جابري محمد
New member
بين آيات الكتاب وآيات القرآن
ابتدأ الحق في فاتحة النمل بقوله تعالى :
{ طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }1 النمل
كما ابتدأ الحقّ في فاتحة الحجر بالكتاب فقال :{ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِين} 1 الحجر
فما توجيه هذا الإختلاف في الآيتين ؟؟
----------
فاعلم بأن الله يفتح لمن شاء ما يشاء: فالقرآن هو كلام الله،
والكتاب جملة ما كتب الله في لوحه المحفوظ؛ وهو أيضا ما تمثل في كونه من مقادير أو بعبارة أخرى هو قضاء الله وقدره...
فلا وجه لعطف القرآن على الكتاب بنفس المعنى والدلالة. ولا يعطف الشيء على نفسه.
وتارة جاءت الآية
{ تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}
ليبين بأن القرآن جاء مُبيّنا، ومن هنا قال البلاغيون بأن أساليب بلاغة القرآن كلها أساليب بيانية.
على عكس أساليب الشعر فهي أساليب جمالية، لا تسعى للبيان والوضوح وإنما تسعى لإثارة جانب الجمالي بكل السبل المتاحة في اللغة.
وجاءت عبارة " مبين "بصيغة المفعول لكون البيان تارة يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، وتارة من العلماء بما أخذ الله عليهم من عهد؛ لبينونه للناس ولا يكتمونه، وتارة يكون البيان من الله.
وهكذا ما تلجلج فهم في القرآن الكريم، ويرجع إلمرء إلى أهل الاختصاص إلا وكشفوا اللبس وبينوا المراد، فإن أعوزتهم الحيلة لجأوا إلى من تعهد ببيانه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة : 19]
وعلى أية حال لا تبقى آية من غير بيان، إذا ما نحن طرقنا باب ربنا، وباب من أخذ الله عليهم العهد لتبيينه للناس، بعد بيان الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما وقفت عند آية من كتاب الله، ومررت على أقوال المفسرين، فإن اطمأن الفؤاد واستقر الضمير، حمدت الله، وإلا طرقت باب ربي مستفسرا، منيبا إلى بابه الكريم، وهو الذي لا يخيب من قصده:
{فالحكم لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ } [ : 13]غافر
ومستعينا به سبحانه وتعالى ومتوسلا بأسمائه " الله العلي الكبير ". وهذا ما يتعلق ببيان القرآن فما وجه بيان كتاب الله وهو لوحه المحفوظ، أو آياته الكونية؟
فالقرآن الكريم آياته متلوة وهو تشريع وقضاء الله في هذا الكون وعهوده الربانية التي لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا.
أما الكتاب : ما كتبه الله في كونه من مقادير تجلت في آياته الكونية،وما شمله اللوح المحفوظ. : إنه الكتاب المنظور.
وانضبطت سنن الكون بما جاء به القرآن من عهود وتشريع، وهذا التطابق للآيات القرآنية بالآيات الكونية هو الذي يعطي للقرآن قوته ويجعله مهيمنا بتشريعه على خلق الله لكونه الأمر الذي لا ينخرم والعهد الذي لا يتغير.
وبهذا الاطراد للسنن الإلهية وجريها على نسق واحد تنطق السنن الإلهية معربة بأن لا فاعل في الوجود إلا الله.
ويتأتى هذا التكامل بين آيات الواقع وآيات القرآن ليرفع القرآن التحدي للبشرية:
{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام : 148]
فمن كان على بينة من الأمر تجنب أسباب المهالك، وتحصن بحصن الله من عذابه المهين في الدنيا والأخرة، وتسربل بلباس التقوى، الذي لا يقي من الحر والقر، وإنما يحفظ من سخط الله وعذابه.
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد : 11]
ومن يكذب بآيات الله القرآنية أصابه عذاب الله وأتته المصائب من كل باب:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه : 124]؛
حتى إذا اشتد البأس أمر الرسول والمؤمنون برفع التحدي في وجه الظالمين :
{قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام : 148]
وهكذا تنجلي المفاهيم وتتضح الأمور فلا غبش ولا لبس، حينما تنجلي للعيان السنن الإلهية الكونية وتطابقها مع السنن القرآنية .
وبات الفقه في حاجة إلى مراجعة شاملة على ضوء هذه المستجدات الفقهية، فما ضلت الناس إلا بالتقيد بأقوال وأفعال اعتمدوها لأناس في زمن معين، والفتوى قعد الأصوليون تغيرها على مقتضى الزمان والمكان والأشخاص والنية والحال.
وباستثناء عقائد السلف الصالح، ومواقفهم الرجولية، فاتباع السلف الصالح لا يكون حرفيا كما يفهمه بعض المؤمنون، وإنما بإحسان كما أمر الله، و الإحسان إتقان وتفان وعبادة لله كأنك تراه، وفهما متكاملا بين سنن الله القرآنية والكونية، ليتضح المراد وتنكشف الالتباسات:
وما أعرب عنه سبحانه وتعالى للكفار لما أصابهم البأس في الآية السالفة فهو أيضا يفسره للمؤمنين :
[أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165]
يطلب منا جل جلاله مراجعة أنفسنا ومتابعة الأسباب لإدراك من أين تأتت المصيبة، ليكتمل الفهم من عيون السنن الإلهية سواء منها القرآنية أو الكونية.
وما كان هذا البيان إلا ليجلي لنا قوانينه: بأنه كما وعد فليست الأمور تجري على ما نشتهيه، ولا ما تستهويه الكفار، وإنما تسير الأمور وفق إرادة ربها لا تحابي أحدا :
{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء : 123].
ونستخلص بأن آيات الكتاب، تتعاضد مع آيات القرآن بفهم شمولي لما يدور في الكون، ليدرك العبد مراد ربه في كونه بضوابط قرآنية، وليلمس جانب ابتلائه بالخير والشر فتنة.
هدانا الله سواء السبيل، وزادنا منه فهما وعلما. وقل رب زدني علما