بين آيات الكتاب وآيات القرآن

جابري محمد

New member
إنضم
12/03/2013
المشاركات
24
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
77
الإقامة
المغرب وجدة
بين آيات الكتاب وآيات القرآن

ابتدأ الحق في فاتحة النمل بقوله تعالى :
{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }1 النمل

كما ابتدأ الحقّ في فاتحة الحجر بالكتاب فقال :{ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِين} 1 الحجر
فما توجيه هذا الإختلاف في الآيتين ؟؟
----------
فاعلم بأن الله يفتح لمن شاء ما يشاء: فالقرآن هو كلام الله،

والكتاب جملة ما كتب الله في لوحه المحفوظ؛ وهو أيضا ما تمثل في كونه من مقادير أو بعبارة أخرى هو قضاء الله وقدره...

فلا وجه لعطف القرآن على الكتاب بنفس المعنى والدلالة. ولا يعطف الشيء على نفسه.

وتارة جاءت الآية
{ تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}

ليبين بأن القرآن جاء مُبيّنا، ومن هنا قال البلاغيون بأن أساليب بلاغة القرآن كلها أساليب بيانية.

على عكس أساليب الشعر فهي أساليب جمالية، لا تسعى للبيان والوضوح وإنما تسعى لإثارة جانب الجمالي بكل السبل المتاحة في اللغة.

وجاءت عبارة " مبين "بصيغة المفعول لكون البيان تارة يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتارة من العلماء بما أخذ الله عليهم من عهد؛ لبينونه للناس ولا يكتمونه، وتارة يكون البيان من الله.

وهكذا ما تلجلج فهم في القرآن الكريم، ويرجع إلمرء إلى أهل الاختصاص إلا وكشفوا اللبس وبينوا المراد، فإن أعوزتهم الحيلة لجأوا إلى من تعهد ببيانه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة : 19]

وعلى أية حال لا تبقى آية من غير بيان، إذا ما نحن طرقنا باب ربنا، وباب من أخذ الله عليهم العهد لتبيينه للناس، بعد بيان الرسول صلى الله عليه وسلم.

وما وقفت عند آية من كتاب الله، ومررت على أقوال المفسرين، فإن اطمأن الفؤاد واستقر الضمير، حمدت الله، وإلا طرقت باب ربي مستفسرا، منيبا إلى بابه الكريم، وهو الذي لا يخيب من قصده:

{فالحكم لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ } [ : 13]غافر

ومستعينا به سبحانه وتعالى ومتوسلا بأسمائه " الله العلي الكبير ". وهذا ما يتعلق ببيان القرآن فما وجه بيان كتاب الله وهو لوحه المحفوظ، أو آياته الكونية؟

فالقرآن الكريم آياته متلوة وهو تشريع وقضاء الله في هذا الكون وعهوده الربانية التي لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا.

أما الكتاب : ما كتبه الله في كونه من مقادير تجلت في آياته الكونية،وما شمله اللوح المحفوظ. : إنه الكتاب المنظور.

وانضبطت سنن الكون بما جاء به القرآن من عهود وتشريع، وهذا التطابق للآيات القرآنية بالآيات الكونية هو الذي يعطي للقرآن قوته ويجعله مهيمنا بتشريعه على خلق الله لكونه الأمر الذي لا ينخرم والعهد الذي لا يتغير.

وبهذا الاطراد للسنن الإلهية وجريها على نسق واحد تنطق السنن الإلهية معربة بأن لا فاعل في الوجود إلا الله.

ويتأتى هذا التكامل بين آيات الواقع وآيات القرآن ليرفع القرآن التحدي للبشرية:

{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام : 148]

فمن كان على بينة من الأمر تجنب أسباب المهالك، وتحصن بحصن الله من عذابه المهين في الدنيا والأخرة، وتسربل بلباس التقوى، الذي لا يقي من الحر والقر، وإنما يحفظ من سخط الله وعذابه.

