عبدالله جلغوم
New member
بين الترتيب والترقيم وهذا الرأي
لس هدفي هنا أن أنقل ما جاء في الكتب القديمة أو الحديثة عن سبب هذا الاختلاف ، بل لأعرض رأيا غير كل ذلك .
السبب في ذلك هو ما يجده الباحثون والدارسون من التعدد في عدد آيات القرآن تبعا لتعدد الروايات ، فهناك العدد المكي والمدني الأول والثاني والبصري والشامي والكوفي ، ومما لا شك فيه أن هذه المسميات لم يكن لها وجود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا في زمن الصحابة رضي الله عنهم ، ومن المؤكد أنها وجدت بعد جمع الخليفة عثمان للمصحف .ولا يمكننا أن نتصور أن التساؤل عن ترتيب القرآن : هل تمّ بالوحي أم باجتهاد من الصحابة كان مطروحا في زمن الصحابة ، فليس من المعقول أن يطرحوا مثل هذا السؤال على أنفسهم .
ولعل هذا التعدد في الأعداد هو السبب الوحيد المخفي أحيانا ، والظاهر أحيانا لدى البعض ممن يعارضون الإعجاز العددي ، والجزم بأن ترتيب القرآن توقيفي قد تم الوحي ، ذلك أنه قد يثير الشكوك في صحة الأعداد الأخرى في حالة تبني عدد مخصوص من بينها .
لو عدنا إلى زمن جمع القرآن ، لن نختلف على الحقيقة التالية : الأرقام التي تحدد بها نهايات الآيات على النحو الموجود في المصاحف الآن لم تكن موجودة ، فلم يكن العرب حتى هذا الوقت قد عرفوا الأرقام ، ولذلك فالاعتماد كان بالدرجة الأولى على الحفظ والذاكرة .
وهذا يعني أننا لو جردنا الآن المصاحف من جميع الأرقام التي تحدد نهايات الآيات ، سينتج لدينا نسخة من المصحف مرتبة السور والآيات واحدة في جميع الروايات . أي أن جميع روايات المصحف متماثلة في ترتيب السور والآيات لا فرق بينها أبدا . وهذا دليل على أن الترتيب توقيفي .
فأين الاختلاف إذن ؟ الاختلاف الوحيد هو في ترقيم الآيات وليس في ترتيبها . هذا الترقيم هو الذي كان مجال الاجتهاد ، وليس بالضرورة أن يكون خطأ ، إنما هو وفق اعتبارات متعلقة برواية ما . وقد يكون من بين هذه الأعداد ما خُزّن فيه الدليل الرياضي على حفظ القرآن الكريم .
فالمسألة كمسألة القراءات ، إن اعتماد قراءة ما ، لا يعتبر تشكيكا في قراءة أخرى ، ولا يتخذ سببا للتشكيك أيضا ، ولكن قد يكون الإعجاز في أحدها أظهر من غيره .
والله أعلم