وفارقت حِمى الراعي الَّذِي لَيْسَ للذئاب عَلَيهِ سبيل ، ودخلتْ فِي محل الذئاب - الَّذِي مَن دخلَه كَانَ صيدًا لهم - فهل الذنبُ كلّ الذنب إِلاَّ عَلَى الشاة ؟! فكيف والراعي يحذِّرُها ويخوِّفها وينذرها ، وَقَدْ أراها مصارعَ الشاة التي انفردت عن الراعي ودخلت وادي الذئاب ؟!
وَقَدْ حذَّر الله سُبْحَانَهُ ابن آدم مِن ذئبه مرةً بَعْدَ مرة ، وَهُوَ يأبى إِلاَّ أَنْ يستجيب لَهُ إِذَا دعاه ، ويبيت معه ويصبح : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم : 22 ][SUP] ( [1] ) [/SUP].
وقال في موضع آخر : فَقَدْ أجمع العارفون بالله عَلَى أَنْ الخِذلانِ أَنْ يَكِلَكَ الله إِلَى نفسك ، ويُخلي بينَك وبينَها ؛ والتوفيق أَنْ لاَ يكِلَك الله إِلَى نفسك ؛ ومن وكله الله إِلَى نفسه انقطعت عَنْهُ أسبابُ الخيرِ ، واتَّصَلَتْ بِهِ أسبابُ الشرِّ ؛ فأيُّ فلاحٍ ، وأيُّ رخاءٍ ، وأيُّ عَيْشٍ ، لِمَنِ انْقَطعتْ عَنْهُ أسبابُ الخيرِ ، وقُطِعَ مَا بينه وبين وليِّه ومولاهُ ، الَّذِي لاَ غنى لَهُ عَنْهُ طرفةَ عينٍ ، وَلاَ بُدَّ لَهُ منه ، وَلاَ عوضَ لَهُ عَنْهُ ؛ واتَّصلت بِهِ أسبابُ الشرِّ ، ووصلَ مَا بينه وبين أعدى عدوٍّ لَهُ ، فتولاه عدوُّهُ ، وتخلَّى عَنْهُ وليُّه ؟ فَلاَ تعلمُ نفسٌ مَا فِي هَذَا الانقطاعِ والاتِّصالِ مِنْ أنواعِ الآلاَمِ وأنواعِ العذابِ[SUP] ( [2] ) [/SUP].
[1] - انظر ( شفاء العليل ) ص 100 ، 101 .
[2] - الداء والدّواء ، ص 130 .