بينات من الهدى والفرقان

أبو علي

Member
إنضم
04/09/2003
المشاركات
382
مستوى التفاعل
5
النقاط
18
الحمد لله رب العالمين
لله الأسماء الحسنى ، وكل صفات الجمال وصفات الجلال علمها الله للإنسان بأن جعل لها مثلا في الإنسان نفسه ، فلكي نعلم معنى الرحيم فإنه يقتضي أن يوجد في الإنسان هذه الصفة وكذلك الكريم والسميع والعليم ...
وهكذا كل الصفات.
وإذا أردنا أن نفهم صفة من صفات الله فإننا نأخذ أعلاها وأحسنها مثلا عند الإنسان ، فمثلا : إن أعلى مثل للرحمة عند البشر هي رحمة الوالدين ، فهي التي تصلح أن يضرب بها المثل لرحمة الله، ليس على سبيل التشبيه وإنما على سبيل التعظيم ، فرحمة الله أعظم من رحمة الوالدين.
نتناول اليوم صفة (الخلق) فالله تعالى هو الخالق ، وهذه الصفة أوجدها في الإنسان ، والله تعالى هو أحسن الخالقين ، فإن كان الإنسان يخلق فإنه يخلق من مادة موجودة ، والله يخلق من عدم، والله يخلق ويهب الحياة لمخلوقه ، أما غير الله فإنهم إن خلقوا فإنهم يخلقون أشياء جامدة لا روح فيها .
فكيف نفهم قضية خلق الله للإنسان وأي مثل أعلى ندرك به آيات الله المتعلقة باسمه (الخالق)؟
في مثل هذه المسألة فإن القاعدة الحكيمة والطريقة المثلى لقضية الخلق عند الإنسان هي التي يجب أن تتخذ مثلا أعلى لندرك بها آيات الله في الخلق .
ما هي كيفية الخلق عند الإنسان؟
قاعدة الخلق عند الإنسان هي : وجود الغاية أولا ، ثم خلق النظرية ،
ثم تطبيق النظرية واقعيا.
فالذي صنع السيارة وجدت الغاية عنده أولا وهي : نية إيجاد آلة للركوب، فخلق النظرية بأن قام بالتخطيط وعمل الرسم الهندسي للسيارة وبعد ذلك طبق الرسم الهندسي فجاءت السيارة كما أرادها ورسمها هندسيا .
والذي بنى قصرا ، وجدت الغاية أولا ثم شرع في الوسيلة حيث قام برسم المخطط المعماري وعمل مجسما صغيرا للقصر ثم شرع في البناء ليكون القصر بعد إتمام بناءه مطابقا للرسومات وللمجسم.
إذن فهذه هي قاعدة الخلق عند البشر :
1) وجود الغاية.
2) خلق النظرية.
3) تطبيق النظرية.
فهل ندرك بهذا آيات الله في الخلق ؟
نعم .
أما الغاية فهي قوله تعالى : إني جاعل في الأرض خليفة).
وأما النظرية فهو : خلق آدم من تراب ، ثم نفخ الروح فيه ، ثم تعليمه . ثم تكليفه واختباره.
وأما تطبيق النظرية: فإن جميع المراحل التي مر بها آدم عليه السلام( من خلقه إلى اختباره) يجب أن تطبق في كل نفس بشرية ، وتطبق أيضا عبر آفاق الزمن الذي تعيشه البشرية على الأرض . أي أن آدم هو النمودج الذي يجب أن تطبق قصته في حياة كل فرد والحياة الدنيا التي قدرها الله لتاريخ البشر على الأرض يجب أن تكون على نمودج قصة آدم .
وبالفعل كل نفس بشرية تمر بنفس مراحل آدم، فالإنسان خلق من نطفة أصلها وتسلسلها من آدم الذي هو من تراب ، ثم بعد أن يصير جنينا تنفخ فيه الروح كما نفخت في آدم ، ثم بعد ذلك يخرج إلى الوجود أميا فيتعلم كما تعلم آدم (وعلم آدم الأسماء كلها)، وبعد أن يبلغ الإنسان سن الرشد ويكتمل إدراكه فإنه يصبح مكلفا ويجري عليه القلم ليدخل مرحلة الاختبار كما دخلها آدم وحواء ، والشيطان يزين للإنسان حب التملك والبقاء كما زينه لآدم وحواء في جنة الاختبار.
وهذه المراحل نفسها يجب أن تتحق في آفاق تاريخ الحياة البشرية.
