بيت العنكبوت : نقد شبهة منع الرسول للصحابة من تدوين كلامه

إنضم
26/10/2018
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المغرب
أول ما بدأ به أيلال رشيد كتابه ، فصل عنونه ب" أفة تدوين الحديث " و العنوان يغني وحده عن مناقشة محتويات الفصل ، فالمناوئ افتتح كتابه ( الأسطورة )[1] طاعنا في السنة و حديث النبي الكريم معتبرا تدوين الحديث أفة !! و كما يقال " أول القصيدة كفر " !. و تحت هذا العنوان الخطير سطر مبحثا عنونه ب " منع الرسول للصحابة من تدوين كلامه " .
قال : " لا يمكن أن نناقش كتاب الجامع الصحيح قبل أن نقف جميعا من خلال هذا الفصل على ظروف تدوين الحديث بشكل عام، ونشأة ما أطلق عليه من بعد «علم» الحديث، حيث يظن عوام الناس أن الحديث وحي كان مرادفا للقرآن من حيث النزول، وأن الرسول أمر بتدوينه إلى جانب القرآن ،غير أن الحقيقة غير ذلك، فقد حكى العديد من رواة الحديث أنفسهم منع رسول الله صحابته الكرام من تدوين كلامه، ونحن بعجالة سنورد بعض الأحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة، والتي تمنع تدوين الأحاديث، كما سنورد بعض الآثار عن صحابته الكرام والخلفاء الراشدين من بعده، تبرز كيف حافظوا على طاعة أمره صلى الله عليه وآله وسلم في منع كتابة الحديث."[2]
و لنا على هذا الكلام وقفات :
[h=2]-الوقفة الأولى :[/h]لم يأت الكاتب بأي طرح جديد ، فإثارة مسألة تدوين السنة و كتابتها هي سبيل كل طاعن في حجية السنة النبوية ، منذ عهد النظام المعتزلي و ابن الراوندي الملحد ، مرورا بالمستشرقين وأذنابهم من بني جلدتنا ، لكأبي رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " ، و زكريا أوزون و جمال البنا و طائفة القرآنيين الجدد ، و كلهم لم يزيدوا أنْ أعادوا ترديد هذه الشُبُهات القديمة بعد تقديمها في زي جديد تحت مسمى البحث العلمي و نقد النص الديني و تنقيته من الخرافات و الأساطير المصادمة للعقل -كما زعموا - ! . و الهدف واحد : " هدم مفهوم الإسلام الصحيح الجامع المترابط من القرآن والسُنَّة: بين النص القرآني المُنَزَّلِ، وبين السُنَّة التي يتمثل فيهاالتطبيق العملي من حيث عمل الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبيانه، وتفصيل لما أجمل، وتوضيح ما بَلَّغَ أو تقييد لمطلق، أو تخصيص لعام: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} " [3]
فإذا كان الرسول الكريم قد منع الصحابة من كتابة حديثه ، فإنه بذلك نفى عن أقواله و أفعاله صبغة التشريع – على حد زعم المناوئ – و بالتالي تصبح مرويات سنته " نصوص تاريخية "[4] ، و موروث ثقافي ، لا ينبغي الإحتكام اليه في أمور العبادة أو التشريع .كما صرح أيلال في كتابه الأسطورة !
و ليعلم أن رفض الإحتجاج بالحديث بحجة عدم تدوينه منهج قديم لأهل الأهواء ، فقد ذكر عثمان بن سعيد الدارمي أن بشر المريسي الجهمي ، و من معه احتجوا عليه بأن السنة لم تكتب ، فقام إمام السنة الدارمي مبطلا لكلامهم و ناسفا لشبهاتهم .
قال رحمه الله : " واحتججت أيضا في رد آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويت عن أبي يوسف ، أنها رأس الآثار و ألزمها للناس بكذا ادعيته ، زعمت أنه صح عندك أنه لم تكتب الآثار ، و أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم و الخلفاء بعده الى أن قتل عثمان رضي الله عنه ، فكثرت الأحاديث و كثر الطعن على من رواها . فيقال لهذا المعارض : دعواك هذه كذب ، لا يشوبه شيء من الصدق ، فمن أين صح عندك أن الأحاديث لم تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و الخلفاء بعده الى أن قتل عثمان ؟ و من أنبأك بهذا ؟ فهلم إسناده ، و إلا فإنك من المسرفين على نفسك ، القائلين فيما لا يعلم ، فقد صح عندنا أنها كتبت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و الخلفاء بعده ."
[h=2]-الوقفة الثانية :[/h]قال : " ونحن بعجالة سنورد بعض الأحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة، والتي تمنع تدوين الأحاديث، كما سنورد بعض الآثار عن صحابته الكرام والخلفاء الراشدين من بعده، تبرز كيف حافظوا على طاعة أمره صلى الله عليه وآله وسلم في منع كتابة الحديث. فقد روى أحمد و مسلم و الترمذي و النسائي و الدارمي " شيخ البخاري " من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال : لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن و من كتب عني غير القرآن فليمحه ".وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: "جهدنا بالنبي سلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى" 2298/4 كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله سلى الله عليه وسلم به. وأخرج الدارمي عن أبي سعيد الخدري بأنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم ياأذن لهم.وقد صار الخلفاء الراسدون على نفس النهج في عدم كتابة الحديث " [5]
و ليسمح لي القارئ الكريم في نقل بعض كلام الامام الدارمي ففيه نسف لهذه الشبهات التي أعاد إثارتها المناوئ .
قال الإمام الدارمي رحمه الله : " باب : الحث على طلب الحديث والرد على من زعم أنه لم يكتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الحديث والذب عن أصحاب النبي وأصحاب الحديث وأهل السنة وفضلهم على غيرهم ، وادعى المعارض عن أبي يوسف قوله : إن الأثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين . ثم أنشأ طاعنا على الآثار. وروي عن أبي يوسف الآثار تصد الناس عن طلبها وتزهدهم فيها بتأويل ضلال يرى من بين ظهريه أنه فيما يدعي من ذلك مصيب.
فكان مما تأول في ردها أن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيفشو الحديث عني، فما وافق منها القرآن فهو عني ، وما خالفه فليس عني ".
فيقال لهذا المعارض : لقد تأولت حديث رسول الله صلى الله على خلاف ما أراد، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيفشو الحديث عني " على معنى أنه يتداوله الحفاظ من الناس والصادق ، والكاذب ، والمتقن ، والمغفل ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قد تبين ما قال في الروايات ، ولذلك ينتقدها أهل المعرفة بها ، فيستعملون فيها رواية الحفاظ المتقنين ، ويدفعون رواية الغفلاء الناسين ، ويزيفون منها ما روى الكذابون . وليس إلى كل أحد الاختيار منها ، ولا كل الناس يقدر أن يعرضها على القرآن ، فيعرف ما وافقه منها مما خالفه ، إنما ذلك إلى الفقهاء ، العلماء الجهابذة النقاد لها العارفين بطرقها ومخارجها ، خلاف المريسي واللؤلؤي والثلجي ونظرائهم المنسلخين منها ، ومن معرفتها ، ومما يصدقها من كتاب الله تعالى فقد أخذنا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نقبل منها إلا ما روى الفقهاء الحفاظ المتقنون ، مثل : معمر ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، وزهير بن معاوية ، وزائدة ، وشريك ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وابن المبارك ، ووكيع ، ونظرائهم الذين اشتهروا بروايتها ومعرفتها والتفقه فيها خلاف تفقه المريسي وأصحابه ، فما تداول هؤلاء الأئمة ونظراؤهم على القبول قبلنا ، وما ردوه رددناه ، وما لم يستعملوه تركناه ، لأنهم كانوا أهل العلم والمعرفة بتأويل القرآن ومعانيه ، وأبصر بما وافقه منها مما خالفه من المريسي وأصحابه ، فاعتمدنا على رواياتهم ، وقبلنا ما قبلوا ، وزيفنا منها ما روى الجاهلون من أئمة هذا المعارض ، مثل المريسي والثلجي ونظرائهم ، فأخذنا نحن بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثك الذي رويته عن ، وتركته أنت لأنك احتججت في رد ما روى هؤلاء الأعلام المشهورون ، العالمون ما وافق منها كتاب الله مما خالفه ، بأقاويل هؤلاء الجهلة المغمورين والشاهد عليك بما أقول كتابك هذا الذي ألفته على نفسك لا على غيرك .
واحتججت أيضا في رد آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويت عن أبي يوسف أنها رأس الآثار وألزمها للناس بكذا ادعيته ، زعمت أنه صح عندك أنه لم تكتب الآثار ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه ، فكثرت الأحاديث وكثر الطعن على من رواها .
فيقال لهذا المعارض : دعواك هذه كذب ، لا يشوبه شيء من الصدق ، فمن أين صح عندك أن الأحاديث لم تكن تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى أن قتل عثمان ؟ ومن أنبأك بهذا ؟ فهلم إسناده ، وإلا فإنك من المسرفين على نفسك ، القائلين فيما لا يعلم .
فقد صح عندنا أنها كتبت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ، كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه منها صحيفة ، وهو أحد الخلفاء من رسول الله فقرنها بسيفه ، فيها أمر الجراحات وأسنان الإبل ، وفيها " المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ، وإذا فيها " المؤمنون تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " ، وإذا فيها " لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده " رواه الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي . هذا إسناد جيد قد جئناك به في خلاف دعواك ، فعمن رويت الحديث الذي ادعيت أنه صح عندك ؟ فأظهره حتى نعرفه كما عرفنا هذا .
حدثنا الحماني ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن سوقه، عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال: جاءت سعاة عثمان إلى علي يشكونه ، فقال لي: خذ هذه الصحيفة فإن فيها سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذهب بها إلى عثمان ، قال : فذهبت بها إلى عثمان فقال : لا حاجة لنا فيها ، وأتيت بها عليا وأخبرته فقال : " ضعها مكانها ".
فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء صح عندنا أنه كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث بها إلى عثمان رضي الله عنه قبل أن يقتل عثمان . فمن أين صح عندك أيها المعارض أنه لم يكتب الحديث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والخلفاء بعده حتى قتل عثمان فأسنده كما أسندنا لك وإلا فلم تدعي ما لا تعقله ولا تفهمه ؟ فيسمع به منك سامع من الجهال يحسب أنك مصيب في دعواك. وأنت فيها مبطل .
وإنما قال عثمان : " لا حاجة لنا في الصحيفة " على معنى أنا نحسنها ونعرف منها ما في الصحيفة . ثم كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو ، فأكثر ، واستأذنه في الكتاب عنه فأذن له .
حدثنا علي بن المديني ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: " ما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب وأنا كنت لا أكتب " .
حدثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن سلمان عن عقيل عن المغيرة بن الحكم قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : " لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه إلا عبد الله بن عمرو ، فإنه يكتب ، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب ، فكان يكتب بيده ، ويعي بقلبه ، وكنت أنا أعي بقلبي ".
وكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتاب الصدقات عن النبي صلى الله عليه وسلم . حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة قال: " أخذت عن ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بعثه مصدقا، وكتب له : بسم الله الرحمن الرحيم هذا فريضة الصدقة.. وساق أبو سلمة الحديث بطولة ".
حدثنا عبد الله بن صالح عن ليث بن سعد عن يونس عن ابن شهاب في الصدقات نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي عند آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أقرأنيها سالم بن عبد الله فوعيتها على وجهها ... وساقه أبو صالح بطوله .
حدثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ".
حدثنا نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر، عن عبد الله ابن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم: في خمس من الإبل شاة ... وساق نعيم الحديث بطوله.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده: أبو بكر وعمر، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم ، قد صح أنه كتبت الأحاديث والآثار في عصرهم وزمانهم ، قد أسندنا لك أيها المعارض إليهم ، فمن أين صح عندك ما ادعيت : أنها لم تكتب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ، حتى قتل عثمان فكثرت الأحاديث بعده وكثر الطعن على رواتها، ومن طعن على الثقات من رواة الأحاديث عند مقتل عثمان ؟.
وأما أهل الظنة والغفلة فيها فلم يزالوا مطعونا عليهم ، ليس منهم أبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، ومعاوية بن أبي سفيان ونظرائهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم أجمعين أنهم هم المطعونون عليهم فيها ."[6]

