بين التطرف والغلو

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر


المصطلح الذي استخدمه القرآن والسنة لبيان مجاوزة الحدِّ في العقيدة والعمل هو : الغلوُّ ؛ وهو مصطلح واضح الدلالة فيما وضع له ؛ قال الله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } [ النساء : 171 ] ؛ وقال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [ المائدة : 77 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ " ؛ يقال : غَلا في الدِّينِ والأَمْر ، يَغْلُو غُلُوّاً : جاوَزَ حَدَّه ؛ قال ابن الأثير في ( النهاية ) : أي : التشدُّد فيه ومُجَاوَزَة الحَدِّ ؛ وقيل : معناه البَحْث عن بَواطِن الأشياء ، والكشف عن عِلَلِها وغَوامِض مُتَعَبَّداتها ؛ ومنه الحديث " وحامِل القُرآن غَيْر الغَالي فيه ولا الْجافي عنه " إنما قال ذلك ؛ لأن مِنْ أخْلاقِه وآدابه التي أُمِر بها : القَصْدَ في الأمور ، وخَيْر الأمور أوْساطُها ؛ وكِلاَ طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ ؛ ومنه حديث عمر : ( لا تُغَالُوا صُدُقَ النِّساء ) أي : لا تُبَالغوا في كثْرة الصَّداق ؛ وأصل الغَلاء : الارْتِفاع ومُجاوَزة القَدْرِ في كل شيء ؛ يقال : غالَيْتُ الشَّيء ، وبالشَّيء ، وغَلَوْتُ فيه أغْلُو : إذا جاوَزْتُ فيه الحَدَّ . انتهى مختصرًا .​

فالغُلُوُّ أخص من التطرف ، إذ هو مجاوزة الحد الطبيعي في الزيادة والنقص ، ففي حال النقص يسمى غُلوًّا إذا بالغ في النقص ، فيقال : غلا في النقص ، أي : جاوز حده ؛ وكذلك في الزيادة إذا بالغ فيها ، كقول النصارى في المسيح ابن مريم ؛ ولأبي الفتح البستي :​

لا تَغْلُ في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم​

والتطرف : الانحياز إلى أي من طرفي الأمر ، فيشمل الغُلوَّ ، ويزيد عليه ؛ إذ إن التطرف هو مجاوزة الحد جدًّا ، والبعد عن التوسط والاعتدال ؛ إفراطًا أو تفريطًا فالعبرة ببلوغ أي من طرفي الأمر .​

فالذي يتطرف في حكمه في الدماء ، ربما يحكم بكفر بعض الناس من أهل القبلة ، فإذا غالى في تطرفه ، فربما يستبيح قتله ، ويرى في هذا قربة إلى الله  ، وهذا لا شك أنه أشد وأخطر ، لأنه يقتل باسم الدين .​
 
عودة
أعلى