أما خلق آدم من تراب فتاريخ البشرية ابتدأ بآدم الذي أهبط إلى الأرض ، وأما المرحلة الثانية التي هي ( ثم نفخ فيه من روحه) فتحققت في عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأما تكريم الله لأدم وسجود الملائكة له حينما نفخ فيه الروح ، فقد كرم الله (الروح) عيسى وأيده بروح القدس وكان وجيها عند الله في الدنيا والآخره ورفعه الله إليه (وفي ذلك رفعة وتشريف) وآتاه البينات.
إذن فالتاريخ البشري من آدم إلى عيسى هو المرحلتين التي مر بها النمودج الأول آدم = خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (بنفخه الروح فيه).
المرحلة التالية التي يجب أن تتحقق في التاريخ البشري هي (وعلم آدم الأسماء كلها) فبعد أن نفخ الله الروح في آدم صار إنسانا حيا إلا أنه أمي لا يعلم شيئا ، فعلم الله آدم إلى أن استوى إدراكه وبين له الله الخير والشر ، والرشد من الغي .
ولقد عرف التاريخ البشري هذه المرحلة التي مازلنا نعيشها إلى زمننا هذا، فآدم الذي صار إنسانا أميا بعدما دبت فيه الحياة بنفخ الروح فيه محتاج إلى التعليم ، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي ضرب مثلا لمرحلة آدم (وعلم آدم الأسماء كلها) التي جاءت بعد مرحلة (ونفخ فيه من روحه) التي ضرب عيسى صلى الله عليه وسلم مثلا لها. وكان أول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى : إقرأ باسم ربك الذي خلق .... علم الإنسان مالم يعلم) .
ومازالت البشرية منذ البعثة النبوية إلى زمننا هذا تعيش مرحلة آدم (مرحلة العلم) = علم الإنسان مالم يعلم)، فإذا بلغت الإنسانية سن الرشد فإن الله سيبين لهم آياته فيدركوا أن الدين الحق هو الإسلام ، ومتى تم ذلك وتبين للناس الرشد من الغي فإن المرحلة التالية هي مرحلة الاختبار، فكما اختبر آدم بعد أن علمه الله وأغواه الشيطان فقال له : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، كذلك سيأتي الدجال ليقول للناس : أنا ربكم فاتبعوني لتكون لكم الحياة الأبدة والملك الذي لا يبلى.
هذا ما أدركناه من آيات في قضية الخلق ، ولقد اهتدينا لها انطلاقا من القاعدة المثلى لقضية الخلق عند البشر ، ولأن الله ما أثبت لعباده صفة (الخلق) ووصفهم ب (الخالقين) إلا لأن قاعدة مسألة الخلق سليمة وهو الذي ألهمهم إياها.
قال تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ألم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الحمد لله رب العالمين.
سبق أن عرفنا في موضوع سابق عن بعض آيات الله في الآفاق وفي الأنفس ، وأتكلم اليوم عن آية أخرى في الأنفس.
قبل أن أدخل في الموضوع تعالوا نتوقف عند قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم).
ما المقصود بالآفاق ؟
الآفاق جمع أفق ويقصد به كل ما تراه العين ، وقد يتسائل أحد فيقول : لماذا يذكر الله الآفاق قبل الأنفس مع أن الأنفس أولى بالذكر أولا لأن المعني بالرؤية هي الأنفس .
فأقول ' مثلا : حينما يستيقظ الإنسان من النوم هل أول ما يقع عليه بصره هو جسمه أو وجهه ؟
كلا ، يفتح عينيه فيرى الأشياء ثم بعد ذلك يذهب ليقف أمام المرآة ليرى وجهه فيها.
إذن فالأولى أن يذكر الله الآفاق أولا ثم يذكر بعدها الأنفس ، ووضع الأبصار الطبيعي يتجه أفقيا ، فالإنسان لم يخلقه الله ليمشي مكبا على وجهه ينظر إلى أسفل ، إذن فمجال الرؤية مجال أفقي .
ولقد آتى الله رسله آيات في الآفاق وفي أنفسهم. لنأخذ مثلا موسى عليه السلام ، أراه الله آية في الآفق أولا وهي :
1) إلقاء العصا فصارت ثعبانا. (آية في الآفق).
2) إدخال اليد في الجيب لتخرج بيضاء (آية في النفس) .