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد : 11]

ومن يكذب بآيات الله القرآنية أصابه عذاب الله وأتته المصائب من كل باب:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه : 124]؛

حتى إذا اشتد البأس أمر الرسول والمؤمنون برفع التحدي في وجه الظالمين :

{قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام : 148]

وهكذا تنجلي المفاهيم وتتضح الأمور فلا غبش ولا لبس، حينما تنجلي للعيان السنن الإلهية الكونية وتطابقها مع السنن القرآنية .

وبات الفقه في حاجة إلى مراجعة شاملة على ضوء هذه المستجدات الفقهية، فما ضلت الناس إلا بالتقيد بأقوال وأفعال اعتمدوها لأناس في زمن معين، والفتوى قعد الأصوليون تغيرها على مقتضى الزمان والمكان والأشخاص والنية والحال.

وباستثناء عقائد السلف الصالح، ومواقفهم الرجولية، فاتباع السلف الصالح لا يكون حرفيا كما يفهمه بعض المؤمنون، وإنما بإحسان كما أمر الله، و الإحسان إتقان وتفان وعبادة لله كأنك تراه، وفهما متكاملا بين سنن الله القرآنية والكونية، ليتضح المراد وتنكشف الالتباسات:

وما أعرب عنه سبحانه وتعالى للكفار لما أصابهم البأس في الآية السالفة فهو أيضا يفسره للمؤمنين :

[أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165]

يطلب منا جل جلاله مراجعة أنفسنا ومتابعة الأسباب لإدراك من أين تأتت المصيبة، ليكتمل الفهم من عيون السنن الإلهية سواء منها القرآنية أو الكونية.

وما كان هذا البيان إلا ليجلي لنا قوانينه: بأنه كما وعد فليست الأمور تجري على ما نشتهيه، ولا ما تستهويه الكفار، وإنما تسير الأمور وفق إرادة ربها لا تحابي أحدا :

{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء : 123].

ونستخلص بأن آيات الكتاب، تتعاضد مع آيات القرآن بفهم شمولي لما يدور في الكون، ليدرك العبد مراد ربه في كونه بضوابط قرآنية، وليلمس جانب ابتلائه بالخير والشر فتنة.

هدانا الله سواء السبيل، وزادنا منه فهما وعلما. وقل رب زدني علما
 
وما وقفت عند آية من كتاب الله، ومررت على أقوال المفسرين، فإن اطمأن الفؤاد واستقر الضمير، حمدت الله

اسمح لي أخي محمد أن أمر بك مرة أخرى على أقوال المفسرين التي اطمأن إليها فؤادي لعلك تجد فيها ما وجدتُ، فإن فيها إجابات على كل تساؤلاتك، خاصة قولك "فلا وجه لعطف القرآن على الكتاب بنفس المعنى والدلالة. ولا يعطف الشيء على نفسه" :

نظم الدرر:
وكان الجمع بين الوصفين الدال كل منهما على الجمع إشارة إلى الرد عليهم في جعلهم القرآن عضين، وأن قولهم شديد المباعدة لمعناه. مع أن المفهومين - مع تصادقهما على شيء واحد - متغايران، فالكتاب: ما يدون في الطروس، والقرآن: ما يقرأ باللسان، فكأن الأول إشارة إلى حفظه في الطروس بالكتابة، والثاني إلى حفظه في الصدور بالدراسة، وسيأتي قوله {وإنا له لحافظون} مؤيداً لذلك، وكل من مادتي كتب وقرأ بجميع التقاليب تدور على الجمع.

تفسير السمعاني:
فإن قال قائل: القرآن هو الكتاب، والكتاب هو القرآن، فأيش فائدة الجمع بينهما؟
الجواب: أن كل واحد منهما يفيد معنى لا يفيده الآخر، فإن الكتاب هو ما يكتب، والقرآن هو ما يجمع بعضه إلى بعض، وقيل: إن المراد من الكتاب هو التوراة والإنجيل، والقرآن هو الذي أنزله الله تعالى على محمد.

تفسير ابن عطية:
ويحتمل أن يريد بالكتاب القرآن، ثم تعطف الصفة عليه.