[h=2]-الوقفة الثالثة :[/h]قوله : " سنورد بعض الأحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة " . و ساق بعض الأحاديث و الأثار ناقلا عن أبي رية من غير إحالة ! ، و لم يكلف نفسه النظر في تعقبات العلامة المعلمي على ما أورده أبو رية .
[h=3]حديث أبي سعيد الخدري :[/h]حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم ، قد تكلم بعض كبار المحدثين من جهة رفعه الى الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال ابن حجر : " منهم من أعل حديث أبي سعيد و قال الصواب وقفه على أبي سعيد ، قاله البخاري و غيره ."[7]، فلم يلبس على الناس بأنه حديث صحيح عند المحدثين ، و كأنه لا يوجد فيه نقاش هل هو قول أبي سعيد نفسه ، أم هو مرفوع ؟ و يلبس على الناس بعدم ذكر الأحاديث الأكثر و الأقوى في كتابة الحديث و الإذن بها ، ففي صحيح البخاري : " باب كتابة العلم ، و فيه حديث صحيفة علي و كان فيها العقل ، و فكاك الأسير ، و أن لا يقتل مسلم بكافر ، و قد كان عبد الله بن عمرو يكتب الحديث ، و فيه الإذن بالكتابة من النبي صلى الله عليه وسلم . فمدار المنع على حديث أبي سعيد الخدري ، و لو سلم أنه يعارض غيره ، فغيره أوثق ، و أصح ، و أكثر ، و لو أراد أن ينسب الوهم لمن وراء أبي سعيد ، لكان أقرب من نسبته الى الرواة الآخرين ، و لو كان يريد أن ينسب الوهم فيه لأبي سعيد لكان أقرب من نسبة الوهم الى غيره من الصحابة ! فهو فرد و غيره أكثر منه ، فكيف إن أمكن الجمع بين الروايات و عدم ضربها ببعضها ؟[8]
قال المعلمي : ليس في النهي غير حديثين أحدهما متفق على ضعفه و هو المروي عن زيد بن ثابت ، و الثاني مختلف في صحته و هو حديث أبي سعيد ، فأما أحاديث الإذن فلو لم يكن إلا حديث أبي هريرة في الإذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي .[9]
و لكن الرجل لا يعبأ بالحديث أصلا ، فيقول :" لا يمكننا بأي حال من الأحوال اعتبار خرافة الحديث علما ، لأنها لا تملك من العلم شيئا ، و منهجها منهج أهواء ، و أسلوبها انتقائي مزاجي ، يخضع لأقوال الرجال "[10]. و لكنه عندما يظنها توافق هواه يصيح قائلا : " تدل دلالة قطعية على منع الرسول لأصحابه من تدوين كلامه "[11] . ثم لما تجيء النصوص بما يخالف هواه يصيح :" لمن يقدس الصحابة ما عليه إلا قراءة القرآن ... يمكنك أيها المقدس المقلد أن ترجع إلى الأحاديث التي تسميها صحيحة لتقف على رأي الصحابة في بعضهم [12]".
فهو لا يعبأ بالصحابة ، و لا يسلم بصحة الأحاديث ، فعلام إذا صار حديث أبي سعيد حجرا أساسيا في طرحه ، لدرجة أنه قطعي الدلالة ؟!
[h=3]الأثر عن ابي بكر :[/h] قال المناوئ : " وقد صار الخلفاء الراشدون على نفس النهج في عدم كتابة الحديث، حيث ورد في تذكرة الحفاظ للذهبي "من مراسيل ابن أبي مليكة" أن أبا بكر الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ،والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله» )تذكرة الحفّاظ 1: 2 3، حجّيّة السنّة: 394."[13]
أولا : لو رجع أيلال الى التذكرة لوجد الامام الذهبي يقول بعد ايراده لهذا الأثر : فهذا المرسل يدلك أن مراد الصديق التثبت في الأخبار و التحري لا سد باب الرواية ، ألا تراه لما نزل به أمر الجدة و لم يجده في الكتاب كيف سأل عنه في السنة فلما أخبره الثقة ما اكتفى حتى استظهر بثقة آخر و لم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج .[14]
ثانيا : قد أجاب العلامة المعلمي على نفس الأثر قائلا : ذكر الذهبي هذا الخبر - ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مليلكة، وبين الذهبي أنه مرسل أي منقطع، لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة، إذ لايدرى ممن سمعه، ومع ذلك قال الذهبي «مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحرى، لا سد باب الرواية ... ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج» .
أقول: المتواتر عن أبي بكر رضي الله عنه، أنه كان يدين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، وأخذ بحديث «لا نورث» مع مايتراءى من مخالفته لظاهرالقرآن، وأحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في دواوين الإسلام .
ذكر ابو رية أن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب.. . فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك. زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقى حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر [SUP]))[/SUP].
أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقاً لما كتب أبو بكر. فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت. لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على تذكرة الحفاظ للذهبي وجمع الجوامع للسيوطي ولم يذكر طعنهما فيه، ففي التذكرة عقبه [SUP](([/SUP] فهذا لا يصح [SUP]))[/SUP].
وفي كنز العمال (237:5) – وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية-: [SUP](([/SUP] قال ابن كثير هذا غريب من هذا الوجه جداً،. وعلي بن صالح أحد رجال سنده لا يعرف [SUP])[/SUP]
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر. ثم وجهه ابن كثير على فرض صحته.
[h=3]الأثر عن عمر بن الخطاب[/h] قال أيلال : " وفي رواية عن طريق مالك بن أنس أن عمر قال عندما عدل عن كتابة السنة : " لا كتاب مع كتاب الله".
قال المعلمي : "هذا معضل." [15] عروة لم يدرك عمر .
قال أيلال : " وأخرج الحافظ بن عبد البر بثلاثة أسانيد في جامع بيان العلم والحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ عن قرظة بن كعب أنه قال: "لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار، ثم قال: أتدرون لم شيعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا .قال: إن مع ذلك لحاجة ،إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله سلى الله عليه وسلم".