يتبع إن شاء الله.
 
الآية الأخرى التي سنراها في أنفسنا هي ضرب المثل للأمة بالإنسان .
وذلك منطقي وصواب من وجهة نظر الحكمة ، فالحديث الشريف يقول :
‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر‏)‏‏.
ها نحن نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب المثل للأمة بالفرد.
فما هو وجه الشبه بين الإنسان (الفرد) وبين الأمة ؟
الإنسان يولد أميا ليجد ربه قد هيأ له (رحمة) ترعاه وتعتني به وترشده إلى الخير ، تلك الرحمة التي هيأها الله للإنسان هي رحمة الوالدين. وإلى جانب الرحمة جعل الله له وسائل الإدراك ليتلقى بها (العلم) .
إذن فالله وسع كل نفس (رحمة وعلما) ، والرحمة سابقة للعلم ، والإنسان يدرك بالفطرة أن أبويه على الحق ويهديانه سبيل الرشاد،
وحين يبلغ أشده ويستوي يدرك هو بنفسه كم كان والداه رحيمين به وكم كانا على الحق في تربيتهما له . وهكذا بعد أن كان التصديق بصواب تربية الوالدين (غيبا) أدرك ذلك (شهادة) لما بلغ الرشد.
نأتي الآن إلى الأمة :
ولدت أمة الإسلام أمية كما يولد الإنسان أميا ، وكما فطر الله الإنسان على (الرحمة والعلم) كذلك أنزل الله للأمة (الرحمة) = الهدى وأنزل معها العلم ( إقرأ باسم ربك الذي خلق .... علم الإنسان ما لم يعلم). وحينما أضرب المثل لرحمة الله بالإنسان بالهدى الذي أنزله الله للأمة فهو مثل حكيم ، فلو عدت إلى المصحف لوجدت كلمة (الرحمة) ذكرت 79 مرة وكلمة (الهدى) ذكرت 79 مرة أيضا.
وكما يبلغ الإنسان سن الرشد فينتقل من الغيب إلى الشهادة ، كذلك فإن الأمة ستبلغ أشدها فيؤتيها الله حكما وعلما فيأتيها التأويل والبيان فييرتقي الإيمان من الغيب إلى الشهادة .

يتبع إن شاء الله.
 