تفسير الرازي:
والمراد بالكتاب والقرآن المبين الكتاب الذي وعد الله تعالى به محمدا صلى الله عليه وسلم وتنكير القرآن للتفخيم والمعنى: تلك الآيات آيات ذلك الكتاب الكامل في كونه كتابا وفي كونه قرآنا مفيدا للبيان.

التسهيل لعلوم التنزيل:
يحتمل أن يريد بالكتاب الكتب المتقدمة وعطف القرآن عليها، والظاهر أنه القرآن وعطفه عطف الصفات.

أما تساؤلك عن وجه الإختلاف بين الآيتين فيجيب عنه الألوسي بقوله:

"وفي جمع وصفي الكتابية والقرآنية من تفخيم شأن القرآن ما فيه حيث أشير بالأول إلى اشتماله على صفات كمال جنس الكتب الإلهية فكأنه كلها، وبالثاني إلى كونه ممتازا عن غيره نسيج وحده بديعا في بابه خارجا عن دائرة البيان قرآنا غير ذي عوج ونحو هذا فاتحة سورة النمل خلا أنه أخر هاهنا الوصف بالقرآنية عن الوصف بالكتابية لما أن الإشارة إلى امتيازه عن سائر الكتب بعد التنبيه على انطوائه على كمالات غيره منها أدخل في المدح لئلا يتوهم من أول الأمر أن امتيازه عن غيره لاستقلاله بأوصاف خاصة به من غير اشتماله على نعوت كمال سائر الكتب الكريمة وعكس هناك نظرا إلى حال تقدم القرآنية على حال الكتابية قاله بعض المحققين.
وجوز أن يراد بالكتاب اللوح المحفوظ وذكر أن تقديمه هنا باعتبار الوجود وتأخيره هناك باعتبار تعلق علمنا لأنا إنما نعلم ثبوت ذلك من القرآن. وتعقب بأن إضافة الآيات إليه تعكر على ذلك إذ لا عهد باشتماله على الآيات.
والزمخشري جعل هنا الإشارة إلى ما تضمنته السورة والكتاب وما عطف عليه عبارة عن السورة. وذكر هناك أن الكتاب إما اللوح وإما السورة. وأما القرآن فآثر هاهنا أحد الأوجه هناك.
قال في الكشاف: لأن الكتاب المطلق على غير اللوح أظهر، والحمل على السورة أوجه مبالغة كما دل عليه أسلوب قوله تعالى: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [الرعد: 1] وليطابق المشار إليه فإنه إشارة إلى آيات السورة ثم قال: وإيثار الحمل على اتحاد المعطوف والمعطوف عليه في الصدق لأن الظاهر من إضافة الآيات ذلك.

ولما كان في التعريف نوع من الفخامة وفي التنكير نوع آخر وكان الغرض الجمع عرف الكتاب ونكر القرآن هاهنا وعكس في النمل وقدم المعرف في الموضعين لزيادة التنويه ولما عقبه سبحانه بالحديث عن الخصوص هنالك قدم كونه قرآنا لأنه أدل على خصوص المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز، وتعقب تفسير ذلك بالسورة دون جميع القرآن أو المنزل إذ ذاك بأنه غير متسارع إلى الفهم والمتسارع إليه عند الإطلاق ما ذكر وعليه يترتب فائدة وصف الآيات بنعت ما أضيفت إليه من نعوت الكمال لا على جعله عبارة عن السورة إذ هي في الاتصاف بذلك ليست بتلك المرتبة من الشهرة حتى يستغني عن التصريح بالوصف على أنها عبارة عن جميع آياتها فلا بد من جعل تلك إشارة إلى كل واحدة منها، وفيه من التكلف ما لا يخفى. ثم إن الزمخشري بعد أن فسر المتعاطفين بالسورة أشار إلى وجه التغاير بينهما بقوله كأنه قيل: الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان ورمز إلى أنه لما جعل مستقلا في الكمال والغرابة قصد قصدهما فعطف أحدهما على الآخر فالغرض من ذكر الذات في الموضعين الوصفان، وهذه فائدة إيثار هذا الأسلوب، ومن هذا عده من عده من التجريد قاله في الكشاف.