قال ابن حبان : لم يكن عمر بن الخطاب يتهم الصحابة بالتقول علىة النبي صلى الله عليه وسلم و لا ردهم عن تبليغ ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد علم انه صلى الله عليه و سلم قال ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب) و أنه لا يحل لهم كتمان ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لكنه علم ما يكون بعده من التقول على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لأنه صلى الله عليه و سلم قال ( إن الله تبارك و تعالى ينزل الحق على لسان عمر و قلبه ) و قال ( إن يكون في هذه الأمة محدثون فعمر منهم ) . فعمد عمر الى الثقات المتقنين الذين شهدوا الوحي و التنزيل ، فأنكر عليهم كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم لئلا يجترئ من بعدهم ممن ليس في الاسلام محله كمحلهم فيكثروا الرواية فينزلوا فيهاأو يتقول متعمدا عليه صلى الله عليه و سلم لنوال الدنيا ، و تبع عمر عليه علي بن ابي طالب رضوان الله عليهما باستحلاف من يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن كانوا ثقات مأمونين ، ليعلم بهم توقي الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيرتدع من لا دين له عن الدخول في سخط الله عز وجل فيه ، و قد كان عمر يطلب البينة من الصحابي على ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مخافة الكذب عليه ، لئلا يجيء من بعد الصحابة فيرويه عن النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يقله .[16]
قال المعلمي : " أقول اختلف في وفاة قرظة والأكثرون أنها كانت في خلافة علي، ووقع في صحيح مسلم في رواية ما يدل أنه تأخر بعد ذلك ولعلها خطأ.وسماع الشعبي منه غير متحقق، وقد جزم ابن حزم في الأحكام 138:2 بأنه لم يلقه، ورد هذا الخبر وبالغ كعادته، ومما قاله: إن عمر نفسه رويت عنه خمسمــائة حديث ونيف فهو مكثر بالقياس إل المتوفين قريباً من وفاتته. أقول: مع اشتغاله بالوزارة لأبي بكر ثم بالخلافة. وكذلك رده ابن عبد البر في كتاب العلم 121:2-123 وأطال، قال [SUP](([/SUP] والآثار الصحاح عنه (أي عمر) من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدل على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب لأنه يعارض السنة والكتاب [SUP]))[/SUP] وذكر آيات وأحاديث وآثاراً عن عمر في الحض على تعلم السنن، والشعبي لم يذكر في طبقات المدلسين، لكن ذكر أبو حا تم في ترجمة سلميان بن قيس اليشكري أن أكثر ما يرويه الشعبي عن جابر إنما أخذه الشعبي من صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عن جابر، وهذا تدليس. ثم أقول: كان قد تجمع في العراق كثير من العرب من أهل اليمن وغيرهم وشرعوا في تعلم القرآن، فكره عمر أن يشغلوا عنه بذكر مغازى النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها من أخباره التي لا حكم فيها. ولا مانع أن يجب / فيما فيه حكم أن تتوخى به الحاجة، وإن كان الخبر الآتي يخالف هذا."
قال أيلال : " ورد في طبقات ابن سعد أن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها أمر بتحريقها " [17].
و فرح بهذا الأثر ليكرر : " إن عمر بن الخطاب قام بحرق نسخ الحديث المكتوبة بعد جمعها " [18] ، و هذا الأثر نقله أبو رية قبله ، و لو كان هذا الرجل طالبا للحق لرجع الى رد المعلمي ، حيث إن هذا الأثر سنده : عن عبد الله بن العلاء قال : سألت أبي القاسم بن ةمحمد أن يملي علي أحاديث فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر ... " وساق الأثر .
قال المعلمي : " هذا منقطع أيضا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة " [19]، فهذا الأثر لا يصح .
قال أيلال : وروى الحافظ بن عبد البر والبيهقي في المدخل عن عروة أن عمر أراد أن يكتب السن فاستشار أصحاب النبي- كما عند البيهقي- فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهرا ،ثم أصبح يوما وقد عزم الله له ،فقال إني كنت أريد أن أكتب السن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا. وفي رواية البيهقي "لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا". المدخل اإلى السنن الكبرى للبيهقي رقم الحديث .590
قال المعلمي : " وهذا وإن صح حجة لما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقا ً لماهم بها عمر وأشاربها عليه الصحابة، فأما عدوله عنها فلسبب آخر كما رأيت.
لكن الخبر منقطع لأن عروة لم يدرك عمر: فإن صح فإنماً كانت تلك الخشية في عهد عمر ثم زالت. وقد قال عروة نفسه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: [SUP](( [/SUP]وكنا نقول لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله، فمحوت كتبي. فوالله لوددت أن كتبي عندي وإن كتاب الله قد استمرت مريرته [SUP]))[/SUP] يعني قد استقر أمره وعلمت مزيته وتقرر في أذهان الناس أنه الأصل، والسنة بيان له. فزال ماكان يخشى من أ ن يؤدي وجود كتاب للحديث إلى أن يكب الناس عليه، ويدعوا القرآن."
[h=3]الأثر عن عثمان بن عفان[/h] قال أيلال : " وفي تاريخ ابن عساكر ورد عن عثمان بن عفان أنه قال: "لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر" تاريخ دمشق لابن عساكر رقم الحديث 40116،" و قال معقبا عليه : " مشيا على ما نهجه الخليفتان من قبله في عدم تدوين كلام المصطفى."
قال العلامة المعلمي : " هو عند ابن سعد عقب السيرة النبوية في باب [SUP]"[/SUP] ذكر من كان يفتي بالمدينة [SUP]"[/SUP] رواه ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي وهو الواقدي أحد المشهورين بالكذب ، وكان ابن عساكر رواه من طريقه ، وحال تاريخ ابن عساكر قد مر، وأحاديث عثمان ثابتة في أمهات الحديث كلها، ولم يزل يحدث حتى قتل ." ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ قائلا : " .. و روى جملة كثيرة من العلم . روى عنه بنوه عمرو و أبان و سعيد و مولاه حمران و أنس بن مالك و أبو امامة بن سهل و الأحنف بن قيس و سعيد بن المسيب و أبو وائل و طارق بن شهاب و أبو عبد الرحمن السلمي و علقمة بن قيس و مالك بن أوس بن الحدثان و خلق سواهم .." [20]
[h=2]-الوقفة الرابعة :[/h]يقول المناوئ : " وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: "جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى" ( 2298 /4)كتاب الزهد والرقائق باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به."[21]
أقول أن الحديث بهذا اللفظ : " جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى "، الذي أسهب أيلال في بيان موضعه في صحيح مسلم ، أنه بهذا اللفظ ليس في صحيح مسلم أصلا ! ، و أما الذي عند مسلم في نفس الصفحة و الباب : "حدثنا هداب بن خالد الأزدي ، حدثنا همام ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عم أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عني ، و من كتب عني غير القرآن فليمحه ، و حدثوا عني ، ولا حرج ، و من كذب علي – قال همام : أحسبه قال – متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "[22]
و هذا اللفظ الذي أعرض عنه الكاتب ، ففيه نسف نظريته حول السنة النبوية ، لذلك لم يورده بلفظه ، فقد جاء في آخر الحديث : " و حدثوا عني ، و لا حرج " فهذا إذن واضح بالتحديث و تبليغ السنة للأمة ، و الكاتب يريد التمسك بمنع الكتابة ليصل إلى نسف حجية الأحاديث ، و إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث دليل على أنها حجة .[23]
[h=2]-الوقفة الخامسة[/h]قوله : " يظن عوام الناس أن الحديث وحي .." و هذه سقطة معرفية أخرى لصاحب الأسطورة !، فليس عامة الناس من يعتقدون أن السنة وحي بل أجمع علماء الأمة قديما و حديثا على اعتبارها وحي أمرنا الله باتباعه و التحاكم اليه .
قال العلامة المعلمي : " نحن المسلمين لا نفرق بين الله ورسله، بل نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله المبلغ لدين الله والمبين لكتاب الله بسنته، بقوله وفعله وغير ذلك مما بين به الدين، ونؤمن وندين بما بلغنا إياه بالكتاب وبالسنة، والأحاديث أخبار عن السنة، إذا ثبتت ثبت ما دلت عليه السنة، ولسنا نحن بالجاعلى السنة بهذه المرتبة، بل الله عز وجل جعلها. وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ووفق الأمة التي وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس فقام أئمتها وعلماؤها بما أمروا به من حفظ الدين وتبليغه على الوجه الذي اختاره الله ورسوله فلم يزل محفوظاً إن خفي بعضه على الجهال لم يخف على العلماء، وإن خفي على بعض العلماء لم يخف على بقيتهم ."[24] و ماذا سيقول المناوئ عن قول الإمام الشافعي في شرح قوله تعالى{ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [25] :" فذكَر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعتُ من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله، وهذا يشبه ما قال والله أعلم، لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجزْ – والله أعلم- أن يقال الحكمة هنا إلا سنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع الكتاب، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقولٍ فُرضَ إلا لكتاب الله وسنة رسوله لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به"[26].
فما رأي الكاتب في الشافعي هل هو من العوامِّ ؟؟، وما رأيه في مشايخه وأهل طبقته ممن نقل عنهم هنا رأيهم بخصوص هذه القضيَّة هل هم من العوامِّ أيضا ؟؟ فإنْ قال:" هم عوامُّ، قلنا له فمَن العلماء إذن؟، وإنْ قال بل الشافعي ومشايخه وأهل طبقته من معاصريه من العلماء قلنا له لزمكَ نسْف قولك "، وتهاوى ما بنيْته في كتابك، وتناثر نظام كلامك وتساقطت أسطورتك على رأسك..[27]
كما أنه لم ينقل عن أحد من العلماء القول بأن الرسول الكريم أمر بتدوين الحديث الى جانب القرآن ، فإن ظن ذلك العوام فالواجب تصحيح أفهامهم لا الطعن في السنة و اهدار العمل بحجيتها .
[h=2]-الوقفة السادسة :[/h] من تناقضات المناوئ كفره بمرويات السنة و طعنه في كتب الحديث خاصة ، و اعتبارها " روايات تاريخية خاضعة لأهواء البشر و مصالحهم ، و أهدافهم الشخصية " [28]و أنها " مرويات ظنية الثبوت في غالبيتها " [29] و أنه" تم إيجاد و صنع أحاديث تأذن بتدوين كلام الرسول .."[30] . : و قوله :" لا يمكننا بأي حال من الأحوال اعتبار خرافة الحديث علما ، لأنها لا تملك من العلم شيئا ، و منهجها منهج أهواء ، و أسلوبها انتقائي مزاجي ، يخضع لأقوال الرجال "[31].
ثم إنه يعتمد على حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن كتابة غير القرآن ، و على غيره من الآثار و المرويات. فعلى مذهبه يلزمه رفض و طرح هذا الحديث و غيره من الآثار التي استشهد بها ، لأنها :
أولا : مروية بالأسانيد التي تروى بها أحاديث البخاري ، والتي – حسب زعمه – منحولة و موضوعة على أصحابها ، و تلاعبت بها أيدي الررواة تبعا لميولاتهم المذهبية و السياسية و العقدية !و بالتالي كان عليه الكفر بها كذلك .
ثانيا : لأنها مبثوثة في كتب حديثية – حسب مذهبه – ليس بين أيدينا نسخة مؤلفها الخطية كي نستطيع التأكد من صحة المحتوى و صحة نسبته للمؤلف !