الحمد لله رب العالمين

خلق الله الزمن وجعل لكل شيء وحدة قياس نسبية ، وحدة قياس الزمن بالنسبة للإنسان هي (الحول) ، والحول هو أن يتم الزمن دورته ليعود إلى حيث بدأ ، فالحول عند الإنسان هو السنة= 365 يوما وربع يوم.
لنأخذ شيئا آخر لنرى ما هي وحدة قياس زمنه.
لنأخذ النور كمثل :
كيف نعرف وحدة قياس الزمن بالنسبة للنور؟ فالنور ليس جسما بذاته وإنما يتولد من انعكاس الضوء على جسم آخر ، وما يعكسه هذا الآخير هو الذي نسميه نورا.
إذن فإذا أردنا أن نعرف الوحدة الزمنية لقياس النور فعلينا أن نأخذه من مصدره الذي هو (القمر) ، قال تعالى : هو الذي جعل القمر نورا).
فما هو الحول بالنسبة لنور القمر؟
الحول بالنسبة للنور هو (اليوم) ، فالنور يبلغ الكمال على القمر في الليلة الخامسة عشر (15).
والإنسان يبلغ الحلم في السنة الخامسة عشر (15).
وبما أن الأمة ضربها الله مثلا للإنسان فإنه ينبغي أن تبلغ الأمة أشدها في زمن يواطئ نسبيا عدته عند الإنسان.
وحيث أن الله وصف الهدى بالنور ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) فإن الهدى يجب أن تنطبق عليه كل صفات الموصوف به (النور)،
حتى النسبة الزمنية ينبغي أن تكون عدتها متساوية نسبيا.
فما هي وحدة القياس التي يقيس بها الله أعمار الأمم؟
إنها ( القرن).
إقرأ إن شئت كلمة (قرن) و (قرون) في القرآن تجدها كناية عن (أمة) و (أمم).
قال تعالى :
أو لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض) .
وكم أهلكنا من قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا).
ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا).
وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح).
إذن بما أن الإنسان يبلغ رشده في عامه الخامس عشر (15) ، والنور يبلغ الكمال على القمر في الليلة الخامسة عشر (15)،فإن الأمة تبلغ
أشدها في قرنها الخامس عشر (15) حيث يتم الله نوره (الهدى) على الأمة فيؤتيها حكما وعلما تعلم به تأويل الكتاب فيستيقن الناس جميعا أنه الحق.
هذا ما اهتدينا إليه فإن كانت حكمة فلا بد أن نجد تصديقا لها في الكتاب الحكيم .
كيف نجد في الكتاب ما يثب صحة ما قلته ؟
بما أننا نتكلم عن ضرب الله المثل للأمة بالإنسان فمن هو الإنسان الذي تقتضي الحكمة أن يضرب الله به مثلا لأمة الإسلام ؟
إذا كان الله قد ضرب المثل للإنسان بمحمد صلى الله عليه وسلم فإن أحق إنسان بضرب المثل للأمة هو إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم، فملة الإسلام منسوبة إليه (ملة إبراهيم) ، وهو الذي سمانا بالمسلمين،
وهو الذي قال الله عنه : (إن إبراهيم كان أمة).
إذن فإن كان رجل يضرب مثلا للأمة فإبراهيم أولى وأحق أن يكون ذلك الرجل .

وبالرجوع إلى كتاب الله نجد أن إسم إبراهيم ورد في القرآن في سورة البقرة 15 مرة كتب بالرسم التالي : (إبر'هم) بدون ياء، وبعد ذلك
جاء ذكر إبراهيم في باقي سور القرآن بالرسم التالي : (إبراهيم) بزيادة الياء.
وآخر مرة ذكر إسم إبراهيم في سورة البقرة (بدون ياء = إبر'هم) كانت تلك هي المرة الخامسة عشرة (15) في قوله تعالى : وإذ قال إبر'هم رب أرني كيف تحيي الموتى.... إلى أن ختمت الآية بقوله تعالى : واعلم أن الله عزيز حكيم).
وإحياء الموتى هي أعظم الآيات الحسية التي تدرك بالأبصار ، وآيات الإسلام هي أعظم الآيات الحكيمة التي تدرك بالبصائر.
إبراهيم عليه السلام طلب أن يريه الله كيفية إحياء الموتى ليس لأنه عنده شك ، هو يعلم علم اليقين أن الله يفعل ذلك وإنما أراد رؤية الكيفية لتتحقق (حق اليقين) بعد أن كانت (علم يقين)، فحقق الله له ذلك وعلم حق اليقين أن الله عزيز حكيم.
كذلك نحن أمة الإسلام نؤمن ونعلم أنه تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، والله تعالى يرينا (كيف )أن الكتاب تنزيل من الله العزيز الحكيم. وإنها لرؤية ملكوت الله كما أراها الله لإبراهيم عليه السلام ليكون من الموقنين (حق اليقين).
وإذا بلغ الإنسان سن الرشد في عامه 15 فإنه ينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة كذلك كانت الآية 260 من سورة البقرة
هي المرة الخامسة عشرة والأخيرة التي يذكر فيها إسم إبراهيم (بدون ياء = إبر'هم)، بعد ذلك أصبح إسم إبراهيم في باقي سور القرآن : إبراهيم (بياء بعد الهاء).
سنرى إن شاء الله آيات أخرى ، وذلك ببركة قوله تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.