... وقيل: المراد بالكتاب التوراة والإنجيل وبالقرآن الكتاب المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، وأخرج ذلك ابن جرير عن مجاهد، وقتادة، وأمر العطف على هذا ظاهر جدا إلا أن ذلك نفسه غير ظاهر، وفي المراد بالإشارة عليه خفاء أيضا.
وفي البحر أن الإشارة على هذا القول إلى آيات الكتاب وهو كما ترى".
 
الأستاذ الكريم حسن الأسامي؛
شكرا لك على ما أجهدت فيه نفسك؛ من تصفح المعنى للقرآن والكتاب من خلال استعراض تفاسير قديمة؛ وليتك لم تقف هناك؛ فهل تم الاتفاق على قول فصل لا يجوز وفق اللسان العربي قبول غيره؟
إن أكبر خطأ يطمئن إليه غير المتمكن من اللغة وبلاغتها، هو الانقياد إلى قول قائل دون أن يدرك وجه الاتفاق الذي لا يمكنه أن يحتمل غيره.
فحين نعطف الكتاب على القرآن ألا يكون ذلك من الركاكة اللغوية التي ينبغي تنزيه القرآن عنها؟
ثم حينما نريد إدراك معنى من المعاني القرآني ينبغي أن نتصفح كل مصطلحات الكلمة ودلالاتها؛ وفي هذا الصدد ألم تقرأ قوله تعالى :
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [145[} آل عمران
ومصطلح " كتاب " قد يدل على قضاء الله وقدره في كونه
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ}[الأنبياء : 105.]
{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[ الرعد : 38.]
{لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[ الأنفال : 69.]
أترى معنى القرآن الكريم يتناغم مع مراد هذه الآيات؟.
فالكتاب في هذه الآيات يعني العهد الذي عهده الله في قضائه وقدره وبعبارة أخرى ما ضمه اللوح المحفوظ.
وما دام المعنى مقبولا على وفق ما جاء به الكتاب العزيز فيبقى اعتراضك في غير محله.
هذا من جانب اللغة؛
أما من الجانب الرباني فلك أن تتوسل لله بأسمائه " الله العلي الكبير " ليريك الحق ويهديك إليه؛ فالله جل جلاله تعهد ببيان ما أبهم من كتابه، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [19] } القيامة
أم ترانا نيأس من تعليم الله لنا، ألم يقل الله جل جلاله :
{واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم [282]} اللبقرة
فالربانية استمداد وإمداد من الرب العزيز الوهاب.

هدانا الله وإياك صراطه المستقيم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا لك على ما أجهدت فيه نفسك؛ من تصفح المعنى للقرآن والكتاب من خلال استعراض تفاسير قديمة

قِدَم التفاسير لا يعيبها والتقليد في اللغة لا مفر منه، وحاصل كلامك في المداخلتين أمران:

1. عطف الشيء على نفسه من الركاكة التي يجب تنزيه القرآن عنها.
2. لفظ الكتاب يطلق أيضا على الكون و هو المقصود عندك في الآيتين.

أما النقطة الأولى فقد بينتُ لك بما سقتُه من أقوال جملة من علماء التفسير أن عطف القرآن على الكتاب في سورة الحجر وعطف الكتاب على القرآن في سورة النمل هو من باب عطف الصفات: أي عطف صفة القراءة على صفة الكتابة. فهذا فَهْمُ هؤلاء العلماء الذين لا أشك أنهم أفضل منا كلاما وفهما واستعمالا للغة العربية (ويكفي المُنصِف أن يأخذ كتاب أحدهم من أول صفحة إلى آخر الكتاب ثم لينظرْ كم من خطإ لغوي سيجده، ثم ليقرأْ ما نكتبه في مداخلاتنا هنا و لينظرْ كم من خطإ وقع فيها).
فإن لا زلت مصرا أن اللغة العربية لا تقبل هذا النوع من العطف فهات ما عندك من العلم.