فتماشيا مع منهجه البحثي " الذي لم يسبق اليه " يمكن للمعترض عليه أن يقول له أنه : " تم إيجاد و صنع أحاديث في المنع من الكتابة .." ! و أن أحاديث الإذن هي الأصل و أن الرواة وضعوا بعد ذلك أحاديث المنع ؟ فما هو جوابه إذن ؟
[h=2]-الوقفة السادسة :[/h]من غرائب المناوئ أنه يعتمد على مرويات ضعيفة في تقعيد باطله ، و يترك روايات صحيحة تخالف مذهبه على صحتها و قوتها ، و قد مر معنا كلام العلامة المعلمي الذي حقق أن كل الأثار عن الصحابة في منع كتابة السنة ضعيفة ، و أن الثابت عنهم كتابة الحديث و روايته للناس ليتعبدوا بالعمل به . و مع وضوح كل هذا يواصل المناوئ انتفاخاته و ادعاءاته فيقول : " غير أن أحاديث منع التدوين و الكتابة ، تبقى هي الأقوى و الأكثر حضورا ..."[32]
[h=2]-الوقفة السابعة : تفنيد نظرية الدين العام و الدين الخاص :[/h]نقل المناوئ كلام الشيخ رشيد رضا في الموازنة بين أحاديث المنع و الإذن : " إن أصح ما ورد في المنع من كتابة الحديث ما رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه وابن عبد البر في كتاب العلم وغيرهم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : "لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه "».
وإن أصح ما ورد في الإذن ، حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما مرفوعا :
"اكتبوا لأبي شاه" وهو لا يعارض حديث أبي سعيد وما في معناه على قاعدتنا التي مدارها على أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه مراد به ألا تتخذ دينا عاما كالقرآن ، وذلك أن ما أمر بكتابته لأبي شاه هو خطبة خطبها صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة ، موضوعها تحريم مكة ولقطة الحرم ، وهذا من بيانه صلى الله عليه واله وسلم للقرآن الذي صرح به يوم الفتح ، وصرح به في حجة الوداع وأمر بتبليغه ، فهو خاص مستثنى من النهي العام. وقد صرح البخاري في باب اللقطة من صحيحه بأن أبا شاه اليمني طلب أن تكتب له الخطبة المذكورة ،فأمر صلى الله عليه وآله وسلم باإجابة طلبه »انتهى.
ثم عقب عليه قائلا : " إذن فحسب تحليل الفقيه المحدث رشيد رضا ، فإن المنع ينسحب بالأساس على تدوين كلام الرسول على أساس أنه دين ،إ ذ لا وحي إلا القرآن ، ولا كتاب أنزل على الناس باعتباره وحيا إلا كتاب الله المنزلة على أنبيائه والتي منها القرآن ، بالإضافة إلى أن بيان الرسول الذي ألقاه بخصوص فتح مكة ، هو بيان سياسي لقائد دولة و ليس لرسول ، فلا وجود للرسالة في خطبته إلا من حيث البيان.."[33]
قال العلامة مصطفى السباعي رحمه الله : " أن الله أوجب على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر وينهى فقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[34] وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} [35]، وحث على الاستجابة لما يدعو، فقال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [36]، واعتبر طاعته طاعة لله واتباعه حبا لله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} [37]. وقال أيضا: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [38]. وحذر من مخالفة أمره: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[39] . بل أشار إلى أن مخالفته كفر: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}[40] . ولم يبح للمؤمنين مطلقا أن يخالفوا حكمه أو أوامره {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}[41]. واعتبر من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}[42]. بل جعل من لوازم الإيمان ألا يذهبوا حين يكونون مع رسول الله دون أن يستأذنوا منه:
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم}[43] .
قال ابن القيم: «فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه» .[44]
من هذا كله كان لا بد للصحابة من الرجوع إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يفسر لهم أحكام القرآن ويبين لهم مشكلاته، ويحكم بينهم في المنازعات ويحل بينهم الخصومات، وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يلتزمون حدود أمره ونهيه، ويتبعونه في أعماله وعباداته ومعاملاته - إلا ما علموا منه أنه خاص به - فكانوا يأخذون منه أحكام الصلاة وأركانها وهيئاتها نزولا عند أمره - صلى الله عليه وسلم - «صلوا كما رأيتموني أصلي» [45] ، ويأخذون عنه مناسك الحج وشعائره امتثالا لأمره أيضا «خذوا عنى مناسككم» [46] و قد يغضب إذا علم أن بعض صحابته لم يتأس به فيما يفعله، كما روى مالك في " الموطأ " عن عطاء بن يسار: أن رجلا من الصحابة أرسل امرأته تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم تقبيل الصائم لزوجته، فأخبرتها أم سلمة - رضي الله عنها - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم » ، فرجعت إلى زوجها فأخبرته ، فقال: " لست مثل رسول الله ، يحل الله لرسوله ما يشاء "، فبلغ قوله ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغضب و قال : « إني أتقاكم لله وأعلمكم بحدوده » [47] و كما غضب حين أمر الصحابة بالحلق والإحلال من الإحرام في صلح الحديبية فلم يفعلوا ، إذ شق ذلك عليهم حتى بادر بنفسه فتحلل فابتدروا يقتدون به. وقد بلغ من اقتدائهم به أن كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك، دون أن يعلموا لذلك سببا أو يسألوه عن علته وحكمته ، فقد أخرج " البخاري " عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ذهب ، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب ، ثم نبذه النبي صلى الله عليه وسلم : «إني لن ألبسه أبدا » ، فنبذ الناس خواتيمهم . وروى القاضي عياض في كتابه " الشفا " عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلما قضى صلاته قال : «ما حملكم على إلقاء نعالكم؟» قالوا : رأيناك ألقيت نعليك ، فقال : «إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا » وذكر ابن سعد في " الطبقات " ، أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار معه المسلمون .[48] بل بلغ من امتثالهم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فعلوا ذلك حتى في شؤون الدنيا ، فقد أخرج " أبو داود " وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنه جاء يوم الجمعة والنبي يخطب فسمعه يقول : « اجلسوا » فجلس بباب المسجد - أي حيث سمع النبي يقول ذلك -، فرآه النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال له : « تعال يا عبد الله بن مسعود ».وهكذا كان الصحابة مع الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حياته ، يعتبرون قوله وفعله وتقريره حكما شرعيا لا يختلف في ذلك واحد منهم، ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف أمر القرآن ، وما كان الصحابة يراجعون رسول الله في أمر إلا إذا كان فعله أو قوله اجتهادا منه في أمر دنيوي ، كما في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان النزول ، أو إذا كان اجتهادا منه في بحث ديني قبل تقرير الله له أو نهيه عنه ، كما راجعه عمر في أسرى بدر وصلح الحديبية ، أو إذا كان غريبا عن عقولهم فيناقشونه لمعرفة الحكمة فقط ، أو كانوا يظنون فعله خاصا به فلا يلزمون أنفسهم اتباعه ، أو إذا أمرهم بأمر فظنوا أنه للإباحة وأن غير المأمور به أولى . أما ما عدا ذلك فكان منهم التسليم المطلق والاتباع التام والالتزام الكامل." [49]
الوقفة الثامنة : هل نهى الرسول الكريم عن تدوين السنة مطلقا ؟ و لماذا ؟
من سوء طوية المناوئين و خبث تدليسهم أنهم يجتزؤون من الأحاديث ما يوافق هواهم فيتغنوا طربا ببعض النصوص و يهملون نصوصا أخرى كثيرة لا تخدم أطروحتهم . و هذا الاسلوب بعيد كل البعد عن المنهج العلمي الذي أصموا أسماعنا بالتغني به و الدعوة الى تطبيقه على الدراسات الاسلامية !
و في ما يلي الاجابة عن هذه الشبهة : قد وقعت كتابة في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمراً.
أما حكمة ذلك فمنها: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء أراد سبحانه أن لا يكلف عباده من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسى شيئاً منه، فأنزل الله عليه { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً} ، وقوله { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأنه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه} ، وقوله { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى}.
وكانت العرب أمة أمية يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة ولا سيماما يكتب فيه، وكان الصحابة محتاجين إلى السعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقاً، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها.
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت في قصة جمعه القرآن بأمر أبي بكر «فتتبعتُ القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) حتى خاتمة سورة براءة»
وفي فتح الباري: أن العسب جريد النخل، ,إن اللخاف الحجارة الرقاق، وإنه وقع في رواية: القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل، ووقع في روايات أخر ذكر الرقاع وقطع الأديم والصحف.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن ثم يلقن بعضهم بعضاً، فكان القرآن محفوظاً جملة في صدورهم ومحفوظاً بالكتابة في قطع مفرقة عندهم.
والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذاك القدر إذ كان أكثر منه شاقاً عليهم، وتكفل الله عز وجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتى جمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف منها شيء حتى كتبت عنها المصاحف في عهد عثمان، وقد الله تعالى{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وتكفله سبحانه بحفظ لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا - بتوفيقه لهم - في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان.
فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمداً خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله {ثم إن علينا بيانه} ، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقاً جداً، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالباً بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجوداً بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.
ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ النسة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في عظيم جداً، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب.
هذا والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت، فههنا من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من صلب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذالم تكتب الأحاديث؟ بماذا، لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية- إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح - من كان شأنه فلا ريب في زيغه...[SUP][SUP][50][/SUP][/SUP]