يتبع إن شاء الله متى سمح الوقت بذلك.
 
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

علمنا أن الله سبحانه وتعالى ضرب الأنبياء أمثالا ، فماذا عن قصص القرآن؟
ما هي القصة التي تستحق أن تضرب مثلا للكتاب العزيز وتأويله؟
باستطلاع كل قصص القرآن نجد أن أحسن قصة تستحق أن يضربها الله مثلا بما أوحاه الله إلى رسوله عليه الصلاة والسلام هي قصة يوسف.
فقبل أن يقص الله علينا القصة نبهنا بقوله :الر تلك آيات الكتاب المبين ، والكتاب المبين هو القرآن الذي جعله الله عربيا، وبما أن الله نبهنا بأداة الإشارة (تلك) فعلينا ألا نستقبل ما يأتي من كلام لله بعد ذلك على أنها قصة إخبارية فقط وإنما علينا أن نتابعها بعقل متدبر (لعلكم تعقلون).
قال بعد ذلك : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).
هذا هو المثل المضروب (أحسن القصص ) ، بماذا ضربه الله ؟
الجواب : (بما أوحينا إليك هذا القرآن).
قصة يوسف هي أحسن ما يمكن ضربه من الأمثال لقضية الوحي القرآني وتأويله.
وحق أن يضرب الله المثل الأحسن بالأحسن ، فالقرآن هو أحسن الحديث يجب أن يضرب له المثل بأحسن القصص.
والقصة يقدر حسنها بمدى تأثيرها العاطفي على السامع ، وأنت حين تستمع إلى قصة يوسف عليه السلام مع إخوته وأبيه تدمع عيناك.
ما هي الحكمة التي في سورة يوسف والتي ضربها الله مثلا للقرآن؟
إنها (التأويل).
ابتدأت قصته برؤيا فسر أبوه جزءا منها على أنها تعني أن الله سيعلمه من تأويل الأحاديث وسكت عن المعنى الآخر للرؤيا إلى أن يتحقق
واقعا.
والمراد بتأويل الأحاديث هو تعبير الرؤى ، والرؤيا وحي من الله يضرب فيها للرائي أمثالا من الحكمة لا يفقه تعبيرها إلا من علمه الله التأويل.
ثم بعدما بلغ يوسف أشده آتاه الله حكما وعلما وبفضل ذلك بدأ يعبر للناس الرؤى فتتحقق كما عبرها (تصديقا لقول أبيه (ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك).
وبفضل ما أنعم الله عليه من علم مكن الله ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .
وحقق له الله الجزء المتبقي من تعبير رؤياه في صباه بسجود أبويه وإخوته له فقال : ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا).
هذه هي الخلاصة التي ضربها الله مثلا للقرآن.
ضربت الرؤيا مثلا للوحي القرآني ، فالرؤيا وحي حكيم من الله ، وكذلك القرآن كتاب حكيم.
وكما ابتدأت قصة يوسف برؤيا لم يأت تأويلها واقعا في حينها وإنما بعد أن بلغ يوسف أشده وآتاه الله حكما وعلما عندئذ فتح الله عليه وابتدأ يرى آيات الله في الآفاق برؤيته لرؤى الناس تحقق كما يؤولها، وأراه الله الآيات في نفسه حيث تحققت رؤياه بسجود أبويه وإخوته له.