أما قولك أن المقصود بالكتاب هو الكتاب المنظور فكلام مردود. فاستعمال الكتاب مجازا للدلالة على العالم المحيط بنا هو مما شاع استعماله بين الناس إلا أنك لا تجده في كتاب الله، ويلزمك فيه ما نصحتَ به غيرك :

ثم حينما نريد إدراك معنى من المعاني القرآني ينبغي أن نتصفح كل مصطلحات الكلمة ودلالاتها... وما دام المعنى مقبولا على وفق ما جاء به الكتاب العزيز فيبقى اعتراضك في غير محله.

فأين تجد في كتاب الله أنه أمرنا بالنظر في كتابه للدلالة على النظر في الكون أم أين تجد في القرآن أن الله سبحانه وتعالى خلق كتابه في ستة أيام للدلالة على خلق العالم؟ فإن لم تجده ولن تجده فاعلم أنك قد حملت الكلمة القرآنية ما لا تحتمل وإني أربأ بك أخي أن تكون ممن يقولون في القرآن برأيهم.
 
الأستاذ حسن الاسامي؛
لا أدري ما الذي تريده من الحوار إن لم يكن الرد منبن على ما سبقه من جواب ؟
كنت عزمت أن أعطف القلم عن جدال بئيس، كل هم صاحبه هو التشبث بالرأي لا غير؛ لقد واجهتك بآيات من كتاب الله استعملت فيها لفظة الكتاب على غير معنى القرآن، وما دام المعنى متداولا في كتاب الله ولم تقتنع به، فأنت وشأنك. وأنت الذي تريد أن تجمد بدلالات كتاب الله حيث جمد ما نقلته عن مفسرين . ألم تعلم بأن الكمال لله؛ وكل امرئ يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب الروضة الشريفة.؟
فإن لا زلت راغبا في دلالة لغوية عن معنى الكتاب بمعنى القدر وهو كتاب الله المنظور غير المسطور فهاك ما جاء به صاحب مقاييس اللغة من توضيح :
" ومن الباب الكِتَابُ وهو الفَرْضُ. قال الله تعالى: كُتِبَ علَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة 183]، ويقال للحُكْم: الكتاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمَا لأَقْضِيَنَّ بينكما بكتاب الله تعالى"، أراد بحُكْمِه.
وقال تعالى: يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة2، 3]، أي أحكامٌ مستقيمة.
ويقال للقَدَر: الكِتاب. قال الجعديّ:
يا ابنةَ عمِّي كتابُ الله أخَرَجَنِي عنكم وهل أمنعَنَّ الله ما فَعَلا"

أخي الكريم إن كنت متجردا لله، تبتغي النصح لكتابه فهاك ما يثبت ما تريد من دلالة الكتاب التي تعني ما سطره قلمه في اللوح المحفوظ وهو ما يجري به الكون في دنيا الناس :
{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ [77] فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ [78] لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [79] }

فهل رفع ما التبس عليك من ارتباطك بتفاسير كتبت لزمانها ومكانها ؟ فهل أدركت دلالة القدم المشار إليها؟
وقد عرضت عليك في المداخلة السابقة آيات لا يستقيم فيها معنى الكتاب بالقرآن ؟
والله الذي خلق الخلق وهو كتابه المنظور هو الذي أنزل القرآن وهو كتابه المقروء. وجعل الكتاب المسطور حاكما ومبينا لقوانين الكتاب المنظور.
فإن رغبت في تأكيد المعنى بعيدا عن دلالات الكتاب فإليك ما تريده:
بقول الحق جل وعلا :
{فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [50] } الروم.
فرحمة الله لا ترى بالأبصار لكن آثارها باقية على أرض الواقع. فالقرآن لا يُنَظر في الخيال وإنما مطابقة الآيات القرآنية للآيات الكونية لتكون مفتاح لغزها وبيان جريان قدرها.
وأعوذ بالله من الجدل الفارغ؛ فإنه لا وقت لدي لأضيعه فيما لا طائل تحته.
 