و قد أمتع الدكتور الخطيب في كتابه ( السنة قبل التدوين ) و ناقش الأخبار التي ذكرت في هذا الباب في النهي و الإباحة – و نحن ننقله لطوله لفائدته – قال حفظه الله :

" ما روي من كراهة الكتابة:
1 - روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» وهذا الحديث أصح ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب.
2 - وقال أبو سعيد الخدري: «جهدنا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لنا في الكتاب فأبى». وفي رواية عنه قال: «استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا» .
3 - روي عن أبي هريرة أنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ونحن نكتب الأحاديث , فقال: «ما هذا الذي تكتبون؟» , قلنا: أحاديث نسمعها منك. قال: «كتاب غير كتاب الله!؟، أتدرون؟ ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالى»
ما روي من إباحة الكتابة:
1 - قال عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق»
2 - قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب»
3 - روي عن أبي هريرة أن رجلا كان يشهد حديث , رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلا يحفظه , فيسأل أبا هريرة , فيحدثه , ثم شكا قلة حفظه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فقال له النبي , - عليه الصلاة والسلام -: «استعن على حفظك بيمينك»
4 - روى رافع بن خديج أنه قال: قلنا: يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء، أفنكتبها؟ قال: «اكتبوا ولا حرج»
5 - روي عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قيدوا العلم بالكتاب»
6- روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أنه كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره .
7-روي عن أبي هريرة أنه لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخطب في الناس، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه، فقال: يا رسول الله اكتبوا لي، فقال: «اكتبوا له» . قال أبو عبد الرحمن (عبد الله بن أحمد): «ليس يروى في كتابة الحديث شيء أصح من هذا الحديث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم، قال: "اكتبوا لأبي شاه"» .
8 - روي عن ابن عباس أنه قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده» قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا، وكثر اللغط، قال: «قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع»
إن طلب الرسول هذا واضح في أنه أراد أن يكتب شيئا غير القرآن، وما كان سيكتبه هو من السنة، وإن عدم كتابته لمرضه لا ينسخ أنه قد هم به، وكان في آخر أيام حياته - عليه الصلاة والسلام - الكتابة في أوقات مختلفة، ولمواضيع كثيرة، في مناسبات عدة، خاصة وعامة.
وإذا كانت الأخبار الدالة على إباحة الكتابة منها خاص كخبر أبي شاه، فإن منها أيضا ما هو عام لا سبيل إلى تخصيصه، كسماحه لعبد الله بن عمرو بالكتابة وللرجل الأنصاري الذي شكا سوء حفظه. ويمكن أن نستشهد في هذا المجال بخبر أنس ورافع بن خديج وإن تكلم فيهما، لأن طرقهما كثيرة يقوي بعضها بعضا، وللعلماء مع هذا آراء في هذه الأخبار سأوجزها فيما يلي:
حاول العلماء أن يوفقوا بين ما ورد من نهي عن الكتابة وما وري من إباحة لها، وترجع آراؤهم إلى أربعة أقوال:
الأول: قال بعضهم إن حديث أبي سعيد الخدري موقوف عليه فلا يصلح للاحتجاج به وروي هذا الرأي عن البخاري وغيره (1)، إلا أننا لا نسلم بهذا لأنه ثبت عند الإمام مسلم، فهو صحيح، ويؤيد صحته ويعضده ما رويناه عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: رواه أبو سعيد نفسه إذ يقول: «استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أكتب الحديث، فأبى أن يأذن لي»
الثاني: أن النهي عن الكتابة إنما كان في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد المسلمين، وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجهالة وميزوه من الحديث - زال هذا الخوف عنهم، فنسخ الحكم الذي كان مترتبا عليه، وصاد الأمر إلى الجواز . وفي هذا قال الرامهرمزي: «وحديث أبي سعيد: "حرصنا أن يأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب فأبى "، أحسب أنه كان محفوظا في أول الهجرة وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن»
والقول بالنسخ أحد المعنيين اللذين فهمهما ابن قتيبة من تلك الأخبار. فقال: «أحدهما: أن يكون من منسوخ السنة بالسنة، كأنه نهى في أول الأمر عن أن يكتب قوله، ثم رأى بعد - لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ - أن تكتب وتقيد» ، ورأى هذا الرأي كثير من العلماء، وذهب إليه العلامة المحقق الأستاذ أحمد محمد شاكر فبعد أن دعم رأيه بالأخبار التي تبيح الكتابة قال: «كل هذا يدل على أن حديث أبي سعيد - «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» - منسوخ، وأنه كان في أول الأمر، حين خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن وحديث أبي شاه في أواخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أخبار أبي هريرة - وهو متأخر الإسلام - " أن عبد الله بن عمرو كان يكتب، وأنه هو لم يكن يكتب ": يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلام أبي هريرة، ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرا عن هذه الأحاديث في الإذن والجواز لعرف ذلك عند الصحابة يقينا صريحا» .
ويمكن أن نلحق هنا الرأي الذي يقول: إن النهي إنما كان عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية، فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك لخوف الاشتباه .
الثالث: أن النهي في حق من وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة، والإذن في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه .
الرابع: أن يكون النهي عاما وخص بالسماح له من كان قارئا كاتبا مجيدا لا يخطئ في كتابته، ولا يخشى الغلط، كعبد الله بن عمرو الذي أمن عليه - صلى الله عليه وسلم - كل هذا، فأذن له . وهذا هو المعنى الآخر الذي فهمه ابن قتيبة من تلك الأخبار.
ورأينا في هذه الأخبار هو صحة ما روي عن أبي سعيد من النهي، وصحة ما ورد عن غيره من إباحة الكتابة ، فنحن لا نقول بوقف خبر أبي سعيد عليه. فالرأي الأول مردود، ويمكن أن تكون جميع هذه الآراء الثلاثة صوابا، فنهى - عليه الصلاة والسلام - عن كتابة الحديث الشريف مع القرآن في صحيفة واحدة خوف الالتباس، وربما يكون نهيه عن كتابة الحديث على الصحف أول الإسلام حتى لا يشغل المسلمون بالحديث عن القرآن الكريم، وأراد أن يحفظ المسلمون القرآن في صدورهم وعلى الألواح والصحف والعظام توكيدا لحفظه، وترك الحديث للممارسة العملية، لأنهم كانوا يطبقونه: يرون الرسول فيقلدونه، ويسمعون منه فيتبعونه، وإلى جانب هذا سمح لمن لا يختلط عليه القرآن بالسنة أن يدون السنة كعبد الله بن عمرو، وأباح لمن يصعب عليه الحفظ أن يستعين بيده حتى إذا حفظ المسلمون قرآنهم وميزوه عن الحديث جاء نسخ النهي بالإباحة عامة، وإن وجود علة من علل النهي السابقة لا ينفي وجود غيرها ولا يتعارض معه، كما أن وجود علة النهي لا ينفي تخصيص هذا النهي بالسماح لبعض من لا تتحقق فيهم هذه العلة. فالنهي لم يكن عاما، والإباحة لم تكن عامة في أول الإسلام، فحيثما تحققت علة النهي منعت الكتابة، وحيثما زالت أبيحت الكتابة.
وأرى في حديث أبي شاه وفي حديث ابن عباس: «ائتوني بكتاب ... » إذنا عاما، وإباحة مطبقة للكتابة، وعلى هذا لا تعارض بين جميع تلك الروايات فقد سهل التوفيق بينها وتبين وجه الصواب. وانتهى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإباحة الكتابة، وسنرى فيما بعد بعض ما دون في عهده - صلى الله عليه وسلم –" [SUP][SUP][51][/SUP][/SUP]