كذلك أمة الإسلام آتاها الله الكتاب الحكيم وحينما تبلغ أشدها يؤتيها الله حكما وعلما فتعلم تأويله ويتبين الكتاب للناس ويروا آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم فيعلموا حق اليقين أنه الحق من ربهم.
ويمكن الله لأمة القرآن في الأرض كما مكن ليوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام

يتبع إن شاء الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : يأأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) الصف 11.
لقد ضرب الله المثل لقضية الهدى بالتجارة، فكل عمل مقابل أجر هو تجارة ، والعمل هناهو : تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. والأجر هو : الجزاء على ذلك بالجنة ورضوان من الله.
وحق أن يضرب الله المثل للهدى بالتجارة وذلك لأن استبقاء حياة الإنسان يعتمد على الرزق، فهو مجبر على مزاولة أية تجارة لكسب الرزق.
إذن فما من إنسان إلا وله عمل مقابل أجر لتحصيل رزقه، وكل مهنة يمارسهاالإنسان تعتبر تجارة، فالطب تجارة ، والهندسة تجارة، والخراطة تجارة ... وهكذا كل مهنة يحصل بها الإنسان على أجر هي تجارة.
وبما أن الله تعالى ضرب التجارة مثلا للهدى فإننا نرى المعنى محققا في طريقة ترتيب سور القرآن الكريم.
قبل الحديث عن القرآن تعالوا لنرى ماهي المراحل التي يمر بها أي إنسان لمزاولة مهنته.
كل ذي مهنة يمر بالمراحل التالية :
1) (النية) الإرادة والإختيار : اختار أن يصبح طبيبا أو أن يصبح مهندسا، والاختيار يتم بإرادة عن حب لما اختاره مع تمني تحقيقه.
2) (الوسيلة)التأهيل : وهو السعي إلى تعلم المهنة.
3)( بلوغ الغاية) والتكليف : وهو يأتي بعد إتمام التأهيل وذلك بنيل شهادة تأهيله ليصبح أهلا للتكليف بممارسة مهنته.
مثلا :
المهندس قبل أن يصبح مهندسا كانت أمنيته أن يصبح مهندسا، فسعى إلى ذلك بدخوله كلية الهندسة، فتعلم كل علوم الهندسة ونال شهادة التأهيل التي بها أصبح قادرا على التكليف بممارسة مهنته.
تعالوا نرى تطبيق هذه القضية في القرآن.
1) فاتحة الكتاب تعبر عن اختيار وتمني الهدى مثلما يختار أي إنسان أية تجارة (مهنة) ويتمنى تحقيقها.
2) سورة البقرة تعبر عن مرحلة التأهيل. والتأهيل يتم بتعلم علوم كل ما تتطلبه المهنة، كذلك فإن سورة البقرة تعتبر سورة الهدى ، فيها علم كل شيء يتعلق بالإيمان والتقوى الذي يؤهل طالبه لأن يصبح مؤمنا، بينت أركان الإسلام وكل الفرائض ، وبينت ما يجب اجتنابه، وفيها قصة خلق آدم النموذج الأول للإنسان...
إذن فسورة البقرة تعبر عن فترة التأهيل ، وبعد إتمام التأهيل ينال الإنسان شهادة بذلك ليكلف بمهمته.
أما الشهادة فهي قوله تعالى : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
وأما التكليف بعد نيل شهادة التأهيل فهو قوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ... إلى آخر السورة.
بقي علينا أن نلتفت إلى شيء آخر يتطلبه كمال الحكمة ألا هو الاستشهاد بمثل واقعي لطمأنة من يقع عليه الأمر.
مثلا :
إذا نصحت صديقا لي بأن يسلك طريقا للنجاح في مهمة ما فإنه يحتاج إلى دليل مقنع تطمئن به نفسه، والدليل المقنع هو الاستشهاد بشخص سلك نفس الطريق فنجح.
والله تعالى يدلنا على تجارة تنجينا من عذاب أليم. فمن هو الإنسان الذي يستحق أن يضرب الله به المثل للتاجر الناجح في هذه التجارة؟
التجارة التي يدلناالله عليها هي اتباع الهدى ، فمن هو المهدي الذي وفى فاستحق أن يقتدي به المؤمنون بمن فيهم الأنبياء والرسل الذين جاؤوا من بعده؟
إنه هو ذلك النبي الذي أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام باتباع ملته : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا). وكذلك الأمر لكل المؤمنين : قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا).
إذن فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو المهدي الذي يجب أن يضرب به المثل في القرآن لهدى الإنسان ولهدى الأمة.
فإذا كان الإنسان يستغرق زمنا قدره 15 سنة ليتأهل للتكليف فإن اسم إبراهيم ورد في سورة البقرة 15 مرة. وبما أن مرحلة طفولة الإنسان 15 سنة ينتقل بعدها إلى مرحلة الرجولة فإن اسم إبراهيم ورد فقط في سورة البقرة بالرسم الآتي : (إبراهم) بدون ياء.
وأي صاحب مهنة لا يحمل اسم مهنته إلا بعد تأهله : الذي يدرس الطب يقال له (طالب طب ) ، وبعد تأهله يصبح (طبيب) ، كذلك أصبح اسم (إبراهم) بعد سورة البقرة (إبراهيم) بزيادة ياء بعد الهاء.
وإبراهيم عليه السلام وصفه الله بأنه أمة (إن إبراهيم كان أمة) ، فهو أحق أن يضرب مثلا لأمة الإسلام، وإذا كانت وحدة قياس عمر الإنسان هي السنة فإن وحدة قياس عمر الأمة هي القرن ، فإذا كانت الوسيلة (التأهيل) تستغرق 15 سنة عند الإنسان لتتحقق الغاية (التكليف) فإن الوسيلة بالنسبة للأمة تستغرق 15 قرنا لتتحقق الغاية ويظهر الله الهدى ودين الحق على الدين كله.