رد على موضوع بين ايات وايات القران

رد على موضوع بين ايات وايات القران

الاخ الفاضل جابري محمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك على الموضوع وما جاء فيه من الطرح واقول ليس هناك في الشريعة الاسلامية مايوجب التوقف عند فهم اصحاب التفاسير القديمة لمعاني ايات القران الكريم بل على العكس فان القران الكريم يدعو للتفكر والاجتهاد في العلم يقول الله عز وجل {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }فصلت3ومن المؤكد ان المقصود هو كل ذي علم الى يوم القيامة وليس اصحاب التفاسير القديمة فقط ولايعني قولي هذا الانتقاص من فضل هؤلاء العلماء بل اجلهم واحفظ لهم قدرهم بل ماعلمنا نحن من العلم الا بفضلهم فهم الذين اوصلوا لنا هذا العلم واجتهدوا فيه خير اجتهاد ولكن لايعني هذا انه قد انتهت العلوم او انقضت معاني القران الكريم عند ماقالوه والا لبطل معنى الاية الكريمة {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً }الكهف10 فمن الخطأ القول بعدم جواز التفسير بالرأي لانه ما اختلف اصحاب التفاسير القديمة الا بالرأي فالقران الكريم واحد واحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة واحدة ففيم الاختلاف اذن الا بالراي ومن الخطأ القول بانه لايمكن لاحد من بعدهم ان يصل الى وصلوا اليه من العلم واتخاذ هذه النظرية قاعدة في عدم تجويز التفسير لغيرهم من بعدهم . نعم هذة النظرية صحيحة في حالة اتخاذها قاعدة اساسية للاجتهاد في طلب العلم لانه لا يمكن لطالب علم ان يتوسع في علمه الا بالاعتماد على هذه المراجع العظيمة ولكن لايعني هذا انه لايجوز الاضافة عليها او الاخذ والرد منها ولكن بظوابط وليس بهوى واهم هذه الضوابط واولها ان تكون العلوم الصحيحة الموروثة هي الاساس في طلب العلم فان وفق الله احدا لعلم شيء جديد لم يات به القدماء فنعما والا فالرجوع الى هذه المصادر واعتمادها و كثير من العلماء المعاصرين الفضلاء من اضاف علوما جديدة الى ماجاء به الاقدمون . واود ان اجتهد لك في الفرق بين الكتاب والقرآن لعلي اصيب ولعلها تفيدك ويطمئن لها قلبك ففي الايتين الكريمتين التي ذكرتها لم يكن معنى الكتاب فيهما ماذكرت وان كان ماقلته صحيحا فايات الله سبحانه وتعالى متوافقة ومتكاملة بين الكون والقران الكريم الا ان معنى الكتاب هنا ليس اللوح المحفوظ بل هو القران والفرق بين معنى الكتاب ومعنى القران هو ان الكتاب مارسمت حروفه على الورق وغيره اما القران فهو اشتقاق من الفعل قرأ والقرء هو الاخراج والالقاء وقولك اقرا عليه السلام أي اخرج السلام من صدرك والقه عليه وقراءة ماهو مكتوب هي اخراج حروف الكتاب باللفظ فالقرأن مااخرجت حروفه باللفظ ولايسمى القران قرانا الا اذا اخرجت حروفه باللفظ اما الفرق بين التاخير والتقديم فكلاهما مبين ولكن الكتاب يحتاج الى من ليس اميا ويحتاج الى الذهاب اليه وقراءته اما القران فهو مسموع ويفهمه حتى الذي لايقرأ ولا يكتب ولايحتاج الى جهد الذهاب اليه والاستبيان منه . فالتقديم والتاخير هو للاشارة الى الفرق بين الحاجة اليهما . وبارك الله بك
 
الأستاذين محيي الدين عبد الحق، وحسن الأسامي؛

أشكر الأستاذ محيي الدين على ما جاء به من بيان لغوي لكلمة الكتاب والقرآن؛ ومع ما تفضل به كلا منهما أقول:
إن دلالات الكلمة اختص بها علم المصطلح وتناولها من عدة زوايا، وهذا ما أراه ينقصكما.
بارك الله فيكما.
 
عودة
أعلى