الوقفة التاسعة : الدلالة المعجمية ل " كتب " و " دون " و " صنف " . و جهل الكاتب بهذه المصطلحات !
قضية تدوين الحديث النبوي زلَّت فيها أقدام المحْدثين المعاصرين من اللادينيين الحاقدين، والعلمانيين الحداثيين، من صحفيين وأدباء وعلماء اجتماع وسياسة ومفكرين، ومغامرين باحثين عن الشهرة الإعلامية والقفزة البهلوانية، والطَّفرة التي تُدخل كتاب كينيز للأرقام القياسية في الافتراء والإرجاف- إذ لم يستحضروا الحقائق التالية:
- التفريق بين الفعل الثلاثي :" كتَب" و" ودوَّن" و" صنَّف" أو" جمَع"، فعندما نقول، لم يكن الحديث مدوَّنا على عهد رسول الله نكون من الصادقين المصدَّقين، إذْ من لازم ذلك أن الحديث لم يكن داخلا في ديوان يعني كتاب واحد يُضمُّ بعضُه إلى بعض،ويُشدُّ بشدَّاد، وعندما نقول أن ذلك قد حصل في زمن متأخر عن الوفاة النبوية نكون قد أثبتنا حصول الكتابة بمعنى التقييد وتسويد البياض بسواد وذاك الذي يُقال له الخط أو الرقْم، وهو أمرٌ حاصل في زمن النبي وبأمره وتحت نظره وإن شكك فيه المؤلف وحزبه .. وهو هنا يقينا يخلط بين " دوَّن" و" كتَب" ويحتاج ليفهمها أن يكمِّل تعليمه الإعدادي والثانوي والجامعي، ولا يقال هنا إنه عصامي كما وصفه الأنجري قديما ثم تراجع؟ بل العصامي رجلٌ فوق الإعدادي والثانوي والجامعي، فهو جامعٌ لعلم هذه المستويات بل زائد عليها علما وأدبا وفهما.
وأنتَ فدعك مما أجلبَ المؤلفُ من ذاك النصِّ الطويل عمَّن وصفه بالمفكر المصري محمود أبي رية في صفحة 19 و20 من كتابه، ولقد علِم الله من هو هذا المفكر المصري الكبير الذي عوَّل المؤلف عليه ونقل كلامه وأقرَّه مستشهدا به، فهو صاحب " أضواء على السنة النبوية" الكتاب القنبلةُ الذي نسف فيه- زعمَ- السنة، ولقد رد ظلماته د/ يوسف السباعي في كتابه النافع السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، فكفى وشفى قلوب المؤمنين، وأما قلوب المتشككين فلو جئناهم بكل آية معجزة – بكل دليل واضح- لم يؤمنوا...[SUP][SUP][52][/SUP][/SUP]