الهدى هو القرآن ، وأول ما أنزل منه هو قوله تعالى : إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم.
والغاية هي النصر بإظهار الهدى ودين الحق ، وآخر ما نزل من القرآن هي سورة النصر : إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ).

ومن تمام الحكمة أن تكون سورة النصر (آخر سورة أنزلت) هي السورة الخامسة عشر ترتيبا في المصحف عند بدء العد من(أول ما أنزل) من سورة العلق إلى سورة النصر.
كما أن سورة النمل التي تبشر المؤمنين بالهدى والبشرى لا تعني المؤمنين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معاصرين لتنزيل الهدى ، وليس معنى قول الله تبارك وتعالى في نفس السورة : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أنه سيريكم يا أيها المؤمنين أصحاب رسول الله، وإنما سيريهم آياته فيعرفونها بعد 15 قرن ، ونلاحظ أن سورة فصلت التي فصل الله فيها تلك الآيات بأنها في الآفاق وفي الأنفس في قوله: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) هي السورة الخامسة العشر ترتيبا في المصحف إذا بدأت العد من سورة النمل ، إذن فما بين (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها...(النمل) إلى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ...(فصلت) 15 سورة : أولها سورة النمل والسورة الخامسة عشر هي سورة فصلت.
وسبحان الله الذي يقول : فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ).
 
السلام عليكم ، وكل عام وأنتم بخير.
أخي عبد القادر ، سررت بحضورك.

أتابع معكم الموضوع .

الحمد لله العزيز الحكيم

نتكلم اليوم عن الإيمان بالغيب والإيمان بالشهادة.
كيف نقيم مستوى إدراك المؤمن بالغيب ومستوى إدراك المؤمن بالشهادة؟
مثلا :
تلميذ يعلم نتيجة معادلة رياضية ولا يعلم طريقة الحل التي أعطت تلك النتيجة. هو اعتبر النتيجة صحيحة لأن أستاذه هو الذي قال ذلك.
وتلميذ أخر يعلم النتيجة وتوصل إلى معرفة طريقة الحل التي أعطت تلك النتيجة فأصبح موقنا بالدليل أنه على الحق.
فأي التلميذين أحق أن يوصف بأنه على الهدى وعلى يقين؟
لا شك أن التلميذين على هدى ، لكن التلميذ الثاني هو الأحق أن يوصف بأنه على الهدى إذا قورن بالتلميذ الأول،لأن إدراكه للنتيجة كان (بالشهادة) بوجود الدليل اليقيني : (
علمه كيفية الحل) بعكس التلميذ الأول الذي كان إدراكه للنتيجة (بالغيب) غياب الدليل اليقيني.
كذلك القرآن لا يطلق صفة اليقين إلا بحقها الذي هو الإدراك بالشهادة(الرؤية بالأبصار والبصائر) .
قال تعالى : وكذلك (نري) إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من (الموقنين).
فهل كان إبراهيم عليه السلام على غير اليقين قبل أن يريه الله ملكوت السموات والأرض؟
بلى، كان مؤمنا بالغيب ، بفطرته وتفكره أدرك أن للكون ربا ، ثم بعد ذلك (أراه) الله ملكوت السموات والأرض فأصبح من الموقنين حق اليقين.
ولما بشر الله المؤمنين بالهدى في سورة النمل وأثبت لهم اليقين في قوله (وهم بالآخرة هم يوقنون) فكان من الحكمة أن يذكر لنا حقيقة يقينهم ، فقال الله في آخر آية من سورة النمل : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

إذن فالمؤمن بالشهادة (رؤية الآيات) هو الأحق أن يوصف ب (الموقن).

كانت هذه مقدمة تفيدنا في تفسير الآية 3 و 4 و 5 من سورة البقرة.
بين الله لنا أن الكتاب هدى للمتقين ، وهم صنفان :
1) الصنف الأول : الذين يؤمنون (بالغيب) ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).
2) الصنف الثاني : والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون).
ما الفرق الإيماني بين هؤلاء وأولائك ؟
هل يتميز الصنف الثاني من المؤمنين عن الصنف الأول بأنهم يؤمنون بما أنزل على الرسول وما أنزل من قبله وأن الصنف الأول لا يشتركون معهم في هذا الإيمان !!؟
كلا فالكل يؤمن بما أنزل على الرسول وما أنزل من قبله، وإنما يتميز إيمان هؤلاء بأن إيمانهم إيمان (شهادة) بدليل قوله تعالى
(وهم بالآخرة يوقنون). أما الصنف الأول من المؤمنين فإن إيمانهم إيمان بالغيب فقط .
كلا الصنفين من المؤمنين أثبت الله لهم الهدى بقوله تعالى بعد ذلك : أولائك على هدى من ربهم ، حقا إنهم كلهم على هدى من ربهم ، فمن الأولى أن يوصفوا ب (أولائك على هدى من ربهم)؟
إنهم أولائك (الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) ، فإيمانهم إيمان (بالشهادة) ، وكل مؤمن بالشهادة فهو مؤمن بالغيب من باب أولى.هؤلاء هم المهديون حقا.
أما الذين ثبت لهم الإيمان بالغيب فقط فهم مهديون (بدون أل التعريف) مقارنة مع بالمؤمنين (بالشهادة).

إذن يوجد احتباك في الآيتين الثالثة والرابعة من سورة البقرة
حذف من الآية الرابعة (بالشهادة) وهي مقابلة ل (بالغيب) في الأولى كما أن القرينة (يوقنون) تغني عن ذكر (الشهادة).

كيف يكون الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وماأنزل من قبله إيمان شهادة ؟!!
يستحيل أن يكون الإيمان بالشهادة معناه (رؤيا الأبصار) لأن الرسالات
جاءت في الماضي ، فإن كان إيمان بالشهادة يتحقق بعد نزول القرآن فإنما هو إدراك بالبصائر وليس بالأبصار.
 
عودة
أعلى