الوقفة العاشرة : وجوب طاعته بعد وفاته:
كما وجب على الصحابة بأمر الله في القرآن اتباع الرسول وطاعته في حياته ، وجب عليهم وعلى من بعدهم من المسلمين اتباع سنته بعد وفاته ، لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته، ولا بصحابته دون غيرهم ، ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم ، وهي أنهم أتباع لرسول أمر الله باتباعه وطاعته ، ولأن العلة أيضا جامعة بين حياته ووفاته ، إذ كان قوله وحكمه وفعله ناشئا عن مشرع معصوم أمر الله بامتثال أمره، فلا يختلف الحال بين أن يكون حيا أو بعد وفاته ."
إن السنة النبوية كانت ولا تزال دينا، لأن الله تعالى أمرنا بطاعة رسوله، وجعل طاعة رسوله من طاعة الله، فقال: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [53]، وأمر بالأخذ بكل ما جاء به الرسول فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [54]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه أوتي القرآن ومثله معه فقال:« أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ».[55] بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفة سنته وهديه فقال: " من رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.[56] ولما أراد عثمان بن مظعون أن يختصي بَعَثَ إليه رسول الله فَجَاءَهُ ، فَقَالَ: "«يَا عُثْمَانُ، أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي»، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ".[57] ولو كانت السنة النبوية موروثا ثقافيا لا قداسة له، لكان أمر الله بطاعة نبيه والاقتداء بهديه عبثًا من القول- تعالى الله عن ذلك-، إذ يأمر الله بطاعة رسوله فيقول﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [58]، ويضمن الهداية لمن فعل ذلك فيقول: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [59]، ويشرِّعُ لعباده الاقتداء بالنبي فيقول:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [60].

أما قوله : إن الصحابة قد فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة ليست شرعًا فانصرفوا عنها، ولم يهتموا بكتابتها أو الالتزام بها ، فهذا من الكذب والمكابرة ، فالُمطّلِع على المدونات في كتب السنة وتاريخ العلوم وما كتب العلماء في مواقف الأمة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - و بخاصة موقف الصحابة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقطع بببطلان ما كتب أيلال .
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أحرص الخلق على ملاحظة أقوال رسول الله وأفعاله وحفظها والعمل بها ، بل بلغ من حرصهم على تتبع كل صغيرة وكبيرة وحفظها ووعيها والعمل بها أن كانوا يتناوبون ملازمة رسول الله عليه الصلاة و السلام ، فهذا عمر بن الخطاب يقول: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» . وما كان ذلك إلا لحرصهم الشديد على معرفة سنة رسول الله ص واتباعها والالتزام بها.
وقد كان الصحابة يقطعون المسافات الطويلة ليسألوا رسول الله عن حكم الله في بعض ما يعرض لهم ، وكانوا حريصين على أن يسألوا أزواج النبي عن سيرته وسنته في بيته ، وكانت النساء يذهبن إلى بيوت أزواج النبي يسألنهن عما يعرض لهن وهذا معروف مشتهر غني عن ذكر شاهد أو مثال.
بل لقد بلغ من حرص الصحابة على الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يلتزمون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعرفوا لذلك حكمة، ودون أن يسألوا عن ذلك ثقة منهم بأن فعله وحْيٌ. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ت قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ص ذَاتَ يَوْمٍ, فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ, فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ خَلَعُوا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ص صَلَاتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟», قَالُوا: «رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «إِنِّي لَمْ أَخْلَعْهُمَا مِنْ بَأسٍ، وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا فَأَلْقَيْتُهُم َا, فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فِي نَعْلَيْهِ, فَإِنْ رَأَى فِيهِمَا قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُم َا بِالْأَرْضِ ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» [61]


















[1] الذي هو سيئة من سيئات الفكر الحداثي المصادم للوحيين ، و بلية من بلاياه و سوأة انفضحت و سميت كذبا بحثا و تحقيقا ، كما وصفه الدكتور محمد زين العابدين رستم .

[2] صحيح البخاري نهاية اسطورة ص 17

[3] الأية 44 من سورة النحل
السُنَّة في مواجهة شُبُهات الاستشراق (ضمن بحوث المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسُنَّة النبوية)
أحمد أنور سيد أحمد الجندي .المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.
الطبعة الأولى: 1401 هـ - 1981 م ص 6-7

[4] ص 7

[5] ص 17

[6] نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد 2/ 599/ 617
المؤلف: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجستاني (المتوفى: 280هـ)
الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
المحقق: رشيد بن حسن الألمعي
الطبعة: الطبعة الأولى 1418هـ - 1998م

[7] قال المعلمي : " حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ-قال همام: أحسبه قال «متعمداً» - فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ مسلم.
وذكره أبو رية مختصراً، وذكر لفظين آخرين، وهو حديث واحد. والثاني: ذكره بقوله «ودخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنساناً أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه»
وقد كان ينبغي لأبي رية أن يجري على الطريقة التي يطريها وهي النقد التحليلي فيقول: معقول أن لا يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة أحاديثه لقلة الكتبة وقلة ما يكتب فيه والمشقة، فأما أن ينهى عن كتابتها ويأمر بمحوها فغير معقول، كيف وقد أذن لهم في التحديث فقال «وحدثوا عني ولا حرج» .
أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (185:1) : «منهم (يعني الأئمة) من أعلّ حديث أبي سعيد وقال: / الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره «أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (64:1) قريباً من معناه موقوفاً عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ.
وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيداً.
أما البخاري فقال في صحيحه «باب كتابة العلم» ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اكتبوا لأبي فلان» وفي غير هذه الرواية «لأبي شاه»
ثم قول أبي هريرة «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب»
ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله «ائتوني بكتاب أكتبلكم كتاباً لا تضلوا بعده» وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو «استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له» رواه الإمام أحمد والبيهقي.
قال في فتح الباري (185:1) : «إسناده حسن، وله طريق أخرى ... » وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (104:1) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: 0 651 وتعليقه.
وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها «الصادقة» وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب.
أما مازعمه أبو رية أن صحيفة عبد الله بن عمرو إنما كانت فيها أذكار وأدعية فباطل قطعاً.
أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك اكان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.
فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف» ، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ً (ص20) ، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا ًلكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة. " ص 35-36-37

[8] بيع الوهم

[9] الانوار الكاشفة ص 43

[10] ص 48

[11] ص 19

[12] 52

[13] ص 18

[14] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 3 ط دار الكتب العلمية .

[15] ص 41

[16] المجروحين لابن حبان 1/37-38

[17] ص 18

[18] ص25

[19] الأنوار الكاشفة ص 39

[20] التذكرة ج 1 ص 9

[21] ص 18

[22] مسلم 4/2298

[23] التفنيد لشبهات أيلال رشيد ص 17

[24] الأنوار الكاشفة ص 16

[25] سورة آل عمران الآية164

[26] انظر الرسالة للشافعي ص78

[27] المعركة تحت راية البخاري . الحلقة الخامسة .

[28] ص 19

[29] ص 18

[30] ص 19

[31] ص 48

[32] ص 19

[33] ص 20

[34] [سورة الحشر، الآية: 7].

[35] [سورة آل عمران، الآية: 132].

[36] [سورة الأنفال، الآية: 24].

[37] [سورة النساء، الآية: 80].

[38] [سورة آل عمران، الآية: 31].

[39] [سورة النور، الآية: 63].

[40] [سورة آل عمران، الآية: 32].

[41] [سورة الأحزاب، الآية: 36].

[42] [سورة النور، الآيات: 47 - 51].

[43] [سورة النور، الآية: 62].

[44] " إعلام الموقعين ": 1/ 58

[45] أخرجه " البخاري " عن مالك بن الحويرث.

[46] أخرجه " مسلم " عن جابر.

[47] أخرجه " مسلم " عن عمر بن أبي سلمة وأخرجه الشافعي أيضا في " الرسالة ": ص 404 مرسلا عن عطاء.

[48] " الطبقات الكبرى " لابن سعد: 2/ 7.

[49] انتهى كلام العلامة السباعي

[50] الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة 33 34 - عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلمي اليماني (المتوفى: 1386هـ) المطبعة السلفية ومكتبتها / عالم الكتب – بيروت 1406 هـ / 1986 م



[51] السنة قبل التدوين 303-309 و راجع كذلك : علوم الحديث و مصطلحه للعلامة صبحي الصالح رحمه الله ص 17 و ما بعدها .

[52] المعركة تحت راية البخاري 5

[53] [النساء: 80]

[54] [الحشر: 7]

[55] أخرجه أبو داود (4604) والترمذي (2664) وابن ماجه (12) من حديث المقدام بن مَعْدِي كَرْبٍ عن النبيe. وإسناده صحيح كما في السلسلة الصحيحة (882).

[56] أخرجه البخاري (5063) ومسلم (1401).

[57] أخرجه أبو داود في سننه (1369) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه ابن حبان، انظر صحيح سنن أبي داود (1239).

[58] [آل عمران: 133]

[59] [النور: 54]

[60] [الأحزاب: 21].

[61] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وأَبُو دَاوُدَ، وابنُ حِبَّانَ، وصحّحه الألباني
 
عودة
أعلى